اعترف رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو مؤخراً في حديث إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، بأنّ حكومة بلاده قد ساعدت مهاجرين على العبور إلى دول أوروبية مجاورة.

  • تواصل أزمة المهاجرين على الحدود البولندية الليتوانية ودول أوروبية أخرى وسط ظروف صعبة
  • لوكاشنكو قد يكون افتعل أزمة المهاجرين على الحدود مع الإتحاد الأوروبي كورقة ضغط عليه
  • تشير البيانات إلى أنّه رغم الردود الأوروبية وأزمة المهاجرين لم توقف بيلاروسيا استقدام المهاجرين

لكنّه نفى في الوقت نفسه، قيامه باستقدام مهاجرين إلى بيلاروسيا من أجل إحداث فوضى على الحدود، وبالتالي استغلال ذلك كوسيلة ضغط إعتراضاً على العقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي، في وقت تثبت بيانات حركة الملاحة العالمية بأنّ بلاده ساعدت على نحو لافت، في استقدام مهاجرين إلى أراضيها.

من أجل فهم تلك الأزمة بالتفصيل، لنعد بالذاكرة إلى مايو من العام الجاري.. ففي أحد منعطفات الأزمة، اعترض الطيران الحربي البيلاروسي طائرة مدنية تابعة لشركة “ريان إير” كانت في رحلة متجهة من العاصمة اليونانية أثينا إلى مدينة فيلنيوس في ليتوانيا، وذلك يوم الأحد 23 مايو، فغيّرت الطائرة مسارها وحطت في العاصمة البيلاروسية مينسك، وكان على متنها الصحافي البيلاروسي المعارض رامان بروتاسيفيتش ورفيقته صوفيا سابيغا، اللذين ألقت الشرطة القبض عليهما ثم أخلت سبيلهما في وقت لاحق، مع وضع بروتاسيفيتش قيد الإقامة الجبرية.

إثر تلك الحادثة، فرض الإتحاد الأوروبي عقوبات على بيلاروسيا، تضمّنت منع أيّ طائرة تابعة لشركة الخطوط البيلاروسية الحكومية، من الإقلاع من دول الإتحاد الأوروبي أو الهبوط فيها أو التحليق في أجوائها. كما تضمّنت قيوداً على عمليات بيع الأسلحة وقيوداً مالية أخرى.

كيف ردّ الرئيس البيلاروسي لوكاشنكو على هذه العقوبات؟

قد يكون افتعل لوكاشنكو أزمة المهاجرين على الحدود مع الإتحاد الأوروبي في خطوة لاستغلالها من أجل الضغط على الإتحاد الأوروبي.

وتشير بيانات حركة الملاحة العالمية إلى أنّ الرحلات باتجاه العاصمة مينسك قد تكثفت بشكل ملحوظ بعد 23 مايو. وبحسب بيانات موقع فلايت إيرا FlightEra، فإنّ طائرتين تابعتين لشركة الخطوط البيلاروسية الحكومية قامتا بـ28 رحلة جوية من أحد المطارات الكبرى في الشرق الأوسط إلى مينسك في شهر فبراير. وارتفع عدد الرحلات إلى 31 رحلة في مارس، لكن بحلول يوليو تضاعف العدد ليصل إلى 62 رحلة.

 

 

في التفاصيل، يبدو أنّ طائرة واحدة تابعة لشركة الخطوط البيلاروسية الحكومية بيلافيا مثيرة للإهتمام على وجه الخصوص، بما أنّها بدأت رحلاتها الجوية فقط في أبريل من العام الجاري، وكانت تطير على الخط نفسه باتجاه مينسك. بلغ نشاطها الأبرز في يوليو وأغسطس وسبتمبر، حيث كانت الطائرتان المذكورتان تقومان برحلة يومياً، بعكس ما كان يحدث من قبل في الأشهر السابقة حيث كانتا تقومان برحلة كلّ أسبوعين.

كذلك تشير البيانات إلى أنّه على الرغم من ردود الفعل الأوروبية وأزمة المهاجرين التي تلوح في الأفق، لم توقف بيلاروسيا استقدام المزيد من المهاجرين في أكتوبر بعد أن شهدنا إنخفاضاً خفيفاً في شهر سبتمبر.

على صعيد شركة بيلافيا، فقد كثّفت رحلاتها الجوية من مدن أخرى في الشرق الأوسط باتجاه العاصمة مينسك ابتداءً من شهر مايو، معزّزة بذلك الشكوك في أنّها كانت تنقل مهاجرين إلى الإتحاد الأوروبي.

بيلافيا هي الناقل الرسمي الوطني في بيلاروسيا، ويقع مقرّها الرئيسي في مينسك، كما أنّها شركة تعود ملكيتها للدولة. ولا شك في أنّ مضاعفة رحلات بيلافيا  في الأسابيع التي تلت تصاعد حدّة الأزمة مع الإتحاد الأوروبي، تشير إلى أنّ لوكاشنكو قد يكون استخدم بيلافيا من أجل استقدام مهاجرين إلى الإتحاد الأوروبي.

في الحقيقة، وبحسب بيانات صادرة عن EuroStat (المنظمة الرسمية للإحصاء في الاتحاد الأوروبي)، لقد ارتفع عدد طالبي اللجوء إلى أوروبا بشكل مطرد ويشير التقرير الصادر عنها أيضاً، إلى أنّه “خلال الربع الثاني من العام 2021، تمّ تسجيل 103895 طلباً للجوء للمرّة الأولى بهدف الحصول على حماية دولية في دول أعضاء في الإتحاد الأوروبي، بارتفاع قدره 115 % بالمقارنة مع الربع الثاني من العام 2020، حيث تمّ تسجيل 48370 طلباً للمرّة الأولى وبارتفاع قدره 9 % بالمقارنة مع الربع الأول من العام 2021 الذي شهد 95265 طلباً”. وكان معظم هؤلاء اللاجئين يأتي من سوريا وأفغانستان وباكستان والعراق وبنغلادش ودول أخرى.

 

 

لكن كيف تمكّن المهاجرون من السفر على متن رحلات بيلافيا؟

ربما تكون السياحة هي الجواب… لقد نقل من قبل أنّ معظم المهاجرين تمكّنوا من حجز تذاكر سفر بمساعدة وكالات سفريات شريكة مع الشركات البيلاروسية. وزعمت السلطات الحدودية الليتوانية أنّ بيلاروسيا قد سهّلت الحصول على تأشيرات سفر سياحية للمهاجرين الآتين من دول شرق أوسطية.

ويُزعم أيضاً أنّ تلك الشركات قد نشرت على منصّات وسائل  التواصل الإجتماعي العراقية، إعلانات تؤكّد أنّ هناك تسهيلات للحصول على تأشيرات سفر إلى بيلاروسيا.

على خطٍ مواز، أصدرت بيلافيا 3 مذكّرات نشرتها على مواقعها الإلكترونية تقول فيها إنّه لن يسمح لبعض الركاب الآتين من دول معينة منها أوزبكستان، الصعود على متن رحلات متجهة إلى مينسك. أمّا الركاب الآخرون الممنوعون من السفر،  فيأتون من العراق وسوريا واليمن وأفغانستان.

لقد ادّعت شركة الطيران المذكورة بـ”أنها لم تسيّر رحلات عادية أو مستأجرة من نوع تشارتر  charter إلى أفغانستان والعراق واليمن وسوريا، وأنّها لم تسهّل يوماً نقل مهاجرين غير شرعيين إلى جمهورية بيلاروسيا”.

لقد أتت تلك الإعلانات عقب الرد العنيف الذي قام به الإتحاد الأوروبي، ما دفع بالدول الشرق أوسطية إلى طلب توضيح تلك المسألة مع بيلافيا. وصرّحت خطوط جوية أخرى بأنّها لن تنقل بعد اليوم مواطنين آتين من الدول المذكورة أعلاه.

لقد تمّ توقيف آلاف المهاجرين على الحدود البولندية والليتوانية، وحدود دول أوروبية أخرى منذ بداية الأزمة، مرغمةً بالتالي عدداً كبيراً منهم على العيش في البرد القارس وفي البؤس.

ويعتبر ناشطون حقوقيون أنّ استعمال أشخاص في وضع إنساني سيء كورقة ضغط سياسية، أمر غير مقبول، مشيرين إلى أنّه لا يتم التعامل مع الأشخاص المتواجدين حالياً بين بيلاروسيا وبولندا أو غيرها من دول الإتحاد الأوروبي، كبشر لا بل يُنظر إليهم على أنهم ورقة ضغط، مع الإشارة إلى أنّ المشكلة القانونية الخطيرة على الحدود البولندية البيلاروسية، تكمن بـ”إيقاف العمل باتفاقية جنيف للاجئين، بحيث لا تقبل طلبات لجوء من أشخاص في وضعية صعبة يتواجدون على الحدود.

شاهدوا أيضاً: مهاجر عراقي يحكي أهوال هجرته عبر حدود بيلاروسيا وبولندا