في سبتمبر  العام 2020، أصدر تنظيم داعش في اليمن فيلماً وثائقياً مدّته ساعة، يوضح كلّ العوامل الرئيسية التي تجعله مختلفاً عن تنظيم القاعدة. الإختلافات الرئيسية التي نُشرت، كانت تشير إلى أنّ “داعش” كان أكثر تحديداً في ما يتعلق بإنشاء دولة تعمل بكامل طاقتها وتطبيق قوانين قاسية، بينما حذر تنظيم القاعدة من هذا الأمر.

وذكر التقرير، الذي أعدّه الباحث محمد سنان سيتاش وزميله سوراج غنيسان ونُشر في موقع “orfonline“، وهو سلّط الضوء على الصراع بين التنظيمين الإرهابيين في جنوب آسيا، أنّ “تنظيم داعش اعتبر نفسه متشدّداً في موقفه تجاه الطوائف والفصائل الأخرى التي لم يتفق معها، في حين كان تنظيم القاعدة أكثر انفتاحاً على التحالفات، مثل إيران، ولم يفضل أيضاً مهاجمة الطوائف الأخرى”.

وظهر تنظيم  “داعش” كفرع من تنظيم القاعدة في العام 2014 بسبب الاختلافات الأيديولوجية والتكتيكية بين القيادتين. وعلى مرّ السنين، انخرطت الجماعتان مع بعضهما البعض سواء في ساحة المعركة أو في دعايتها. لكن على الرغم من تقاسم بعض المبادئ الأيديولوجية، فإنّ لـ”داعش” و”القاعدة” رؤى وتكتيكات مختلفة لتحقيق هدفهما النهائي المتمثل في “تطبيق حكمهما” على الصعيد العالمي.

ويرسم هذا المقال بعض الخلافات الإيديولوجية بين تنظيمي “داعش” و”القاعدة” والفروع الإقليمية لهما، مثل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية (AQIS) وتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان (IS-K) من خلال فحص مجلاتهما ووجهات نظر مؤيديهم في جنوب آسيا.

وقام المؤلفون بغربلة العديد من المقاطع الدعائية لتنظيم “داعش”، بما في ذلك مجلة “صوت الهند”، وهي مجلّة شهرية يصدرها تنظيم “داعش” منذ شباط العام 2020، ودعاية تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين مثل القواعد السلوكية (2017) و”غزوة الهند” (2020).

كيف يقاتل أنصار كلّ مجموعة بعضهم البعض إيديولوجياً؟

علاوة على ذلك، فقد تمّ تحليل الدردشات لأكثر من 25 مجموعة مختلفة على “تيلغرام”، لفهم كيف يتقاتل مؤيدو كلّ مجموعة مع بعضهم البعض إيديولوجياً. والواضح أنّ الوسطاء في قنوات “داعش” يتابعون قنوات القاعدة ليبقوا على اطلاع بآخر الأخبار المرتبطة بالقاعدة وانتقاد هذه التطورات. كذلك، يتمّ أيضاً مشاركة الملصقات والرسائل من القنوات التابعة للقاعدة على قنوات “داعش”، حيث يتمّ تشريحها وانتقادها من قبل الوسيط.

خصوصية جنوب آسيا

كلّ هذه الاختلافات والانتقادات وصلت إلى الفروع الإقليمية للمجموعة أيضاً.. فالقاعدة في شبه القارة الهندية، على سبيل المثال، ضمّت مقاتليها إلى صفوف طالبان وقاتلت كلّاً من القوات الأمريكية وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية أيضاً، كما أشار تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في إحدى مجلاته (Nawai Ghazwa-e-Hind).

إضافةً إلى ذلك، كثيراً ما دان تنظيم القاعدة وفرعه في بلاد الشام أيّ هجمات وحشية من قبل “داعش”، ومع ذلك، فقد بقيت القاعدة في جنوب آسيا صامتةً إلى حدّ كبير بشأن هجمات داعش على أهداف إسلامية، على الرغم من التزامها الصمت أيضاً بشأن هجماتها ضدّ أهداف غربية (وبالتالي وافقت عليها ضمنياً).

من ناحية أخرى، فإنّ داعش صاخب للغاية وغالباً ما ينتقد القاعدة لارتدادها وانحرافاتها ، بما في ذلك نبذ الطائفية وإدانة الدولة الإسلامية لمهاجمة أو تدمير الأضرحة الصوفية / الشيعية.

في ملاحظاتنا حتى الآن، نلاحظ أنّ الجماعة غالباً ما تربط الإنتقادات الموجّهة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والقاعدة وطالبان. وعلاوة على ذلك، فإنّ العديد من الموضوعات الموضحة أعلاه لوحظت أيضاً في نقد تنظيم داعش للقاعدة / تنظيم الدولة في بلاد الرافدين.

وعلى سبيل المثال، ينتقد تنظيم “داعش” حلفاء القاعدة في العراق والشام لأوجه قصورهم المختلفة. وقد ظهر ذلك في حالة حركة طالبان، والتي غالباً ما يشير إليها تنظيم “داعش” باسم طالبان 2.0.

وفي مقال بعنوان “طالبان من الجهاد إلى الردة“، انتقد تنظيم داعش طالبان بسبب مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقاتها العميقة المزعومة مع المخابرات الباكستانية، واعترافها بإيران وحدودها. كذلك، يتهم داعش تنظيم القاعدة بالتحالف مع طالبان رغم أخطاء هذه الجماعة، كما أنّه يتهم كلاً من القاعدة وطالبان بالنفاق وتعمية الأمة العالمية عن الحقيقة.

ومع هذا، يشير داعش إلى تنظيم القاعدة على أنه مملوك لمنتسبيه وليس العكس، في إشارة إلى عدم سيطرة التنظيم على المنتسبين إليه، ناهيك عن سيطرته على مسرح الجهاديين العالمي.

كذلك لاحظ التقرير موضوعاً آخر، وهو انتقاد القاعدة لاعتبارها أخفقت للغاية ولم تكن حاسمة في نهجها.. ومن الأمثلة على ذلك، انتقاد داعش لملصق نشرته جماعة تابعة للقاعدة على “تيلغرام”، يمجّد 4 مقاتلين من أنصار “غزوة الهند” (الفرع الكشميري لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين)، الذين قتلوا على أيدي قوات الأمن الهندية في شوبيان في أبريل 2020.

ويتحدّث الملصق عن الرجال الذين قتلوا أثناء محاربة “المشركين الهندوس” وفق ما تمّ وصفهم. وتمّت إعادة مشاركة الملصق من قبل مجموعات تابعة لـ”داعش”، ينتقد تنظيم القاعدة وأنصار “غزوة الهند” لعدم استهدافهما على وجّه التحديد قوات الأمن الإسلامية في المنطقة وإفساح المجال لإخوانهم المسلمين للمساعدة والتعاون مع القوات المسلحة الهندية. هذه السياسات، وفقاً لتنظيم داعش، هي “سياسات تكفيرية”، وبالتالي تنزع عن القاعدة عن كونها “الدور القيادي الشرعي” للإسلام. ويشير التقرير إلى أنّ الموضوعات المتكررة التي تمّ تسليط الضوء عليها أعلاه، أساسية لحملة الدولة الإسلامية لصيد أنصار القاعدة.

وإلى حدّ كبير، يدرك المؤلفون أنّ “داعش” هي الأكثر جرأة وعدوانية بين المجموعتين، في حين أنّ القاعدة والجماعات التابعة لها تحاول الإبتعاد عن دائرة الضوء وحتى الإمتناع عن مهاجمة تنظيم الدولة الإسلامية كثيراً. هذه الديناميكية لها تأثيرات مهمة على المشهد الأمني للدول التي تعمل هذه المجموعات خارجها.

التداعيات على الأمن

التأثير الأكثر أهمية هو أنّه عندما تتنافس مجموعتان إرهابيتان على المجنّدين واهتمام وسائل الإعلام، فغالباً ما تزيدان من وتيرة الهجوم وشدّته للتغلب على المجموعة الأخرى.

ونظراً لأنّ “القاعدة” والمجموعات التابعة لها لا تهتم لتغطية وسائل الإعلام لهجماتها، تكون مستويات الوحشية محدّدة. فعلى سبيل المثال، نفّذ تنظيم داعش أكثر من 20 هجوماً إنتحارياً على أهداف صوفية وشيعية وأحمدية ومدنية، بينما امتنع تنظيم القاعدة في العراق والشام عن استهداف مثل هذه الجماعات أو اللجوء إلى خيارات بمثل هذه الوحشية.

وهكذا، فإنّ تكتيكات القاعدة \ داعش في العراق والشام لمحاولة كسب المسلمين الآخرين، سمح بعنف أقل نسبياً. كما أنّ استراتيجية الصبر هذه، جعلتها أكثر خطورة من الاثنين بالنظر إلى قدرتها على إجراء عمليات خارج دائرة الضوء من وسائل الإعلام والجهات الحكومية.

مهمّة الأمن.. استغلال خلافات الجماعات وتنافسها

إنّ هذا الفهم لدعاية الجماعات الإرهابية ومناقشاتها يجب أن يمكّن مؤسسات مكافحة الإرهاب من استغلال الخلافات بشكل أفضل وهزيمة هذه الجماعات. وعلى سبيل المثال، من المعروف أنّ الأجهزة الأمنية تمكّنت من التسلّل إلى العديد من العمليات الإلكترونية لمجموعات مثل داعش بما في ذلك الدردشات المشفّرة.

وكان ذلك أفضل ما يمكن ملاحظته في عمليات العام 2014 حيث تظاهر أعضاء مكتب المخابرات بأنّهم متعاملون مع داعش، وأثنوا العديد من الهنود عن الإنضمام إلى الجماعات في الخارج. فمثل هذه المراقبة من قبل الوكالات الهندي لكلا المجموعتين، يجب أن تستمر، لأنّ ذلك سيساهم في تعطيل المؤامرات وتحديد الإختلافات المحتملة بين هذه المجموعات، والتي يمكن الإستفادة منها لاقتلاع خلايا مختلفة في أحسن الأحوال. يمكن للأجهزة الأمنية أيضاً أنّ تلعب مثل هذه الجماعات ضدّ بعضها البعض لزيادة إضعاف هذه الجماعات.

أخيراً، يمكن للأجهزة الأمنية أيضاً أن تتعاون على المستوى الإقليمي لاستهداف هذه المجموعات التي تمثل جبهة أكثر اتحاداً بالنسبة لهذه الجماعات. وبالتالي، فإنّ المنافسات بين الجماعات الإرهابية، والتي تأتي عادة مع عبء التقلّب المتزايد، كانت مفيدة للسلام في جنوب آسيا بالنظر إلى المسارات المختلفة من جانب القاعدة وداعش. وعلى الأجهزة الأمنية أن تفهم أفضل السبل للإستفادة من هذه الإختلافات وإضعاف مثل هذه الجماعات على المدى الطويل.

 

 

إقرأ ايضاً

بالنسبة للقاعدة، الكشف عن قتل أبو محمد المصري في طهران يتخطى مجرد خسارة أحد كبار القادة، فهو يفضح كيف جعل أيمن الظواهري التحالف مع إيران ركيزةً أساسيةً لاستراتيجية البقاء الخاصة بتنظيم القاعدة، ويكشف كيف انتهج تنظيم القاعدة تحت قيادة الظواهري لسنوات سياسة الكذب بشأن علاقته بإيران.