أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)

 

لم يتمكن "أبو عامر" 45 عاما، من ريّ أرضه التي أصبحت بورا على مدى أربع سنين الثورة، وذلك بعد أن تم ردم البئر الارتوازي الذي يغذي الأرض بفعل القصف العنيف الذي تعرضت له قريته في ريف إدلب الجنوبي، ولكنه تمكن مؤخرا من إعادة زراعتها بعد أن تكفل "منتدى رجال الأعمال السوري" بمساعدته وحفر بئر ارتوازي جديد.

أبو عامر واحد من آلاف المزارعين السوريين الذين تضررت أراضيهم الزراعية بفعل ما تشهده البلاد من أحداث دامية قضت على معظم القطاع الزراعي الذي كان مزدهرا فيما خلا من الأيام، ولكن بمساعدة المنتدى عاد الأمل لكثير من المزارعين.

يقول أبو عامر: "أصبح وضعي المادي سيئا بسبب النزوح وبسبب توقفي عن زراعة أرضي البالغ مساحتها أربعين دونما، ولكنني اليوم استطعت الوقوف على قدمي بمساعدة المنتدى".

"منتدى رجال الأعمال السوري" هو عبارة عن مؤسسة خدمية ذات أهداف تنموية تسعى لدعم المشاريع التنموية والخدمية الأساسية في الحياة اليومية وذات الأثر الإيجابي المتوسط والطويل الأمد على وجه الخصوص، بما يساهم في مساندة السوريين في الداخل السوري المحرر.

"منتدى رجال الأعمال" .. النشأة والأهداف

وعن هذا المنتدى يتحدث مديره التنفيذي "محمد المصري" 38 عاما، فيقول: "ظهر المنتدى في الداخل السوري في 1/1/2012 بدعم من رجال أعمال سوريين في بلاد المغترب، وهو عبارة عن ثلاثة مكاتب رئيسية ومجموعة كبيرة من النقاط التي تغطي جميع المناطق السورية المحررة، هذه النقاط عبارة عن صلة وصل بين المستفيدين والمكاتب الرئيسية".

أما عن هدف المنتدى، فيشير إليه المصري بأنه دعم ورفع مستوى المعيشة للشعب السوري المنهك والذي غدا بمعظمه تحت خط الفقر نتيجة الأوضاع الراهنة. ويشرح عمل المكاتب الثلاثة الرئيسية في الداخل فيقول ”مكتب احسان خاص بالمشاريع التنموية، مكتب البوصلة خاص بتدريب الكوادر وتدريب المرأة وتمكينها، أما بالنسبة للمكتب الثالث فهو مكتب فنار الخاص بالمشاريع الاغاثية ”هذه المكاتب يتفرع منها نقاط موزعة في إدلب وريفها، حلب وريفها، ريف اللاذقية وجبل التركمان، حمص ودرعا.

يأخذ المنتدى على عاتقه مهمة المساهمة في احياء القطاع الزراعي بالدرجة الأولى وذلك من خلال سلسلة مشاريع تنموية زراعية في قطاع الأمن الغذائي.

وباعتبار أن القمح يعتبر من أهم ركائز الأمن الغذائي وهو من المحاصيل الاستراتيجية كونه يمثل القوت اليومي للسكان فقد قام المنتدى بدعم العديد من المشاريع الزراعية الخاصة بالقمح ومنها في ريف حماه الغربي والشمالي وذلك لـ 310 مستفيدا، و1000 في منطقة كفرتخاريم وارمناز، و1100 في بنش وسرمين بما فيهم نازحين ومقيمين.

"أبو عمر" 38 عاما، يشعر بالسعادة كلما نظر إلى أرضه التي عادت خضراء نضرة مليئة بسنابل القمح بمساعدة المنتدى، يقول: "لقد قدم المنتدى لي كل الدعم من أجل إعادة زراعة أرضي، والمهم في الأمر أن دعمه لا يبغي من وراءه أي مقابل"، ويؤكد أبو عمر بأن غاية المنتدى الأولى والأخيرة هو كفاية المزارع ذاتيا من خلال جني محصوله، ليتمكن من زراعة أرضه مستقبلا دون مساعدة من أحد.

هذا ما يوضحه "المصري" فيقول: "نحن نساعد المزارع بكل ما يحتاجه من البذار وحتى الجني، كل ما نريده منه هو أن يقوم باستثمار أرضه بشكل دائم وعدم تركها بورا، وبالتالي يستطيع المزارع إعالة أسرته دون انتظار سلة غذائية تقدمها له الجمعيات الخيرية بشكل متقطع وغير مستقر".

آلية العمل في المنتدى

أما عن آلية العمل في المنتدى فيقول "المصري" أن هنالك تعاونا بين المنتدى والمجالس المحلية باعتبارها أعلم بسكان ومزارعي المناطق التي تشرف عليها، حيث تتلقى المجالس المحلية المشاريع الفردية من الأهالي ثم تقدم هذه المشاريع إلى المنتدى بعد تنظيمها بشكل شهري، والمنتدى بدوره يقوم بإيفاد فريق لتقييم المراقبة وبالتالي اختيار المشاريع الأكثر أهمية، فمثلا من بين 100 مشروع يتم الموافقة على 75 مشروعا.

هناك شروط يجب توافرها بالمستفيد لتتم مساعدته، وهي أن تكون أوضاعه المادية ضعيفة، غير موظف، لديه مساحة من أرض زراعية لا يستطيع زراعتها.

وقد خص المنتدى اهتمامه بزراعة القمح، ذلك أن منظمة "الفاو" العالمية قدرت وجود عجز في إنتاج القمح في سوريا يقدر بـ 800 ألف طن.

يقوم فريق المنتدى بجولات ميدانية لمراقبة عملية الإنبات لمحصول القمح في معظم المناطق المستفيدة بشكل شهري.

مشاريع حماية الطفل وتمكين المرأة

لم يقتصر عمل المنتدى على دعم المشاريع الزراعية وإنما قام أيضا بوضع برنامج حماية الطفل وتمكين المرأة وهو أحد البرامج الرئيسية في المنتدى، والغاية منه تنفيذ النشاطات الإنسانية التي توفر الاحترام الكامل لحقوق الأفراد الذين يتعرضون للأزمات والكوارث. وفي هذا السياق افتتح المنتدى أربعة مراكز حماية خلال عام 2015 في المناطق المحررة، نفذت خلالها 1374 جلسة ونشاط تنوعت بين الدعم النفسي-الاجتماعي وبرامج المهارات الحياتية والدعم المجتمعي والتدريبات المهنية وغيرها من الأنشطة، ويقدر عدد المستفيدين من هذه النشاطات بحسب المصري نحو 9959 مستفيدا.

"سلمى" 25 عاما، إحدى الوافدات والمستفيدات من مراكز تمكين المرأة، تقول: "لقد أتاح لي المركز الخروج من الواقع الصعب الذي نعيشه بشكل يومي من قصف ودمار وفقر ونزوح، ذلك أنني تعلمت حرفة الخياطة وبدأت العمل من خلالها كما أنني أحضر المركز باستمرار للاستماع إلى محاضرات الدعم النفسي التي أعادت لي الثقة بنفسي من جديد".

وكذلك "سالم" 9 سنوات، يقصد إحدى مراكز المنتدى ويدعى صديق الطفل في ريف حلب يقول: "تعلمت الرسم وصنع الأشكال المختلفة من مادة المعجون، أحب نشاطات المركز وأحب اللعب مع المشرفات".

هذا وقد نفذ المنتدى خلال العام المنصرم أحد عشر مشروعا ضمن برنامج "المياه والصحة  والنظافة" في 19 منطقة داخل سوريا وذلك للتخفيف من المعاناة وسد حاجة المستفيدين الذين قدر عددهم بنحو 217000 مستفيدا، ومن هذه المساعدات إعادة تأهيل محطات المياه لمنطقتين في حلب ولخمس مناطق في إدلب، إضافة لتوزيع سلل نظافة في سنجار بإدلب وفي ريف حلب الشمالي، وإدارة النفايات الصلبة في منطقة الدانا بريف إدلب، وتدريب توعية وتعزيز نظافة في منطقة ريف إدلب.

"الزراعة البينية" مشروع أطلقه المنتدى في بساتين الزيتون لزراعة الزيتون وإروائه ورشه بالمبيدات الحشرية، وقد شمل هذا المشروع أكثر من 12 بلدة وقرية تابعة لريف إدلب.

"أبو حسين" من ريف إدلب، تضرر بستانه الغني بأشجار الزيتون نتيجة القصف، فساعده المنتدى على إعادة زراعة غراس الزيتون في أماكن التالفة منها بفعل القصف، وها هو اليوم يرى كرمه يزهو بأشجار الزيتون الخضراء من جديد.

يتطرق "المصري" بحديثه إلى الشراكات العديدة بين المنتدى والمنظمات الأخرى: "بالرغم من أن المنتدى يمتلك إمكانيات خاصة فهو أيضا يمتلك إمكانيات مشتركة مع منظمات عالمية ومنها غول، اكتيد، الأمم المتحدة، بناء، الفاو وغيرها".

ويختتم المصري حديثه بالقول: نبقى مقصرين مع أبناء بلدنا الصامدين تحت القصف، وكلنا إيمان بأن اليد التي تكافح في سبيل نيل حريتها وكرامتها هي ذاتها التي تبني وطنها وتزرع أرضها وتعتني بها.