سوريا.. ملايين اللاجئين ومئات الآلاف من القتلى

  • النظام السوري يسيطر على 63.38% من الأراضي السورية
  • تسيطر المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية على ما تبقى من البلاد

11 عامًا- هي عمر الأزمة الأهلية في سوريا، ويرى كلّ فصيلٍ الوضع حسب تصوراته ومكانه في هذه الأزمة، فالأزمة التي لها أسماء عدة؛ “الثورة السورية حسب المعارضة”، و”الحرب على سوريا حسب النظام”، طال أمدها، ومزقت أرض سوريا، حتى وجدت العناصر المتشددة، والجماعات المتطرفة ملاذًا آمنًا، حتى بنت دولة داخل الدولة.

وبعد هذه السنوات، ومرور الأزمة السورية بكثير من المراحل، فإن النظام السوري يسيطر الآن على 63.38% من الأراضي السورية، في الوقت الذي تسيطر فيه فصائل المعارضة، وقوات سوريا الديمقراطية على ما تبقى من مساحة البلاد.

لكن.. كيف بدأت الأزمة؟

نشأت الاحتجاجات في سوريا -كغّيرها من الدول العربية- التي شهدت ما سُمي بـ”الربيع العربي” في عام 2011، بسبب استياء شعبي من الأنظمة الحاكمة، وعلى اختلاف الأسباب من بلد إلى آخر، كانت الأسباب في سوريا، هي قيام الحكومة بسجن مجموعة من الأطفال في مدينة درعا، ورفض طلب الأهالي بإطلاق سراحهم، مما أدى إلى خروجهم بمظاهرة في يوم الجمعة 18 مارس 2011، قوبلت بإطلاق نار من القوات الحكومية، وهو الأمر الذي أدى إلى تصاعد النزاع المسلح بعد قيام قوات الأمن بقمع الاحتجاجات الداعية إلى سقوط بشار الأسد.

من درعا.. كانت البداية

من هذه المحافظة التي تقع في جنوب سوريا، بالقرب من الحدود السورية الأردنية. وتبلغ مساحتها أربع آلاف كيلومتر مربع. والتي تبعد عن العاصمة دمشق (127 كيلومترا)، كانت لحظة بداية الحراك الاجتماعي المُعارض، والذي أخذ أعقبه تظاهرات في عدّة مدن (اللاذقية وبانياس ودوما وحمص وجسر الشغور)، إضافة إلى منطقة حوران، حصلت في ما تبقى من الشهر المذكور والشهر التالي، ثم انضمّت مدينتا حماة ودير الزور ومناطق واسعة من ريفَي إدلب ودمشق في صيف 2011.

مطالب الاحتجاجات خلال الأشهر الأربعة الأولى، كانت لا تتجاوز التغيير السياسي، من دون التطرق إلى شعارات “إسقاط النظام”- والتي رددتها شعوب أخرى بعد أيام من انطلاق الاحتجاجات، لكن في سوريا، ظهرت مطالب إسقاط النظام في بعض التظاهرات في شهر يوليو.

سوريا.. 11 عامًا على الثورة التي لم تكتمل

مظارهات في درعا احتفالا بمرور الذكرى السنوية الـ11

وفي أواخر يوليو، بدأت مرحلة أخرى في الأزمة السورية، وارتبطت بصعود المعارضة المسلحة، وهو ما نتج عنه ظهور ما سُمي بـ”الجيش السوري الحر” في 29 يوليو 2011، عندما أعلنت مجموعة من الضباط المنشقين، عن إنشاء القوة العسكرية المعارضة المنظمة الأولى، بهدف إسقاط بشار الأسد وحكومته من السلطة.

ووفقًا لعدد من المراقبين، بما في ذلك لجنة الأمم المتحدة المتصلة بحقوق الإنسان، فإن هذه الفترة من الحرب، كانت بداية “الحرب الأهلية”، حيث أصبحت العناصر المسلحة أكثر تنظيمًا وبدأت في تنفيذ هجمات ناجحة انتقامًا من حملة قمع الحكومة للمتظاهرين والمنشقين.

وانتهت بعثة المراقبة التابعة للجامعة العربية، التي بدأت في ديسمبر 2011، بالفشل بحلول فبراير 2012، حيث واصلت القوات البعثية السورية ومسلحو المعارضة القيام بالقتال في جميع أنحاء البلاد، ومنعت الحكومة البعثية السورية، المراقبين الأجانب من التجول في ساحات القتال النشطة، بما في ذلك معاقل المعارضة المحاصرة.

وفي أوائل عام 2012، عمل كوفي عنان كممثل خاص مشترك بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسوريا. ونصت خطته للسلام على وقف إطلاق النار، ولكن حتى مع المفاوضات التي كانت تجري بشأنها، استمر الجيش السوري والمعارضة في القتال، حتى بعد خطة السلام. وتوسط المبعوث الخاص لوقف إطلاق النار الذي تدعمه الأمم المتحدة وأعلن في منتصف أبريل 2012.

دخول الأطراف الدولية مع اشتعال الأزمة الداخلية

سيطرت الأزمة السورية بعد شهور من تمكن الحكومة، وعلى رأسها بشار الأسد من الحفاظ على موقعهم- وعلت الأصوات المطالبة بعقد مصالحة بين السلطة وجماعة الإخوان- في ذلك التوقيت- في الوقت الذي دفع فيها السفير الأمريكي روبرت فورد في اتجاه عقد مؤتمر لمعارضين سوريين في فندق “سميراميس” في 27 يونيو، والذي نقل جلساته التلفزيون الرسمي.

وصلت الأمور إلى الذروة مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، في 18أغسطس، والذي طالب الرئيس السوري بشار الأسد بـ”التنحّي”.

بعد موقف أوباما، وفي اليوم ذاته، تبعه رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون.

كان الموقف الإيراني واضحاً، منذ الشهرين الأولين، في مساندة السلطة السورية، فيما لم يتّضح الموقف الروسي سوى عبر فيتو 4 أكتوبر 2011 في مجلس الأمن.

سوريا.. من ثورة إلى حرب أهلية

بالوصول إلى المرحلة الثالثة من “الأزمة السورية”، التي تصاعدت تدريجيًا من محاولة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، خلال الفترة من أبريل إلى مايو 2012، ولكنها تدهورت إلى عنف راديكالي، مما صعد مستوى الصراع إلى حرب أهلية كاملة.

وفي أعقاب مجزرة الحولة التي وقعت في 25 مايو 2012، والتي أعدم فيها 108 شخص بإجراءات موجزة، وبعد ذلك إنذار الجيش السوري الحر لحكومة البعث السورية، انهار وقف إطلاق النار عمليًا، حيث بدأ الجيش الحر يشن هجمات على القوات الحكومية.

وفي 1 يونيو 2012، تعهد بشار الأسد بـ”سحق الانتفاضة المناوئة للحكومة”. وفي 12 يونيو 2012، أعلنت الأمم المتحدة لأول مرة رسميًا أن سوريا في حالة حرب أهلية. وبدأ الصراع في الانتقال إلى أكبر مدينتين هما دمشق وحلب.

وفي أعقاب فشل وقف إطلاق النار في أكتوبر 2012، خلال شتاء 2012–13 وأوائل ربيع 2013، واصلت المعارضة التقدم علي جميع الجبهات.

وفي منتصف ديسمبر 2012، قال مسؤولون أمريكيون إن الجيش السوري بدأ بإطلاق صواريخ سكود الباليستية على مواقع المعارضة في سوريا.

سوريا.. 11 عامًا على الثورة التي لم تكتمل

يقف رجل حاملا سلاحه أمام المدينة المدمرة

وفي 11 يناير 2013، سيطرت الجماعات المتشددة، بما فيها جبهة النصرة -والموضوعة على لائحة المنظمات الإرهابية- سيطرة تامة على قاعدة تفتناز الجوية في محافظة إدلب، بعد أسابيع من القتال.

وفي منتصف يناير 2013، ومع تجدد الاشتباكات بين المتمردين والقوات الكردية في رأس العين، تحركت قوات وحدات حماية الشعب لطرد القوات الحكومية من المناطق الغنية بالنفط في محافظة الحسكة. وبحلول 6 مارس 2013، استولت المعارضة على مدينة الرقة، مما جعلها بالفعل أول عاصمة للمحافظة تفقدها حكومة الأسد.

وفي بداية شهر يناير 2014 اندلعت اشتباكات عنيفة بين المجموعات المسلحة والمتشددة في شمال البلاد. وهاجمت مجموعات معارضة قرب حلب، جماعة داعش في منطقتي الأتارب وعندان، اللتان تعتبران معاقل للتنظيم المتشدد. بالرغم من النزاع بين داعش وفصائل معارضة أخرى، تعاون فصيل واحد تابع للجماعة مع جبهة النصرة والكتيبة الخضراء، من أجل قتال حزب الله في منطقة القلمون.

داعش من العراق إلى سوريا

في 29 يونيو 2014 أعلن المتحدث باسم تنظيم “داعش” أبو محمد العدناني، في تسجيل صوتي عن قيام ما اسماه بـ”الدولة الإسلامية” ومبايعة أبو بكر البغدادي لقيادة الدولة.

ويمتد تاريخ التنظيم في العراق إلى عام 2003 حيث قام أبو مصعب الزرقاوي بتأسيس ما عرف حينها بتنظيم “الجهاد والتوحيد” في أيلول 2003. ومر بمراحل عديدة إلى أن تم الإعلان عن “دولة العراق الإسلامية” في عام 2006.

وفي إبريل/ نيسان 2013 تم الإعلان عن إقامة “داعش”، وانضم اليها أغلب المقاتلين الأجانب في النصرة، وهو ما شكل افتراقا علنيا بين القاعدة والتنظيم، حيث طارد التنظيم جميع الكتائب والفصائل المعارضة الأخرى وعلى رأسها النصرة وأحكم سيطرته على كل المناطق الممتدة من الحدود السورية العراقية حتى أطراف مدينة حلب شمالي البلاد.

التدخل الروسي في سوريا

بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية بتاريخ 30 سبتمبر 2015، وهي الضربات التي قتلت مدنيين في مناطق مختلفة من سوريا، وكانت الهجمات الروسية سببا آخر في إطالة أمد الحرب التي حصدت في تلك السنوات الـ 11 أرواح قرابة 400 ألف شخص، وتسببت بتهجير ونزوح الملايين من السوريين.

وتركزت الضربات الجوية الروسية -في البداية- على المناطق القريبة من خطوط المواجهة بين قوات الأسد وقوات المعارضة وسط سوريا، في كل من محافظتي حمص وحماه ومحافظة إدلب الواقعة على الحدود مع تركيا.

سوريا.. 11 عامًا على الثورة التي لم تكتمل

الرئيس السوري بشار الأسد خلال استقباله نظيره الروسي فلاديمير بوتن في قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا

ضحايا الحرب في سوريا

ومن ناحيته وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل 499657 شخصا منذ انطلاق الثورة السورية، هم: 338976 غير مدنيين، و160681 مدني، وذلك من أصل ما لا يقل عن 610 آلاف تأكد المرصد السوري من مقتلهم على مدار 11 عاماً.

سوريا الآن.. اقتصاد منهك

بعد أن استعاد سيطرته على أجزاء واسعة من الأراضي السورية بمساندة الروس والإيرانيين في أواخر عام 2019، وجد النظام السوري نفسه في خضم مواجهة من نوع آخر؛ فقد فرضت الولايات المتحدة قانون عقوبات يحمل اسم “قيصر” دخل حيز التنفيذ في منتصف يونيو 2020.

واستهدف القانون أموال إعادة الإعمار المحتملة التي كان النظام يدفع باتجاه استقطابها منذ عام 2013، إضافة إلى عقوبات تمنع النظام من الاستفادة من التقنيات المتقدمة في مجالي الطاقة والاتصالات، كما حدّ من إمكانية النظام في الحصول على الموارد الرئيسة.

ووفقا لـ المرصد السوري لحقوق الإنسان، “لم يتأثّر من اقتصاد الحرب إلا الشعب السوري الذي عانى ويلات الضغوطات من النظام ومن المعارضة المسلحة ومن الدول التي فرضت جملة من العقوبات المجحفة التي جوعته، بعد أن تمّ تسخير الصراع المحتدم وموارد الدولة لخدمة آلة حرب مجنونة توقّف خلالها الإنتاج وحُرقت المصانع والأراضي في إطار سياسة الأرض المحروقة وقُصفت المنشآت التي كانت مصدر قوت الملايين، وهُدمت المنازل، حيث وجد السوري نفسه مشرّدا دون أبسط مقومات الحياة الكريمة التي ثار من أجلها”.

ودفعت الحرب إلى توقّف الإنتاج الصناعي الذي كان مصدر قوت ما يقارب 40 بالمائة من القوى العاملة في سوريا، حيث تراجع عدد المنشآت الصناعية إلى 71 ألفا بعد أن كانت 130 ألفا قبل الثورة، وقدّرت قيمة الدمار عام 2020 بـ5.4 مليارات دولار.

وأكد المرصد: أن “من نتائج الحرب سقوط 90 في المائة من الشعب في دائرة الفقر المدقع، حيث لا يتعدى الراتب الشهري العشرين دولارا”.