(الميث / آيس/ شابو/ سبيد/…) أسماء متعددة لنفس المخدر الأكثر ارتباطا بجرائم العنف الواقعة تحت تأثير المخدرات وآخرها الفيديو المتداول للمطاردة الغريبة على طريق السويس لهذا السائق الذي كان يقود سيارته بشكل زجزاجي في منتصف النهار معرضا حياته وحياة الآخرين للخطر، وكذلك الزوج الذي قتل زوجته بالدقهلية ثم أكد في أقواله أمام النيابة العامة أن “العفاريت” هي من قتلتها، وكذلك “دبور” سفاح الاسماعيلية الذي قتل شخصا ثم مثّل بجثته أمام العيان، وغيرها الكثير من الجرائم غير المنطقية والتي يغيب فيها “الدافع” بشكل واضح على عكس العديد من جرائم العنف حتى التي تُرتكب تحت تأثير المخدرات، فدعونا نقترب أكثر من الوضع الذهني والنفسي لمتعاطي مخدر الشابو –وهو الاسم الأكثر تداولا له في مصر- علّنا بذلك نصل الى فهم أعمق لطبيعة القضية.

ماهو الشابو؟

الشابو مخدر قوي، محفز هائل للجهاز العصبي المركزي له قدرة عالية على السحب للادمان ، على شكل “بودرة” بيضاء بلا رائحة، مرة المذاق، كريستالية الشكل، يُشبه “الشَبّة” ولهذا علاقة باشتقاق اسمه منها في مصر، يذوب بسهولة في الماء اشتُق في صنعه من الامفيتامين باضافة الميثايل Methyl اليه، وبهذه الاضافة في التركيب الكيميائي تصل كمية اكبر من المخدر الجديد الى المخ، وبالتالي يزيد التأثير وبالتالي يزيد الضرر، وللميث أشكال مختلفة في التعاطي من الممكن أن يُدخن أو يُشم أو يُحقن أو يُبتلع مثل أي قرص، وهو من أشهر مخدرات حفلات “الخبط” في مصر وقد لجأت تلك المعامل الصغيرة التي يُطلق عليها معامل “بير السلم” الى ضغط البودرة البيضاء في شكل “أقراص” كي تصبح مألوفة لدى مَن يُفضلون ابتلاع الأقراص على الأساليب الأخرى في التعاطي.

“الميث تريب” – الرحلة:

والآن، بضوء خفيّ نسير في المنطقة المظلمة الأشد وعورة لنفهم ماذا يحدث عند تعاطي الميث امفيتامين؟

  • المرحلة الأولى:الاندفاع Rush

نفس ساخن، الاسم الشائع في عالم المخدرات لوصف هذه المرحلة من الاستجابة الأولية للمخدر، نستطيع أن نصف الحالة بالوميض أو الفلاش المفاجئ محدثةً هذا الاندفاع الهائل والذي يتجسد في ارتفاع معدل نبضات القلب و”نهجان” وارتفاع ضغط الدم وارتفاع درجة حرارة الجسم وارتفاع معدل الحرق لانتاج أكبر كم من الطاقة وتستمر هذه الحالة لمدة 30 دقيقة تقريبا

  • المرحلة الثانية: النشوة High

حالة من الاكتمال Well-being .. يشعر الانسان خلالها أنه أذكى، قادر على انهاء أي مهمة بقدرة عالية على الحلول الابداعية، أكثر قدرة على الجدال وأكثر رغبة في التفاعل، يشعر بقدر عالي من الثقة، وتستمر من 4 الى 16 ساعة

  • المرحلة الثالثة: الالتهام Meth Binge

وفيها يشعر الانسان برغبة الملحة في تعاطي المزيد من المخدر للحفاظ على الحالة السابقة، وهنا من المحتمل أن تتغير طريقة التعاطي، فاذا كان يتعاطى عن طريق التدخين يجرب الشم واذا كان بالشم يجرب الحقن للحفاظ على الوضع السابق وفيها يحدث شكل من التهام المخدر أقرب للجنون، وفي كل مرة يتعاطى المزيد يشعر بنفس شعور المرحلة الأولى “الاندفاع” ولكن أقل من الناحية الكمية وتستمر من 3 الى 15 يوم حتى لا يستطيع المخدر أن يُتيح للانسان لا المزيد من الاندفاع ولا المزيد من النشوة.

  • المرحلة الرابعة: الاقتلاع Tweaking

المرحلة الأخطر، يُقتلع فيها الانسان عنوة من ارتباطه بالميث، لا يستطيع المخدر الآن أن يُعطي لا المزيد من الاندفاع ولا المزيد من النشوة، وترتبط هذه المرحلة بجرائم العنف المرتبطة بالميث، وفيها لا يستطيع الانسان التخلص من مشاعر مخيفة من الخواء النفسي ولا يستطيع التحكم في الدوافع القوية للحنين اليه، ويفقد فيها الانسان شعوره بذاته ولا يستطيع النوم لأيام متواصلة ويعيش في عالمه الخاص حيث يرى ويسمع أشياء ليس لها وجود وتكون هذه الهلاوس مقنعة جدا في تصوره ويكون عادة في مرحلة كاملة من الاضطراب العقلي ويحدث هنا تلك الظاهرة الشهيرة لمتعاطي الميث وهي ال meth bugs  حيث يشعر أن هناك حشرات تسري تحت الجلد فيحاول أن يقتلعها بنفسه فتحدث هذه الجروح والتشوهات الجلدية في أنحاء متفرقة من الجسد وفي هذه المرحلة يكون الانسان شديد الخطورة على نفسه وعلى الآخرين.

  • المرحلة الخامسة: الانهيار Crush

لا يستطيع الجسد الآن أن يتعامل مع هذه التأثيرات والحوافز القوية والأعلى بكثير من قدرته على التحمل وهذا يُحدث فترة طويلة جدا من النوم تستمر من يوم الى ثلاثة أيام

  • المرحلة السادسة: آثار ما بعد الرحلة Hangover

وفيها يعود الانسان في حالة متدهورة من شدة الاستنزاف، يتضور جوعا وعطشا ومستنزف جسديا وعقليا ونفسيا وشعوريا وتستمر هذه الحالة من يومين الى 14 يوم

  • المرحلة السابعة والأخيرة: الانسحاب Withdrawal

المرحلة الأكثر ايلاما، في البداية يشعر الانسان بفقدان للطاقة والشغف، وهنا يظهر الاكتئاب وقد تتطور هذه الحالة الى ميول انتحارية وتستمر من 30 الى 90 يوم وفي البرامج العلاجية يصعب اقناع الشخص بأن ما يشعر به مؤقت ولكن بسبب طول المدة وايلام المشاعر تظهر الصعوبة البالغة في علاج مدمني الميث حيث يتعرض 30% الى الانتكاس في هذه المرحلة.

كيف يعمل الميثامفيتامين؟

ولفهم أعمق لهذه الرحلة من المهم فهم  آلية عمل الميث، فهو له قدرة هائلة على تحفيز الجهاز العصبي المركزي -وهو المسئول عن ادارة الجسم، ادراكا وشعورا ومادة- عن طريق زيادة افراز الدوبامين وكذلك استمرار تأثيره لفترة أطول، فما هو الدوبامين؟

الدوبامين هو ناقل عصبي في المخ يتدخل بشكل فعّال في “دوامة المكافأة” ولتوضيح تلك الدوامة لتستحضر معي تلك النشوة الفائقة السابقة مباشرة لأي انجاز أو نجاح أو لذة قريبة الوصول، هذه هي المكافأة، فالمخ يكافئك على ما أنجزته وعند تحفيزها يُفضل المخ البقاء في هذه الحالة، تلك هي الدوامة .. ومن باب “دوامة المكافأة” بالتحديد يدخل ادمان الشابو.

وكذلك يتدخل الدوبامين في صنع الدوافع لأي تصرف أو سلوك أو نشاط وكذلك في تشكيل الوظيفة الحركية الارادية الفاعلة المتطورة عن رد الفعل التلقائي، هذا الذي يحدث اذا اقتربت مثلا من النار، فهذا البعد الفوري التلقائي اللاارادي هو رد فعل بدائي يهدف الى البعد عن مسبب الألم قد تطور عنه فعل غائي ارادي هادف مقصود، هذا الذي يتدخل في صنعه الدوبامين.

ويُحفز الميث الدوبامين بمسارين، الأول هو زيادة افرازه والثاني هو الحفاظ على استمراره –وفي هذا يتفوق على الكوكايين- وبذلك نستطيع الآن أن ندرك كيف زاد الانتباه الى هذا الحد لدى المتعاطي وكيف زاد النشاط الجسدي بهذه القوة، وكيف خُلقت السعادة بهذا الشكل المفاجئ.

عواقب إدمان الميث

بنفس نمط “التريب” أو الرحلة يكون ادمان الميث، ذلك التعاقب السريع والمفاجئ والحاد بين كل شئ في بداية الرحلة وعكسه في نهايتها تسير الرحلة الأكبر في المستوى والأخطر في العواقب، وهي رحلة الادمان.

ولعواقب ادمان الميث قائمة طويلة ومازالت قيد التوسع بناءا على الدراسات والأبحاث في هذه القضية، وبناءا على المعلومات المتاحة لدينا الآن فان لادمان الميث عواقب شديدة الخطورة، وأولها الادمان نفسه، فالادمان مرض يتطور من مرحلة “التعود” وهو تسامح الجسم مع المادة وتأقلمه عليها وفي هذه المرحلة يضطر المتعاطي الى تعاطي كمية “أكبر” من المخدر للوصول الى “نفس” التأثير ثم ينتقل الى مرحلة “الاعتمادية” وفيها يشعر الانسان بمشاعر غير مريحة في غياب المخدر وحنين شديد اليه، ومن هذه المرحلة ينتقل الى الادمان وهو البحث القهري عن المخدر حتى ولو على علم بآثاره السلبية.

يسبب ادمان الميث كذلك الشعور الدائم بالقلق، تشوش وارتباك وأرق، تقلبات مزاجية عنيفة، ومن المحتمل ظهور اضطرابات عقلية مثل البارنويا أو جنون الارتياب، وهلاوس سمعية وبصرية وقد تستمر هذه الاضطرابات لمدة شهور وسنين مما يشير بشكل واضح الى حدوث خلل وظيفي وتركيبي في بعض المناطق في المخ، وبالفعل تشير الدراسات أن الميث يغير في تركيب بعض المناطق في المخ المسئولة عن الكثير من الوظائف العليا.

ونتيجة لذلك يحدث خلل في الانتباه، والانتباه مصطلح واسع يشمل الكثير من الوظائف التي يقوم بها المخ ببراعة مثل التركيز ونقل التركيز من شئ لآخر بانسيابية والابقاء على التركيز لفترات طويلة، وكذلك خلل في القدرة على حل المشاكل، وايضا اضطرابات في الوظائف الادراكية والقدرة على التحكم في المحفزات الداخلية، وكذلك اضطرابات في الذاكرة وهي وظيفة شديدة التعقيد حيث تشمل القدرة على تشفير المعلومات الواردة وحفظها واستدعائها حين الحاجة وفك الشفرة ثم القدرة على تمثلها، واضطرابات في الوظيفة الحركية.

الارتباط بين إدمان الميث والعنف

ارتباط تعاطي الميث بالعنف يحدث بمسارين، الأول بشكل كلي وشامل لحالة تعاطي الميث حيث تتسارع نبضات القلب ويرتفع ضغط الدم وتزيد سرعة التنفس وحالة عدم النوم لفترات طويلة وحرق موارد الجسم بهذا الشكل الهائل، والمسار الآخر هو تأثير المخدر نفسه على المخ وما تتطور اليه الحالة العقلية من الشعور الدائم بالاضطهاد وحالة البارانويا وكذلك خلل في الوظائف الادراكية والتأقلم الاجتماعي والتحكم في النفس والقدرة على السيطرة على المؤثرات الداخلية، وعند حدوث خلل على هذا القدر فان كل هذه الوظائف تتأثر، وبالتفاعل بين المتعاطي والميث والموقف فان لجوء الشخص للعنف له الكثير من المنابع والمحفزات، وعامل واحد فقط من هذه العوامل كافي لدفع المتعاطي الى ارتكاب حوادث عنف بهذه البشاعة.

وهناك أيضا احتمالية كبيرة للاصابة بالايدز، وهذا ليس فقط لدى من يتعاطون المخدر عن طريق الحقن بل لدى جميع مدمني الميث، فالميث يُحفز بطبيعته الرغبة في المخاطرة وهو ما يدفعه الى الدخول في علاقات جنسية خطرة وغير مسئولة دون اتخاذ اجراءات الحماية الكافية سواء أكان مثلي الجنس أو غيري وذلك رابط مهم يكشف عن علاقة الميث بالجنس، فبوضع العوامل السابقة في الاعتبار مع توافر المؤثرات المرتبطة بالجنس تحدث زيادة في الليبيدو، أي النهم الجنسي يُصبح أكثر شراهة ومن هذا الباب يكون مجتمع متعاطي الميث في دائرة خطر الاصابة بالايدز.

أما عن الآثار الجسدية لادمان الميث فيحدث نقصان شديد في الوزن وفقدان للشهية ومشاكل خطيرة في الأسنان في ظاهرة تعرف ب Meth Mouth  وهي ظاهرة قد تتطور لدى البعض الى النقطة التي تُفقد فيها الأسنان كليا.

وماذا عن العلاج؟

من الممكن تعافي مدمني الميث اذا كان لديهم فرصة للوصول الى العلاج الكفؤ بتقنيات العلاج السلوكي والمعرفي واعادة التأهيل الاجتماعي والعلاج الدوائي لما يظهر من أعراض أثناء فترة الانسحاب وتستمر الأبحاث في تطوير طرق أقوى للعلاج مثل تحفيز المخ بطرق غير اختراقية مثل التعرض للمجال المغناطيسي.

تاريخ الميث

بالرغم من أنه أصبح تهديد قوي في السنوات الأخيرة الا ان الميث ليس مخدر جديد، لأول مرة صُنع الامفيتامين في ألمانيا في نهايات القرن التاسع عشر، أما الميث الأقوى والأسهل في عملية التصنيع فقد اكتُشف في اليابان عام 1919 ولأنه يذوب في الماء فقد كان مثالي لاستخدامه في الحقن، وكان الاستخدام الأوسع له في الحرب العالمية الثانية، استخدمه الطرفان للابقاء على جنودهم في حالة من التركيز وعدم النوم وفقدان الشهية والتحفز للأخطار، وكان يُعطى بكميات كبيرة للطيارين اليابانيين قبل أن يقوموا بعملياتهم الانتحارية “كاميكازي”.

بعد الحرب وبعد اتاحة المخازن الحربية للاستهلاك الشعبي وصل الأمر في اليابان الى حد الوباء.

في الخمسينيات كان يُستخدم استخدامات طبية محدودة لانقاص الوزن وفي حالات الاكتئاب المستعصية وهذا قبل أن يعرفه طلبة الجامعات وسائقي النقل والرياضيين.

في السبعينيات احتكرت عصابات الدراجات البخارية عمليات التصنيع والتوزيع وكان وقتئذ معظم متعاطيه من المناطق الفقيرة الذين لم يستطيعوا تحمل تكاليف الكوكايين الباهظة.

في التسعينيات قامت العصابات المكسيكية بانشاء معامل ضخمة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة وانتشرت بالتوازي مع ذلك معامل صغيرة قابلة للنقل في البيوت، كانت هذه المعامل تشبه تلك العربة الشهيرة في مسلسل Breaking Bad

ثم دخل الميث الى اوروبا، أما الآن فالمورد الأول في العالم للميث هي الصين.

الدور الصيني في تصدير الميث.. مخدر الشيطان إلى العالم

في تقرير للجنة الأمريكية – الصينية المشتركة للأمن والتجارة منشور بتاريخ 7/2016 جاء فيه: “مصدر 90% من الميث المستهلك في الولايات المتحدة من المكسيك، ومصدر 80% من المادة المستخدمة في صناعة الميث في المكسيك من الصين”

ولفهم أعمق لدور الصين كمصدر عالمي لصناعة الميث من المهم أن نلقي نظرة على الصناعة الدوائية والكيميائية في الصين، فالصين هي ثاني اكبر دولة في العالم في صناعة الدواء فهي تنتج وتصدر كميات هائلة من المواد الكيميايئية المستخدمة في صناعة الأدوية، وبسبب حجم السوق الكبير فان المواد الكيميائية تستمر في الانخفاض سعرا وجودة بشكل عكسي مع تزايد حجم السوق، ومستوى الرقابة على الصناعة الدوائية في الصين ليست على نفس المستوى من التقييد الضروري لسوق دوائي بهذا الحجم، وهناك الكثير من التهرب في الصناعة الكيميائية غير الدوائية حيث تُعرّف بعض الشركات نفسها لدى الحكومة الصينية ورقيا انها غير دوائية، والتي بالتأكيد تحتاج الى تقييدات اقل من تلك الدوائية، لتترك نفسها في تلك المنطقة الرمادية التي تبعد القانون عنها وتستطيع كذلك الدخول في الصناعات الكيميائية وهذه الشركات من احد اهم موارد المواد المستخدمة في صناعة الميث ولأن المواد المستخدمة في صناعة الميث نفسها هي مواد قانونية تستطيع الشركات الصينية تصدير كميات كبيرة منها بتسهيلات كبيرة في عملية التصدير قد كفلها لها حجم السوق الهائل والمتسع عالميا مما أدى الى انخفاض سعره مقارنة بالكوكايين مثلا وهو ما جعله شائع الاستخدام وكثير التداول حول العالم، وكذلك فان السلطات في الكثير من البلاد أبطأ من التطور الهائل في الصناعة الدوائية في الصين، فعلى سبيل المثال عندما وُضع الميث نفسه تحت أعين السلطات وأصبح سهل الاكتشاف، اتجهوا الى تصدير المادة التي يُصنع منها الميث، وعندما اكتُشفت هذه المادة أيضا اتجهوا الى تصدير المادة التي يُشتق منها المادة التي يُشتق منها الميث، فاذا كان الميث هو قطعة كيك واكتُشفت صدّروا الدقيق، وعندما اكتُشف الدقيق صدروا القمح وكلما ارتفعت رأسيا في مستويات التصنيع كلما قلت المسئولية القانونية.