هجوم بالوكالة وإنكار بلا قيمة.. محاولة إيرانية جديدة لإشعال المنطقة

عقب مقتل 3 من الجيش الأمريكي وإصابة 35 آخرين، وكالعادة نفت طهران، الإثنين، ضلوعها في الهجوم على القاعدة الأمريكية على الحدود الأردنية السورية، وتبرأت بعثها في الأمم المتحدة من الحادث قائلة إن الصراع يدور بين الجيش الأمريكي و”قوات المقاومة” ولا علاقة لإيران به، في إنكار لحقيقة تبعية هذه الميليشيات للحرس الثوري الإيراني.

وكان هذا السلوك الإيراني واضحًا أيضًا فيما يخص حرب غزة؛ فمنذ بداية الحرب أعلنت رسميًا تبرؤها من المشاركة بالهجوم الفلسطيني في 7 أكتوبر بينما انخرطت الميليشيات التابعة لها في سوريا والعراق واليمن ولبنان في مواجهات عسكرية محسوبة منعًا للتصعيد، ثم أعلن الحرس الثوري لاحقًا أن الهجوم الفلسطيني كان انتقامًا لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.

وبينما رفضت طهران الالتزام بوعودها بدعم الفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل فإنها انخرطت بشكل غير مباشر في مواجهات عسكرية عابرة للحدود استغلالا للظرف الحالي واستثمارًا لحالة التعاطف الشعبي العربي مع غزة.

ولا يشكل هذا الهجوم الجديد مفاجأة، إذ نرى منذ بداية حرب غزة أن إيران تستخدم ميليشياتها في المنطقة لإشعال صراع أوسع نطاقاً، مع التركيز بشكل خاص على مصر والأردن باعتبارهما الهدف الرئيسي لنشر الفوضى والدمار.

ونرى هذه الخطة بتفاصيلها في كتابات مصطفى حامد، صهر زعيم القاعدة، وصاحب موقع “مافا” الإيراني، الذي يشن حربًا دعائية لمساعدة الحرس الثوري في اختراق تنظيم القاعدة واختطاف تيارات العنف والإرهاب وتسخيرها لخدمة المشروع الإيراني.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

جهاد طروادة: للهاوية بأقصى سرعة

واليوم يركز حامد هجماته على حماس الفلسطينية بهدف سحب الزخم منها وإلصاقه عنوة بالمحور الإيراني، وتبرير تقاعس طهران عن نصرة الفصائل الفلسطينية، ففي أول أيام العام الجديد نشر على منصة “إكس” سلسلة تغريدات بعنوان “أتركوهم .. لكن بهدوء” يهاجم فيها الجناح السياسي لحماس ويتهمها بالتآمر ضد الشعب الفلسطيني ويدعو لوقف دعم الحركة عقابًا لها لأنها لا تنسق كما ينبغي مع المحور الإيراني وروسيا والصين.

ويقول نصًا: “الأولى بحلفاء حماس ألا يستمروا في دعمهم لها وهم مغلقوا العيون حتى لا يسقطوا في هوة عميقة حفرتها لهم حماس والموساد في الدوحة، من الأولى أن يتخلص حزب الله والحوثيون ومجاهدي العراق بالتدريج وبهدوء من تلك الورطة وأن يضعوا لأنفسهم استراتيجية وأهداف خاصة للحرب من أجل فلسطين والأقصى دون أن يطلعوا قيادة حماس عليها حتى لا تسربها إلى الموساد”.

ويظهر جليًا أن هدف حديثه تبرير عدم دعم إيران لحماس عسكريًا وتنصلها من تعهداتها لها، والحفاظ على ماء وجه “محور المقاومة” بحرف الأنظار عن متاجرة طهران بدماء الفلسطينيين والعرب في سياق تنافسها الإقليمي مع إسرائيل، وهو لا يبرر الموقف الإيراني صراحة بل يسوق ويكرر الاتهامات لحماس ويلح على التأكيد على قصورها السياسي ويطالب بفرض وصاية إيرانية عليها.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

وفي مقال “العصر القادم ما بعد تفجير ديمونا (2)” بتاريخ 21 ديسمبر، يهاجم مصطفى حامد قادة حماس المقيمين في قطر لأنهم لم يذهبوا للإقامة لدى ميليشيات الحوثي الشيعية في اليمن، وفي مقال “أيها السادة: الكتائب و السرايا و الفصائل المسلحة في غزه أنسفوا بوابات رفح” بتاريخ 9 يناير، يعود لمهاجمة حماس لأنها لم تقتحم معبر رفح بالقوة.

وفي المقابل يبالغ حامد في تمجيد التحركات الاستعراضية للمحور الإيراني، ففي مقال “ليكن أنصار الله أول من يحرر فلسطين وجزيرة العرب” في 17 ديسمبر، يقول “أيها السيد الحوثي.. أيها الرجل الأكثر شجاعة بين العرب.. يامن أعدت البحر الأحمر إلي المسلمين”، وفي مقاله “ضعوا الأقصى في قائمة الأسري المحررين” الذي نشره في نفس اليوم، يدعو إلى خطف السفراء الغربيين لإجبار دولهم على الاعتراف بالبحر الأحمر كبحر يمني.

وفي مقال “العصر القادم ما بعد تفجير ديمونا (1)” في 12 ديسمبر، يدعو لأن “تفتح المقاومة طريقاً للإمدادات البحرية من إيلات إلي ميناء الحُدَيِّدَة على البحر الأحمر في اليمن، لتموين قطاع غزة بالطعام والدواء والأسلحة والرجال”.

وفي مقال “العصر القادم ما بعد تفجير ديمونا (3)” بتاريخ 23 ديسمبر، يدعو ميليشيات الحوثي ليغزو السعودية ويعلن دولة “اليمن الكبرى ويضع القبائل اليمنية علي حدود مكة والمدينة . فهم خير من يحمي مكة والمدينة وجزيرة العرب وفلسطين ..أراضي اليمن تمتد من ميناء الحديِّدة علي البحر الأحمر وصولا إلي مدينة الطائف.. نعني تحديداً أن تعود جزيرة العرب إلي كيانين رئيسيين هما عمان واليمن فقط”. أي أنه يدعو الميليشيات الإيرانية صراحة لمهاجمة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر.

وفي مقال “وسقط المسجد الأقصى من حسابات (طوفان الأقصى)” في ٩ ديسمبر، يقول إن الخطأ الجوهري لحزب الله والحوثي هو ربط العمليات العسكرية بالموقف في غزة، بينما على المحور الإيراني أن يقود المشهد بنفسه ويسيطر على المنطقة العربية تحت ذريعة المقاومة، ويدعو لاستهداف المملكة العربية السعودية.

يأتى هذا في أعقاب اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، صالح العاروري، في قلب معقل حزب الله في بيروت، في 2 يناير، مما أثار اتهامات مغردين ومتابعين بتورط الحزب في الوشاية به، كما تحدث سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، قائلا إن المنطقة التي تم فيها اغتيال العاروري بالضاحية الجنوبية تابعة للحزب بامتياز، متسائلا لماذا لم تصب الغارة حراسه الستة الذين عينهم الحزب لحراسته!

ومما ساهم في إثارة هذا الاتهام أن محمد الريس الذي قُتل بصحبة العاروري خرج قبل الحادث بأيام على رأس مظاهرة هاتفًا بأسماء الصحابة قائلا “نحن جندك يا عمر ..نحن جندك يا عثمان”، مما أثار تكهنات بشأن توتر العلاقة مع حزب الله نظرا لأن هذه الهتافات مستفزة للشيعة.

كما أثيرت نفس الاتهامات عن تورط حزب الله في الوشاية بنائب قائد الجناح العسكري لحماس في لبنان خليل خراز، لأنه قُتل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان مع ثلاثة آخرين بعد أيام من انتقاده للحزب وتضييقه على كتائب القسام في لبنان.

ولم تتخذ الميليشيا الإيرانية إجراءً جديًا عقب مقتل العاروري رغم تهديد نصر الله، بأنه لن يسمح باستهداف أي فلسطيني في لبنان، ففي خطاب ألقاه في آب/ أغسطس الماضي، قال: “أي اغتيال على الأرض اللبنانية يطال لبنانيا أو فلسطينيًا أو إيرانيًا أو سوريًا أو أي تابعية سيكون له رد الفعل القوي ولا يمكن السكوت عنه ولا يمكن تحمله ولن نسمح أن تفتح ساحة لبنان من جديد للاغتيالات..”.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

وفي تحول لافت، خرج أبو محمد المقدسي، أبرز منظري التيار الجهادي، عن صمته الطويل موجهًا سهام نقده اللاذع لحماس، مستنكرا علاقتها بإيران، ويشير المقدسي إلى إيران باسم “الروافض” ويتهمهم بإهانة ذكرى الصحابة الكرام وبأنهم “قتلة إخوانكم في الشام والعراق واليمن وغيرها”.

واستهجن المقدسي في كلمته احتفاء تنظيم القاعدة بالحركة الفلسطينية، قائلا إن القاعدة “تستعير في إصداراتها إصدارات مقاتلي حماس لتتكلم مِن خلالها عن الجهاد العالمي الذي تتبرأ منه حماس المقاومة بل وتعده إرهابا! أو تُحرض مِن خلال مقاطع مقاتلي القسام على طواغيت وأنظمة تواليهم أصلا حماس! أو تعتمد عليهم وتستمد منهم وتُمجد قتلاهم وتعدهم شهداء القدس!” في هجوم صريح على المحور الإيراني والمقربين منه.

وترجع أهمية رسالة المقدسي لأنها تكشف التباين بين مؤيدي رؤية أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة الجديد الخاضع للسيطرة الإيرانية الفعلية من خلال سيف العدل.

وإذا نجح سيف العدل في السيطرة الكاملة على تنظيم القاعدة في النهاية، فمن الممكن اتهام أمثال المقدسي بعدم القيام بما يكفي لمنع استيلاء إيران على تنظيم القاعدة.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

عراب جهاد طروادة

تفسر الدكتورة دلال محمود، أستاذ مساعد العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، تركيز صاحب موقع مافا الإيراني على تمجيد الميليشيات الحوثية فتقول: إنه يحاول أن يجد في العالم حوله من يحقق له أفكاره، فقد يغير البطل الذي ينفذ أحلامه، فاليوم يجد مبتغاه في إيران، وأحيانا يركز على الجهاد البحري ومن ثم ينتقل التركيز على الحوثيين والصوماليين، فلديه أبطال يتغيرون من فترة لأخرى.

وبينما يُسوق حامد لنفسه على أنه منظّر جهادي بارع، ويُظهر زوج ابنته، سيف العدل، الزعيم الفعلي للقاعدة، في صورة الجهادي المخضرم والمحترف ورجل الاستراتيجيات كما في سلسلة مقالات “ذات يوم” وغيرها، لكن في الواقع، فإن كتابات حامد تكشف أنه موقعه الإلكتروني ليس أكثر من بوق إيراني لتسويق مشروع طهران التوسعي تحت مبررات مقنعة لشريحة معينة من الناس.

فيمكن بسهولة التعرف على المخططات الإيرانية تجاه العالم السُنّي من خلال متابعة مقالات الموقع الإيراني، إذ يشرح الرجل هذه المخططات بلسان عربي مبين لكن مغلفة بقشرة جهادية ومبررات إسلامية.

ففي مقال “جهاد البحار .. وتطوير الحرب الجهادية” في مايو 2022، يشرح مخطط السيطرة على باب المندب قبل الهجمات البحرية للحوثيين بخمسة أشهر فيقول: “وجود مقاومة بحرية إسلامية جهادية مشتركة من اليمنيين والصوماليين، تعتبر مسألة هامة جدا لفك جزء من الحصار البحرى الصليبى اليهودى، المضروب حول جزيرة العرب”.

ويشير هنا إلى التعاون بين تنظيم القاعدة وإيران، أو بالأحرى بين فرعي القاعدة في اليمن والصومال وبين الحوثيين في اليمن لخدمة هدف طهران المتمثل في تهديد الملاحة الدولية في أحد أهم مسارات الشحن العالمية.

فالاستراتيجية الإيرانية تعتمد على امتلاك أوراق قوة واستخدامها للمساومة خلال المفاوضات بينها وبين واشنطن مثلا حول الملف النووي؛ أي امتلاك القدرة على إشعال أزمات، والضغط على المفاوضين الغربيين بهذه الورقة في مواجهة ضغوطهم على إيران للرضوخ لشروطهم.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

وقد سبق وأعلن مساعد وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، عام 2018 رفض مطالب واشنطن بالربط بين الاتفاق النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية، بينما أبدى استعداد بلاده للتفاوض على ملف اليمن، أي أن طهران تستخدم نفوذها في اليمن لتحسين موقفها التفاوضي وتجنب التنازل في ملفاتها الأكثر أهمية.

وغالبًا ما تكشف كتابات مؤرخ القاعدة عن طبيعة التفكير الرسمي الإيراني في ملف الحركات والتنظيمات الجهادية المسلحة، وتفسر الإطار النظري الذي تتحرك داخله فروع تنظيم القاعدة في المنطقة العربية، وتشرح كيفية التخادم بين التنظيمات الجهادية في الدول العربية السنية والأذرع الشيعية المسلحة ضمن مشروع واحد.

وكما أوضحنا من قبل في سلسلة متلازمة طهران فإن زعيم القاعدة يرى الثورة الإيرانية نموذجًا يحتذى و”حالة فريدة غافلت العالم ويصعب تكرارها”، وبينما يدعو أبو الوليد صراحة للعمالة لطهران، فإن صهره سيف العدل، زعيم القاعدة، المقيم معه في طهران يكتفي بالتلميح؛ فيؤكد على مفهوم “الطابور الخامس” ويطلب من أتباعه فقه هذا المفهوم الذي يعني التعاون مع العدو ظاهرياً.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

ويلاحظ المتتبع لمقالات سيف العدل تكرار حديثه عن فكرة “حصان طروادة” التي تعني اختراق حصون العدوّ بحيلة ماكرة كتقديم طُعم له في صورة هدية، وترجع الفكرة لأسطورة إغريقية تحكي عن اقتحام جيش إغريقي لمدينة طروادة بعدما تركوا حصاناً خشبياً ضخماً خبأوا فيه بعض الجنود، ولما أدخل الطرواديون الحصان إلى مدينتهم، خرج الجنود منه وفتحوا أبواب المدينة أمام الغزاة.

ويبدو أن الاستراتيجية التي يطبقها عمليًا هي استراتيجية “جهاد طروادة” أي اختراق النظام الإيراني لتنظيم القاعدة عن طريق زعيمه سيف العدل، ليصل التنظيم إلى مرحلته التالية أي التبعية الكاملة لنظام الملالي، وهذا هو التطور الطبيعي لمتلازمة طهران.

وقد استخدم سيف العدل بالفعل استراتيجية جهاد طروادة بشكل مصغر في اختراق صفوف القبائل السنية جنوب اليمن عن طريق عناصر القاعدة الذين فتحوا الطريق أمام ميليشيات الحوثي الشيعية التابعة لإيران.

وقد تم رصد حالات متعددة لتوريط جهاديين سّنّة أفغان وباكستانيين في هجمات لا معنى لها بالنسبة لتنظيم القاعدة لكنها تخدم مصالح إيران بشكل واضح.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

الإتجار بدماء السنة

لفهم أبعاد مشهد حرب غزة والهجمات التي يشنها المحور الإيراني في لبنان واليمن وسوريا والعراق، يجب استيعاب مفهوم الحرب بالوكالة في استراتيجية إيران، وهو مفهوم إشعال الحروب دون خوضها، أو بعبارة أوضح فإن إيران تدير الهجمات في عدة دول في وقت واحد لكن أراضيها تظل بمنأى عن أي مواجهة، بينما تشعل المواجهات باستخدام ميليشيات شيعية تشكل خط الدفاع عن الأراضي الإيرانية، وفوق ذلك تحاول اختراق الجماعات السنية لتشكيل خط دفاع ثاني فيما يُعرف بـ”جهاد طروادة“.

استغلال إيران للقضية الفلسطينية تمثل في دفع الأسلحة لحماس لتقاتل إسرائيل كنوع من الانتقام الإيراني من تل أبيب بسبب قصفها المستمر لميليشياتها الشيعية في سوريا، وبمجرد دخول حماس في المعركة تنصلت طهران رسميًا من المسؤولية وتركت حماس تواجه مصيرها.

فالقيادة الإيرانية رفضت تمامًا التدخل لصالح حماس كما كان متفقا عليه رغم أن تدخلاتها في العراق وسوريا وغيرها تمت تحت شعار محور المقاومة والطريق إلى القدس، لكن في الحقيقة ظلت القدس مجرد شعار لتبرير الوجود العسكري الإيراني في الدول العربية.

ورغم التباين المذهبي بين طهران والفصائل الفلسطينية، استغلت الأول عجز هذه الفصائل عن الحصول على أي دعم من جهة أخرى وإصرارها على مواصلة الكفاح المسلح ضد إسرائيل، فشجعتها على شن هجمات على درجة هائلة من المخاطرة ووعدتها بالدعم، بدلا من المخاطرة بأذرعها الشيعية في سوريا ولبنان.

ودفعت طهران بأذرعها في الدول العربية للتدخل الرمزي ضد إسرائيل فتلقت بعض الردود الانتقامية المحدودة بينما ظلت الأراضي الإيرانية آمنة، في تجسيد مثالي للاستراتيجية الإيرانية للحرب بالوكالة.

واكتفت الميليشيات الشيعية بتدخلات رمزية لا تؤثر على المعركة في غزة، مثل مشاغلة إسرائيل على حدود جنوب لبنان، واستهداف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق دون إيقاع أي قتيل منعًا للتصعيد وتهديد الملاحة دون مهاجمة أي إسرائيلي، الأمر الذي مثل تحديًا للشعارات الإيرانية عن فلسطين.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

استثمار دماء أطفال غزة

رغم أن إيران لم تدعم حماس ميدانيا كما كان متفقا عليه، لكنها عملت بإصرار على استغلال الأزمة وتحقيق أقصى استفادة من شلال الدماء المراقة وتحويلها إلى مكاسب ملموسة وأوراق قوة لها.

فبدون إراقة قطرة دم إيرانية واحدة تريد طهران الاحتفال بهجوم حماس واحتسابه ضمن سجل انتصارات “محور المقاومة” وكسب هيبة خصومها، وثقة حلفائها، واكتساب الشعبية لدى الشعوب العربية، وتحسين صورة طهران التي ارتبطت بالمجازر الطائفية ضد العرب في سوريا والعراق.

فأعلن المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني رمضان شريف، أن هجوم “طوفان الأقصى” شنته حماس رداً على اغتيال الجنرال الإيراني، قاسم سليماني.

فخرجت حماس تنفي صحة هذا الكلام، وحاول قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، استدراك الأمر فقال إن العملية “فلسطينية بالكامل“.

ثم جاء المرشد الإيراني علي خامنئي، في آخر أيام عام 2023 ليعلن أن ما يحدث في غزة هو نتيجة جهود قاسم سليماني وخليفته إسماعيل قاآني، ويقول “المقاومة في غزة منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر هي بسبب وجود جبهة المقاومة”، رغم تنصله في البداية من العملية.

وهكذا حاولت طهران السطو على المشهد في غزة رغم اتخاذها مسافة منه عمليًا، لكن هذه المحاولات جاءت عقب اغتيال إسرائيل العميد الإيراني رضي موسوي، في سوريا، وهو هجوم لا تريد طهران الرد عليه، فجاءت تصريحات متحدث الحرس الثوري ليذكر بمفهوم الحرب بالوكالة ويهدد تل أبيب من هجوم مماثل لطوفان الأقصى رداً على مقتل رضي موسوي، أي أن المقصود أن الرد الانتقامي سيأتي عبر الوكلاء وليس من إيران.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

استعراضات الحوثي

في إطار محاولات طهران لاستثمار حرب غزة لتوسيع نفوذها الإقليمي، نفذت ميليشيات الحوثي التابعة لإيران عمليات ضد الملاحة الدولية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن بهدف تنفيذ المخطط الإيراني الهادف لبسط النفوذ على أهم الممرات التجارية الدولية وتهديد أمن الطاقة وسلاسل التوريد.

فتهديد الملاحة طريقة إيران المفضلة لحل مشاكلها مع الغرب، فاعتمادًا على موقعهم المسيطر على مضيق هرمز، ظل الإيرانيون يلعبون على مخاوف الغرب من قطع شرايين الملاحة الدولية وتهديد خطوط إمداد الطاقة خاصة عندما فرضت واشنطن عقوبات نفطية على طهران عام 2018.

وبالطبع برر الحوثي تحركاته البحرية بنصرة غزة لإظهار أي موقف ضده وكأنه ضد الشعب الفلسطيني، واستطاع استغلال الظرف الحالي ليترسخ بعد حرب غزة أمر واقع ملخصه مصداقية التهديد الحوثي للملاحة في باب المندب بحيث لو صدرت أي تهديدات من الحوثي لاحقا لأي جهة سيكون لها مصداقية بسبب العمليات التي نفذها بالفعل بحجة نصرة غزة.

ومع تزايد عمليات الحوثي البحرية مؤخرا؛ توسعت قدرات إيران على تهديد الملاحة لتشمل ليس فقط الخليج العربي وخليج عمان بل أيضا البحر الأحمر وخليج عدن وغرب بحر العرب، وبالتالي لن تهدد إيران بغلق مضيق هرمز فقط بل باب المندب أيضًا.

وأعلن وزير الدفاع الإيراني، العميد محمد رضا أشتياني، أن “البحر الأحمر يعتبر جزء من منطقة إيران، وبالتأكيد لا يمكن لأحد أن يناور في المنطقة التي نسيطر عليها”.

كما ألقت هذه الأحداث الضوء على التخادم الميداني بين ميليشيات إيران وتنظيم القاعدة؛ فبعد فشل محاولة الاستيلاء على سفينة “سنترال بارك” المملوكة لملياردير إسرائيلي، الأحد 26 نوفمبر، من قِبل مهاجميها الصوماليين، أطلقت الميليشيات الحوثية صواريخ على بعد 18 كيلو مترا من سفينة حربية أمريكية، وفي هذا الهجوم تحديدًا ظهر التنسيق الذي تحدث عنه صاحب موقع مافا السياسي بين ميليشيات الحوثي وفرع القاعدة الصومالي فيما أسماه “جهاد البحار“.

وبحسب الباحث حسن أبو هنية فإن سيف العدل، الزعيم الفعلي للقاعدة، يحاول أن يذهب باتجاه نوع من العلاقة مع إيران والتركيز على الأهداف الأساسية للقاعدة ومواجهة العدو البعيد، وهناك جدل وخلافات كبيرة داخل تنظيم القاعدة حول العلاقة مع إيران.

ويضيف أبو هنية في لقائه مع “أخبار الآن” أن خلال أحداث غزة ثار النقاش داخل تنظيم القاعدة حول كون إيران حليفاً غير موثوق ليس بسبب خلفياتها الأيديولوجية وإنما لأنها لم تساند المقاومة في فلسطين في غزة وتحديدا حماس بالشكل الكافي، وأنها تطلق مجرد شعارات، مما أجج الجدل حول جدوى التخادم بين التنظيم وإيران.

جهاد طروادة.. هكذا تتاجر طهران بدماء غزة والعرب

الخلاصة

بعد تخلي إيران عن مبدأ “وحدة الساحات” الذي كان بمثابة تعهد لنصرة الفصائل الفلسطينية، تعامل الإيرانيون مع الأزمة ليس باعتبارها اختبار لمصداقية “محور المقاومة”، بل حولوا أزمة غزة إلى فرصة للحصول على أكبر قدر من المكاسب الإقليمية تحت ذريعة نصرة القطاع المحاصر.

فتم تحريك الحوثيين لتنفيذ عمليات ضد الملاحة الدولية في مضيق باب المندب وبالتالي تسجيل حضورهم كقوة عسكرية يجب أخذها بالحسبان كطرف قادر على تعطيل جزء مهم من التجارة العالمية طبقًا للاستراتيجية الإيرانية، رغم أن كل تحركاتهم لم تفد غزة بشيء بل شكلت الأزمة غطاءً لتلك التحركات.

وتم تحريك الميليشيات في سوريا والعراق استغلالا للظرف الحالي لممارسة ضغط منضبط على القوات الأمريكية في البلدين عن طريق استهداف القوات العسكرية الأمريكية بالصواريخ دون إحداث إصابات، بينما يخوض حزب الله مواجهة منضبطة بقواعد معروفة منذ 18 عامًا، ضمن عملية إشغال لا إشعال، أما إيران كدولة فهي خارج نطاق المواجهة ولا يُحتمل أن تتدخل كما أعلنت رسميًا منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى والتزمت بذلك فعليا، فهي كدولة لا تعتبر نفسها معنية بالتدخل طالما لم تمس الحرب تراب حدودها.

وعلاوة على ذلك، حاولت طهران السطو على المشهد في غزة عنوة بالإعلان عن أن الحرب الحالية، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى من المدنيين الفلسطينيين، ما هي إلا انتقام إيراني من إسرائيل، في محاولة للتذكير بمفهوم الحرب بالوكالة الذي يعني توريط إيران الفصائل المسلحة في حروب تنأى بنفسها عن خوضها إيثارًا للسلامة، أو بعبارة أخرى التضحية بدماء السُنَّة لخدمة المشروع الإيراني.

جهاد طروادة: عملاء أفغان وباكستانيين في خلايا الإرهاب الإيراني بالخارج