العاشر من سبتمبر (أيلول) خسر الجيش الروسي في أسبوع ما كسبه من أراضي في خمس شهور

 

شهد يوم العاشر من سبتمبر (أيلول) أكثر الأيام سوادًا وإيلامًا للروس في أوكرانيا، بعدما خسر الجيش الروسي في أسبوع ما كسبه من أراضي في خمس شهور، عبر التنظيم الجيد، واستغلال كافة الموارد والإمكانات المتاحة والمعلومات الاستخباراتية وفيما يبدو تعاون الكثير من السكان المحليين على الأرض، تمكن الجيش الأوكراني من القيام بهجوم مضاد على محور خاركيف-إيزيوم في الشرق، مهد له منذ فترة طويلة عبر عملية خداع استراتيجي ناجحة ضلل فيها الجيش الروسي عبر الإيحاء بأن الهجوم المضاد سيكون على محور خيرسون-ميكولايف، والذي بدأه بالفعل في الثلاثين من أغسطس (آب) لتأكيد خدعته.

أيلول الأسود الروسي.. أكثر الأيام سوادًا وإيلامًا للروس في أوكرانيا

خلال أربعة أيام فقط، لم يجد الجيش الروسي من بد سوى الانسحاب السريع، والتخلي في الكثير من الأحيان عن المعدات العسكرية الثقيلة، والكثير من الوثائق الهامة، والمتعاونين معه من الأوكرانيين باستثناء حوالي 20 ألف تمكنوا من الفرار إلى الأراضي الروسية.

في هذه الليلة ارتفعت أصوات القوميين الروس أكثر من دعموا “العملية العسكرية” الروسية، ورفعوا شعارها (Z)، منتقدين الإدارة العسكرية وعملية الانسحاب، وصولاً لانتقاد بوتين نفسه، وما زاد من غضبهم استمرار الاحتفالات الصاخبة بالذكرى الـ (875) لتأسيس مدينة موسكو، دون أي مراعاة للوضع على الجبهة الذي وصفوه بالكارثي. في هذا التقرير أبرز تصريحات القوميين الروس وبعض المعلقين السياسيين الآخرين، وآرائهم حول عملية الانسحاب الأخيرة.

هل لدى الأوكرانيين قوة خارقة؟

طرح العديد من القوميين الروس، هذا السؤال بصيغ مختلفة، في معرض انتقادهم للأداء العسكري الروسي والانسحابات السريعة مقابل ثبات الأوكرانيين على الأرض.

كتب الكاتب السياسي القومي إيغور خولموغوروف: أكرر السؤال الذي طرحه جميع الوطنيين الغاضبين: ما هو نوع الاعجاز التقني العسكري الذي يسمح للأوكرانيين بالدفاع بنجاح عن مدن (سوليدار وبخموت) لأشهر، بينما تغادر “قواتنا المسلحة مع حلفائها” هذه المدن دون مقاومة تقريبًا؟ كما انتقد من أسماهم “الوطنين الزائفين”، الذين عبروا عن ارتياحهم لحدوث الانسحاب تجنبًا لوقوع خسائر كبرى في القوات الروسية، قائلاً: أنا أعتبر الفرح بأن جنودنا تكبدوا خسائر صغيرة ومحدودة، على الرغم من الخسائر السياسية الفادحة، هو نوع من الدعاية الوطنية الزائفة: أولاً، جميع المواطنين الذين تم تركهم في المناطق “المحررة” حسب وصفه، يجب حسابهم من ضمن الخسائر. ثانيًا، عدم قدرتنا على التمسك بكل قطعة أرض بأيدينا وأسنانا كما يفعل الجميع، بمثابة كارثة أخلاقية ستؤدي إلى خسائر جديدة. كما توقع أن يؤدي النجاح في خاركوف إلى توجه القوات الأوكرانية إلى خيرسون أو ميليتوبول، قائلاً: “اليوم هو يوم عار وطني، مهما حاولت إقناع نفسك والآخرين بخلاف ذلك. هذه ليست النهاية بالطبع، لكن روسيا لم تشهد أيام عار كهذه؛ لذا الليل سيكون طويلاً ومظلمًا”. مختتمًا انتقاده بالقول “كل ما يحدث في روسيا الآن لا يشبه صيف عام 1915، بل فبراير (شباط) 1917.

أيلول الأسود الروسي.. أكثر الأيام سوادًا وإيلامًا للروس في أوكرانيا

الكاتب السياسي القومي إيغور خولموغوروف

الكارثة المتوقعة

كتبت قناة «شبيون» القومية على تيليجرام، تقدير موقف مطول حول ما حدث في خاركيف، معتبرة ما حدث كارثة وطنية متوقعة، جاء في التقرير: “يمكن تسمية الأحداث في اتجاه خاركيف بحق كارثة، لكن بعيدًا عن الآراء الحماسية لم تكن بالتأكيد مفاجأة أو بسبب معجزة، كانت كل العلامات تشير إلى ما حدث منذ وقت طويل”. ما يحدث الآن أمر لا مفر منه. تم وضع سيناريو الهجوم المضاد الأوكراني والاستعداد له منذ عدة أشهر، وكان كل شيء واضحًا ولم يكن سرًا. لسوء الحظ، خلال “العملية العسكرية الخاصة” أصبح من الجيد تجاهل التحديات الجادة على أساس مبدأ فاسد – “لا أتوقع حدوث ذلك”. لاحظت الدولة بأكملها التحول النوعي للوضع في اتجاه خاركيف، حيث بدأ القصف اليومي، وتم تفجير المستودعات والجسور، وحدث ما تخيلته السلطات الروسية مستحيلاً وهجمت القوات الأوكرانية.

أيلول الأسود الروسي.. أكثر الأيام سوادًا وإيلامًا للروس في أوكرانيا

قناة شبيون القومية الروسية على تيليجرام

غالبًا ما يتحدث البعض عن ضعف القدرات الاستخبارية – لكن في هذه الحالة، مرت الإشارات عبر جميع القنوات العسكرية والخاصة على حدٍ سواء. الآن يمكننا أن نلاحظ نتيجة اللامسوؤلية لأولئك الذين كانوا مسؤولين عن سير المعارك، ووضع البلاد في هذا الوضع. من المستحيل تغيير الوضع بين عشية وضحاها، لذلك لا ينبغي أن يتفاجأ المرء من استسلام العديد من المناطق الأخرى، حيث لا يمكن للقوات الروسية المواجهة وحتى لو واجهت سيكون مصيرها الهزيمة والموت في ظل التفوق العددي الأوكراني.

ما يقلقني حقًا هو ما سيحدث لأولئك الذين تعاونوا مع روسيا الآن: “في بالاكليا، كوبيانسك، كراسني ليمان”. مرة أخرى تم خذلان أولئك الذين صدقونا وآمنوا بنا. هل فكر بها أحد؟ أي واحد؟

 

سقوط هيبة روسيا والثقة فيها

اعتبرت قناة «شبيون» القومية على تيليجرام، أن الكارثة الأكبر “ليس فقط أولئك الذين آمنوا بروسيا وتعاونوا معنا على الأرض، ولكن أيضًا موظفو الخدمة المدنية الروس أنفسهم يعانون من وضع شديد الصعوبة.” وإذا كان لدى الروسي المعار مكان ما للعودة إليه، فلن يكون لدى السكان المحليين مكان يهربون إليه. ما اريد ان اقوله. لقد انتهت العملية العسكرية الخاصة منذ فترة طويلة، وهناك حرب مستمرة، ولا أعرف ما الذي يجب أن يحدث أيضًا حتى يتم قبول هذه الحقيقة.

بينما علق خولموغوروف، فيما يخص صورة روسيا وهيبتها، قائلاً: القيمة الوحيدة التي كانت لدى “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، هي إعادة دمج الأراضي المحررة والترويس التصالحي. لقد دمرت أحداث العاشر من سبتمبر (أيلول) هذا الهدف تمامًا، ليس فقط في الأماكن التي دخل فيه الجيش الروسي ولكن أيضًا في الأماكن التي لم يدخلها. لقد انتهى أي حديث عن الاستفتاءات، وفقد التنوير الثقافي مصداقيته، وتمزقت صورة روسيا القوية العظيمة التي من المنطقي الانضمام إليها، والجيش الروسي العظيم الذي كانت انتصاراته عنوان مجده على مر العصور بدلاً من ذلك تعرض للإذلال.

هزيمة في خاركوف واحتفالات صاخبة في موسكو!

أنتقد القوميين بشدة احتفال السلطات بيوم موسكو، وإطلاق الألعاب النارية في هذا اليوم، علقت قناة «شبيون» القومية، على احتفالات يوم موسكو، بالقول: بدت الألعاب النارية في موسكو اليوم خطيئة كبرى، على خلفية هجوم القوات الأوكرانية في منطقة خاركوف. منذ البداية،

ومن خلال تصريحات بيسكوف وزاخاروفا وآخرين، لاحظنا ولادة “عالم بديل”، تروج له السلطات الروسية، حيث تم تسمية الحرب “عملية خاصة” ذات أهداف محدودة، وبدأت المفاوضات مع كييف، حيث لم تكن هناك أهداف ولا نتائج واضحة.

أصبحت الحرب روتينية، وسيطرت أخبارها على وعي المجتمع. في موازاة ذلك، أطلقت وزارة الدفاع الروسية حملة يمكن تشبيهها بحملات “مطاردة الساحرات” من أجل احتكار المعلومات حول سير الأعمال العسكرية.

تم وصف جميع الآراء المستقلة بأن أصحابها من الخونة والجواسيس لأوكرانيا.

نتيجة لذلك، تبين أن المجتمع مرتبك، وفي الواقع تُرك وجهًا لوجه مع الدعاية المعادية.

كما تشكّل إجماع زائف مفروض في القمة على أن الأحداث تتطور وفق سيناريو القرم، وعلى أن هناك سلام ورخاء في الأراضي المحررة، وأن أوكرانيا ستوافق على نتائج الاستفتاء.

في المقابل نقلت أوكرانيا القتال إلى الأراضي الروسية، بقصف شبه يومي للمناطق الحدودية، وأصبحت الهجمات الصاروخية المتعددة اليومية على الجسور ومراكز النقل والمستودعات ومرافق البنية التحتية الحيوية أمرًا روتينيًا في “المناطق المحررة”.

كل هذا تم محوه من الصورة الصافية لـ “المستقبل المشرق”. وهكذا، في سبتمبر (أيلول)، شنت القوات المسلحة الأوكرانية الجديدة المسلحة والمدربة بالكامل من قبل الناتو، هجومًا.

الإضافة الوحيدة لهذا الوضع المأساوي هي أن فجوة الواقع بدأت تهدد كيان الدولة في روسيا وأصبحت مسألة مبدأ بالنسبة للجزء النشط من المجتمع الروسي.

هذه الأحداث إما أنها ستؤدي لولادة نخبة سياسية جديدة، تعمل بشكل جاد على جعل روسيا قوة عظمى؛ أو تزول من خريطة العالم ولا يصبح لها وجود.

علقت إدارة وكالة ميغ القومية الداعمة “للعملية العسكرية” الروسية في أوكرانيا، على احتفالات موسكو بالقول: “موسكو تحتفل على ما يبدو بنجاح القوات المسلحة لأوكرانيا في اتجاه خاركوف.

عمدة موسكو سيرغي سوبيانين، مدير ناجح ولا علاقة له بهذه المهزلة فيما يبدو، لكن الأشخاص المسؤولين عن الأجندة الفيدرالية العامة من الواضح أنهم أصروا على أن يبدو وكأن كل شيء على ما يرام، لقد فقدوا الاتصال بالواقع تمامًا.

وأما هذا الواقع نعلم أننا لن ندعم هذه الحكومة في انتخابات 2024، لقد تراكمت الأحداث الداعية لمثل هذا القرار من فترة طويلة، وجاء هذا الحدث ليكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

بينما كتب خولموغوروف، عند “تحرير” ماريوبول لم نحتفل بينما نحتفل اليوم بالهزيمة؟ منتقدًا مؤيدي السلطة بلا قيد أو شرط، قائلاً: “ستبدأ من الغد الردود القائلة السلطات دائمًا على حق، وأن كل ما يحدث مكر ودهاء وخطة معدة سلفًا، وربما يخرج من يقول لسنا بحاجة إلى أوكرانيا هذه على الإطلاق، ولم نعد أي شخص بأي شيء”.

معتبرًا التخلي عن خاركوف قرارًا سياسيًا أكثر منه عسكريًا، ويعني تخلي الكرملين عن كونها “أراضي روسية”، فيما اعتبره خزي وعار لا يمكن وصفه.

أيلول الأسود الروسي.. أكثر الأيام سوادًا وإيلامًا للروس في أوكرانيا

آلة الكرملين الدعائية تنقلب على داعميها من القوميين

مع تصاعد انتقادات القوميين، انقلبت الآلة الدعائية التابعة للكرملين على خولموغوروف وغيره من القوميين الروس، وهو ما دعاه للرد قائلاً: “إسكاتي لن يُسكت صوت النقد الوطني، بل على العكس سيبدو أكثر حماسة وراديكالية.

سيطالب الناس باستقالة بوتين ومحاكمة شويغو، والدعوة لشن ضربات نووية على كييف أو الذهاب إلى ماغادان” – (ماغادان، مدينة في الشرق الأقصى الروسي، تشير إلى معسكرات الاعتقال لأسرى الحرب والمعتقلين أيام ستالين).

أيلول الأسود الروسي.. أكثر الأيام سوادًا وإيلامًا للروس في أوكرانيا

الكاتب السياسي القومي الروسي إيغور خولموغوروف

الانسحاب من خاركوف يؤدي لهذيان جماعي ورواج لنظريات المؤامرة

في تقدير موقف حول كيف أصبحت فكرة عقد “اتفاقية” لتسليم منطقة خاركيف أكثر انتشارًا، وبات لنظرية المؤامرة، الكثير من الزخم والمزيد من المتابعين وسط حالة هذيان جماعي نتيجة الصدمة وعدم القدرة على فهم ما حدث.

بعدما بدا أن هذه الفكرة غير منطقية، ظهرت الآن نظرية مؤامرة جديدة تقول إن كل ما حدث ما هو إلا “خطة ماكرة”، بموجبها تتخلى روسيا “بنجاح” عن الأراضي المحتلة سابقًا. بعيدًا عن هذه الخرافات، أسباب ما حدث وبشكل موضوعي كالتالي:

  1. إعداد دقيق

كانت القوات المسلحة لأوكرانيا قبل ذلك تخضع لتدريب قتالي لعدة أشهر في ساحات التدريب في بولندا وبريطانيا العظمى والأجزاء الغربية من أوكرانيا، وأعيد تجهيز القوات بالكامل بالمعدات الحديثة: (الدبابات، والمدرعات، والمدفعية البولندية من أوروبا وتركيا)، وتم إعداد هذه المعدات والتنسيق القتالي والدراسة لكيفية القيام بهجوم مضاد ناجح على مدار الشهرين الماضيين.

  1. كفاءة العمل الاستخباري

ربما لا توجد حاجة لإخبار أي شخص بأي شيء، يمكن للجميع رؤية نتائج أعمال القوات المسلحة لأوكرانيا بوضوح والفشل الروسي في مجابهته، وتحقيق الأوكرانيين انتصار في مجال المعلومات عبر المتعاونين معهم في “الأراضي المحررة”، والذين سجلوا أعمال الجيش والسلطات الروسية بشكل يومي وأرسلوها لكييف.

  1. خطة مدروسة وإجراءات واضحة

قبل الهجوم، تم تغطية مقرات الفيلق المهاجم، بالتوازي تم تنفيذ ضربات على المستودعات ومراكز النقل وعملت وحدات القوات المسلحة لأوكرانيا بكثافة وبشكل متزامن وانسجام.

الصمت الروسي وانفصال مسؤولي الجيش عن الواقع

انتقدت قناة ميغ القومية، تأخر الجيش في التعليق على ما حدث في خاركوف، قائلة الصمت الحالي هو علامة تنذر بالخطر على التدهور المنهجي للقوة. الجميع يخاف من تحمل المسؤولية حتى بالكلمات. الأمل الوحيد أن يتحدث الرئيس مساءًا أو غدًا. في التقرير الرسمي لوزارة الدفاع الروسي، لا كلمة واحدة عما حدث في آخر 2-3 أيام. لا نعتقد أن هذه استراتيجية معلوماتية قابلة للحياة على الأقل في عصر الإنترنت، بعبارة أكثر حدة هذا انفصال كامل عن الواقع.

مستقبل الصراع الحالي بعد نجاح الهجوم الأوكراني

في لقاء موسع، جمع مفكرين وسياسيين روس، فلاديمير باستوخوف، وميخائيل خودوركوفسكي، وفيتالي ديمارسكي، تحدث المفكر الروسي فلاديمير باستوخوف، عن تداعيات نجاح الهجوم الأوكراني المضاد، ولخص موقفه في النقاط التالية:

  • الهجوم المضاد بالقرب من خاركوف ليس نقطة تحول في الحرب، على الأقل حتى الآن.

ومع ذلك، قد يمهد الطريق لمثل هذا التحول. إذا استمرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إمداد أوكرانيا بالأسلحة، فإن الإمكانات الهجومية للقوات البرية الأوكرانية ستزداد.

وهو ما يجعلنا أمام حرب طويلة متعددة السنوات (مثل الحرب العراقية-الإيرانية)، وهو وضع غير مقبول للكرملين وسيحبره على البحث عن حلول أسرع.

  • إمكانية إبرام أي نوع من السلام مع أوكرانيا كما يعتقد الكرملين وهمي تمامًا حتى الآن، لأن أوكرانيا التي تحظى بدعم الغرب، ولديها كذلك الشجاعة للاستمرار في القتال، لن توافق على أي سلام دون عودة جميع أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وحتى هذا، لم يعد من الممكن اعتباره حدًا للمطالب الأوكرانية التي ستتضمن تعويضات ونزع السلاح وضمانات أمنية وكل هذا غير مقبول على الإطلاق بالنسبة للكرملين، لأنه سيكون بمثابة شرارة للثورة الروسية.

فقط التغيير في موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإيقاف الدعم العسكري يمكن أن يغير موقف أوكرانيا. في الواقع تعول موسكو على هذا الموقف عبر استخدام ورقة الطاقة.

وأنا أشك في حدوث هذا.

  • النقص الحاد للقوات البرية الروسية، يشكل بوجه عام مشكلة واضحة. يعود الضعف العام للقوة البرية الروسية للتخويف بالسلاح النووي، الذي عول عليه نخب الكرملين وبوتين شخصيًا، فقد تم وضع الرهان لسنوات على تخويف خصم محتمل بإمكانية استخدام الأسلحة النووية. ببساطة، لم يكن الجيش الروسي جاهزًا للصراعات العسكرية الإقليمية طويلة الأمد.
  • أمام الكرملين قراران استراتيجيان فقط: إما استخدام السلاح النووي، وتقرير نتيجة الحرب على حساب قتل جماعي للعسكريين والمدنيين، أو التعبئة العامة واتخاذ قرار بشن هجوم كامل لينتصر على حساب موت جماعي أيضًا ولكن لجنود الجيش الروسي.

لذا يقع الكرملين في مأزق استراتيجي بين اعلان التعبئة العامة أو استخدام النووي، وهو ليس في عجلة من أمره لاتخاذ قراره. لأن كلا الحلين غير مناسبين له ويخلقا تهديدات حقيقية تمامًا لوجود النظام. لذلك، من المرجح أن يسعى الكرملين في البداية إلى اتخاذ إجراءات تكتيكية تدريجية لحل الوضع الحالي عبر الضغوط الاقتصادية.

  • سيستخدم الكرملين بشكل تدريجي عمليات القصف بالطيران، وتدمير البنية التحتية الأوكرانية، لجعل حياة المدنيين صعبة، والسلطات الأوكرانية تحت الضغط. وهو ما يؤشر لإمكانية الدخول في مرحلة جديدة تمامًا من الحرب مع زيادة مضاعفة عدد الضحايا المدنيين سيكون لهذا عواقبه.

إن صورة المدن الأوكرانية المدمرة والمجمدة ستؤدي لزيادة المساعدة العسكرية الحالية المقدمة من الغرب (على الرغم من أزمة الطاقة الخاصة به)، بل وستجعل من الحتمي تزويد أوكرانيا بأنظمة أسلحة مختلفة نوعيًا، بما في ذلك أحدث أنظمة الدفاع الجوي وأسلحة هجومية بعيدة المدى تصل إلى 300 كيلومتر وأكثر. وهنا نأتي إلى أهم شيء – كيف ستستخدم أوكرانيا هذه الأسلحة؟

  • أعتقد أن الحرب قد وصلت إلى نقطة أصبحت فيها المرارة والكراهية المتبادلة من المستحيل تقريبًا لأي “اتفاقات جنتلمان” مع روسيا أو مع أطراف ثالثة أن يتحقق.

في هذا الصدد، يبدو من الصعب تنفيذ الاتفاقية التي يُزعم أنها قائمة بين أوكرانيا والولايات المتحدة، والتي تنص على أن الجيش الأوكراني لن يستخدم الأسلحة الموردة لضرب أراضي روسيا.

وعلى العكس من ذلك، يمكنني أن أفترض ظهور إجماع عام جديد في أوكرانيا على مقبولية الحرب على أراضي العدو أي روسيا. وسيكون من الغريب توقع أي شيء آخر بعد كل ما حدث بالفعل في هذه الحرب، وأكثر من ذلك بعد الهجمات الهائلة على البنية التحتية المدنية في الأيام الأخيرة. في هذا الصدد، فإن مقال القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، هو مقال تاريخي، ينص على أنه حتى العودة الكاملة لجميع الأراضي المحتلة مع نقل أسطول البحر الأسود إلى نوفوروسيسك، السبيل الوحيد لإنهاء التهديد العسكري القادم من روسيا، والتي يمكن أن نستنتج منها أن الحرب يجب أن تستمر حتى يتم القضاء بشكل كامل على مثل هذا التهديد، أي المزيد من الهجمات على الأراضي الروسية.

  • مثل هذا التحول في الأحداث سيجعل من استخدام الأسلحة النووية أمرًا حتميًا عمليًا.

أي أن الكرملين سيواجه نفس الخيار الذي سيحاول الابتعاد عنه في الخريف المقبل. لذلك أفترض أننا ما زلنا في المرحلة المبكرة جدًا من تصعيد هذا الصراع العسكري وأنه في الربيع القادم، إن لم يكن قبل ذلك، تنتظرنا اضطرابات كبيرة جديدة. لا يمكن تجنبها إلا من خلال كسر تسلسل الأحداث الموصوف أعلاه في مرحلة ما، وهو أمر صعب للغاية، وعلى الأرجح سيتطلب تغيير النظام إما في موسكو أو في كييف.