أخبار الآن | الرقة – سوريا (عزام الحاج)

يعتزم النظام السوري إجراء دورة "الانتخابات التشريعية" في البلاد بموعدها المُحدد، هذه "الانتخابات" التي تجري كل أربع سنوات لشغل 262 مقعداً في مجلس الشعب. وهي الدورة التشريعية الثانية منذ انطلاقة الثورة السورية في ربيع العام 2011. وكانت الدورة السابقة قد جرت في العام 2012، عندما وصل إلى هذه الهيئة التشريعية 262 عضواً جديداً، أي أن أياً من الأعضاء السابقين لم يترشح أو لم يجتز الانتخابات في تلك الدورة. وفيما يحافظ "حزب البعث" على أكثرية ساحقة بواقع 167 مقعدا، فإن بقية المقاعد تتوزع على تنظيمات حزبية تشاركه ما يُسمى "الجبهة الوطنية التقدمية" وبعض الأحزاب الصغيرة التي شكلتها أجهزة المخابرات بعد الثورة لامتصاص أكبر عدد من المواطنين في صفوفها إضافة إلى عدد من المستقلين.

وتتوزع مقاعد المجلس سلفاً إلى فئتين: "آ" و"ب". والفئة "آ" تشير إلى أن المرشحين في قوائم هذه الفئة يجب أن يكونوا عمالاً أو فلاحين، أما الفئة "ب" فمخصصة "لباقي فئات الشعب"، حسب العبارة المستخدمة في وصفها عادة. كما تتوزع مقاعد الدورة الأخيرة إلى 233 مقعداً للرجال و29 مقعداً للنساء.

الرقة في دورة الانتخابات الحالية!

أما الدورة الحالية فتجري في ظل أحوال عسكرية وسياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية لا سابق لها ولا نظير، ورغم ذلك يصر النظام على إجرائها وتجد من يترشح إليها. وحيث لا اتصال جغرافي بين المدن والمحافظات السورية ولا تواصل فعلي بين المرشحين والناخبين في عدد من المحافظات، إدلب وحلب والرقة ودير الزور وأرياف حماة واللاذقية وحمص ودمشق ودرعا والقنيطرة، فإن إمكانية إجراء انتخابات ذات صدقية وتمثيل حقيقيين مستحيلة، ناهيك عن الطريقة المخابراتية التي تُدار بها هذه الانتخابات عادة، حيث يفوز دائماً المقربون من السلطة وأجهزتها حتى لو كانوا من المستقلين.

وتمثل محافظة الرقة نموذجاً فريداً واستثنائياً لهذه الحال. فالمحافظة تخضع لسيطرة فصيلين متناحرين، هما داعش في مركزها وأريافها الغربية والشرقية والجنوبية، و"قوات سورية الديمقراطية" في أريافها الشمالية، ولا وجود لأي إدارات أو أجهزة أو مؤسسات تابعة للسلطة المركزية في دمشق مما يجعل إجراء انتخابات فيها ضرباً من المستحيل. لكن، رغم ذلك، هناك مرشحون باسم الرقة كالعادة.

مرشحو الرقة في المحافظات الأخرى

حاولنا التواصل مع بعض هؤلاء المرشحين لشغل مقاعد الرقة في مجلس الشعب، عددها 8 مقاعد في الأحوال العادية، لكننا لم نوفق في الحصول على إجابات كافية في هذا الإطار. وحدها السيدة "ذهيبة مخلف المحمد" أرسلت رداً عاماً قالت فيه "بلهجة عامية": "أهلا و سهلا. أنا أعمل من أجل الأمان وترجع كل بسمت امرأة عربية لحضن الوطن لانو تربينا على حب سورية وخريطة سورية وعلم سورية. وانا انوجد بكل مكان بقلب كل من يريد ان نعمل لهل وطن والارض الذي تربا عليها اجيالنا وامهاتنا!".

والسيدة ذهيبة الحاصلة على شهادة الدراسة الابتدائية، وهو ما تعكسه لغتها البسيطة والأخطاء الإملائية والنحوية والدلالية في ردها السابق، تنحدر من أسرة متواضعة من قرية "حمام التركمان" في ريف الرقة الشمالي. وسبق لها أن ترشحت إلى انتخابات مجلس الشعب السوري في دورته السابقة وتمتلك علاقات حسنة مع الأجهزة الأمنية منذ ما قبل الثورة. لكن الأسوأ من كل ذلك أنها تُقيم الآن في مدينة اللاذقية الخاضعة لسلطة النظام، أي أنها بعيدة جداً عن القاعدة الاجتماعية التي يُفترض أن ترشحت لتمثيلها، كما لا يمكن تصور طريقة معقولة يمكن بها الحصول على أصوات الناخبين.

الأرجح أن السيدة ذهيبة وأمثالها من مرشحي الرقة وغيرها من المحافظات السورية لا يستهدفون أبناء محافظاتهم ككل في سعيهم إلى مقعد مجلس الشعب، بل يستهدفون بضعة آلاف من أبناء هذه المحافظات ممن نزحوا إلى مناطق سيطرة النظام في دمشق واللاذقية وطرطوس وخاصة بعد سيطرة داعش على مناطق واسعة في سورية. والأمر المؤكد أن نسبة كبيرة من هؤلاء هم من البعثيين من الناحية التنظيمية كما أنهم مرتبطون ارتباطاً لا فكاك منه بالنظام، سواء بفعل اشتراكهم في عمليات قمع الثورة في بداياتها السلمية أم لشراكات مالية وارتباطات مخابراتية.

يبدو أمراً خياليا اليوم في سورية أن تجد من يترشح لانتخابات لا يملك لا المرشح ولا الناخب فيهما من أمره شيئاً، انتخابات الكل فيها دمى، انتخابات بالكاد يجرؤ ذو عقل أن يترشح لها وبالكاد تجد لها ناخبين.