مرتزقة “فاغنر” في الساحل الإفريقي

  • فاغنر تقتل الأبرياء في مالي
  • المجموعة العسكرية سلاح بوتين في صراعاته الدولية

في مثل هذا الوقت من العام الماضي، وتحديداً في 25 سبتمبر/أيلول 2021، اتهم رئيس الوزراء المالي فرنسا “بالتخلي في منتصف الطريق” عن بلاده مع خفض العديد من قوات برخان، مبرراً بذلك ضرورة “البحث عن شركاء آخرين”.

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول من نفس العام نددت حوالي 15 قوة غربية بينها باريس ببدء انتشار مجموعة “فاغنر” الروسية شبه العسكرية في مالي، وفي 14 فبراير 2022، صرح وزير الخارجية الفرنسي بوجود ألف مقاتل من قوات فاغنر في مالي.

وبالرجوع أسابيع قليلة إلى الوراء، وتحديداً في تاريخ 7 يناير/كانون الثاني 2022، أعلن المتحدث باسم الجيش المالي أن الجنود الروس انتشروا في مدينة تمبكتو الشمالية لتدريب القوات المالية في قاعدة أخلتها القوات الفرنسية، وسط استمرار انعدام الأمن في بلد، مساحات واسعة من أراضيه خارج سيطرة الحكومة.

وقالت الحكومة المالية إن “المدربين الروس” وصلوا إلى البلاد، لكن باماكو وموسكو قدمتا القليل من التفاصيل حول الانتشار، بما في ذلك عدد الجنود المشاركين أو المهمة الدقيقة للقوات الروسية.

مرتزقة فاغنر.. سلاح روسي للتمدد في إفريقيا

وصلت مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية روسية خاصة مرتبطة بالكرملين ووزارة الدفاع والمخابرات الرئيسية، إلى مالي بدعم من القوات المسلحة الروسية، هذا الانتشار بدأ في ديسمبر/كانون الأول 2021 بعد حالة من عدم الاستقرار في منطقة الساحل، ويأتي ظهور فاغنر لتنفيذ الاستراتيجية الروسية لتأكيد نفوذها في المنطقة من خلال وسائل غير شرعية يمكن إنكارها في حالة ارتكابها جرائم ضد الإنسانية.

وتحول المجلس العسكري الحاكم في مالي إلى روسيا بوجود هذه المجموعة لتعزيز موقفها السياسي، فبينما تدرب ظاهرياً القوات العسكرية المالية وتوفر خدمات أمنية لكبار المسؤولين الماليين، فإنها تستفيد أيضاً من وضعها لنشر النفوذ الروسي في القارة وتأمين مكاسب مالية على غرار انتشارها في جمهورية إفريقيا الوسطى حيث تتولى تأمين نظام الحكم مقابل الحصول على امتيازات مالية ومعدنية.

وقبل أيام، اتهمت مصادر محلية مرتزقة من مجموعة “فاغنر” الروسية بارتكاب مجزرة بإحدى البلدات في مالي، وفقا لما ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية.

ولقي ما لا يقل عن 13 مدنياً مصرعهم، في منطقة موبتي على يد قوات مالية مدعومة من قبل “جنود بيض”، بحسب ما قاله مسؤولون محليون، ومسؤول في منظمة مجتمعية لوكالة فرانس برس.

وحدثت تلك “المجزرة”  خلال عملية جوية واسعة النطاق في منطقة معروفة بأنها معقل للجماعات المتطرفة.

وقالت مصادر محلية إن الضربات الجوية أعقبها هجوم بري شنته القوات المالية ومقاتلون من “مرتزقة فاغنر” على إحدى القرى بالقرب من بلدة تينينكو.

بعد عام من دخولها مالي.. المدنيون يدفعون ثمن مجازر فاغنر

وكما في جمهورية إفريقيا الوسطى، أدى تدخل فاغنر في مالي إلى إزاحة الشراكة الفرنسية التقليدية بعد قرار فرنسا بتقليص نشاطها، مما يضخم المنافسة الجيوسياسية الأوسع في إفريقيا، فبينما استخدمت الجهات الفاعلة الروسية المرتبطة بفاغنر المعلومات المضللة لتسهيل أنشطة الشركات العسكرية الخاصة في البلاد، استفاد المجلس العسكري في مالي من المشاعر المعادية للفرنسيين لحشد الدعم المحلي لتقبل وجود قوات عسكرية روسية على الأراضي المالية.

أنشطة فاغنر في مالي

عند وصولها إلى مالي في ديسمبر/كانون الأول 2021 بدأت قوات فاغنر في بناء معسكر خارج محيط مطار موديبو كيتا الدولي في باماكو، جنوب غرب القاعدة الجوية 101، وهي منشأة عسكرية تستخدمها القوات الجوية المالية.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة لوموند أشارت مصادر حكومية فرنسية إلى بناء ما يقرب من اثنتي عشرة خيمة عسكرية، ووجود شاحنات نقل جنود، والعديد من العربات المدرعة في المعسكر الذي تم تشييده حديثاً.

ويكشف تحليل جديد لصور الأقمار الصناعية عن مزيد من التفاصيل في البناء الجاري لقاعدة عمليات عسكرية في مطار باماكو، والتي من المحتمل أن تستخدمها القوات المسلحة الروسية وقوات فاغنر لتسهيل انتشارهم في مالي.

بعد عام من دخولها مالي.. المدنيون يدفعون ثمن مجازر فاغنر

“مجموعة فاغنر”.. النفوذ الروسي في مالي

كما انتقلت القوات العسكرية التابعة لشركة “فاغنر” إلى وسط مالي وبحسب ما ورد في العديد من الأخبار لقد تكبد أفراد فاغنر خسائرهم الأولى في 5 يناير/كانون الثاني عندما اصطدمت دورية مختلطة من مجموعة فاغنر وجيش مالي بعبوة ناسفة بين باندياجارا وبانكاس في منطقة موبتي.

لكن “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، التحالف الرئيسي المحسوب على تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، اختارت “فاغنر” عنوانا رئيسيا لبياناتها في الأشهر الأخيرة.

في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصدرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة في المغرب العربي، بيانًا شديد اللهجة هاجمت فيه مرتزقة شركة فاغنر الروسية المتواجدين في مالي، قائلةً إنهم قتلوا مدنيين أبرياء خلال إنزال بالطائرات على سوق محلي في قرية “غليجي” بمنطقة ماسينا، ورغم أن الجماعة حاولت التودد للشعب المالي عبر هذا البيان إلا أنها أدانت نفسها بطريقة غير مباشرة حينما أقرت بأن قتل المدنيين “جريمة حقيقية”، وهو الأمر الذي تفعله الجماعة في مناطق عديدة من البلاد.

فعلى مدار الأشهر الماضية، شن مقاتلو الجماعة هجمات ضد قرى وتجمعات السكان المحليين في مناطق باندياجارا وسط البلاد، و”أماكرا” و”أينيكر“، شمال شرقي مالي وغيرهما، وخلفت تلك الهجمات مئات القتلى والجرحى، إذ بلغت حصيلتها في يومين فقط (18، 19 يونيو/ حزيران 2022) أكثر من 132 قتيل، وهو ما دفع الحكومة المالية إلى إعلان حالة الحداد الوطني على أرواح الضحايا الذين سقطوا في الهجمات الدامية.

اﻟﻤﺪﻧﻴﻮن ضحايا العصابات الإجرامية في مالي 

ويزيح الصراع بين تنظيم داعش وجماعة ما يُسمى نصرة الإسلام والمسلمين الستار عن الانتهاكات التي يمارسها كل منهما ضد المدنيين، إذ عمد التنظيم إلى فضح جرائم الجماعة ضد المدنيين، وكذلك قامت الجماعة بالكشف عن الهجمات الإرهابية التي يُمارسها التنظيم ضد السكان في مالي.

ففي الحقيقة تعجز الجماعة عن توفير الأمن للسكان التي تجمع منهم الأموال، بل تنسحب من مناطقهم تاركةً إياهم ليقتلوا على أيدي عناصر تنظيم داعش، أو مرتزقة شركة “فاغنر” الروسية التي ارتكبت مجازر بحق المدنيين الماليين، منذ وصولها للبلاد، بنفس طريقة “نصرة الإسلام والمسلمين”.

منذ بداية مارس من العام الجاري، تكثّفت الهجمات والعمليات القتالية في منطقتي ميناكا وغاو، من جانب الجماعات الإرهابية من جهة، ومن قبل قوات الحكومة المدعومة من الروس.

فاغنر

داعش والقاعدة.. وفاغنر على المدنيين في مالي

إذاً تتعاظم حرب النفوذ بين فرعي تنظيمي داعش والقاعدة في مالي، وتحديداً في ولاية ميناكا شمالاً، تلك المنطقة التي تغيب عنها قوّات الجيش، وقد أصبحت تحت نفوذ الجماعات الإرهابية.

من وقت إلى آخر، يشتبك تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في تلك الولاية، فكلّ طرف يتهم الطرف الآخر بقتل مدنيين، الذين هم في المحصّلة الضحايا الوحيدون، أو في الحقيقة هم ضحايا 3 أطراف: تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين – فرع القاعدة في مالي و المرتزقة الروس (الفاغنر) الذين تتعامى حكومة مالي عن جرائمهم.