لم تنحصر هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في انهياره عسكرياً ووضع حدٍ لاحتلاله لعدة مناطق على الأرض ، بل إن الأمر هو أبعدُ من ذلك أيضاً، ويرتبط بشكلٍ كبير بانهيار مصادر تمويله.

وفعلياً، فإنّ تضييق الخناق “مالياً” على داعش أدى بشكل أساسي وكبير إلى إضعافه، وهذا ما حصل فعلاً، باعتبار أن التنظيم شهد أزمة كبيرة ولا يزال على صعيد الموارد المالية، وصار غير قادرٍ على الصمود، حتى أنّ المقاتلين في صفوفه واجهوا قياداتهم وانقلبوا عليها بسبب جفاف المال.

16 يناير 2016 داعش يلجأ لبيع ممتلكات المسيحيين في الموصل

وتجلّت فصول “الانهيار المالي” بشكل كبير عندما احتار التنظيم في تأمين تمويل، وقد شرعَ عبر آلة الإرهاب إلى الاستيلاء على منازل وعقارات وبيعها في المزاد العلني. وبشكل مباشر، فإن هذا الأمر حصل فعلاً قبل 5 سنوات تماماً، إذ قال سكان محليون في مدينة الموصل العراقية في 16 يناير/كانون الثاني 2016، أنّ تنظيم داعش بدأ ببيع عقارات ومنازل وممتلكات المسيحيين في المدينة بالمزاد العلني، وذلك لتأمين موارد مالية لسد متطلباته.

وحينها، أشار سكان يقيمون في المدينة إلى أنّ تنظيم داعش افتتح مزاداً علنياً في منطقة دورة قاسم الخياط غربي الموصل بعد إعلان عناصر الحسبة، من خلال سياراتهم ودورياتهم العسكرية والأمنية الجوالة في الشوارع باستخدام مكبرات الصوت، بدء ساعة المزاد. ومع هذا، فقد لفت السكان إلى أن عناصر التنظيم أقدموا على عرض منازل وممتلكات العوائل المسيحية فقط داخل المزاد باعتبارها غنائم للتنظيم.

ووفقاً للسكان، فإنّ المزاد ضمّ أكثر من 400 منزل سكني ونحو 19 عمارة تجارية وأيضاً 167 محلاً ومخزناً ومرآباً تجارياً لصالح خزينة التنظيم التي عانت من ضائقة مالية.

اقرأ أيضاً: المقاتلون الأجانب مع داعش.. ما مصير 40 ألف منهم اليوم بعد انهيار التنظيم؟

وفي الواقع، فإنّ داعش كان يعاني من ضائقة مالية كبيرة في محافظة نينوى، وذلك جرّاء تجفيف أغلب مصادر تمويله بعد منع شراء النفط المهرب من المناطق الخاضعة لاحتلالها ومنع الاتجار بالآثار، فضلاً عن تحرير الطرق الدولية التي كان يستخدمها في عمليات تهريب السلاح والعتاد، الأمر الذي جعل منه غير قادر على تأمين حتى رواتب عناصره. ولهذا، أراد التنظيم البحث عن مصادر تؤمن له موارد مالية، في حين أن من بين الضربات التي تلقاها هو تدمير التحالف الدولي لمبنى فرع مصرف الرشيد، والذي يعدّ ثاني أكبر مصارف العراق، ويقع في منطقة الزهور شرق الموصل، ويحتوي على خزائن كافة ممتلكات تنظيم داعش.

وطال إرهاب مقاتلي التنظيم الكثير من الأطراف، وقد استهدفوا المسيحيين بشكل كبير، وقاموا بتدمير عشرات الكنائس والأديرة والمدارس والمقابر، كما قتلوا العشرات من بينهم رجال دين وقساوسة كبار.

تجفيف مصادر تمويل داعش

ما زال ملف المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي يؤرق الكثير من دول العالم، خصوصاً أن هذه القضية لم تجد طريقها إلى الحل.

صورة تظهر عدداً من مقاتلي داعش بعد أسرهم في الباغوز، سوريا. المصدر: Getty

وخلال العام 2015، نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تحقيقاً استقصائياً سردت فيه مصادر تمويل التنظيم الإرهابي، مشيرة إلى أنها كانت في جباية أموال الضرائب والخوات المفروضة في المناطق التي يحتلها  التنظيم ، في ظل تضييق الخناق عليه بقصف المنشآت النفطية وطرق تجهيز النفط لديه.

وحقق التنظيم في بادئ الأمر إيرادات كبيرة من الضرائب وعمليات المصادرة والإبتزاز تعادل ما يحصل عليه من تهريب النفط الخام. ومع هذا، فقد شكلت الإيرادات النفطية ظاهرياً أكبر مصادر تمويل مسلحي داعش. بيد أن ما جناه التنظيم من الجبايات المحلية والضرائب التي جرى فرضها والبضائع والمواد التي تمت مصادرتها، ساهمت في تحريك حركة الاقتصاد التي كان يديرها، إلا أن عمليات ضرب إنتاج وتهريب النفط الخام ساهمت في وضع حد لمصادر تمويله.

داعش يعتمد على الآثار لتمويل هجماته

ووسط ذلك، قال عبد الناصر قرداش، وهو مسؤول بارز في التنظيم المهزوم، أنّ داعش نهب النفط و “كمية كبيرة من الآثار”.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “ميرور” البريطانية في يونيو/حزيران 2020، فإنّ قرداش اعترف خلال مقابلة في السجن بأن عمليات النهب ومبيعات النفط مولت ميزانية تقدر بملايين الجنيهات لتجنيد الشباب. وقال لمحاوره من مركز الأبحاث في العراق: “كان لدينا وفرة كبيرة من الآثار الثمينة، وحاولنا نقل الآثار إلى أوروبا لبيعها. هذا ينطبق بشكل خاص على الآثار السورية “.

وكشف قرداش أنه في العام 2015، بلغت الميزانية السنوية للتنظيم حوالى 200 مليون دولار، علماً أنها كانت توزع على رواتب ما يعرف بـ “الأمراء، والمقاتلين”.

إلا أنه بعد الكثير من الهزائم والخسائر، شهد تنظيم داعش تراجعاً بارزاً، ولم يعد بإمكانه تنفيذ عمليات كبيرة، في حين أن التحرك دولي كبير لقطع إمدادات التمويل له. وفي العام 2015، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 2253 (2015) بالإجماع، حول محاربة وتجفيف منابع المصادر المالية للمنظمات الإرهابية، وعلى وجه التحديد تنظيمي “داعش” و”القاعدة”.

ورغم أن التنظيم المهزوم يسعى للحصول على أسلحة، إلا أن الحكومة العراقية تشير إلى أن التنظيم يملك فقط أسلحة خفيفة، وفق ما ذكرت وكالة “DW”. ومع هذا، فإن التنظيم فقد شبكة اتصالاته ومصادر تمويله على مستوى العالم، وذلك وفقاً للباحث في شؤون الإرهاب، جاسم محمد

وإذا ما قرر داعش القيام بعمليات، فإنها تكون من نوعية محدودة، وفي الغالب يتم تنفيذها من قبل مجموعات صغيرة متحركة لا تضم في العادة أكثر من عشرة أشخاص، كما أن هذه الاعتداءات تحصل في الغالب في مناطق نائية خارج المدن.

تراجع هجمات داعش بسبب إفلاسه

وبما أن التحويلات المالية لتنظيم داعش باتت هي الأخرى تحت المراقبة المشددة، فإن إمكانياته الاقتصادية باتت هي الأخرى محدودة جداً، وهذا الأمر قاد إلى أن عمليات تنظيم داعش تراجعت على مستوى العالم”، بحسب الباحث جاسم محمد.

وخلال شهر أبريل/نيسان 2020، قال محافظ نينوى بالعراق نجم الجبوري أنّ “عصابات داعش لن تحظى في الوقت الحالي على أي دعم خارجي كون الاقتصاد العالمي منهار بسبب جائحة كورونا”.

وفي هذا الإطار، عقد التحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش نهاية يوليو/تموز الماضي، اجتماعه الـ13 لمجموعة مكافحة تمويل داعش “CIFG”، عبر مكالمة جماعية للمشاركين لمناقشة الجهود العالمية حول الشأن.

وأصدرت مجموعة مكافحة تمويل التنظيم بياناً، قالت فيه إن المجموعة الإرهابية، رغم هزيمتها على الأرض، لا تزال مصممة على إعادة جمع صفوفها وممارسة العنف ضد شركاء التحالف والسكان المحليين أينما كانت. وبناء على ذلك، فقد “واصل أعضاء CIFG جهودهم الحاسمة لاستنزاف موارد داعش، وتعطيل تدفقاتها المالية، وإضعاف مرونتها”.

ومع هذا، يشير المحللون إلى أنّ العقوبات الأمريكية ساهمت في تجريد داعش من كبار الممولين، كما أن الرقابة الأمريكية والدولية على التحويلات المالية نجحت في وضع حدٍ لتمويل الإرهاب.

وساهم التحالف الدولي في تدمير مقرات للإرهابيين في سوريا والعراق، وكان بعضها بمثابة مخازن مالية لداعش. ولذلك، فإن كل هذا يشير إلى أن داعش بات مطوقاً مالياً، وأكبر دليل على ذلك هو أن خزائنه المالية باتت فارغة.

وحالياً، فإنه من المستحيل أيضاً أن يقوم داعش بجمع المال، إذ أنه لا سيطرة له على أراضي واسعة في حين أن كل منصاته الإعلامية تعرقلت في حين أنه بات غير قادر على تمويل عناصره الذين أصابهم الإحباط.

“فكر داعش وهم والإنضمام إليه تهوّر”.. منشق يفشي أسراراً ويسرد ما يعانيه بعد الانشقاق

“لم يكن إنضامي ناتجاً عن اقتناع بفكر تنظيم داعش، إنّما كان ذلك خطوة متهوّرة”.. هذا ما يؤكّده الشاب السوري سيف الاسلام، الذي انضم في الفترة السابقة للتنظيم واصفاً قراره هذا بالطائش. فقد أمضى سيف الإسلام تواجده في التنظيم ضمن ما يسمى بـ”الشرطة الاسلامية” لدى التنظيم المتطرف.