أخبار الآن | دمشق – سوريا (قيس الدمشقي)

تجهد الماكينة الإعلامية التابعة لإيران ومن لف لفها على التركيز بأن ما يجري في سوريا منذ البداية هو ثورة دينية إقصائية يقودها الراديكالييون (المتطرفون) من السنة للتخلص من باقي الطوائف بالقتل أو التهجير.

وراحت وسائل الإعلام تلك تخترع شعارات وتسوقها على أنها هتافات كان المتظاهرون يرددونها في بداية الثورة مثل (المسيحي على بيروت والعلوي على التابوت).

هذه الدعاية حاولت إغفال حقيقة ما كان السوريون يفكرون به ويخططون لتحقيقه فقد كانت الشعارات الحقيقية لا تجد سبيلا إلى القنوات ووسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام وإيران وحزب الله مثل (واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد) وشعارات أخرى (ياعلوي لا تحتار نحن أهلك مو بشار) التي كانت تصدح بملء حناجر المتظاهرين حتى في أكثر المناطق السنية التزاما.

إقرأ: تقرير سري يحذر من "الجهاديات" العائدات من سوريا

وكم تعامت هذه الوسائل عن ربط الثوار لأيام مظاهراتهم حين كانت تقتصر بمعظمها على أيام الجمعة بأسماء القامات والرموز السورية، فكانت جمعة (صالح العلي "العلوي" وجمعة سلطان باشا الأطرش "الدرزي" وجمعة ابراهيم هنانو "الكردي") وغيرها من الشواهد التي كانت تعبر عن ثورة شعب كان يعيش العلمانية بتعريفها وشكلها الصحيح على الرغم من الظلم الذي كانت تعيشه الأكثرية السنية المهمشة إلى حد كبير وخاصة في مناصب الدولة الفاعلة.

كان واضحا وجليا أن إيران تروج لفكرة أن بشار الأسد هو حامي الأقليات في سوريا لاستعطاف الغرب من جهة والعمل بخط مواز على تعبئة الطوائف الأخرى ضد الثورة، وإقناع الطائفتين العلوية والشيعية بأنها حرب مقدسة وعليهم أن يدافعوا عن وجودهم بشتى الوسائل.

الخطة الخبيثة لطهران نجحت للأسف في إحداث شرخ بين السوريين، وبالفعل بدأ النسيج الاجتماعي يتخلخل وفق قاعدة "التطرف والتطرف المضاد ".

فلم يعد أبناء السنة قادرين على السكوت وهم يرون العاصمة دمشق مثلا وقد أصبحت ساحة لطميات بمناسبة أو بغيرها، ولم يعد بإمكانهم إقناع أنفسهم بأن بلادهم مازالت بخير وهم يرون الأيقونات والصور الشيعية تملأ المكان، بينما تتم محاربة كل مظاهر المذهب السني بحجة أنها حاضنة للإرهاب.

وكان القتل الذي مارسته الميليشيات التابعة لإيران في سوريا على أساس طائفي وتم توثيقه بالفيديو، بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، وعليه كانت بمثابة كلمة السر للتيارات الدينية المتطرفة التي أتت لمواجهة المد الشيعي الدموي في سوريا، لتبدأ بعدها موجة التيارات الإرهابية بالصعود وتتحقق أحلام إيران التي روجت وخططت وعملت لأجلها منذ البداية.

"مصعب" سوري مقيم في لبنان يقول إنه كان يقيم في "جديدة عرطوز" على أطراف دمشق، وكان جاره في الطابق الأعلى مسيحيا، كانت العلاقة تتخطى الأخوة بمراحل بين الأسرتين، ولكن بعد اندلاع الثورة بأشهر قليلة لاحظ مع زوجته بأن جيرانه لم يعودو يزورنهم، كما أن أطفالهم بدأوا يتحاشون أطفال مصعب، إلى أن سمع من ابنه الصغير وهو يقول له (بابا: المسيحي كافر ولازم يموت؟) عندها انتفض مصعب وصرخ في وجه طفله الذي بدأ بالبكاء وراح يقول له (والله مو أنا حكيت بس ابن جيرانا قال نحن منقول عنهن كفار ولازم يموتوا).

إقرأ أيضاً: إعدامات بالجملة للمعارضة على يد المتشددين بسوريا

وعندها فهم مصعب أن الأمر لم يعد كما كان وقرر أن يرحل قبل أن تتفاقم الأمور أكثر فلجأ إلى لبنان على أمل أن تنتهي الأزمة في البلاد خلال أشهر ويعود ولكن الأمر طال.

تتدخل زوجته وتقول: (ليش جيرانا بالبناية التانية، بيت أبو باسل، مو قاطعونا فورا، وقاطعوا بيت أبو منذر وأبو محمد وصاروا يتحاشوا الكل بالحارة، قال لأنهم من مصياف وعلويين ونحن بدنا نقتلهم، وبعد الثورة بشي شهرين تركوا الحارة).

فيما يقول بهاء وهو مسيحي سوري يقيم في لبنان أيضا (ما كان فينا نجازف ونبقى بالبلد، نحن بالنهاية مسيحيين وأقلية ومافينا نراهن على شي بهيك وضع فكان لازم نطلع من الشام، انا مو مستعد زور مناطق معينة بسوريا حتى لو وقفت الحرب، صار عندي شعور إنو كل منطقة فيها إسلام معناها فيها حدا من داعش وبشوفني كافر، كنت أسهر أنا وياسين وأحمد وعرفان وعصام كلهم مسلمين وعصام علوي وأنام عندهم ويناموا عندي وناكل سوا من نفس الصحن، وبالآخر تفرقنا وما بظن نلتقي خاصة وإني عرفت إنو ياسين صار جيش حر وعصام دفاع وطني صاروا الرفقات أعداء وكل واحد بظن إنو عم يدافع عن طائفتو).

وتغضب فاتنة بشدة عندما نسألها ( أنا من يوم يومي ماكنت ملتزمة دينيا ولا بحياتي فكرت إني شيعية عايشة بمجتمع سني ولا مرة حسيت إنو حدا عم يطلع عليي بنظرة مختلفة – يوم ما إجتنا إيران وساوت كل شيعي مكروه اليوم الله ينتقم منهم عملو يلي بدهم ياه وخلو الشعب السوري يكره بعضو ويخاف من بعضو).

أينما أصغيت اليوم تسمع من السوريين العبارات التي كانت محرمة في أخلاقياتهم وأدبياتهم، فكلما ذكر أحدهم لك إسم جار أو صديق أو معرفة ذيلها بكلمة (فلان علوي، فلان سني، فلان مسيحي، فلان درزي) في مشهد يجسد الهوية التي أرادتها إيران لسوريا، فإذا بالسني والمسيحي والعلوي والدرزي والملحد والملتزم والشيوعي والراديكالي أمام التابوت أو بيروت وحتى أوروبا وجميع أصقاع الأرض، لتحتل بيوتهم وقراهم تلك الميليشيات التي استقدمتها إيران وتتقاسم وطنهم مع التنظيمات الإرهابية الأخرى.

المزيد من الأخبار:

إقتتال الفصائل المتشددة في سوريا .. إلى أين؟

الجبير: إيران ما زالت أكبر دولة منفردة ترعى الإرهاب بالعالم