مواطن لبناني متهكمًا على السوق السوداء: حياتنا هي من صارت سوداء

تسعيرة السلع في الأسواق بالدولار الأمريكي

صحافي لبناني: التسعير بالدولار مجحف بحق الناس

معظم المؤسسات الخاصة تدفع مرتبات الموظفين بالدولار والليرة مناصفة

على مدى السنوات الأخيرة، عانى الاقتصاد اللبناني من أزمة مالية خانقة، تسببت في انخفاض قيمة الليرة اللبنانية بشكل متسارع حتى وصلت في 1 مارس/ آذار الحالي إلى 91 الف ليرة للدولار الواحد، وهذا الانخفاض الحاد في القيمة أثر بشكل سلبي على حياة المواطنين اللبنانيين الذين يتحملون تكاليف الحياة المرتفعة بشكل متزايد، في ظل انقسام سياسي وفراغ دستوري لمنصب رئيس الجمهورية وعجز حكومة تصريف الأعمال الحالية عن إيجاد أي إصلاحات حقيقية.

منذ منتصف العام المنصرم تسربت أخبار عن توجه حكومي لإعتماد تسعير السلع بالدولار الأمريكي، إلا أنه في صباح 28 فبراير الماضي أعلن أمين سلام – وزير الإقتصاد اللبناني عن ذلك في مؤتمر صحفي، حيث قال “أنا أحاول عدم تمرير القرار هذا منذ سنة وستة أشهر، ولكنني لا أستطيع ترك الناس مرتهنه لعشوائية وفوضى النظام المالي والنقدي السيء الذي اعتمدته المنظومة المالية في لبنان خلال العقود الماضية”.

وأشار إلى أن هذا القرار جاء ليحمي المستهلك من استغلال التجار ويعزز الشفافية “كان المواطن يشتري السلع بالليرة دون أن يعرف كيف تم تسعير هذه السلعة، ولكن عند تسعيرها بالدولار يعرف المستهلك كم يدفع ولا يستطيع أحد استغلال المواطنين، وهناك رقابة ستكون على المتاجر للحيلولة دون التلاعب بالأسعار وهوامش الربح”.

مخالفة صريحة للقانون

من جهته يقول جاسم عجاقة – أستاذ الاقتصاد الدولي في الجامعة اللبنانية لـ “أخبار الآن”: “أولاً يجب أن يعرف الجميع أن التسعير بالدولار مخالف للقانون خصوصاً أن المادة 665 من قانون حماية المستهلك التي تنص على عرض أسعار السلع بالليرة اللبنانية، ويكون السعر واضح على الرفوف التي تكون عليها السلعة في المتاجر، وما يقوله وزير الاقتصاد غير دقيق، لأنه لا توجد شفافية في كيفية التسعير، ولا توجد آلية شفافة لذلك”.

بعد تسعير المنتجات بالدولار في لبنان.. الدولة مستمرة في دفع الرواتب بالليرة
وأضاف: “عملية التسعير بالدولار رفعت الأسعار لنحو الضعف، وضمنت أرباح التجار بل أنها تسمح لهم بتحقيق أرباح على حساب المواطنين وموظفي القطاع العام الذين لايزالوا يتقاضوا أجورهم بالليرة اللبنانية، وأرى من الصعب على الجهات الحكومية مراقبة كيفية تنفيذ القرار، خصوصًا أن لجنة الرقابة وحماية المستهلك التابعة لوزارة التجارة والأقتصاد تتكون من 50 شخص، وهؤلاء لا يستطيعون تغطية ومراقبة 22 ألف نقطة بيع”.

تزامن هذا القرار مع أصدار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة – بيان برفع سعر الدولار على منصة صيرفة التابعة للمصرف من 43 ألف إلى 70 ألف ليرة لبنانية، ورفع سعر الدولار الجمركي من 15 ألف إلى 45% وبدأ العمل بهذا القرار ابتدءًا من الخميس 2 مارس/ آذار، يأتي ذلك بعد أسابيع قليلة من رفع سعر الصرف الرسمي للدولار من قبل مصرف لبنان من 1500 إلى 15000 ليرة لبنانية للدولار الواحد.

إلياس سامح 25 عام يشكو من قرار رفع سعر الدولار على منصة صيرفة بنسبة 75% خلال يوم واحد، حيث أن هذه المنصة تعتبر المسؤول عن قيمة المعاملات الرسمية في معظم المؤسسات الحكومية وقطاع الإتصالات، يقول سامح لـ “أخبار الآن”: “في المساء كانت فاتورة الهاتف والكهرباء لا تساوي 150 دولارا بحسب صيرفة التي معتادين الدفع بحسب سعرها، ولكن في صباح اليوم اضطررت أدفع حوالي 300 دولار، يعني صار سعر الدولار على صيرفة هو نفسه سعر الدولار في السوق السوداء” ويضيف متهكمًا على سياسات التلاعب بالاقتصاد: “حياتنا هي من صارت الآن سوداء”.

القبض بالليرة والدفع بالدولار

بالسؤال عما إذا كانت مرتبات القطاع العام سيتم صرفها بالدولار الأمريكي، يقول الوزير سلام إن القرار جاء لينظم عملية التسعير والبيع والشراء بين المستهلك والتجار فقط، ولا توجد أي نية لصرف المرتبات بالدولار، وأن المرتبات ستواصل الحكومة صرفها بالليرة اللبنانية، و”أن إجراءات الإصلاح التي تم اتخاذها سابقًا أضرت بالاقتصاد، حيث اعتمدت على طباعة العملة، الأمر الذي زاد من معدل التضخم بشكل أكبر وفاقم المشكلة أكثر من حلها”.

بعد تسعير المنتجات بالدولار في لبنان.. الدولة مستمرة في دفع الرواتب بالليرة

وأضاف سلام: “القرار واضح بأن التسعير فقط بالدولار، وأن هذا الأمر ليس غريب فقد كانت معظم السلع في أكثر من قطاع مسعرة بالدولار من قبل صدور القرار، ولكن القرار الحالي يُلزم تسعير المواد الغذائية بالدولار، وأن هذا القرار وافق عليه معظم المختصين بالاقتصاد في جلسات مجلس النواب، والذين أخبرونا أن حسنات هذا القرار بهذه المرحلة أكثر من سيئاته، ويجدر التنبيه إلى أنه لا يُلزم أي مواطن على الدفع بالدولار، حيث تُصدر الفواتير بالليرة اللبنانية، والذي يريد الدفع بالدولار لا مشكلة في ذلك”.

مالك دغمان – صحافي لبناني يقول لـ”أخبار الآن”: “أنا كمواطن لبناني أرى أن التسعير بالدولار مجحف بحق الناس، أنا شخص أقبض راتبي بالليرة، كيف تقوم الحكومة بالتسعير بالدولار، إذا كان الراتب الحكومي 3 مليون ليرة (38$)، كيف استطيع ان ادفع 5 دولار لسلعة واحدة، والأمر الآخر أن معظم السوبر ماركات قامت بتسعير المنتجات بسعر عالي عند تحويل التسعير من الليرة إلى الدولار”.

الهجرة إلى القطاع الخاص

الجدير بالذكر أن معظم المؤسسات التجارية الخاصة في لبنان منذ العام المنصرم، بدأت بدفع مرتبات الموظفين بالدولار والليرة اللبنانية، حيث اعتمدت على دفع نصف المرتبات بالدولار الأمريكي والنصف الآخر بالليرة، الأمر الذي اضطر الكثير من الموظفين في القطاع العام بالعمل في المؤسسات والشركات الخاصة، وترك وظائفهم في المؤسسات الحكومية، التي أضحت شبه فارغة من الموظفين، ما يتسبب بمعاناة إضافية للمواطنين جراء عرقلة إجراءاتهم الرسمية.

يقول وسام دعاس – مالك إحدى شركات استيراد الأجهزة الالكترونية، لـ أخبار الآن “بما أن البيع في المحلات التجارية يتم بالدولار منذ بداية الأزمة، بدأت جميع الشركات الخاصة بالدفع للموظفين بالفريش دولار، أو دولار وليرة، لكن القطاع العام لا يستطيع الدفع بغير العملة الوطنية”، ويرى أن ذلك صنع فروقات بين إجتماعية بين اللبنانيين وأثر في القدرة الشرائية للمواطنين.

بعد تسعير المنتجات بالدولار في لبنان.. الدولة مستمرة في دفع الرواتب بالليرة

من ناحيته يرى عجاقة أن دولرة الأسعار بناء على اسعار الدولار في السوق السوداء، يعني الاعتراف الرسمي من قبل الحكومة اللبنانية بسعر السوق السوداء، وهذا خطير لأنه يجعل التجار السوق السوداء هي من تتحكم بالاقتصاد، الأمر الذي سيُفقد الثقة بالاقتصاد اللبناني، حيث سيكون من الصعب على المستثمرين الأستثمار في لبنان، بسبب عدم الاستقرار في سعر الدولار وانهيار العملة الوطنية، ويعتقد أن هذا القرار يأتي في مصلحة التجار والطبقة الحاكمة التي تثري نفسها على حساب المواطنين.

ثروة تزداد على حساب الفقراء

وقد أثار قرار وزارة الإقتصاد بتحديد أسعار السلع بالدولار الأمريكي بدلاً من الليرة اللبنانية مخاوف المواطنين الذين ما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة، وتعرضت هذه الخطوة لانتقادات باعتبارها خطوة تفيد التجار وأصحاب رؤوس الأموال، والتي تجنبهم تقلبات العملة والتأكد من دفعها بعملة مستقرة، وهذا يساعدهم على الحفاظ على أرباحهم وتجنب الخسائر بسبب تقلبات قيمة الليرة اللبنانية.

يقول اسكندر الحداد – سائق تاكسي إن “القرارات الحكومية دائمًا تأتي لمصلحة المسؤولين الذين يمتلكوا 80% من المؤسسات التجارية في لبنان، لطالما كانت الحكومة منحازة إلى كبار التجار، والذين هم بالأساس أعضاء الحكومة، بينما المواطن البسيط يزيد فقر ومعاناة كل يومًا بعد آخر، لأن الليرة التي يتقاضاها الموظفون أصبحت لا قيمة لها، بينما 5% فقط من اللبنانيين الذين يتقاضوا أجورهم بالدولار”.

ويرى اللبنانيون أن المستفيد الأول من مثل هذه القرارات هي الطبقة الحاكمة، المُكونة إلى حد كبير من السياسيين ورجال الأعمال الأثرياء، من نظام التسعير الجديد، حيث يساعدهم في الحفاظ على ثروتهم وزيادتها على حساب المواطنين اللبنانيين العاديين، وتجنب الخسائر بسبب انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، سيؤدي هذا إلى تفاقم فجوة الثروة في لبنان، حيث تصبح الطبقة الحاكمة أكثر ثراءً بينما يكافح المواطنون العاديون لتغطية نفقاتهم.

في الختام، فإن قرار تحديد الأسعار بالدولار في لبنان له تداعيات بعيدة المدى على الشعب اللبناني، الذي أصبحت تكلفة المعيشة لا تطاق تقريبًا بالنسبة لكثير من الناس، بينما يستفيد التجار وصناع المال من هذا الوضع، تستمر الطبقة الحاكمة في إثراء نفسها على حساب الشعب، يبقى أن نرى كيف سيتطور الوضع، لكن هناك شيء واحد واضح، فالأزمة الاقتصادية في لبنان لم تنته بعد.