دبي , الإمارات العربية المتحدة , 4  ديسمبر ، متفرقات , أخبار الآن –    

 كان العنوان الرئيس في تقرير صحيفة «واشنطن بوست»، هو: «سيلفي: قصة الفردية في حياتنا». وكان عنوان صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل»: «سيلفي: أهم كلمة في العام». أما عنوان صحيفة «سانت لويس ديسباتش»، فكان: «سيلفي: بين التواصل الاجتماعي والفردية».

تشير هذه التقارير إلى أن قاموس أكسفورد العريق، الذي يرتب الكلمات الجديدة في اللغة الإنجليزية مع نهاية كل عام، أعلن أن الكلمة الفائزة هي: «سيلفي» (ذاتي)، وأن استعمالها في الإنترنت زاد خلال هذه السنة بنسبة 17.000 مرة عن السنة الماضية. وأن أكثر الاستعمال هو في موقع «فيس بوك»، الذي تنتشر فيه الصور، بالإضافة إلى الرسائل. وأخيرا، موقع «إنستاغرام» الذي يركز على الصور، ذاتية، وغير ذاتية.

 وربما ما كان هذا سيحدث لولا التكنولوجيا الجديدة التي طورت التليفون ليكون كاميرا، ثم طورت الكاميرا لتصور صاحبها. مع كاميرات الماضي البعيد، كان مستحيلا على أي شخص أن يصور نفسه. ثم تطورت تلك الكاميرات، وصار ممكنا وضع الكاميرا على مسافة قريبة من صاحبها، وتوصيلها بسلك في نهايته زر، يضغط عليه صاحبها، ويصور نفسه.

 لكن، في عصر التليفون الذكي، يلمس الشخص شاشة الكاميرا، فتتحول العدسة نحوه، وتصوره، وتصور من معه.

 خلال هذا العام، وبعد كثرة استعمال صور «سيلفي» الذاتية، صار ذلك فنا في حد ذاته: صورة شفاه، صورة عضلات، صورة حدقات عيون. ومع نهاية العام، ظهرت في الإنترنت مواقع «سيلفي»، تعرض فنون «سيلفي».

 وكتب دان زاك، معلق ثقافي في صحيفة «واشنطن بوست»: «لم تعد (سيلفي) كلمة. صارت فلسفة».

 وأشار إلى قول الفيلسوف الأميركي رالف أميرسون (توفي عام 1882): «الحسد جهل، والتقليد انتحار». كان أميرسون من قادة الفكر الليبرالي العقلاني الفردي. لم يكتف بنقد المسيحية التي تعتمد على «عبادة» عيسى المسيح، بل دعا إلى علاقة مباشرة بين الشخص وربه. وقال إن هذا يجب أن يكون أساس الفردية. ومدح الفردية، وقال إنها تجعل الشخص فخورا بنفسه، ومتحررا من ارتباطات عائلية واجتماعية.

 لم يدع إلى حب الذات والأنانية. لكن، مع تكنولوجيا «سيلفي»، صارت الفردية نوعا من أنواع حب الذات.

 حسب «ويكيبيديا»، أول صورة «سيلفي» (تصوير الشخص لنفسه) كانت عام 1917. في ذلك الوقت، كان التصوير نفسه في مراحل قديمة. لكنه كان، مثل أي تصوير عبر التاريخ، تصوير شخص لغيره. غير أن المصور الأسترالي توماس بيكر وضع كاميرته العتيقة أمام مرآة، وارتدى ملابس عسكرية، وصور نفسه. لهذا، تظهر في الصورة الكاميرا («كوداك»)، وأوراق وأقلام.

 وخلد التاريخ الصورة، ليس فقط لأنها أول صورة «سيلفي» معروفة، ولكن، أيضا، لأنها كانت أول وآخر صورة لصاحبها، لأنه انتقل من أستراليا إلى أوروبا، حيث حارب في الحرب العالمية الأولى، وقتل هناك.

 هل كان سيشتهر إذا لم يصور نفسه؟

 وقالت إليشيا إيلار، خبيرة «سيلفي» في الإنترنت: «اشتهرت لوحات رسامين مشاهير رسموا أنفسهم. لهذا، صور التليفون الذكي الذاتية ليست عبثا، أو مرحا». ونفت أن تكون الظاهرة نوعا من أنواع الأنانية، أو حب الذات، أو الفردية المتطرفة. وقالت: «هذا فن مستمر، يصور فن الحياة اليومية. ليس أنانية، لكنه نوع من أنواع التواصل الاجتماعي».

 كيف يكون حب الذات تواصلا اجتماعيا؟ أم هل هو، أساسا، تواصل «إلكتروني»؟

 قالت سارة غيرافيس، أستاذة علم النفس الاجتماعي والقانوني في جامعة نبراسكا، والمتخصصة بالإيحاءات والتواصل غير الناطق: «تفيدنا الصور الذاتية في مجالين: أولا: تعبر عن آرائنا. ثانيا: تزيد ثقتنا بأنفسنا». وأضافت أن هناك فائدة ثالثة، وهي أن الصور لم تعد للذين يتأنقون (في كثير من الحالات، يرتدي الناس أحسن الملابس، ويتجملون، ليصورهم مصور). الآن، لأن أي شخص يقدر على أن يصور نفسه بتليفون ذكي، ظهرت «الصورة الواقعية»: شخص شبه نائم، شبه عاري، يأكل، يشرب، يعطس، يقيء (نعم، توجد صورة في الإنترنت لمثل هذه الأشياء، ولغيرها).

 وعن هذا، قالت غيرافيس: «انتهى عصر حكم الآخرين علينا (الذين يصوروننا). انتهى عصر الصورة الجميلة (والحسد على أصحاب الصورة الجميلة)».

 ونفت غيرافيس، أيضا، أن ظاهرة «سيلفي» هي فردية متطرفة، في عصر التواصل الاجتماعي. وقالت: «تقول هذه الصور الذاتية عن صاحبها، أو صاحبتها: أنا أنا، أنا هنا، أنا في هذا المكان، في هذا الوقت. لست منعزلا، أو انطوائيا، أو وحيدا. أنا اجتماعية لأن الذين يشاهدون صورتي هذه، يصيرون شركاء معي في وحدتي (وبالتالي، لا يجعلونني أحس بأني وحيدة)».

 

يمكنكم ايضا الاطلاع على :-