واقع خريجي الجامعات السورية في تركيا

الكثير من الطلبة السوريين يعتقدون أن تحقيق حلمهم سيكون بعد تخرجهم وتسلمهم شهادة التخرج من الجامعة وقد رسموا في مخيلاتهم تصورات كثيرة لمستقبلهم لكن الصعوبات تبدأ عند التخرج، هكذا وصف الطالب علي عصفور حاله والذي تخرج من جامعة غازي عنتاب جنوب تركيا هذا العام من فرع الهندسة المدنية.

يقول علي عصفور في حديثه لأخبار الآن: “انني دخلت تركيا عندما كنت في سن المراهقة وطفل في عام 2013 وعندها بدأت تعلم اللغة التركية ومواصلة تعليمي في المدارس التركية وبعد سنوات أصبحت مقبل على الدخول للجامعة ليكون العائق الأول أمامي وهو امتحان قبول الطلبة الأجانب في تركيا المعروف باسم ( YÖS ) والذي يتطلب الدارسة والتحضير على الأقل لعام أو أكثر على حساب الطالب”

البطالة والعمل خارج التخصص.. واقع خريجي الجامعات السورية في تركيا

الطالب علي عصفور من ريف حلب وهو يعيش الآن في غازي عنتاب جنوب تركيا متخرج من جامعة غازي عنتاب فرع الهندسة المدنية

وتابع علي: “كنت في ذلك الوقت أعمل وأدرس في أحد المعاهد والذي يدعى “الأوائل” في غازي عنتاب غازي مختار باشا والذي يشرف عليه لاجئين سوريين أشرفوا على فتحه من أجل تعليم اللغة التركية وكذلك امتحان الطلبة الأجانب “اليوس” و “السات” من قبل أساتذة سوريين وكنت في ذلك الوقت أدفع أقساط المعهد من مالي الخاص رغم أن الرسومات كانت مرتفعة جدا ولكن كنت أريد أن أدرس في معهد ذو مستوى جيد من أجل بلوغ حلمي وهو فرع الهندسة المدنية وبعد عام قدمت لأكثر من 17 امتحان كما تفرض الجامعات التركية هذا الامتحان على الطلبة الأجانب من أجل الالتحاق بجامعتها ومنها من يتم قبوله بعد خضوعه لبعض الامتحانات من قبل الجامعات الأخرى ويعود ذلك حسب نظام الجامعة وتصنيفها”

البطالة والعمل خارج التخصص.. واقع خريجي الجامعات السورية في تركيا

يعمل علي عصفور الان في مطبخ شاهين بيه مساعد طباخ وكما يعمل في معمل صنع أحذية في الوقت نفسه تخرج هذا العام 2022

ويتابع علي في حديثة لأخبار الآن: “تقدمت لأكثر من 17 امتحان وحصلت على درجات شبه تامة وعندما بدأت المفاضلات الجامعية التركية كرست وقتي للتقدم على الجامعات وكان الرد في معظم الأحيان “الرفض” رغم أنني حصلت على علامة شبه تامة ولكن الكثير من الجامعات ترفض الطلبة السوريين حسب وصفه وبعد عناء وتعب تم قبولي في جامعة غازي عنتاب الحكومية وكان ذلك بدايةً لمشواري.”

وأضاف: “طلبت مني الجامعة شهادة اللغة رغم أنني قد درست الثانوية في تركيا ورغم ذلك اشترطت شهادة لغة تركية حتى مستوى B2 للتسجيل فقط و مستوى C1 من أجل التخرج وهو مستوى جدا مرتفع.”

وبحسب علي فكان العقبة الثانية أممه هي تعلم اللغة باحترافية و كأنه طالب تركي الجنسية حيث من المعروف امتحان هذه الجامعة للغة ذي مستوى عال جدا، وأكد الطالب علي أنه دفع تكاليف تعلم اللغة من مصروفه اليومي حيث لم يستطع الحصول على أي منحة مالية أو حتى دراسية وبعد عامين دخل الجامعة وبدأ في مشواره حلمه”.

البطالة والعمل خارج التخصص.. واقع خريجي الجامعات السورية في تركيا

قال علي: “كانت السنة الأولى لي جدا صعبة لم أكن أفهم شيء رسبت في الكثير من المواد واجهتني صعوبة وكنت أخجل أمام الطلبة الأتراك لم يكن أحد يقدم لي المساعدة كانت عنصريتهم شديدة جدا تجاهي ودائما ما أواجه عبارة لماذا لا تذهب وتدرس في بلدك سوريا وبعد سنوات اعتدت على هذا الخطاب العنصري واستطعت أن أثبت نفسي بينهم وتحول الكره إلى حسد ممزوج بكره لا يوصف من قبلهم لكونني اعتبر سوري الجنسية وبعد السنة الثالثة حصلت على الجنسية التركية كوني طالب وكنت محظوظ بذلك لأني الوحيد من بين أبناء دفعتي من الطلبة الأجانب الذين حصلوا على الجنسية وتخرجت هذا العام 2022 وكان مطلوب مني قبل التخرج بتدريب وقمت به لمدة لا بأس بها وهنا كنت أظن أنني سأتوظف في أكبر الشركات في إسطنبول وكان هذا حلمي ولكن بعد فترة طويلة لم أجد أي عمل وكنت قد تكبّدت أعباء ديون مالية كبيرة خلال فترة دراستي ويجب أن أقوم بتسديدها مما اضطرت للعمل مساعد طباخ في مطبخ بلدية شاهين بيه في غازي عنتاب”

يواصل الطالب علي حديثه: “عندما دخلت للمطبخ وسألوني الأتراك ما هي مهنتك وأخبرتهم أنني مهندس الجميع ضحك وقال سوف تنضم إلينا تبين لي أن جميعهم أساتذة و أصحاب شهادات والجميع يعمل هنا من أجل راتب عسكري أجرة وهو الحد الأدنى في تركيا والذي لا يغطي تكاليف الحياة، تردد في بالي يومها مقولة كان يقولها جدي لي وهي أن الدراسة لا تطعم خبز وهذا ما وجدته في حياتي العملية في تركيا البلد الذي كرهته بكل ما أعني من كلمة رغم أنني حصلت على جنسيته ولكن رغم أنني أبن 28 عاما فقد كسى الشيب رأسي”.

هذا هو واقع الطلبة السوريين والذين لا يستطيعون الاستفادة من شهاداتهم ما يدفعهم للعمل خارج تخصصاتهم أو الانضمام إلى عداد الطلبة الأتراك الذين يعيشون البطالة
ولا يعد سوق العمل في تركيا سوقاً جاذباً للخريجين الجامعيين، في ظل بلوغ نسبة البطالة 9.6% خلال شهر آب/أغسطس الماضي، وتعد هذه النسبة منخفضة مقارنة بنهاية العام الماضي حيث وصلت إلى 11.2%.

البطالة والعمل خارج التخصص.. واقع خريجي الجامعات السورية في تركيا

وبحسب آخر إحصائية، بلغ عدد الطلاب السوريين المسجلين في عموم الجامعات التركية خلال العام الدراسي الأخير، 37 ألفاً و326 طالباً سورياً مقابل أكثر من 200 ألف طالب أجنبي، وفقاً لأرقام مجلس التعليم العالي التركي (YÖK).

ويُضاف إلى هؤلاء، الآلاف من خريجي الجامعات، الذين درسوا في سوريا وانتقلوا لاحقاً إلى تركيا مع شهاداتهم الجامعية، ولكن لا يوجد أي إحصاء رسمي حول أعداد هؤلاء الخريجين، بسبب عدم قدرة الكثير منهم على تسجيل شهاداتهم، نتيجة عدم امتلاكهم للوثائق التي تتيح لهم هذه العملية. ولم يتمكّنوا من إيجاد فرص عمل بمجالات اختصاصهم.

البطالة والعمل خارج التخصص.. واقع خريجي الجامعات السورية في تركيا

الطالب محمد طائي من ريف حلب خرج فرع المحاسبة من جامعة كهرمان مرعش تخرج العام الماضي 2021 ويعمل الان في معمل خياطة وكذلك معمل تصنيع أحذية

أما الطالب محمد الطائي من ريف حلب والذي تخرج من جامعة كهرمان مرعش من فرع المحاسبة في العام الماضي والذي كان من بين الطلبة الأوائل في جامعته يقول في حديث خاص

لأخبار الآن : ” حالي لا يختلف عن باقي الطلبة السوريين في جامعتي والذي معظمهم الآن يعملون في تخصصات بعيدة كل البعد عن تخصص تخرجهم ومنهم حتى الآن من لم يجد فرصة عمل يمارس من خلالها ما درسوه في جامعاتهم لسنوات طويلة.”

ويواصل حديثه:” كذلك الحال بالنسبة لي أنا اليوم أعمل في مصانع الخياطة في مدينة مرعش بينما تخرجت من قسم المحاسبة ولم أجد عمل في الشركات سواء القطاع الخاص أو الحكومي لأنني لا أحمل الجنسية التركية ولا يمكنني الذهاب لمدينة أخرى للعمل قبل حصولي على عمل من أجل نقل بطاقة الحماية المؤقتة الخاص بي على أساس العمل وحاولت الذهاب إلى إسطنبول والتي تبعد عني ساعات طويلة وحاولت البحث عن عمل هناك وعندما وجدت عمل بأجر جدا قليل قام صاحب العمل بإخباري أنه لا يمكنني استخراج “سيكورتا” إلا بعد شهرين من العمل التجريبي ومن ثم احتاج لمدة ثلاثة أشهر على الأقل حتى استخرج هذه “السيكورتا” وهي تصريح عمل أي أحتاج على الأقل 5 أشهر حتى أكون قد استخرجت وثيقة العمل من أجل نقل بطاقة الحماية المؤقتة الخاص بي إلى إسطنبول على أساس تصريح العمل وفي حال تم إيقافي من قبل الشرطة في محطات الميترو أو في الطرقات في هذه الفترة سيكون مصيري الترحيل مثل باقي السوريين ويتم إدراجي تحت مسمى العودة الطوعية التي اعتدنا على سماع هذه العبارة.

ويتابع محمد الطائي حديثه:”إن هذا ما دفعني للعمل هنا في المنطقة التي حصلت عليها على بطاقة الحماية المؤقتة والعمل خارج تخصصي فقط من أجل عدم المخاطرة في حياتي وخاصة أنني متزوج و أملك طفل.”

البطالة والعمل خارج التخصص.. واقع خريجي الجامعات السورية في تركيا

المعاناة المتعلقة بتوفر فرص عمل تنطبق كذلك على الخرّيجين من الجامعات السورية، الذين لجأوا إلى تركيا منذ عام 2011 حيث يقول الطالب أحمد الريس والذي دخل تركيا عام 2015 والذي كان يحمل شهادة الإعلام من الجامعات السورية ولكن يقول أن الإعلام مختلف تماما بين سوريا وتركيا ودرست هنا الإعلام و وجدته مختلف تماما وهذا يعني انه ليس هناك أي فائدة لشهادتي وخاصة أن معظم القنوات و الصحف التركية ترغب في توظيف الأتراك أبناء البلد أكثر بكثير من الأجانب وهذا ما دفعني للعمل في مقهى مقابل أجر يومي ورغم أنني لم أتخيل نفسي أن أصل إلى هذا الحال على الإطلاق.

البطالة والعمل خارج التخصص.. واقع خريجي الجامعات السورية في تركيا

أحمد الريس المتحصل على شهادة إعلام من الجامعة السورية

ولا يختلف الحال بشكل كبير عن الطلبة الأتراك وبحسب ما ورد عن مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي المعروف بـ (يوروسات) كان معدل العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات التركية 12.9%، في عام 2004، لكنه ارتفع لاحقاً إلى 14.3 % في السنوات الأربع عشر وأظهرت أرقام مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي المعروف بـ (يوروسات) أن نسبة الجامعيين العاطلين عن العمل بلغت 27.2 في العام الماضي، وبلغ عدد خريجي الجامعات في البلاد من الذين لا يعملون في أي وظيفة، مليون و 350 ألفًا مقابل 565 ألفاً آخرين لا يرغبون بالعمل بعدما فقدوا الأمل في العثور على وظائف مناسبة، على ما ورد في إحصاء مكتب يوروسات.

البطالة والعمل خارج التخصص.. واقع خريجي الجامعات السورية في تركيا

ومع ارتفاع عدد الخريجين السوريين في تركيا، لا سيما في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يشكل عائقا أمام الخريجين الذين ليس أمامهم إلا طريف البحث عن عمل بعيداً عما درسوه في مقاعد الجامعات سواء التركية أو السورية.

وبحسب إدارة الهجرة التركية، فقد ارتفع عدد السوريين المقيمين في تركيا من 14 ألفاً و234 شخصاً عام 2012، إلى 3 ملايين و762 ألفاً و686 سورياً لغاية تاريخ الـ 28 من نيسان، أبريل الماضي.