أخبار الآن | بيروت – لبنان ( خاص )

هند سيدة سورية لجأت مع أطفالها الخمسة إلى لبنان هربا من قصف القوات التابعة للنظام، لم تجد مكانا تعيش فيه مع أبنائها سوى مرآب قديم للسيارات تقطن العائلة فيه، الكراج كان مكانا لتصليح السيارات وتحول إلى مسكن هند مع أولادها الخمسة أكبرهم عمره أربعة عشر عاما.

تمضي هند يومها في هذا الكراج ورائحة المحروقات ورائحة كريهة تفوح من المكان لكن إما الشارع والعراء أو هذا المكان رغم أنه يفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم لكن لا خيار أمام هذه المرأة مع أطفالها الخمسة.

تجلس كل يوم تتذكر مقتل زوجها لم يعد لديها سوى مقطع فيديو لا تمل من مشاهدته يوميا كي لا تنسى زوجها.

إستهدفت القوات التابعة للنظام بلدتها بالطائرات والبراميل المتفجرة والقصف بالقذائف الثقيلة وإنتهك الشبيحة قريتها وقتلوا زوجها وإخوته بدم بارد.

تنتهى هند من مشاهدة مقطع الفيديو وأشلاء زوجها وعشرات الرجال من قريتها تمسح دومع الحزن والذكريات الأليمة وتحكي لنا قصتها: "كنا نعيش في سوريا أنا وزوجي وأولادنا، ومنذ بدأت الثورة قامت القوات التابعة للنظام والشبيحة بالقتل والاعتقالات، كان لقريتنا نصيب كبير من انتهاكات الشبيحة، خصوصا أن أحد قيادي من الشبيحة تم قتله في قريتنا، فأرسل النظام قطعانا من شبيحته للإنتقام له، وفي صبيحة أحد الايام قام رجال النظام بكسر الباب علينا واعتقال زوجي واخوته الذين كانوا يعيشون معنا، وقاموا بسحبهم بشكل وحشي ومن دون أي سبب.
يعرب ابن هند والذي يبلغ من العمر 14 عاما يستمع لحديث والدته فيقول مقاطعا : "ركضت خلف والدي لحظة إعتقاله وأنا أناديه أبي أبي أبي إلا أنه كان خائفا علي كثيرا وأمرني بالعودة إلى والدتي، ذكريات دفعت الأم للبكاء وشعورها بألم وحسرة تلك اللحظة كانت أخر مرة شاهدت فيها زوجها.

تتابع هند: "بعد إعتقال زوجي بساعات سمعنا صوت إنفجار قوي هز الحي بأكمله، عند المساء إنسحبت القوات التابعة للنظام من القرية تاركة وراءها الخراب والدمار، في ذلك اليوم قامت القوات التابعة للنظام والشبيحة بإعتقال العديد من أبناء القرية ومنهم زوجي وإخوته، وضعتهم جميعا في غرفة على أطراف القرية وقاموا بتفجريهم بدم بارد إنتقاما لمقتل الشبيح وتحولت جثثهم إلى أشلاء، إستطعنا التعرف على ذراع زوجي التي نقش عليها إسم إبننا البكر يعرب، تضيف المرأة كان مشهد الأشلاء مؤلما جدا حتى اليوم أنا أرى صور زوجي ولا أنسى مشهد الأشلاء ما حييت.

لم يكتف شبيحة النظام والقوات التابعة له بقتل مجموعة من شبان القرية بل عادوا مرة أخرى ومارسوا إنتهاكات بحق الأهالي من قتل وتخريب وتدمير المنازل على ساكنيها، خشيت المرأة على أطفالها من بطشهم وجرائمهم وخافت على إبنها الكبير يعرب من أن يلقى مصير والده فلم يعد أمامها أي خيار سوى الهروب من هؤلاء القتلة كما تقول.

حزمت الأم القليل من الأمتعة وقررت التوجه إلى لبنان، أمامها طريق وعرة وصعبة لكن لا خيار ثالث أمامها إما البقاء في القرية والتعرض لإنتهاكات الشبيحة والقوات التابعة للنظام أو الهروب إلى لبنان فإختارت الهروب خوفا على أبنائها، بعد رحلة طويلة وشاقة نجحت هند مع أطفالها الخمسة في الوصول بأمان إلى لبنان وفي منطقة حدودية جلست هند في خيمة لعدة أسابيع بعدها إستطاعت الوصول إلى هذا المرآب وحولته لمسكن لها ولأطفالها.

تعيش هند ظروفا صعبة وقاسية تتلقى بعض المساعدات الغذائية من مفوضية الأمم المتحدة فقط، أولادها بلا مدارس لا مال للمدارس ولا مدرسة للاجئين في منطقتها، حاولت العمل لكنها لم تستطع لأن القوانين في المنطقة التي تقطن فيها تمنع السوري من العمل.

مدفأة على الحطب وبعض الوسائد والأغطية هذا كل مالديها، تمضي الأسرة يومها وهي تستعيد ذكرياتها المؤلمة، تتمنى السيدة هند إخراج أولادها من هذا المكان وان تؤمن لهم حياة أفضل، تتمنى ان يتابع اولادها دراستهم كبقية الأطفال.

أمنيات كثيرة تتمناها هند على رأسها إسعاد أطفالها لكنها عاجزة عن تحقيق ذلك، وتكتفي بالحلم علها تنجح في تحقيقه، مسؤولية أولادها أصبحت كبيرة ولامعيل لها سوى الله، لكن رغم المعاناة والظروف الصعبة والخوف الذي تعيشه هذه الأسرة إلا أنها تتمنى العودة إلى سوريا وإلى القرية هذا فقط سيخفف معاناتهم وخسارتهم رب أسرتهم.

تختتم هند حديثها بالرحمة على زوجها وتدعي له ان يكون من الشهداء وأن يتغمده الله برحمته، ثم تنظر وتقول وحده ما يبقيني صامدة وأطفالي في وجه البرد والجوع والمعاناة أملنا بالله والتفاؤل بالنصر إن شاء الله ونهاية كل ظالم وقاتل.