أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)

فيما كان سكان بلدة سلوك، شمال مدينة الرقة، يتظاهرون يوم الأحد الفائت 13 سبتمبر/أيلول ضد ميليشيا حزب PYD الكردي السوري، فرع حزب PKK التركي، مطالبين بحقهم في العودة إلى بيوتهم التي هجرتهم هذه الميليشيا واصل ما يُسمى "المجلس التشريعي لـ"مقاطعة الجزيرة"، محافظة الحسكة السورية، في "الإدارة الذاتية"، التي تسيطر عليها هذه الميليشا بقيادة صالح مسلم، مناقشاته لمشروع قانون يعطي الحق لـ"الإدارة الذاتية" ومؤسساتها  التصرف في أموال وعقارات المواطنين المهاجرين من البلاد والانتفاع منها.

قانون مصادرة الأملاك

يتألف القانون الجديد من 17 بنداً  يبتدأ بتعريف مَنْ يشملهم القانون، وهم كل المغادرين أراضي "مقاطعة الجزيرة"، بقصد الهجرة والسكن في دولة أخرى "تهرباً من واجباته الوطنية والقومية"؛ كما يعرف بند ثانٍ مدة الغياب ويحددها بسنة واحدة، فإذا تحقق هذا الغياب "تقوم لجنة مكلفة بإحصاء أموال الغائب، وإدارتها ليصار ريعها إلى خزينة المالية". ويُتوقع أن يصادق المجلس التشريعي اليوم الثلاثاء على هذا القرار. وفي حال إقراره فمن المرجح أن تطبقه قوة الأمر الواقع، ميليشياYPG ، على المناطق الواقعة اليوم تحت سيطرتها، وهي المناطق الممتدة على طول الحدود السورية التركية بين مدينة القامشلي شرقاً، في ريف محافظة الحسكة، وبلدتي عين العرب غرباً في ريف محافظة حلب، ومرورا بريف محافظة الرقة الشمالي، منطقة تل أبيض.

وكانت الإدارة الذاتية الكردية قد أعلنت قبل أيام قرارها إلحاق بلدة سلوك ببلدة رأس العين، التابعة لمحافظة الحسكة، في حين الحقت مدينة تل أبيض ببلدة عين العرب، التابعة لمحافظة حلب كتدبير يبدو أن غايته المرحلية هي خلق إقليم متصل إداريا وجغرافيا يصل منطقة القامشلي في ريف الحسكة بمنطقة عفرين في ريف حلب، حيث تتركز فيهما كثافة سكانية كردية؛ بينما يمكن أن يتحول مع الزمن وبرعاية من التحالف الدولي إلى كيان سياسي متجانس بشرياً في حال استمر النزف البشري الحاصل في شمال الرقة وتوافد أكراد أجانب إلى المنطقة.

وكان طيران التحالف الدولي قد نجح في دحر ميليشيا "داعش" ودفعها إلى الانسحاب من منطقة تل أبيض على الحدود السورية التركية منتصف شهر حزيران الماضي لتدخلتها الميليشيا الكردية دون جهد يُذكر وتجبر مَنْ لم ينزح من سكانها المدنيين على مغادرة بيوتهم وإلا فإنها "سترسل إحداثيات مواقع بيوتهم لطيران التحالف ليقصفها". فسارع الآلاف من السكان إلى مغادرة مساكنهم وحقولهم ودكاكينهم خلال ساعات قليلة وتوزعوا في القرى المجاورة أو المدن التركية القريبة، تاركين بيوتهم وممتلكاتهم نهباً للسراق واللصوص والمعفشين من مجموعات "البي يا دي" والصناديد والسوتور. والبلدة التي يبلغ تعداد سكانها حوالي 25 ألف نسمة، خالية اليوم تماماً من أهلها.

اقتلاع من الجذور

وفي ما لو صادق "المجلس التشريعي" في الإدارة الذاتية على هذا القانون فسيجد مئات الآلاف من السوريين ممَنْ هُجروا من مدنهم وقراهم بفعل المجازر التي ارتكبتها هذه الميليشيات في ريف محافظة الحسكة أو هربوا من التجنيد الإلزامي في الميليشيات أو من قصف طيران النظام أو التحالف الدولي، سيجدون أنفسهم في حال شبيه بحال ملايين الفلسطينيين الذين مروا بتجربة مشابهة في الاقتلاع واللجوء ومنعهم من العودة بعد قيام إسرائيل. إذ أن التطبيق العملي لهذا القانون سيعني منع عودة الغائبين إلى ديارهم، ويفسح المجال أمام احتلال استيطاني جديد في المنطقة. فالتاريخ القريب سجَّل تجارب مماثلة جرى تطبيقها في المنطقة، واستلهمتها ما تُسمى بـ"الإدارة الذاتية" الكردية لخلق واقع ديمغرافي وسياسي جديد في سورية.

فقد كانت إسرائيل أقرت في العام 1950 قانون "أملاك الغائبين" لتتمكن بموجبه من مصادرة عقارات الفلسطينيين الذين تقع أراضيهم وبيوتهم داخل خط التقسيم للعام 1948، ثم وسعت المحكمة العليا الإسرائيلية نطاق تطبيق هذا القانون ليشمل القدس الشرقية التي احتلتها في العام 1967.

"داعش" تصادر الأملاك ايضا

كذلك قام "داعش" بالاستيلاء على بيوت وأراضي ومحلات تجارية وسيارات وآليات تعود ملكيتها إلى آلاف المواطنين السوريين في المناطق الواقعة تحت احتلاله، وأحلَّ فيها عناصر أجنبية تنتمي إليه ممّنْ يسمون في عرفه بـ"المهاجرين". وبرر "داعش" سلوكه هذا بأن أصحاب هذه البيوت والممتلكات "مرتدين" أو "صحوات" وما سواها من توصيفات يطلقها على المخالفين لنهجه وممارساته.

في حين كان النظام السوري قد هجَّر ملايين السوريين عبر ممارسته إرهاب الدولة وشن حرب شاملة على كل المناطق الثائرة مما أفرغ مناطق كاملة في سورية من سكانها.

هذه الأطراف الثلاثة، التي تعمل على خلق واقع ديمغرافي جديد في سورية بقوة السلاح وبغطاء من قوى إقليمية ودولية داعمة، باتت تشكل خطراً حقيقياً على السوريين كافة وعلى إمكانية إنضاج حل سياسي مستدام ما لم يكن شرط هذا الحل هو الخلاص منها مجتمعة.