أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)

"لا يخرج منه سالماً إلاّ كل طويل عمر"، عبارة يقولها الناس باللهجة العامية للدلالة على قساوة ورهبة هذا المكان؛ فمن منا لم يسمع باسم "سجن صيدنايا" والذي يقشعر له البدن فور ورود اسمه.

مع بداية الثورة السورية، امتلأت السجون والمعتقلات وجميع الفروع الأمنية بالمعتقلين من الرجال والنساء وحتى الأطفال، وإلى اليوم تعتبر قضية المعتقلين من أهم القضايا التي تناقش في كل جلسة وتكون محور كل حديث أو مفاوضات تقام بين أي جهة ونظام الأسد، وما سبب ذلك إلاّ الوحشية والظلم التي يلقاها المعتقلون في السجون البعثية.

استطاعت مراسلة "أخبار الآن" الوصول لمعتقل تم الإفراج عنه مؤخراً من سجن صيدنايا بعد أن قضى فيه ثلاث سنوات، بغية الاطلاع أكثر على تفاصيل ما عاشه وعانى منه خلال هذه السنوات الثلاث.

المدعو (م.م) الذي طلب إخفاء هويته لخوفه من الاعتقال مرة أخرى، مصرّاً ألاّ يذكر اسمه ولا أن يتم التقاط صور له، متمماً شروطه بعبارة: (شبعنا قتل).

قبل أن نبدأ بطرح الأسئلة، قال: "أريد أن أقول لكِ كلمتين تختصران تجربة ثلاث سنوات، تكفي لتعبر عن ما كنا نشعر به (الذل والمهانة)، هذا الهدف الذي يعمل عليه الجميع من مدير السجن إلى أصغر موظف مدني موجود فيه".

إهانة شخص "الرئيس"!

يقول (م – م): "لا يمكن أن أصور لكِ شكل السجن فهو غير مفهوم، بقيت فيه ثلاث سنوات ولم أعرف إلا مهجعي والمنفردة والحمامات، ومرة واحدة دخلت إلى قاعة الزيارة، كانوا ينقلوننا بين هذه الأمكنة ونحن معصوبي العينين، لذلك لا أعرف كم تبعد كل واحدة عن الأخرى، ولا أعرف موقعها. حتى عند خروجي من الباب الرئيس لم يسمحوا لي بالالتفات والنظر إلى الخلف، إضافة لأنني لم أريد أن أعرف أين كنت".

ويضيف: "دخلت بتهمة إهانة شخص الرئيس، والتحريض على الفتنة، والتعامل مع أطراف خارجية، (يضحك ويكمل) مثل  تهمة كل سوري دخل إلى المعتقل لأنه ثار يوماً على الظلم. ورداً لاعتبار الرئيس يقومون بإهانتنا أضعافًا مضاعفة، نذوق أقسى وأمر أنواع التعذيب التي تبدأ بالضرب المبرح، وتنتهي بالشبح، أي التعليق من اليدين وترك الجسم يتدلى، ولكِ أن تتخيلي أنواعًا أخرى كأن يجلس شخص ضخم البنية على صدرك ويبدأ بضربك، ومن ثم يضعون المعتقل في برميل كبير ويجعلون الماء يسقط كقطرات على رأسه، وإذا عجزوا يبتكرون أساليبهم الخاصة".

التعذيب حتى الموت

يقول "م ، م" المفرج عنه من سجن صيدنايا: "قضية الموت تحت التعذيب أصبحت اعتيادية، فكل يوم نسمع عن أشخاص يموتون في غرف التعذيب وبين أيدي المحققين، ولا نعرف عن مصيرهم شيئًا بعد ذلك، كنا إذا نادى السجان على اسم قمنا بتوديعه وكأنه ذاهب لموته، قلما نسينا أمر الموت فهو التعريف الوحيد للحياة في صيدنايا، كنا نتناقص ونزيد يوماً بعد يوم، هذا غير الاختفاء القسري عندها يكون المعتقل على قيد الحياة ولكن لا نعرف أخباره، يضيع بين غرف التعذيب والمنفردة وربما المشفى العسكري الذي يؤخذ إليه إذا بقي على قيد الحياة وكانوا يريدون منه معلومات أكثر".

ويضيف: "الموت تحت التعذيب هو أكثر ما كان يخيفنا، كنا نكثر السؤال عن ما يجري داخل الغرف حتى عرفناها واختبرناها، إلى جانب التعذيب الجسدي هناك العذاب النفسي الذي يلاقيه المعتقل من الضابط والعناصر، فعلى سبيل المثال أخبروا صديقًا لنا من دوما أن عائلته كلها قد ماتت جراء الكيماوي، وعندما خرج وجدهم أحياء. كذلك أخبروا رجلاً أخر أن جثة والده مرمية أمام باب السجن لأنه اصر على زيارته فأطلق عليه الحرس النار وتركوه مرمياً على الارض. إلى الآن لم نستطع التأكد من صحة هذا الأمر، لأن المعتقل لقي حتفه بعد هذا الخبر".

ويردف، بالقول: "لم ينتهِ الأمر هنا، كان هناك ما يسمى السُخرة وبمعنى أخر أشغال شاقة يقوم بها المعتقلون دورياً، هنا عرفنا المعنى الفعلي لمذلة الإنسان، فهذه الأعمال تبدأ من تنظيف الحمامات وتنتهي بدفن جثث أصدقائنا المعتقلين الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب وتنظيف المهاجع والقاعات. كان موضوع حمل الجثث ونقلها من الأمور التي لن أنساها طوال حياتي".

ويؤكد أن عدد المعتقلين في المهجع الواحد كان يتجاوز المئة معتقل أحياناً، ما يجبر البعض على الوقوف والتناوب على ساعات النوم والجلوس، أما الطعام فكان يكفي لخمسين شخصًا فقط من أصل مئة. وأحياناً تمر أيام من دون أن يجلبوا شيئاً لنأكله، ويقول: "اعتدنا على ذلك حتى أصبحنا ننظم دوراً للأكل، فكل ثلاثة أيام تأكل مجموعة، وينتظر الباقون دورهم في الأيام التي تليها".

ويستذكر أصعب اللحظات التي واجهته في سجن صيدنايا عندما جاءت زوجته لزيارته، ويقول: "أكثر أمر أحزنني هو عندما حضرت زوجتي لزيارتي بعد أن عرفت أنني ما زلت على قيد الحياة في صيدنايا. كنت أتلقى الضربات واللكمات من مهجعي حتى وصلنا إلى مكان الزيارة، ولم أكن أعرف بأنني قد وصلت حتى رأيت وجه زوجتي، لم أريد أن أخبرها بما كان يحدث معي، ولكني طلبت منها ألاّ تأتي بعد اليوم لزيارتي إطلاقاً، لأن زيارة الأهل تعني رحلة تعذيب المعتقل من لحظة الخروج من المهجع باتجاه قاعة الزوار إلى لحظة العودة".

ويضيف: "لم أستطع تقدير المسافة التي استغرقتها ولكن عندها اكتشفت كم هذا السجن كبير وهائل الحجم ويصعب حفظ الممرات والمهاجع فيه، يجب على العالم أن يدرك بأن الأسد إذا بقي يحكم سوريا فسوف يموت نصف الشعب تحت التعذيب لأن السجون تغص بالمعتقلين، أو ستتحول البلاد كلها الى سجن كبير".

ويختم (م.م) بالقول: "من يدخل إلى سجن صيدنايا لن يخرج منه سليماً، لأن الجميع في الداخل يعملون على ذلك. إن مُتَّ تحت التعذيب تكون الأهداف تحققت وإن بقيتَ على قيد الحياة وتم الإفراج عنك يعملون حتى اللحظة الأخيرة لك في السجن على تدميرك وكسرك حتى لا تستطيع النظر إلى نفسك إلا سجيناً معذباً، أشكر الله الذي منحني الحياة وأراد لي أن أرى عائلتي".