سلاح من أسلحة الطاقة الموجهة فما هو وماذا يفعل؟ وما دلالة استخدامه؟

“مايك بيك”، اسم قد لا يكون مألوفا لك على الإطلاق، لكن أهميته ستكون كبيرة في القصة التي نتحدث عنها اليوم، بيك يعمل كضابط مكافحة التجسس في وكالة الأمن القومي الأمريكي.

في بدايات عام 2006 عانى بيك من صعوبة في تحريك أصابعه بشكل طبيعي أثناء الكتابة، كان عليه أن يبحث عن الكلمات ويكتب ببطئ.

بعد ذلك خضع بيك لفحص للمخ، والذي كشف عن السبب، إذ كان يعاني من مرض باركينسون أو الشلل الرعاش، ثاني أكثر الاضطرابات العصبية الانتكاسية شيوعا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الزهايمر.

كان في الـ46 من عمره وعادة هذه السن تعتبر صغيرة على مرض باركينسون، ولم يعاني أي من أفراد عائلته من هذا المرض سابقا.

بمحض الصدفة، علم مايك بيك أن زميلا له في وكالة الأمن القومي قضى أسبوعا معه في دولة معادية خلال عام 1996، أصيب بدوره بمرض باركينسون

 

هافانا - كوبا

هافانا – كوبا

فكيف حدث ذلك؟

قضية بيك تعود أصولها لعقدين سابقين من الزمان، وأسفرت عن تأكيد رسمي منذ 8 أعوام بان خصوم الولايات المتحدة الأمريكية هم من صنعوا مثل هذه الأسلحة.

ما أثار العديد من التساؤلات وفقا لصحيفة “الغارديان” البريطانية حول سبب تردد وكالة الاستخبارات الأمريكية ووزارة الخارجية في تصديق أن ضباطهم من الممكن أن يتم استهدافهم بأسلحة مماثلة، حينما ظهرت حالات في دول مختلفة.

يقول مارك زايد المحامي الذي يمثل بيك وضحايا متلازمة هافانا للصحيفة البريطانية: “في الواقع أن تلك كانت مشكلة مجتمع الاستخبارات لعقود”.

لم يُسمح حتى اللحظة إلى بيك بالكشف عن اسم الدولة المعادية التي زارها خلال عام 1996، لكنه قال إنه وزميله تشارلز غوبيت، ذهبا للتأكد من عدم وجود أجهزة تنصت في مبنى دبلوماسي أمريكي قيد الإنشاء.

وعند وصوله تم احتجازه هو وغوبيت في المطار ثم تم وضعهما في غرف مجاورة في فندق بعد الإفراج عنهما.

خلال يومهما الثاني، قاما بتوسيع عمليات المسح في المباني المجاورة ووصلا لما وصفه بيك بـ”تهديد تقني للعدالة التي كانوا متواجدين لحمايتها”.

أبلغا رؤوساءهم عن ذلك الجهاز ثم غادرا، في اليوم التالي، تم تسليمهما رسالة من مترجم محلي يعمل مع الأمريكيين، مفادها أن سلطات البلد المضيف على حد وصف بيك: “رأت ما فعلناه وهذا لم يكن جيدا”.

قال بيك إنه استيقظ وكان مترنحا جدا، لم يتمكن من الاستيقاظ بشكل روتيني، لم يكن أمرا طبيعيا، شرب عدة فناجين من القهوة لكن ذلك لم يفلح في دفعه للخروج من الغرفة.

فيما بعد بقية القصة نعرفها، بيك لم يعد يشعر بجانبه الأيمن ويترنح عند الكتابة أو المشي، ثم تم تشخيصه بمرض باركينسون، وأثناء زيارة لمقر الأمن الوطني، صعق لما رآه.

قال بيك: “غوبيت كان يسير كرجل عجوز، كان يمشي بشكل محرج، صعدت إليه وسألته عما يحدث”.

في غضون أيام ظهر تشخيص غوبيت والذي علم أنه مرض باركينسون كذلك.

سبب محنتهما كان لغزا حتى عام 2012، حينما شاهدا معلومة استخباراتية حول سلاح موجات مصغرة مع قدرة على إحداث آثار عصبية موهنة محتملة تم تطويره بواسطة الدولة التي زارها هو وغوبيت.

ثم تمكن بعد ذلك من رفع السرية عن جزء من هذه المعلومات الاستخباراتية بسبب دعواه ضد القسم الذي عمل به، لكن بحلول هذا الوقت كان الأوان قد فات بالنسبة لغوبيت، إذ توفي في منزله إثر أزمة قلبية في العام السابق.

 

السفارة الأمريكية في كوبا

السفارة الأمريكية في كوبا

 

بيان وكالة الأمن القومي الذي تم رفع السرية عنه في عام 2014، حول قضية تعويض إصابة العمل قال: “تؤكد وكالة الأمن القومي أن هناك معلومات استخباراتية منذ عام 2012، تربط الدول المعادية التي سافر إليها السيد بيك في أواخر التسعينيات مع سلاح بنظام الموجات المصغرة عالية الطاقة والتي قد تكون قادرة على إضعاف أو تخويف أو قتل العدو مع مرور الوقت ودون ترك أدلة”.

وواصل التقرير: “أشارت المعلومات الاستخباراتية لعام 2012، إلى أن هذا السلاح مصمم لإغراق أماكن معيشة الهدف بالموجات المصغرة ما تسبب في العديد من الآثار الجسدية، بما في ذلك تلف الجهاز العصبي”.

رغم هذا التقرير، ظلت قيادات الأمن الوطني معارضة لادعاء بيك، وتم ترتيب جلسة إحاطة من خبراء وكالة المخابرات المركزية الذين حضروا إلى مقر الأمن الوطني في ربيع 2016.

تطلب الأمر حملة استمرت لـ3 أعوام من وكالة الاستخبارات المركزية وموظفي وزارة الخارجية الذين استهدفتهم هذه الهجمات ليتم اتخاذ مرضهم على محمل الجد وتلقي العلاج المناسب وفتح تحقيقات في الهجمات الغامضة بشكل صحيح.

وتحدث بيك لصحيفة “واشنطن بوست” قائلا: “شعرت بالمرض في معدتي وصعقت حينما قرأت التقرير”.

وواصل “أنا على دراية بالأمور الأخرى التي تقوم بها هذه البلاد المعادية، وشعرت أنه فج وغير عادل”.

حينما أصيب بيك بطريقة نادرة بمرض باركينسون، الاستخبارات الأمريكية قالت إنه كان ضحية لسلاح ذات تقنية عالية للغاية.

وحينما كشفت التقارير الأولى عن خلل غامض ابتلي به عدد كبير من الدبلوماسيين الأمريكيين في كوبا، شعر بيك بالارتياح بعض الشيء.

حسب صحيفة “الغارديان” قال بيك: “كنت متشوقا، لأنني شعرت أن الأمر قد كُشف الآن ولم يعد وهما”.

بيك أجبر على التقاعد في أواخر عام 2016، لكنه يشعر حاليا أنه حصل على القصاص فيما حدث له.

خلال شهر ديسمبر الماضي نشر علماء الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم تقريرا وجد فيه أن العشرات من مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية الذين يعانون مما تم تسميته بـ”متلازمة هافانا” في كوبا والصين وأماكن أخرى، كانوا على الأرجح يعانون من آثار طاقة ترددات راديو ذات نبض موجه.

 

احتجاج ضد الحظر التجاري المفروض على كوبا من قبل الولايات المتحدة في هافانا

احتجاج ضد الحظر التجاري المفروض على كوبا من قبل الولايات المتحدة في هافانا

هذا يدفعنا للسؤال الواضح.. ما هي متلازمة هافانا؟

خلال عام 2017، اتهم دونالد ترامب رئيس أمريكا آنذاك، كوبا بارتكاب هجمات غير محددة تسبب الأعراض المذكورة سلفا، كما قررت الولايات المتحدة الأمريكية خفض الموظفين في سفاراتها إلى الحد الأدنى بعد ذلك.

في عام 2018 تم تعريفها بأنها مجموعة من العلامات والأعراض التي تم الإبلاغ عنها من موظفي السفارة الأمريكية والكندية في كوبا، والتي تعود إلى أواخر عام 2016، وكذلك في بعض البلدان الأخرى بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد إبلاغ دبلوماسيين أمريكيين في الصين عن مشاكل مماثلة لتلك التي تم الإبلاغ عنها في كوبا.

فضلا عن عملاء سريين لوكالة الاستخبارات الأمريكية يعملون في بلدان أخرى، ووفقا للتقارير الصحفية كانوا يتفاوضون مع تلك البلدان بشأن التصدي للعمليات السرية الروسية في جميع أنحاء العالم.

وبالطبع سميت بـ”متلازمة هافانا” نسبة إلى أول إصابات ظهرت في هافانا بكوبا بالأعراض السابق ذكرها.

هذا يدفعنا للتشكيك في الأمر بسبب كونه أقرب للخيال العلمي وكذلك نظرية المؤامرة..

 

لنطرح السؤال: لماذا نتحدث عن متلازمة هافانا الآن؟

بعد سنوات من إنكار تلك التقارير، واشنطن أبدت انزعاجها في بيان يوم 30 أبريل الماضي، من تداعيات الهجمات، كما أصدرت القيادات الديموقراطية والجمهورية في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ بيانا ثنائي من الحزبين وقال نصه: “يبدو أن هذا النمط من مهاجمة مواطنينا الذين يخدمون الحكومة يتزايد”.

البيان أتى بعد يوم من تصريحات من البيت الأبيض قالت إن هناك تحقيقات بخصوص “حوادث صحية غير مفسرة” بعد تقارير أشارت إلى أن اثنين من مسؤوليها تم استهدافهم في منطقة واشنطن.

وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية أطلقت فرق عمل للتحقيق، وأفيد خلال الأسبوع الأخير من شهر أبريل وبدايات مايو الحالي أن البنتاغون قد بدأ تحقيقه الخاص في هجمات يشتبه أنها تمت عبر الموجات الميكروية أو المصغرة على الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط.

وفي وقت سابق خلال شهر مايو الجاري، أعرب خوان جونزاليس المدير الأعلى لشؤون نصف الأرض الغربي عبر مقابلة مع شبكة CNN، عن قلقه إزاء الخطر الذي يتعرض له الدبلوماسيون الأمريكيون له من أسلحة الموجات المصغرة في كوبا.

 

علم الولايات المتحدة بالقرب من مركز حكومة مقاطعة هينيبين، في مينيابوليس

علم الولايات المتحدة بالقرب من مركز حكومة مقاطعة هينيبين، في مينيابوليس

هذا قد يدفعنا إلى سؤال آخر.. ما هي أسلحة الطاقة الموجهة؟

أسلحة الطاقة الموجهة هو سلاح يمكن استخدامه من مسافة، ويتلف هدفه بطاقة موجهة عالية، ويتضمن الليزر والموجات المصغرة “الميكروية” وأشعة الجسيمات.

وفقا لعدة تقارير صحفية فإن أمريكا تطور أسلحة للطاقة الموجهة لاعتراض الصواريخ البالستية والقذائف الانسيابية ذات سرعة تفوق سرعة الصوت ومركبات الانزلاق التي تفوق سرعة الصوت.

كما أشارت تقارير أخرى إلى أن روسيا والصين والهند والمملكة المتحدة البريطانية تطور أيضا أسلحة مماثلة، فيما ادعت تركيا وإيران امتلاكها لأسلحة طاقة موجهة تعمل بالفعل.

أول استخدام لأسلحة الطاقة الموجهة في معركة زُعم أنه حدث في ليبيا خلال شهر أغسطس 2019.

الفكرة ليست بجديدة، إذ أنه خلال أوائل الأربعينيات طور مهندسو دول المحور، مدفعا صوتيا يمكن أن يتسبب باهتزازات قاتلة في الهدف.

كما أنه في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية وضعت ألمانيا في ذلك الوقت آمالها على نحو متزايد على البحث في الأسلحة السرية ذات الطابع الثوري تكنولوجيا.

فكرة ليست بجديدة لكن مع التطور التكنولوجي للعصر الحالي ستصبح واردة الحدوث، فهل سيكون الجيل الجديد من الأسلحة أكثر فتكا من الأسلحة النووية؟

 

احتجاج ضد الحظر التجاري المفروض على كوبا من قبل الولايات المتحدة في هافانا

احتجاج ضد الحظر التجاري المفروض على كوبا من قبل الولايات المتحدة في هافانا

أسئلة وإجابات

للحصول على بعض الإجابات اتجه موقع “أخبار الآن” للحديث مع جوليان بورجر الصحفي والكاتب البريطاني والذي نشر تحقيقا حول “متلازمة هافانا” عبر صحيفة “الغارديان” البريطانية.

لماذا أنكرت الحكومة الأمر في البداية؟

“لعدة أسباب، حسبما أعتقد، التردد في دفع تعويضات وسرية التكنولوجيا نفسها، وكذلك قلة التأكد لصعوبة الموقف”.

لكن في عام 2020 وحتى منذ 2013، كُشف النقاب عن تجارب عديدة لأسلحة الطاقة الموجهة؟

“نعم، الوكالات تعلم بوجود هذه الأسلحة”.

“هناك بعض الشك المتزايد حول أن هذه الأسلحة تستخدم بالفعل، وما حدث في كوبا والصين عقّد الأشياء”.

لأنها أسلحة لا طلقات ملموسة لها، فالبعض قد يفكر في نظرية المؤامرة ما رأيك؟

“شيء ما حدث بالفعل، مارك بوليميروبولوس أصيب بالصداع لـ3 أعوام، الناس يعانون من مشاكل صحية خطيرة”.

“لا نعلم التفاصيل فقط حول من فعل ذلك ولماذا فعلها”.

هل تكون هذه الأسلحة أخطر من الأسلحة النووية؟

“لازلت أعتقد أن الأسلحة النووية هي أخطر أسلحة مخيفة موجودة”.