قبل أيام، نشرت وكالة الأسوشيتد برس رسالةً عَثَرَ عليها صحفيوها ضمن وثائق تركها وراءَهم الإرهابيون في شمال مالي مطلع العام./ الرسالة بعثتها قيادة ما يُعرف بالقاعدة في بلاد المغرب إلى أحد عناصرها المنشقين وهو مختار بلمختار الذي أعلن مسؤوليته لاحقا عن اثنتين من أعنف الهجمات بحق مدنيين في إفريقيا: اختطاف الرهائن في عين اميناس الجزائر و الهجوم على منجم اليورانيوم في النيجر.
الرسالة المؤلفة من عشر صفحات والمؤرخة بتاريخ 10 تشرين الأول أكتوبر الماضي أبرزت وأكدت ثلاث مسائل مهمة فيما يتعلق بعمل الجماعات الإرهابية. الهيكلة الإدارية لهذه الجماعات التي تشبه عمل المؤسسات التجارية ولكنها تتجاوز ذلك إلى صراعات دموية؛ نزعتها للاستعراض بالقتل والترهيب؛ واعتمادها الاختطاف أساسا في التمويل.

اليوم وضمن قراءتي لهذه الرسائل توقفت عند المحور الثالث. الاختطاف.

لم يكن سرا أن الفدية التي تحصل عليها القاعدة من وراء اختطاف الرهائن تشكل مصدرا مهما من مصادر تمويلها./ القاعدة في المغرب جنت حتى الآن 89 مليون دولار من وراء الاختطافات. لكن المعضلة كانت دائما رفضَ أي جهة حكومية تأكيد دفعها الفدية.
في الرسالة، يشكو مجلس شورى القاعدة من سوء إدارة بلمختار لملف اختطاف الدبلوماسي الكندي روبرت فاولر/، الذي كان وقتها أرفع شخصية تعمل مع الأمم المتحدة في النيجر./ الخلاف كان أن بلمختار خالف أوامر القاعدة في المغرب بترك الملف للقاعدة المركزية للتفاوض على إطلاق سراح الرجل مقابل تنازلات لقوى الأطلسي في أفغانستان./ بلمختار تفاوض منفردا من أجل فدية مقدارها 900 ألف دولار، وهو رقم أقلُ بكثير من “التعرفة” التي تحددها القاعدة مقابل الإفراج عن رهائن والبالغة ثلاثةَ ملايين دولار وذلك بحسب مؤسسة (سترات فور) للبحث والمعلومات./
وتقول الرسالة: “بدلا من أن تتماشى مع الخطة التي وضعتها، توليت المسألة كيفما أردت .. وهنا نسأل: من أساء إدارة عملية اختطاف بهذه الأهمية؟ … لقد بادلتَ ما هو ثمين بما هو بخس.”
وهنا تبرز مسألة مهمة./ فهذا أول تأكيد من نوعه على أن المال الذي تدفعه الحكومات الغربية يذهب في شراء السلاح. تقول الرسالة: “أعطينا بلمختار مبلغا معتبرا لشراء السلاح بالرغم من حاجتنا للمال في ذلك الوقت … لكنه لم يبادر يوما لشراء السلاح … فمَن أداؤه كان سيئا؟”
الأسوأ من هذا ما جاء في المراسلات بين بلمختار ومدرائه من وصف لعمليات الاختطاف بما يدل على استهتارٍ صارخ بالحياة البشرية. بلمختار رد قائلا: “بالرغم من وفرة المصادر المالية … إلا أن كل أعمالكم انحصرت في عمليات الخطف الروتينية التي سببت ضجرا للمجاهدين.”