أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (قراءة تحليلية – نهاد جريري)

بعد شهر تقريباً من تعيينه أميراً لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب خلفاً للأمير المقتول قاسم الريمي، خرج خالد باطرفي يوم الخميس ١٩ مارس بكلمة صوتية من إنتاج مؤسسة الملاحم الذراع الإعلامية للتنظيم، بعنوان “إحدى الحسنيين”. والحسنيان في الأدبيات الجهادية هي إما الشهادة أو النصر.
بإختصار، في هذه الكلمة يقدم باطرفي نفسه للتنظيم وأنصار القاعدة عموماً كامتداد للريمي ومن قبله ناصر الوحيشي الذي كان نائباً للظواهري زعيم تنظيم القاعدة المركزي في أفغانستان. وهذا أمر مهم بالنظر إلى الخلافات التي تعصف بالتنظيم بشكل عام منذ ٢٠١٥ بسبب نزاع داخلي على الزعامة وتسلل الجواسيس إلى الصفوف المتقدمة ما تسبب في قتل كبار القيادات كان آخرهم الريمي نفسه ومعه واحد من أهم مشرعي التنظيم وهو أبو البراء الإبّي؛ بالإضافة إلى ثالث هو مبشر المهاجر.

الخلافات

من ناحية، وردت أنباء من اليمن أن ليس كل قيادات التنظيم متوافقة على باطرفي زعيماً على اعتبار أنه رجل دين يفتقر إلى الخبرة العسكرية. رجل مثل أبي أنس الصنعاني الذي خلف القائد المثير للجدل أبا حمزة الزنجباري – الذي قُتل في فبراير ٢٠١٦- يعتبر نفسه أحقّ من باطرفي في قيادة التنظيم. الصنعاني كان دخل في صراع على الزعامة سُفكت فيه الدماء مع شقيق الزنجباري في أبين.
من ناحية أخرى، نسمع أن قيادات وأفراداً في التنظيم يعترضون على الطريقة التي تعامل بها باطرفي مع المُكلا التي استولى عليها التنظيم في ٢٠١٥ وأدارها وميناءها واستحكم بمصادرها المالية الغنية طوال عام. باطرفي اختار أن ينسحب من المدينة بلا قتال يُذكر. معارضوه، ومنهم أبو البراء الإبّي نفسه، يعتبرون أنه كان الأجدى به أن يقاتل حتى الموت.
ومن هنا، قد نفهم أن باطرفي يريد اعتماد استراتيجية توحيد الصف واستعادة ثقة القبائل والتركيز على قتال داعش أولاً والحوثيين ثانياً. وهذا أمر لا يروق لكثيرين في التنظيم الذين يرون أن الخطر يأتي من الحوثيين أولاً. فمثلاً، الزنجباري المُشار إليه سابقاً، وكان متنفذاً وقاسياً، كان أقرب إلى منهج داعش منه إلى منهج القاعدة؛ ونذكر كيف نحر جنوداً يمنيين ألقى القبض عليهم في ٢٠١٤.
استراتيجية جديدة
في هذه الرسالة الأولى، يؤكد باطرفي على مواصلة “الجهاد” لكن بشروط نادرة في خطاب جهادي، فيدعو أتباعه في نهاية الرسالة إلى:
١- عدم إيذاء “أي مسلم” وإن خالفهم،
٢- وعدم قطع “طريق عام للمسلمين ولو اشترك فيه عدو لكم.”
من شأن هكذا خطاب أن يكسب تعاطفاً من القبائل في المنطقة خاصة أنهم بدؤوا يتململون من داعش بسبب بطش هؤلاء الأخيرين في منطقة البيضاء.

فيما يلي أبرز ما جاء في هذه الكلمة.

أولاً: الظواهري
بدأ باطرفي الكلمة بتجديد البيعة للظواهري، وهو تقليد سبقه إليه الريمي في رسالته الأولى بعد تنصيبة في شهر يوليو ٢٠١٥. المهم هنا هو أنه لم يصدر عن القيادة العامة لتنظيم القاعدة المركزي شيئ بخصوص فرع شبه جزيرة العرب. قد لا ينتظر أنصار التنظيم بيان تعزية من الظواهري، لكن على الأقل بياناً موجهاُ للتنظيم كما حدث مع بيان “تحية لأرباب المعالي في مالي” الذي صدر في يناير ٢٠٢٠ موجهاً إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والقاعدة في المغرب الإسلامي، وبعده بيان “تحية إكبار وإجلال إلى آساد الجهاد في الصومال” الموجه إلى جماعة الشباب حتى إن التنظيم خصص نشرته الدعوية النفير التي صدرت مطلع مارس إلى تنظيم القاعدة في الشام وكانت بعنوان “وصايا حب ووئام لفرسان الجهاد في الشام.” وبالطبع أهم إصدار لتنظيم القاعدة المركزي كان بيان “وإنا فتحنا لك فتحاً مبيناً” الذي مجّد طالبان وبارك اتفاقها مع واشنطن.
والحقيقة أن آخر ظهور للظواهري في تسجيل مرئي كان في تاريخ ٢٧ ديسمبر ٢٠١٩ في حلقة أولى من سلسلة دعوية، كانت رداً على الملحدين. حتى الآن لم تُنشر الحلقة الثانية، ولم يظهر الظواهري.
من اللافت أيضاً أن الإصدارات التي بثتها قنوات فروع القاعدة خلال الأشهر الماضية وبغض النظر عن الموضوع والمناسبة لم تأت على ذكر الظواهري إلا مرة واحدة في إصدار ضمن سلسلة “هدم الجاسوسية” ختم بجملة مصوّرة للظواهري.
الكلمات والفيديوهات الأخرى التي صدرت تؤكد مقتل الريمي أو أبي عياض التونسي أو تدعو إلى تحرير الجزائر أو تحتفي بسبع سنوات من القتال ضد فرنسا في مالي … جميعها لم يأت ولا مرة واحدة على ذلك الظواهري بالرغم من تضمين هذه الإصدارات اقتباسات من بن لادن والوحيشي وأبي يحيى الليبي وحتى إبراهيم القوصي (خبيبي السوداني) أحد شرعيي القاعدة في شبه جزيرة العرب والذي لا يزال على قيد الحال.

في كلمة "تنصيبه" باطرفي الأمير الجديد لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب يحاول لمّ شمل التنظيم ويحدد ملامح استراتيجيته المقبلة

ثانياً: الريمي
أسهب باطرفي في مدح سلفه الريمي، وكيف أنه كان نشيطاً وذكياً بحيث كشف شبكة الجواسيس؛ واستشهد بما قاله عن ناصر الوحيشي الزعيم الأول للتنظيم في وصيّته التي أوصى له فيها بالإمارة؛ فقال وقتئذ: “أما ترشيحي الأمير من بعدي فهو أخي الأكبر وصاحبي الحبيب ورفيقي وشريكي ومن حملنا وإياه هم! هذا الدين وسهرنا الأيام والليالي لخدمة الشريعة … فاسمعوا له وأطيعوا، فوالله إنه كان خيراً مني وأفضل؛” والمقصود هنا طبعاً هو الريمي.
باطرفي، وكعادة الجهاديين في اقتباس الشعر العربي المقعر، تلى أبياتاً تُعتبر من أهم ما كُتب في الرثاء، للشاعر الجاهلي كعب بن سعد الغنوي في رثاء أخيه، والتي يقول فيها “أخي كان يكفيني وكان يعينني.”

ثالثاً: طالبان
مثل الجماعات الجهادية الأخرى التي تدين بالولاء للقاعدة، أسبغ باطرفي بالمديح على طالبان والاتفاق الذي أنجزته مع أمريكا معتبراً الاتفاق نصراً لطالبان. طبعاً، باطرفي قدّم لهذا بجمل تُحقّر الديمقراطية والسعي السلمي إلى تحصيل الحقوق.
ويقول إن أمريكا “استجدت السلام” من طالبان “مكتفين بما خسروه في سنوات الحرب الماضية.” وتمنّى لو يتكرر هذا النموذج في جميع المناطق التي تعمل فيها القاعدة من إفريقيا إلى الشام.

رابعاً: جغرافيا الجهاديين
في عبارة لافتة، يحدد باطرفي الرقعة الجغرافية التي يُسأل عنها الجهاديون بأنها “من قشقر (شنجان الصين) إلى المحيط ومن القوقاز والبلقان إلى أقصى بقعة إسلامية في إفريقيا”. وختم بالدعاء للجماعات الجهادية خاصة تلك في الصومال حيث أشاد بهجماتهم التي عنونوها منذ أشهر بعبارة “القدس لن تُهوّد”. والحقيقة أن الترابط بين القاعدة في اليمن والمجموعات الجهادية في الصومال (الشباب)، وفي المغرب الإسلامي واضح جداً؛ فالوحيشي حاضر في أدبيات هؤلاء وأولاء.

خامساً: ما لم يقله باطرفي
لم يأتِ باطرفي على ذكر الهجوم الذي أفضى إلى قتل أبي حرب الحوثي مرافق القيادي الحوثي المهم أبي هاشم الريامي في منطقة طياب في البيضاء. التنظيم كان تبنى العملية بعد عشرة أيام تقريباً من إنجازها مطلع مارس الجاري. ويعتبر هذا الهجوم أكبر عملية “معتبرة” للتنظيم منذ أكثر من ستة أشهر. اللافت أيضاً أن “قوات الشرعية” في اليمن كانت أعلنت في الأسبوع الأول من مارس عن قتل الرجل ونسبت العمل لها.
على كل حال، عدم ذكر الهجوم في كلمة باطرفي قد يكون إجرائياً من حيث أن الهدف هو أن يقدم باطرفي نفسه للقواعد. أو لربما سُجلت قبل تلك الواقعة.
والحقيقة أن التسجيل يفتقر إلى الفنيات المتطورة التي تُعرف بها مرئيات مؤسسة الملاحم. فحتى لو كانت الكلمة صوتية، يحرص فريق الملاحم على إنتاجها فنياً وترجمتها بالكامل . وحتى باطرفي، يحب الظهور في المرئيات. نذكر أنه ظهر في نعي الوحيشي وهو يقرأ من ورقة. قد نفهم من هذا أن التسجيل أُنجز على عجل، ليؤكد حضوره وسلطته؟ ربما؛ وهذا يعزز فكرة وجود خلافات داخل التنظيم أبعد من مجرد التشرذم في ظل تواري قيادات التنظيم عن الأنظار بعيداً عن أعين الجواسيس والطائرات المسيرة.

للمزيد:

زعيم تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب باطرفي يتحدث ويتعهد بالبيعة ولكن هل سيستجيب الظواهري؟