هذه الأطعمة خطيرة على صحة الدماغ

  •  الحد من استهلاك الأغذية غير الصحية
  • تحاصر إعلانات الأطعمة فائقة المُعالجة الناس

 

بألوانها المثيرة للشهية ومذاقها المحبب للكثيرين، تحاصر إعلانات الأطعمة فائقة المُعالجة، الناس في كل مكان تقريبًا، من التلفزيون إلى الشوارع، مرورًا بوسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ يقبل عليها الناس بكثرة غير مبالين بما قد تحمل لهم من أضرار صحية.

الحساء الجاهز، والنقانق، والبطاطا المقلية، والمشروبات الغازية، والبسكويت، والوجبات السريعة، أطعمة ومشروبات باتت تطاردنا في كل مكان، ونقبل عليها بكثرة، في ظل رتم الحياة السريع الذي تفرضه متغيرات العصر.

لكن يجب الانتباه إلى أنه، رغم منظرها المحبب، ومذاقها اللذيذ، وتحضيرها السريع، وسعرها المنخفض، إلا أن محتويات الأطعمة فائقة المعالجة مختلفة كليًا عن الأطعمة التقليدية التي تُحضّر بالمنزل؛ إذ تحتوي المشروبات المحلاة بالسكر ومنتجات اللحوم المعاد تصنيعها والوجبات الخفيفة المعبأة

عادةً على مقدار قليل جدًا من المكونات الكاملة، مقابل نسبة كبيرة من المُنكهات أو المُلونات والإضافات الأخرى.

من هنا تأتي خطورة الأطعمة فائقة المُعالجة على الصحة، لأن هذه التركيبات الصناعية للمواد الغذائية المصنعة (الزيوت والدهون والسكريات والنشا والأملاح) تحتوي على القليل من الطعام أو لا تحتوي على طعام كامل؛ حيث أنها ناتجة عن “عمليات فيزيائية وبيولوجية وكيميائية” واسعة النطاق،

تكون حصيلتها في النهاية أطعمة ناقصة في الغذاء الأصلي والطبيعي، ناهيك عن احتوائها على نسب مرتفعة من المنكهات والملونات والمستحلبات وغيرها من الإضافات التجميلية.

 

الدماغ

صورة تعبيرية (سوشيال ميديا)

انتبه لصحة عقلك

ما يعلق في الأذهان عن هذه الأطعمة، أنها تجلب السمنة وما ينجم عنها من أضرار أبرزها السكري والقلب، لكن دراسة حديثة كشفت عن تأثيرات سلبية أخرى أبعد من ذلك، تمس صحتنا العقلية.

وفق المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة، يعاني ما يقرب من 1 من كل 5 بالغين من مرض عقلي، وتعتبر الأمراض العقلية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق، من الأسباب الرئيسية للمرض والعجز والوفاة.

وفي أحد العوامل التي يمكن أن تفاقم الأمراض العقلية، حذّرت أمريكية جديدة من أن الأفراد الذين يستهلكون كميات كبيرة من الأطعمة فائقة المُعالجة، يبلغون بشكل ملحوظ عن أعراض صحية على العقل أكثر سلبية بما في ذلك الاكتئاب والقلق.

هذه الدراسة ليست الأولى التي تتحدث عن ارتباط الإفراط في استهلاك الأطعمة فائقة المُعالجة بالاكتئاب، لكن البيانات السابقة كانت متفرقة فيما يتعلق بأعراض الصحة العقلية الضارة الأخرى، بما في ذلك القلق والاضطرابات العقلية.

ولحسم هذا الجدل، استكشف باحثون من كلية الطب بجامعة فلوريدا أتلانتيك الأمريكية بالتعاون مع عدد من الجامعات في الولايات المتحدة، عينة تمثيلية على المستوى الوطني لسكان الولايات المتحدة، لتحديد ما إذا كان الأفراد الذين يستهلكون كميات كبيرة من الأطعمة فائقة المًعالجة يبلغون بشكل ملحوظ عن أعراض صحية عقلية أكثر سلبية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق.

للوصول إلى نتائج الدراسة، راقب الباحثون 10359 بالغًا تزيد أعمارهم عن 18 عامًا، كانوا ضمن المسح الوطني لفحص الصحة والتغذية بالولايات المتحدة، وقام الفريق بقياس الاكتئاب الخفيف، وعدد الأيام التي شعر فيها المشاركون بالقلق والاكتئاب.

النتائج أظهرت أن الأفراد الذين يفرطون في تناول الأطعمة المعالجة لديهم زيادات ذات دلالة إحصائية في أعراض الصحة العقلية السلبية للاكتئاب الخفيف وأيام القلق التي عاشوها، مقارنة مع أولئك الذين تناولوا أقل كمية ممكنة من تلك الأطعمة.

الباحثون أشاروا إلى أن نتائج هذه الدراسة قابلة للتعميم على الولايات المتحدة بأكملها، وكذلك الدول الأخرى التي لديها مآخذ مماثلة من الأطعمة فائقة المعالجة.

ماذا تعني الأطعمة فائقة المُعالجة؟

هناك تصنيف وُضع لترتيب الأطعمة والمشروبات وفقًا لطبيعة العمليات الصناعية التي خضعت لها قبل أن نتناولها. هذا التصنيق يحمل اسم (NOVA) وهو نظام تم اعتماده مؤخرًا من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”.

الدماغ

صورة أكل غير صحي (سوشيال ميديا)

هذا النظام يُصنف الأطعمة إلى 4 مجموعات، الأولى الأطعمة غير المُصنعة أو المعالجة بالحد الأدنى، وهي التي لم تخضع لأي تغيير أو لا تحتوي على مكونات مضافة، مثل السبانخ المغسولة والمعبأة في أكياس، أو الفاكهة الطازجة المقطعة مسبقًا أو الخضروات المجمدة بأقل قدر ممكن، وهي أُعدّت لتكون أكثر ملاءمة للاستهلاك، لكن قيمتها الغذائية لم تتغير، وهذه المنتجات ذات قيمة غذائية عالية، كما أنها مكوناتها تعتبر طبيعية وبالتالي تندرج تحت الطعام الصحي.

أما المجموعة الثانية، فهي مكونات الطهي المصنعة، وتشمل الزيت والزبدة والسكر والملح والأعشاب المجففة والتوابل، وتتم إضافتها إلى الأطعمة الأخرى، بدلاً من تناولها بمفردها.

وفي المرتبة الثالثة تأتي الأطعمة المُصنّعة، والتي يتم تغيير مكوناتها جُزئيًا عن طريق إضافة السكر والزيت والدهون والملح ومكونات الطهي الأخرى بشكل ضئيل، مثل الجبن والخبز المصنوع منزليًا، وهذه المأكولات صنعت بطريقة لا تضر بصحتنا.

أما محور حديثنا في هذا المقال، وهي الأطعمة فائقة المُعالجة، فهي أطعمة يتم تغيير مُكوناتها تمامًا وتحتوي على مستويات عالية من الدهون غير الصحية والسكريات المُكررة والملح، كما أنها تخضع لعمليات صناعية، مثل الهدرجة والقولبة، وتحتوي على مواد مضافة مثل الأصباغ والمثبتات ومُحسنات النكهة والمستحلبات. هذه الأطعمة تعتبر كثيفة السعرات الحرارية ولا تحتوي على الكثير من العناصر الغذائية القيّمة، وتمت صناعتها لتكون سهلة التحضير ولذيذة للغاية ومربحة للغاية للشركات التي تصنعها، لكنها قد تضر بصحتها إذا أكثرنا من تناولها.

ومن أشهر أنواع الأطعمة فائقة المعالجة، المشروبات الغازية والوجبات الخفيفة المعبأة الحلوة والمالحة مثل رقائق البطاطس والبسكويت، وحبوب الإفطار، والمكرونة سريعة التحضير، والوجبات السريعة، والنقانق واللحوم الباردة.

أضرار بالجملة.. ما السر؟

هناك إجماع بأن الأطعمة فائقة المُعالجة غير صحية. وأجريت مئات الدراسات التي ربطت بين الإفراط في تناول هذه الأغذية وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب وزيادة الوزن والسرطان وحتى الوفاة، لكن ما السر؟

“المعالجة الفائقة للأغذية تستنفد قيمتها الغذائية وتزيد أيضًا من عدد السعرات الحرارية، لاحتوائها على نسب عالية من السكر المضاف والدهون المشبعة والملح، بينما تحتوي على نسبة منخفضة من البروتين والألياف والفيتامينات والمعادن والمواد الكيميائية النباتية”، حسب إريك هيشت، قائد فريق البحث وأستاذ مشارك في كلية الطب بجامعة فلوريدا أتلانتيك.

وأضاف أنه “تم تصنيف أكثر من 70% من الأطعمة المعبأة في الولايات المتحدة على أنها أطعمة فائقة المعالجة وتمثل حوالي 60% من إجمالي السعرات الحرارية التي يستهلكها الأمريكيون. ونظرًا لحجم التعرض وتأثيرات استهلاك الأغذية فائقة المعالجة، فإن دراستنا لها آثار إكلينيكية وصحية عامة كبيرة”.

هناك دراسة أخرى نشرت قبل أيام، وأجريت على أشخاص من الولايات التحدة وإيطاليا، ربطت بين تناول الكثير من الأطعمة فائقة المُعالجة وزيادة خطر إصابة الرجال بسرطان القولون والمستقيم على نحو كبير، بالإضافة إلى تسببها بأمراض القلب والوفاة المبكرة لدى كلّ من الرجال والنساء.

وشملت الأطعمة فائقة المُعالجة التي رصدتها الدراسة، أنواع الحساء الجاهزة، والصلصات، والبيتزا المجمدة، والوجبات الجاهزة، والنقانق، والبطاطس المقلية، والمشروبات الغازية، والبسكويت الذي يتم شراؤه من المتجر، والكعك، والحلويات، والدوناتس، والبوظة.

علاوة على ذلك، أظهرت أبحاث سابقة أن سر خطورة تلك الأطعمة أيضا أنها تغير طريقة استجابة أجسامنا للغذاء، ما قد يعرض صحتنا للخطر.

إحدى الدراسات قامت بتحليل النظم الغذائية لأكثر من 44 ألف بالغ فرنسي لمدة 7 سنوات ووجدت أن الاستهلاك العالي للأطعمة فائقة المُعالجة كان مرتبطًا بزيادة خطر الوفاة. وتوصلت دراسة أجريت على مايقرب من 20 ألف بالغ في إسبانيا إلى نتائج مماثلة.

الدماغ

دراسة كبيرة أخرى أجريت على أكثر من 100 ألف بالغ فرنسي تمت متابعتها على مدى 5 سنوات، كشفت أن تناول المزيد من الأطعمة فائقة المًعالجة كان مرتبطًا بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب. ووجد تحليل مماثل لنفس المشاركين أن زيادة بنسبة 10٪ في استهلاك الأطعمة فائقة المُعالجة مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالسرطان بنسبة 12٪.

وفي تجربة أخرى، تناول المشاركون فيها نظاما غذائيا مثلت الأطعمة فائق المعالجة حوالي 80% من سعراته الحرارية لمدة شهر، وبعد انتهاء الشهر، رصد الباحثون مجموعة من الأعراض مثل قلة النوم وحرقة المعدة والخمول والإمساك والبواسير وزيادة الوزن بمقدار حوالي 7 كيلوجرامات.

كما سجلوا زيادة في الهرمون المسؤول عن الجوع وانخفاض في الهرمون الذي يجعلنا نشعر بالشبع، وهو ما قد يفسر سبب الوزن الزائد لدى كثيرين.

وكشفت فحوصات نشاط الدماغ أن المناطق المسؤولة عن المكافأة قد ارتبطت بالمناطق التي تدفع السلوك التلقائي المتكرر، وبشكل مبسط، أصبح الدماغ يدمن الأطعمة فائقة المُعالجة، وهو ما يكشف سر إدمان البعض على تناولها.

كيف يمكن الحد من استهلاكها؟

عادة يلجأ البعض إلى الأطعمة فائقة المعالجة لعدة أسباب منها أن صلاحيتها تدوم طويلا خاصة إلى كانت مُعبلة ومُجففة، ويمكن نقلها لمسافات طويلة بسهولة، وتتطلب القليل من الوقت للتحضير، بالإضافة إلى انخفاض سعرها مقارنة بالأطعمة الطازجة.

وبعيدًا عن من لا يملكون رفاهية الوقت والمال لتناول الأطعمة الطازجة على الدوام، ويقبلون على الأطعمة المعالجة فقط لأن طعمها لذيذ، ببساطة هناك حيلة يمكننا اتباعها لتقليل كمية الطعام شديد المُعالجة، عن طريق إعطاء الأولوية للأطعمة غير المُصنعة أو المعالجة بالحد الأدنى، مثل الفاكهة والخضروات الطازجة والمجمدة، والفواكه المجففة والمكسرات بدون سكر أو ملح أو زيت مضاف، بالإضافة إلى البقوليات مثل الحمص والعدس والفول، والكربوهيدرات النشوية من الحبوب الكاملة مثل خبز القمح الكامل والشوفان ومعكرونة القمح الكامل، ناهيك عن اللحوم الطازجة والدواجن والأسماك والبيض، بالإضافة إلى الزبادي الطبيعي دون سكر مضاف، والبهارات والأعشاب، والشاي والقهوة والماء.

هناك أيضًا تدابير يمكن اتباعها لتقليل تلك الأطعمة وهي: طهي الطعام في المنزل بقدر ما تستطيع، وإحضار الغداء من المنزل إلى المدرسة أو العمل، وفحص الملصقات الغذائية للأطعمة، لاكتشاف محتوياتها من الدهون المشبعة والصوديوم وكمية السكر، وتناول وجبات خفيفة من مُعدّة من الحبوب الكاملة كالقمح والشعير والشوفان، بدلاً من الوجبات الخفيفة المعبأة مسبقًا.

في النهاية، علينا أن نتفق أنه من الصعب أن نمنع تناول الأطعمة فائقة المُعالجة بشكل نهائي، لكن يجب أن نتحلى بالإرادة ونقلل تناولها لأدنى قدر ممكن، ويفضل أن نستبدلها بالأطعمة الصحية لتحقيق توازن أفضل في نظامنا الغذائي، فالصحة كنز يستحق أن نتحلى بالإرادة من أجله.