أخبار الآن | درعا – سوريا (عبد الحي الأحمد)

تجدد المعارك بين فصائل الجبهة الجنوبية من جهة وقوات النظام المدعومة بالميليشيات الطائفية من جهة أخرى على أطراف مدينة الشيخ مسكين وفي درعا جنوب سوريا. وقد استقدم الثوار مزيدا من التعزيزات العسكرية لإستعادة السيطرة على الشيخ مسكين وشنوا هجوما معاكسا على قوات النظام المتمركزة داخل المدينة.

يأتي هذا بعدما سيطرت قوات النظام السوري المدعومة بالميليشيات الطائفية صباح الثلاثاء على مدينة الشيخ مسكين الإستراتيجية بريف درعا الشمالي الغربي، وذلك بعد حملة عسكرية ضخمة لقوات النظام استمرت طيلة شهر كامل دارت خلالها معارك عنيفة ضد فصائل الجبهة الجنوبية؛ التي انسحبت من المدينة صباح اليوم وتمركزت على أطرافها الجنوبية والغربية.

وتعتبر مدينة "الشيخ مسكين" ذات أهمية كبرى لكلا الطرفين نظرا لموقعها الإستراتيجي، حيث تتوسط محافظة درعا إلى الغرب من بلدة "إزرع" أحد أكبر معاقل قوات النظام جنوب سوريا، وتعد نقطة تنسيق متقدمة ومتوسطة بين قيادة "الفرقة الخامسة" والمتواجدة في إزرع و"الفرقة المدرعة التاسعة" المتواجدة في بلد "الصنمين"، ويمر من خلالها أوتوستراد دمشق-درعا القديم، كما تحاذي الأوتوستراد الدولي دمشق-عمان.

تمكن الجيش الحر من انتزاع السيطرة عليها مطلع العام الماضي بعد معارك عنيفة خاضها ضد قوات النظام استمرت عدة أسابيع، مما شكل نكسة كبيرة للنظام الذي استمر في قصف المدينة بكافة الأسلحة الثقيلة طيلة الأشهر السابقة.

سياسة القضم البطيء

الحملة العسكرية التي أفضت إلى سيطرة قوات النظام على المدينة الإستراتيجية لم تكن الأولى، ففي الخامس عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2015 تمكنت قوات النظام من استعادة السيطرة على الكتيبة الفنية بالقرب من اللواء 82 دفاع جوي، حيث دارت معارك كرّ وفرّ على أطراف هذه الكتيبة لعدة أسابيع.

أعقبتها حملة أخرى في الرابع عشر من شهر نوفمبر الماضي شنتها قوات النظام مدعومة، ولأول مرة بطيران الإسناد الروسي، أدت إلى سيطرة القوات المهاجمة على منطقة الإسكان العسكري ومبنى الموارد المائية في المحور الشمالي للمدينة لتصبح مركزا لانطلاق قوات النظام والميليشيات الموالية له باتجاه عمق المدينة.

وفي الثامن والعشرين من شهر ديسمبر الفائت كانت الحملة الأعنف، والتي بدأت بتغطية مكثفة من الطائرات الروسية التي قصفت الأحياء الخاضعة لسيطرة الجيش الحر بعشرات الغارات الجوية، أردفها قصف عنيف بمئات القذائف المدفعية والصاروخية وتقدم بري من عدة محاورة أسفر عن سيطرة القوات المهاجمة على اللواء 82 والحي الشرقي من المدينة وصولا لمساكن الضباط، حيث تمكنت فصائل الجبهة الجنوبية بعد ذلك من تنظيم صفوفها وإيقاف زحف قوات النظام لعدة أسابيع رغم كثافة القصف الجوي والبري اليومي.

ووفق ما أفاد به العقيد "أحمد المهر" قائد فرقة شهداء حوران المنضوية في صفوف الجبهة الجنوبية لأخبار الآن فإن: "استقدمت قوات النظام خلال تلك الحملة أكثر من خمسة آلاف مقاتل من قوات النخبة لدى ميليشيات النظام والحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية والأفغانية إضافة لميليشيات "جيش التحرير الفلسطيني" الموالي للنظام".

ورأى "المهر" أن كثافة الغارات الجوية والتي تجاوزت الثلاثين غارة بشكل يومي، وضعف الإمكانات المتوافرة على الأرض من سلاح ثقيل وسلاح مضاد للطائرات أجبر قوات الجبهة الجنوبية على الانسحاب.

 وأشار العقيد أيضا إلى ضعف التجهيز والتحصين الهندسي لدى الفصائل المرابطة؛ والتي بدورها كانت تتمثل بأعداد عناصر قليلة جدا مقارنة بتشكيلاتها الضخمة مما شكّل صعوبة في الوصول للمدينة بسبب كثرة الحواجز العسكرية على الطرقات.

لكن الجبهة الجنوبية بعد ترتيب صفوفها بدأت تحضر لهجوم معاكس بغية إجبار قوات النظام على الانسحاب من المدينة فالمعركة لم تنته، حسب وصفه.

الاقتتال الداخلي فرصة استغلها النظام للتقدم

على الرغم من عدم غياب التكافؤ العسكري بين الطرفين وضعف الإمكانات المتاحة لدى فصائل الجبهة الجنوبية مقارنة بقوات النظام، التي اعتمدت على عدد كبير من الميليشيات الطائفية وطيران الإسناد الروسي خلال حملتها الأخيرة، إلا أن فصائل الجبهة الجنوبية استطاعت تكبيد القوات المهاجمة خسائر جمة في الأرواح والعتاد كما تمكنت من وقف زحفها لعدة أسابيع.

التقدم المفاجئ لقوات النظام وحلفائه كان، وفق مراقبين للوضع العسكري، مرتبطا بشكل كبير بحالة الاحتقان التي شهدها الجنوب السوري بين عدة فصائل كبرى من الجبهة الجنوبية و"حركة المثنى الإسلامية"، حيث أقدمت الأخيرة إلى قطع طريق الإمداد الوحيد إلى "الشيخ مسكين" أمام عدة فصائل لعدة أيام، الأمر الذي شكّل فرصة كبيرة أمام قوات النظام لشن هجوم واسع النطاق على كافة محاور المدينة.

العقيد الركن "عبد الله الأسعد" عضو المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر تحدث لمراسل أخبار الآن عن دور الاقتتال الداخلي في سقوط المدينة: "استغل النظام الاقتتال الداخلي بشكل مثمر، حيث عمل على بث الإشاعات عبر أبواقه في المناطق المحررة ما أدى إلى تأجيج الخلاف بين الفصائل وهو ما تسبب بتشتيت القرار العسكري لدى الفصائل المرابطة في الشيخ مسكين مما جعل بعض الفصائل بمنأى عن المعارك الدائرة".

وعن خيارات الثوار في المرحلة القادمة يقول الأسعد: "يجب على الفصائل المرابطة على أطراف مدينة الشيخ مسكين أن يعيدوا الكرة ويبادروا للهجوم من جديد كي لا يتمكن النظام وحلفائه من مواصلة عمليات التقدم، التي لن تنتهي مع سيطرته على المدينة لذلك يجب على الثوار إجبار النظام على التقهقر وعدم إعطائه ورقة يفاوض من خلالها سياسيا، وعلى الثوار أيضا أن يعوا جيدا أهمية المدينة استراتيجيا لهم فمن خلال المدينة يمكن للنظام التوسع بعدة محاور".