أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط)

في الذكرى الرابعة لإعلان “الخلافة” المزعومة لداعش، يشهد التنظيم انكسارا ملحوظا في صفوفه، وتراجعا كبيرا في مناطق احتلاله.
صحيفة “الشرق الأوسط” تنشر اليوم تقارير عن وضع التنظيم ومناطق احتلاله ومستقبل فروعه.
قبل أربع سنوات، كان داعش يحتل نصف مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلومتر مربع، وكان يتمدد في محافظات دير الزور وحمص والسويداء ودرعا، بعدما شكل ثمانية مما أسماها “ولايات” وهي: ولاية دمشق، وولاية حلب، وولاية الرقة، وولاية الخير، وولاية حمص، وولاية البادية، وولاية الفرات، وولاية البركة، توزعت على 9 محافظات هي: دمشق وحمص وحلب والرقة ودير الزور وحماة والحسكة وريف دمشق والسويداء، إضافة إلى وجود ما يعرف بـ “جيش خالد” المبايع له في حوض اليرموك بريف درعا الغربي. 

الآن، بعد 4 سنوات تقهقر التنظيم وتراجعت مناطق احتلاله وخسر في نهاية العام مدينة الموصل التي أطل منها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، ومدينة الرقة التي أعلنها “عاصمة”.

عموما، كما نما داعش بسرعة وشن هجمات إرهابية في أوروبا ووسع أراضيه، بدأ بالتلاشي جغرافيا، وإذا كان ما يمكن أن يطلَق عليه “التنظيم الأم” أوشك حالياً على لفظ أنفاسه الأخيرة في مكان نشوئه، فإن الأنظار تتجه إلى مصير فروع داعش بعد وفاة “التنظيم الأم”.
وإذ يحتدم الجدل في واشنطن حول مستقبل قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا في المناطق المحررة من داعش، فإن الأنظار تتجه إلى إدلب، حيث يقيم نحو 10 آلاف عنصر غير سوري تابعين لتنظيم القاعدة.

لعل نقطة انعطاف رئيسية في سوريا كانت نهاية 2013، عندما كانت فصائل “الجيش الحر” تراهن على تدخل أميركي – غربي ضد قوات الحكومة السورية بعد استخدام الكيماوي في غوطة دمشق في أغسطس (آب) 2013، لكن الصفقة الأميركية – الروسية التي أسفرت عن برنامج لتفكيك الكيماوي أدت إلى انزياح فصائل من الوسط باتجاه التنظيمات المتطرفة، خصوصاً داعش و”جبهة النصرة”، بالسيطرة على مدن كبرى مثل الرقة ودير الزور شمال شرقي البلاد وتدمر في الوسط، فيما سيطر لاحقاً تحالف من “جيش الفتح” يضم تنظيمات متشددة، بينها “النصرة” على محافظة إدلب.

تنظيم داعش ينحسر في معاقله... والأنظار تتجه إلى "النصرة"

تطور سيغير الأولويات ظهر في نهاية يونيو (حزيران) لم يدرك هوله كثير من المعارضين السوريين. كان كثيرون يتوقعونه، لكنهم صعقوا لدى حصوله وتلمس تبعاته. 
الناطق باسم داعش أبو محمد العدناني أعلن في 29 يونيو (حزيران) ان التنظيم ممثلا بأهل الحل والعقد فيها من الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى قرر إعلان قيام ما زعم أنه “الخلافة” وتنصيب خليفة ومبايعة أبو بكر البغدادي، فقبل البيعة.
استعجل مناهضو التنظيم بأن أطلقوا عليه داعش، الأمر الذي لم يرق لقادته.
داعش ذاته كان تراجع في بداية 2014 إلى معقله في الرقة في شمال شرقي البلاد وفي ريف حلب شمالاً أمام هجمات المعارضين السوريين المعتدلين الذي طردوه من مناطق في ريف إدلب وحلب.
داعش تدرج قبل وصوله إلى ارتقائه إلى “خلافة” مزعومة، إذ بعد تشكيل “جماعة التوحيد والجهاد” بزعامة أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004، بايعت زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن ليصبح تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ثم انطلق الزرقاوي من مناطق نفوذه في 2006 ليعلن “مجلس شورى المجاهدين”. 
وبعد قتل الزرقاوي، انتخب “أبو حمزة المهاجر” زعيماً لفترة قصيرة بعدها تم تشكيل “دولة العراق” بزعامة أبو عمر البغدادي.

في موازاة ذلك، كان يظهر على العلن تنظيم آخر باسم “النصرة” هو النسخة السورية لتنظيم القاعدة. 
واشنطن صنفته أنه تنظيم إرهابي، الأمر الذي قام به مجلس الأمن الدولي، البغدادي طلب من “النصرة” برئاسة أبو محمد الجولاني الاندماج تحت راية داعش، الأمر الذي أدى إلى نشوب خلافات بينهما لم يحله تدخل زعيم القاعدة أيمن الظواهري.
داعش وسع مناطقه ووضع جميع الأطراف أمام واقع فظيع انقلب فيه على الجميع وخرج المارد من القمقم. 
النظام الذي كان يغض الطرف عن فظائع التنظيم، وهناك من يتهمه بأنه “سهل” بروز هذا التنظيم وبسط سطوته على الرقة بعد وقوعها تحت سيطرة المعارضة في ربيع 2013، وعلى الموارد الاقتصادية، وغض الطرف عنه بالغارات التي كان يشنها الطيران لدفع السوريين والأطراف الخارجية إلى الاختيار بين “النظام أو الإرهاب”، صار عليه أن يحتمل الفظائع التي قام بها داعش. 
مركز “جاينز حول الإرهاب والتمرد” الأميركي أفاد قبل سنتين، بأن 64 في المائة من ضربات النظام تتجاهل التنظيم، وأن 87 في المئة من هجمات داعش لا تستهدف النظام.

التنظيم كان يتمدد ويتسع بسطوة الإرهاب والترهيب من قطع رؤوس وفرض حدود والترغيب بخدمات وشراء الولاءات بالنفط والغاز والزراعة والمياه، وسجل المرصد السوري لحقوق الإنسان انتهاكات التنظيم “بينها إعدام 5191 من المدنيين والمقاتلين وعناصر قوات النظام والمسلحين الموالين وعناصر داعش ممن أعدمهم التنظيم في مناطق احتلاله خلال 48 شهراً على إعلانه عن (خلافته) في 29 يونيو 2014 وحتى 29 يونيو 2018، كان بينهم 2900 مدني بينهم 106 أطفال أعدموا رمياً بالرصاص أو بالنحر أو فصل الرؤوس عن الأجساد أو الرجم أو الرمي من شاهق أو الحرق. 
وهناك 3 مجازر نفذها التنظيم في محافظات دير الزور وحلب وحماة، كما “أعدم التنظيم أكثر من 930 مواطناً من العرب السنة من أبناء عشيرة الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، و223 مدنياً كردياً قتلهم التنظيم بإطلاق نار وبالأسلحة البيضاء في مدينة عين العرب (كوباني) وقرية برخ بوطان بالريف الجنوبي للمدينة، و46 مواطناً مدنياً أعدمهم التنظيم في قرية المبعوجة التي يقطنها مواطنون من الطوائف الإسماعيلية والسنية والعلوية بالريف الشرقي لمدينة سلمية، وذلك حرقاً وذبحاً وبإطلاق النار”.

وتضمنت إحصاءات “المرصد” إعدام 386 من مقاتلي الكتائب المقاتلة والكتائب المتشددة و”جبهة النصرة” و”قوات سوريا الديمقراطية”، إضافة إلى إعدام 574 من مسلحيه، بعضهم بتهمة “الغلو والتجسس لصالح دول أجنبية والعمالة ومحاولة الفرار والتولي يوم الزحف ومحاولة الانشقاق”، إضافة “إلى 1329 من ضباط وعناصر قوات النظام والمسلحين الموالين، وذلك بعدما تمكن من أسرهم في معاركه مع قوات النظام أو ألقى القبض عليهم، وإلى جنديين من القوات التركية أعدمهما التنظيم حرقاً بعد أسرهما في ريف حلب الشمالي الشرقي”.

أمام اتساع مناطق احتلال داعش وانتهاكاته والهجمات الإرهابية في دول غربية بدءاً من 2014، بدأ التفكير في عواصم غربية في الرد، لكن المأزق كان هو رفض التعاون مع قوات النظام، كما هو الحال في العراق، إذ إن دولاً غربية اتهمت النظام وقتذاك بأنه “جاذب للإرهاب”، وأنه مسؤول عن العدد الأكبر من القتلى الذين بلغ عددهم حالياً نحو نصف مليون شخص، إضافة إلى ترك 13 مليون شخص لمنازلهم بينهم 6 ملايين لاجئ خارج سوريا.

وبعد تفكير ومشاورات، جرى الاتفاق على خطوتين: الأولى، تشكيل تحالف دولي بقيادة أميركا وإطلاق عملية “العزم الصلب” في صيف 2014، وبلغ عدد أعضائه 77 دولة، والثانية الاعتماد على قوات محلية غير قوات النظام كانت “وحدات حماية الشعب” الكردية.

تنظيم داعش ينحسر في معاقله... والأنظار تتجه إلى "النصرة"

ومع مرور الوقت وأمام انتقادات مختلفة جرى توسيع “وحدات حماية الشعب” لتصبح “قوات سوريا الديمقراطية” مع ضم فصائل عربية كانت حاربت داعش في عاصمته الرقة، ليبلغ عدد المقاتلين أكثر من 25 ألفاً. كما وسع التحالف من انتشار وحداته الخاصة، سواء في المناطق المحررة من داعش في عين العرب والحسكة والرقة والطبقة، أو تأسيس قواعد عسكرية بلغت 6 قواعد كبرى و15 مركزاً متنقلاً. كما أسس التحالف قاعدة ثابتة في التنف في زاوية الحدود السورية – العراقية – الأردنية.

ومع الدخول العسكري المباشر لروسيا في سبتمبر (أيلول) 2015، طرحت مشكلة التنسيق بين الجيشين الروسي والأميركي أولاً، وطرحت مسألة الأهداف. إذ اتهمت دول غربية، موسكو، بأنها كانت تستهدف الفصائل المعارضة وتتجنب قتال داعش، علماً بأن مناطق النظام انخفضت في منتصف 2015 إلى نحو 10 في المئة من سوريا، بحسب تقديرات وزارة الدفاع الروسية.

وبعد تبادل اتهامات، انطلقت في مايو (أيار) 2017 مفاوضات عسكرية بين واشنطن وموسكو بعد أشهر من وصول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض، أسفرت عن تأسيس قناة اتصال مباشرة بين الجيشين لمنع الصدام خلال قتال داعش. الأهم، أنه جرى الاتفاق على رسم خط تماس بين الطرفين خلال السباق على تحرير مناطق داعش: شرق نهر الفرات من اختصاص التحالف الدولي و”قوات سوريا الديمقراطية” باستثناء انزياح هذا الحلف غرباً إلى منبج ومنطقة الطبقة التي تضم سداً وبحيرة. وغرب نهر الفرات تحت سيطرة قوات النظام وأنصارها والجيش الروسي باستثناء جيب صغير في دير الزور والبوكمال، إضافة إلى إعلان الرئيس بوتين النصر الكبير لدى استعادة مدينة تدمر التاريخية.

عملياً، بعد أربع سنوات، يمكن الحديث بوضوح عن تراجع داعش وانهياره جراء هجمات التحالف الجوية والبرية مع “قوات سوريا الديمقراطية” من جهة، وهجمات قوات النظام وحلفائها من جهة ثانية، الأمر الذي قلص احتلال التنظيم إلى 5583 كيلومتراً مربعاً، أي 3 في المئة من سوريا. وتوزع هذا الاحتلال في جيب بريف دير الزور الشمالي الشرقي، وجيب في الضفاف الشرقية لنهر الفرات من بلدة هجين إلى بلدة الباغوز المتاخمة للحدود السورية – العراقية، وجيوب متناثرة في غرب الفرات ببادية دير الزور الشرقية، وجيبين في باديتي تدمر والسخنة بشرق حمص وجيب في بادية السويداء الشمالية الشرقية، بحسب “المرصد”. وأشار أيضاً إلى 275 كيلومتراً مربعاً من مساحة محافظة درعا في حوض اليرموك عند الحدود مع الجولان السوري المحتل.

كما خسر التنظيم أهم بقعة جغرافية بعد الرقة، عاصمته، كان يوجد فيها وهي جنوب دمشق، بعد صفقة جرت بين عناصر التنظيم وقوات النظام نقل على إثرها نحو ألف عنصر من العاصمة السورية إلى البادية السورية برفقة 600 مدني من عوائل عناصر التنظيم افترقوا عنهم وقصدوا محافظة إدلب.

وقال “المرصد” إن العام الأخير كان “الأسوأ” على التنظيم، إذ تراجع لحد النهاية في الموارد الاقتصادية والمادية، وسط واقع كارثي عاشه من تبقى من مدنيين في مناطق احتلاله، من حيث التعليم والمرأة والأطفال وغيرها من الجوانب الحياتية، في حين تناقصت أعداد المختطفين والمعتقلين لديه عن العام الثالث لتأسيس “الخلافة” المزعومة، إذ فر بعض المختطفين، وأعدم بعضهم، وأفرج عن بعضهم الآخر.

عملياً، باتت مناطق احتلال داعش تقع في “سوريا المفيدة اقتصادياً”، وهي شرق نهر الفرات، حيث هناك 90 في المئة من النفط ونصف الغاز ومعظم الثروات الزراعية والمائية، وتقع تحت سيطرة حلفاء واشنطن، وفي “سوريا المفيدة” سياسياً التي تقع فيها المدن والطرق الكبرى والعاصمة التي تقع سيطرة حلفاء موسكو. وبات واضحاً بالنسبة إلى ترمب أن الوجود الأميركي مرتبط بداعش، وأنه سيحسب قواته بمجرد القضاء على التنظيم، لذلك جرى استعجال العمليات العسكرية والطلب من الحلفاء في التحالف الدولي المساهمة في عمليات الاستقرار لمنع ظهور التنظيم ثانية. 
وقال المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي بريت ماكغورك خلال مؤتمر في المغرب قبل أيام إن عملية “إبادة بقايا داعش” باتت الآن في مرحلتها الثانية، وتم استعادة معقل التنظيم في دشيشة، لافتاً إلى أنه تم تخصيص 90 مليون دولار لدعم المبادرات الحاسمة لإرساء الاستقرار والإنعاش المبكر في المناطق المحررة من داعش في سوريا. وقد قدم شركاء التحالف هذه المساهمات منذ حض الرئيس ترمب لهم على اتخاذ خطوات إضافية في أبريل (نيسان). لكنه شدد على الاحتياجات الهائلة التي لا تزال في الرقة والمناطق المحررة الأخرى.

الآن، انتهاء داعش في جيوبه شمال شرقي سوريا مسألة وقت. لكن الأنظار بدأت تتجه إلى شمال غربي البلاد. المعضلة هنا: هناك 2.5 مليون مدني، بينهم نحو مليون كانوا نزحوا من مناطق أخرى في البلاد، بينهم عشرات آلاف المقاتلين المعارضين. روسيا تقول إن هناك بين 15 و20 ألف مقاتل متطرف. أميركا تقول إن هناك 10 – 12 ألف مقاتل أجنبي تابعين للقاعدة.

الجيش الأميركي بدأ بداية العام الماضي بشن غارات في ريفي إدلب وحلب، وشملت ضربات جوية لمئات من قياديين في القاعدة و”جماعة خرسان” التابعة له أو قياديين في “جبهة النصرة” و”جيش الفتح”. لكن موسكو طلبت من واشنطن وقف القصف لأن إدلب ضمن منطقة النفوذ الجوي لطائراتها، باعتبار أنها تقع غرب نهر الفرات، ومنطقة النفوذ الجوي الأميركي تقتصر على شرق النهر.

في شمال غربي سوريا، هناك اتفاق لـ”خفض التصعيد” برعاية روسية – تركية – إيرانية. أنقرة تسعى إلى عزل المتطرفين وتشجيع المعتدلين والحفاظ على المدنيين، وتنفيذ عمليات اغتيال جوية وبرية ضد مقاتلين تابعين للقاعدة. لكن النيات الأميركية باقية في المساهمة في القضاء على أجانب متطرفين مقيمين في شمال غربي البلاد. وستكون الأشهر وربما السنوات المقبلة حاسمة في كيفية التعاطي مع “معضلة دولية” تقع في شمال غربي سوريا.

 

اقرأ أيضا:

داعش كان يجني من الضرائب أكثر 800 مليون دولار

أغرب 10 أحكام في وثائق داعش التي وجدناها في الطبقة