بوتين يريد إنشاء جيل يرفض الانفتاح على الغرب عبر تعديل بعض المناهج الدراسية

  • يسعى بوتين إلى خلق جيل جديد مؤيد له ويرفض الانفتاح على الغرب
  • سوف يباشر التلاميذ في جميع أنحاء روسيا حضور دروس أسبوعية يشاهدون خلالها أفلاما وعروضا وثائقية
  • أثبتت محاولات الحكومة الروسية لإضفاء أيديولوجية الدولة على أطفال المدارس فشلها

 

ذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد توقيعه تشريعا جديدا ليصبح قانونا نافذا، يسعى إلى خلق جيل جديد مؤيد له ويرفض الانفتاح على الغرب عبر تعديل بعض المناهج الدراسية.

وبحسب الصحيفة الأمريكية فإنه اعتبارا من من الصف الأول الابتدائي وما يليه، سوف يباشر التلاميذ في جميع أنحاء روسيا حضور دروس أسبوعية يشاهدون خلالها أفلاما وعروضا وثائقية وتعليمية عن “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا بالإضافة إلى جولات افتراضية لأهم المعالم في جزيرة القرم التي ضمتها موسكو قبل نحو 8 أعوام.

منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، أثبتت محاولات الحكومة الروسية لإضفاء أيديولوجية الدولة على أطفال المدارس فشلها

سيرغي نوفيكوف

تضيف الصحيفة أن التلاميذ سوف يتلقون دروسا ومحاضرات بشكل دوري وثابت مواد دراسية ذات طبيعة إيديولوجية تتناول أمورا مثل “الأوضاع الجيوسياسية” و”القيم التراثية والوطنية”، بالإضافة إلى مراسيم رفع العلم الوطني بشكل منتظم (تحية العلم) في الطوابير الصباحية وعند الانصراف.

التشريع الذي وقعه بوتين ليصبح قانوناً اعتبار من يوم الخميس، يقضي بـ تشجيع جميع الأطفال الروس على الانضمام إلى حركة شبابية وطنية جديدة على غرار منظمة “رواد” للأطفال والشباب التي تكون موجودة أيام الاتحاد السوفيتي السابق وتتميز بارتداء الأطفال قبعات حمراء تعبر عن النظام الشيوعي، وسوف تكون المنظمة الوليدة بقيادة وإشراف الرئيس الروسي نفسه.

ومنذ سقوط الاتحاد السوفيتي، أثبتت محاولات الحكومة الروسية لإضفاء أيديولوجية الدولة على أطفال المدارس فشلها، كما يقول سيرغي نوفيكوف، أحد كبار البيروقراطيين في الكرملين، مخاطبا الآلاف من معلمي المدارس الروس في ورشة عمل عبر الإنترنت.

أكد نوفيكوف أن، وسط الحرب في أوكرانيا، بوتين يرى هذا الأمر بحاجة إلى التغيير، مضيفا: “عملنا الأيديولوجي يهدف إلى تغيير الوعي”.

ويلفت خبراء، مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من دخول شهرها الخامس، إلى أن بوتين زادت طموحاته بشأن إنهاء 30 عاما من الانفتاح من الغرب، إذ أن الكرملين قد أقدم على سجن جميع النشطاء الذين انتقدوا غزو جارتهم الغربية، كما جرى القضاء على الصحافة المستقلة، ناهيك عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من يعارض سياسة بوتين بدءا من الأكاديميين والمدونين وليس انتهاء بلاعبي رياضة الهوكي المشتبه في ولائهم.

بوتين يسعى لتربية جيل جديد من الأطفال يؤيدون حروبه

40 ألف مدرسة

ولكن لا يوجد مكان أكثر وضوحاً لعكس طموحات كرملين في ترسيخ حكمه الديكتاتوري أكثر من المدراس البالغ عددها نحو 40 ألف مدرسة يتشكل فيها وعي وقيم النشء الجديد.

فمبادرات التعليم على مستوى البلاد، والتي بدأت في سبتمبر، هي جزء من تدافع الحكومة الروسية لتلقين الأطفال عقيدة بوتين العسكرية والوطنية المعادية للغرب، مما يوضح مدى وصول حملته لاستغلال الحرب على أوكرانيا لزيادة تعبئة المجتمع الروسي والقضاء على أي معارضة محتملة.

دروس الكمبيوتر التي كنا نتلقاها في مدرستها في موسكو في مارس قد جرى استبدالها بمشاهدة تقرير تلفزيوني حكومي عن استسلام الأوكرانيين للقوات الروسية

إيرينا

وفي حين أن بعض الخبراء يشككون في أن الخطط الكبرى للكرملين ستؤتي ثمارها بسرعة، فإنه وحتى قبل العام الدراسي الجديد، قد أصبحت فاعلية دعاية الكرملين في تغيير أذهان الشباب القابلين للتأثر قد أصبحت ماثلة للعيان.

وفي هذا الصدد تقول إيرينا، وهي تلميذة في الصف التاسع، إن دروس الكمبيوتر التي كانت تتلقاها في مدرستها في موسكو في مارس قد جرى استبدالها بمشاهدة تقرير تلفزيوني حكومي عن استسلام الأوكرانيين للقوات الروسية ومحاضرات تخبرهم أن المعلومات الموثوقة عن الحرب موجودة فقط لدى المصادر الروسية الرسمية.

وأوضحت إيرينا التي كانت تتحدث مع والدتها من بولندا في مقابلة هاتفية مع “نيويورك تايمز” أنها سرعان ما لاحظت تحولاً بين بعض الأصدقاء الذين كانوا خائفين أو مرتبكين في البداية بسبب الحرب.

وتابع: “لقد بدأوا فجأة يرددون الأمور التي يشاهدونها ويسمعونها في التلفزيون.. ويعتبرون أن الحرب كانت امرأ لا مفر له منه ولابد من حدوثها دون أن يتمكنوا من محاولة شرح لي ذلك بشكل منطقي”.

وفي مدينة بسكوف بالقرب من الحدود الإستونية، قالت مدرسة اللغة الإنجليزية، إيرينا ميليوتينا، إن الأطفال في مدرستها جادلوا بقوة في البداية حول ما إذا كانت روسيا على صواب أم خطأ في غزو أوكرانيا، قبل أن يضطروا أن يغيروا رأيهم تحت زخم الدعاية الحكومية الرسمية في المدارس.

ونوهت المعلمة إلى أنه سرعان سرعان ما تبخرت أصوات المعارضة، فأضحى الأطفال يكتبون حرفي Z و V (رمزا القوات الروسية الغازية في أوكرانيا) على السبورات ومقاعد الدراسة وحتى الأرضيات.

وزادت: “ذات مرة تظاهر طلاب الصف الخامس والسادس بأنهم جنود روس وأن وأولئك الذين لا يحبونهم كثيرًا يسمونهم الأوكرانيين”.

وأوضحت ميليوتينا، 30 سنة، التي اعتُقلت في فبراير للاحتجاج على الغزو لكنها تمكنت من الاحتفاظ بوظيفتها كمعلمة: “الدعاية الحكومية نجحت في تحقيق ما تريد داخل المدارس”.

وأردفت في مقابلة عبر الهاتف أن التوجيهات الحكومية بعقد سلسلة من دروس الدعاية المؤيدة للحرب وصلت إلى مدرستها في الأسابيع الأولى التي تلت الغزو.

يبدو أن جهود الكرملين في تغيير أفكار التلاميذ، بحسب خبراء ونشطاء، تمثل دفعة جديدة ومكثفة من جهود بوتين المستمرة لعسكرة المجتمع الروسي

ووفقاً لنشطاء وتقارير إخبارية روسية، فقد تلقت المدارس في جميع أنحاء البلاد مثل هذه الأوامر، وفي هذا السياق أطلع رئيس نقابة المعلمين المستقلين، دانيل كين، صحيفة نيويورك تايمز على بعض التوجيهات التي قال إن المعلمين قد نقلوها إليه.

ففي أحد الفصول الدراسية، يتم تعليم الطلاب أن الإعلام الغربي يقدم معلومات وتقارير مزيفة بشأن الحرب في أوكرانيا وأنها تهدف إلى إلى زرع الفتنة في المجتمع الروسي، وليتبع ذلك اختبار مدرسي للتأكد من الطلاب قد استوعبوا ما تلقوه في تلك المحاضرات.

ويبدو أن جهود الكرملين في تغيير أفكار التلاميذ، بحسب خبراء ونشطاء، تمثل دفعة جديدة ومكثفة من جهود بوتين المستمرة لعسكرة المجتمع الروسي، وذلك مع جهود واضحة لمسؤولي نظامه في إقناع الشباب بأن الحرب على أوكرانيا كانت مبررة.

ويقول أحد كبار موظفي الكرملين، ويدعى ألكسندر خاريشيف، خلال مشاركته في ورشة عمل للمعلمين الشهر الماضي استضافتها وزارة التعليم: “يجب أن تكون الوطنية هي القيمة المهيمنة لشعبنا”.

وعرّف رؤيته للوطنية بالقول إنها : “الاستعداد للتضحية بالحياة من أجل الوطن الأم”.