أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)

مما لا شك فيه أن حرب الأسد على الشعب السوري على مدار السنوات الخمس قد طالت جميع مقدرات البلاد الاجتماعية والصحية والمرافق العامة، وأرهقت كافة قطاعات الحياة بل تكاد تكون قد دمرتها تماماً.

في تقرير أصدرته منظمة اليونيسف العام الفائت حيث رصدت مدى تدهور القطاع التعليمي خلال أربع سنوات بعد أن كانت نسبة التعليم في سورية قد وصلت إلى مستوى97  بالمئة، أفادت بأن هذا القطاع تحديداً دون القطاعات الأخرى على أهميتها يشهد تدهوراً ملحوظاً، واعتبرته التدهور الأسرع والأسوأ لقطاع التعليم في تاريخ منطقة الشرق الأوسط.  

انهيار لوجستي لا مجال لترميمه

خلال العام 2012 تحولت معظم المدارس في عدد من المدن، التي كانت ما تزال مؤهلة، لملاجئ للعديد من المدنيين المتضررين من القصف الهمجي لمنازلهم، إضافة لتدمير العديد من المدراس في معظم المحافظات السورية، ويقدر بثلاث مدراس من أصل خمسة، أهمها في ريف دمشق وحلب وحمص ودير الزور وإدلب ودرعا. فلا أمل يرجى من ترميمها ولا أطفال ستأتي إليها في الوقت الحالي.

يقول "أحمد" أستاذ في إحدى مدارس دمشق: "كان الطلاب يأتون إلى المدارس في أقسى وأصعب الظروف وكنا نصّر على متابعة الدروس ولكن الآن لم يبق مدرسة بعد أن قام النظام بقصفها. الأمر الذي أدى لاستيعاب مدارس أخرى أعداداً أكبر من استيعابها الفعلي، حيث أصبح عدد الطلاب في الصف الواحد 60 إلى 70 طالب، الأمر الذي يعتبر كارثي في حال كانت مدة الحصة الدراسية 40 دقيقة".

وتقول "عائدة" مديرة إحدى المدراس الحكومية في دمشق أن المدرّسين أصبحوا يعانون في إيصال المعلومة لعدد كبير من الطلاب في وقت قصير وقاعة صغيرة تضيق بهم. وإلى جانب ذلك أثرت هجرة الشباب المتعلم سلبياً على حال الوضع التعليمي، فالكثير من الشبان المهاجرون من خريجي الجامعات والأساتذة ومعظمهم من كان يعمل في القطاع التعليمي في المدراس والمعاهد وحتى الجامعات، وتعود الأسباب لانعدام الأمان والملاحقات الأمنية والخوف من السوق للخدمة العسكرية.

مواد جديدة تضاف على مناهج بالية

واستكمالاً للانهيار اللوجستي هناك انهيار أخر في قالب مختلف، مثل دخول اللغة الروسية إلى المناهج التدريسية، مما يثير التساؤل بما نفع مثل هذه اللغة في الوقت الحالي لأولاد عليهم أن يهتموا بمواد علمية أخرى؟.

تقول "إيمان" مدرسة مادة اللغة الإنكليزية أنه من الصعب زيادة أية مادة أخرى على منهاج الطالب، حيث أن أغلب الطلاب لا يتابعون دروسهم جيداً بسبب تشتيت الذهن وزيادة الأعداد وضيق الوقت، هذا في الحالة الطبيعية أمّا إذا كان الطالب قد تعرض لفقدان أحد من أفراد عائلته أو حوادث أخرى مثل النزوح والسفر من شأنها أن تضعف تركيزه وتقلل رغبته بالمتابعة.

ويكمل "عادل" مدرس مادة الرياضيات: "تراجع مستوى الطلاب كثيراً بسبب تعرضهم لظروف تعتبر غريبة عليهم، في الواقع أطفال سوريا اليوم يحتاجون للرعاية والدعم النفسي أكثر من تعليم اللغات والعلوم".

وهو ما تتفق معه "أمل" مديرة إحدى الثانويات جنوب دمشق: "هناك مشاكل كبيرة في قطاع التعليم الذي يقف على قدميه بشق الأنفاس، الطلاب لا يستوعبون دروسهم ويجب تحسين المنهاج الحالي لا زيادة مواد أخرى من شأنها تكبير الكارثة، والمشكلة الأكثر هولاً التي تواجهنا هي النجاح الجماعي في آخر العام، هذا لا حل له، وكأن المدرسة أصبحت شكلية".

أمّا الأمر المفاجئ الذي بدأ يثير التساؤل والريبة هو ما قامت به وزارة التربية والتعليم حيث تم تغيير أسماء المدراس التي كانت تسمى بأسماء تاريخية، كمدرسة يوسف العظمة ومدرسة أحمد مريود ومدرسة سعدالله الجابري، وأصبحت تسمى بأسماء قتلى النظام ممن يُراد تخليد أسمائهم مثل مدرسة الشهيد العقيد علي الخزام ومدرسة الشهيد الضابط جعفر عبدالله. ربما لا يؤثر هذا الأمر على التدريس بشكل مباشر لكن مع مرور الوقت سيؤدي ذلك لطمس أسماء مهمة من تاريخ سورية لتحل محلها أسماء لمجرمين وقتلى.  

تجربة التعليم في المناطق المحررة

في المناطق المحررة حاول الأهالي عبر هيئاتهم المدنية الناشئة البحث عن حلول إسعافيه تنقذ جيلاً كاملاً من الأمية التي تهددهم، إلا أن القصف المدفعي وغارات الطيران المتواصلة والاستهداف المتكرر للمدارس على امتداد الجغرافية المحررة بالإضافة للظروف المادية القاسية التي يعيشونها، يحول في معظم الأوقات دون انتظام العملية التعليمية في تلك المناطق.

ومن جانب أخر فإن فقر الإمكانيات لا يرقى إلى إنشاء نظام تعليمي بديل يسهل العملية التدريسية. وأمام هذا وذاك تقف المؤسسات والفعاليات التعليمية الناشئة في المناطق المحررة شبه عاجزة أمام مشكلة التعليم وما تحويه من أبعاد واشكاليات معقدة، بالرغم من تواجد العديد من المبادرات التي لا تعدو كونها علاج مؤقت لمرض كبير.

لا تعليم مع التشبيح

ولم ينته الأمر هنا، فقد نُشر اليوم على موقع فيسبوك فيديو لطالب في المرحلة الثانوية يرقص أمام معلمته أثناء إعطائها للحصة الدراسية، حيث وقف أمامها وبدأ الرقص. العارف اليوم لطبيعة الحياة الاجتماعية في سوريا يدرك تماماً أن الطالب قد يتحامى بوالده أو أحد أقاربه في الجيش والأمن، الأمر الذي يمنع المعلمة من ضربه أو حتى إصدار إدارة المدرسة بحقه أي عقوبة. فقد أصبحت المدرسة وكأنها مكان للقاءات والتجمعات ولا معنى لكل ما يقوله الأساتذة في الصفوف في حال قد قرر جيلاً كاملاً  مثل هذا الطالب وأصدقائه الالتحاق بالجيش والتطوع لخدمة الأسد حيث ستبقى المعلمة تتابع درسها والطالب سيتابع رقصه.