أخبار الآن | إسطنبول – تركيا (إيهاب بريمو)

في ضجيج مدينة إسطنبول وازدحام الطرقات، وعلى وقع تقلّب المناخ المفاجئ، يبحث الكثير من السوريين عن ملاذ آمن أو الحلم بالاستقرار وربما الهجرة إلى أوربا أو العودة إلى الوطن في يوم ما.

احتمالات كثيرة وجد السوري نفسه يتنقل بين خياراتها المتعددة، وبين هذا وذاك تطلّ الحكايات المؤلمة الحزينة لتخبرنا عما فعل النظام المجرم بأبناء سورية.

الملائكة تتجول في الشوارع أيضا

"شام" طفلة سورية في السابعة من عمرها، تتجول لساعات طويلة من أجل بيع عدد من قوارير المياه أو علب المناديل الورقية من أجل شراء ربطة من الخبز والذهاب بها إلى المنزل.

تقيم شام مع عائلتها هنا في مدينة إسطنبول منذ بداية العام الحالي على أمل الهجرة إلى أوربا. أصيب والدها بصدمة نفسية أقعدته عن العمل، فقد خسر كل ما يملك من عقارات ومصنع ألبسة الأطفال قبل الثورة، ذهبت ثروته باستيلاء شبيحة نظام الأسد على ممتلكاته، وعند فراره مع ما تبقى من ثروته ومع دخوله المناطق المحررة كان الحظ السيئ مرافقه حين وقع بين أيدي قطّاع الطرق وسرقتهم ما تبقى معه من مال.

بقي مع عائلته في إحدى المدارس في ريف حلب لمدة شهر وبعدها قرر الذهاب إلى تركيا من أجل العمل وادخار مصروف الهجرة إلى أوروبا بعد يأسه من الحياة في سوريا: "سوريا ما عاد ينعاش فيها صارت غابة والكل عم بنهش بلحم الضعفاء".

هنا بدأت رحلة البحث عن العيش الكريم الذي كان يحلم بها مع عائلته المؤلفة من خمسة أشخاص في ظل الغلاء الفاحش في استانبول بالنسبة للسورين المقيمين فيها.

"بائعة الكبريت" السورية

تتوجه شام، بعينيها الزرقاوتين وبشرتها البيضاء المائلة للون الزهري وشعرها الذهبي، في كل صباح إلى أحد الشوارع في منطقة "الفاتح" من أجل بدء يومها ليس في بيع قوارير المياه وعلب المناديل الورقية تجول في الشارع باحثة عن الزبائن المارين.

مع استمرار رحلة البحث عن مشتري تدخل شام باحة جامع "السلطان محمد الفاتح" حيث يوجد جانب الباحة حديقة يأتي إليها المئات من السياح الأجانب والعرب يوميا وهي تراقب الأطفال مع عائلاتهم، يلعبون ويلهون ويأكلون "عرانيس" الذرة البيضاء و"غزل البنات".

تتمنى لو كانت هي بدلا من أولئك الفتيات الصغار، فهي كانت تنعم قبل ذلك بحياة رغيدة ودلال كبير وعدم حرمان.

بعد عناء طويل والكثير من التعب ومع غياب أشعة الشمس يتبقى مع شام علبتين من المناديل الورقية. على أحد أبواب الجامع انزوت جانبا وجلست من فرط التعب بعد يوم طويل من العناء، فتغرق في نوم عميق لتستيقظ على صوت مزامير السيارات، وفي طريق عودتها إلى المنزل: "أحلم بعصى سحرية تأخذني مع عائلت الى ألمانيا".

في الشوارع هنا عشرات الأطفال الذين وجدوا أنفسهم يعانون من حرمان الأب أو الأم أو كليهما، فما كان منهم إلا أن هجروا نعومة الطفولة وذهبوا يبحثون عن ما يسد رمقهم وأسرتهم.

بائعون متجولون يحملون المناديل والمياه، متسولون، أهالي يرمون بأطفالهم إلى التسول وأهالي يذوقون المرارة لحمايتهم، إنه القدر السوري اليوم مع كل ما يحل من تفاصيل يكاد لا يتحملها الشعور ويصدقها العقل.