في خدمة إيران

في ظل اشتعال الأحداث في غزة، يحاول مصطفى حامد، صهر زعيم القاعدة، استغلال الأحداث أيضًا ببراعة في مقال له بعنوان “بشكل عاجل مطلوب طوفان لتحرير العالم العربي” نشره اليوم، ٩ أكتوبر ٢٠٢٣، على موقعه الشخصي الذي يديره من طهران.

ووجه حامد دعوة عامة للشعوب العربية وباكستان لنشر الفوضى والعنف في أرجاء العالم السني في غمرة التأثر والحماس الشعبي والتفاعل الكبير مع عملية “طوفان الأقصى” في فلسطين، في دعوة أقل ما توصف به أنها محاولة لإشعال الفتنة في الدول شرق وغرب إيران -التي يقيم بها- مع استثنائها وحلفائها بالطبع من هذه الدعوة!

وبالتزامن مع تلك الدعوة، أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بيانًا صباح اليوم يعلن فيه تضامنه مع الشعب الفلسطيني،  في ظل الزخم الإعلامي الكبير الذي حققته عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة حماس السبت الماضي في منطقة غلاف غزة، في محاولة من التنظيم لغسل سمعته أمام أتباعه وأبناء الشعب اليمني بعد انكشاف تواطئه مع ميليشيات الحوثي التابعة لطهران.

واعتبر الدكتور محمد الحميري، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة المستقبل اليمنية، أن بيان القاعدة يأتي كمحاولة لتلميع صورة التنظيم الإرهابي أمام الرأي العام اليمني حين يتبنى القضايا الحقوقية للشعب العربي بينما هو في الحقيقة تنظيم دموي يستهدف بصورة أساسية العرب والمسلمين في اليمن وغيرها من الدول العربية.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

وأضاف الحميري في تصريحات خاصة لأخبار الآن أن القاعدة تواجه رفضًا شعبيًا كبيرًا في شبوة والجنوب وكل أنحاء اليمن لافتًا إلى أن أبناء الجنوب اليمني قدموا تضحيات كثيرة للتخلص من وجود التنظيم في مناطقهم لكن التنظيم يتخفى ويستخدم أساليب مختلفة للتخفي والاختباء.

وقد نشرت قوات دفاع شبوة مؤخرًا اعترافات عناصر تنظيم القاعدة الذين تم اعتقالهم بعد محاولتين نهب طقم عسكري، بما يعزز من تأكيد تخادم التنظيم مع ميليشيات الحوثي التي أفرجت مؤخرًا أيضًا عن 20 عنصراً القاعدة ضمن الصفقات بين الطرفين.

وغالبًا ما يثير الكشف عن مثل تلك الأخبار جدلا كبيرا في حواضن التنظيم المصدومين بعمالته لإيران وحلفائها، لذا يحاول قادة القاعدة التكتم على تفاصيل هذه العلاقات المريبة.

أزمة سيف العدل

وبعد مرور أكثر من عام على مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في 31 يوليو 2022، لا يزال التنظيم بدون أمير معلن حتى اليوم بسبب وجود قائده الفعلي، سيف العدل، في إيران تحت حماية الحرس الثوري، الأمر الذي شكل حرجًا شديدًا للتنظيم ومنعه حتى اليوم من تنصيب خليفة لقائده القتيل طوال هذه الفترة.

لكن خطورة هذا الفراغ القيادي لا تقارن بالخطر الذي ينتظر مسيرة القاعدة في المستقبل القريب، لأنه، وبتوجيهات إيرانية، يبدو أن سيف العدل وصهره مصطفى حامد يجهزان لمهمة غير طبيعية بل وانتحارية للتنظيم.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

فعلى عكس الزعيمين السابقين، بن لادن والظواهري، يحيط سيف العدل نفسه بهالة من الغموض المتعمد نظرًا لطبيعة شخصيته وحساسية موقفه في إيران، لكن بالرجوع إلى المعلومات المتناثرة عنه ومقالاته التي ينشرها باسم مستعار على موقع “مافا السياسي” التابع لصهره مصطفى حامد(أبو الوليد المصري)، يمكننا معرفة الكثير عنه.

وكما أوضحنا في سلسلة متلازمة طهران فإن زعيم القاعدة يرى الثورة الإيرانية نموذجًا يحتذى و”حالة فريدة غافلت العالم ويصعب تكرارها”، وبينما يصرح أبو الوليد بمبررات العمالة لإيران، فإن صهره المقيم معه في طهران يكتفي بالتلميحات والإشارات؛ فيؤكد على مفهوم “الطابور الخامس” ويطلب من أتباعه فقه هذا المفهوم الذي يعني التعاون مع العدو ظاهرياً.

ففي مقال “33 استراتيجية للحرب -1(استراتيجية التضاد)” يقول “لاحظ الإشارات فليس كل ما هو ظاهر حقيقي .. والطابور الخامس بحاجة أن يُستفز ويُستدرج ليظهر الذين يحركونه وتتكشف وجوههم.. تعلم كيف تخرج أعداءك من مخابئهم .. أعلن الحرب عليهم سرًا .. لا تكن ساذجًا”.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

ويلاحظ المتتبع لمقالاته تكرار حديثه أيضًا عن فكرة “حصان طروادة” التي تعني اختراق حصون العدوّ بحيلة ماكرة كتقديم طُعم له في صورة هدية، وترجع الفكرة لأسطورة إغريقية تحكي عن فشل جيش الإغريق في اقتحام مدينة طروادة، فأعلنوا انسحابهم من حول المدينة، وتركوا وراءهم حصاناً خشبياً ضخماً خبأوا فيه بعض الجنود، فاحتفل الطرواديون برفع الحصار وأدخلوا الحصان الهدية إلى مدينتهم، فخرج الجنود منه ليلًا وفتحوا أبواب المدينة أمام الغزاة فنهبوها وقتلوا وأسروا أهلها.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

الحصان والفارس: إيران حولت سيف العدل لحصان طروادة حتى يقتحم قلعة الجهاديين السنة من الداخل ويقوم بتنفيذ جهاد طروادة ضد أعدائها

وقد بدأ سيف العدل في 20 فبراير 2021 سلسلة يشرح فيها أفكار كتاب “33 إستراتيجية للحرب”، للباحث الأمريكي، روبرت غرين، لكنه يضفي عليها بصمته الخاصة ويسقطها على واقع القاعدة، وفي كتاباته يكرر ذكر نموذج حصان طروادة بشكل لافت يكشف افتتانه بهذه الفكرة، إذ يركز في كتاباته على مفهوم اختراق العدو من الداخل.

يبدو في الظاهر أن تركيزه على مفهوميّ الطابور الخامس وحصان طروادة بمثابة تحذيرات ضد تسلل العدو الخارجي، لكن من هو الذي يحاول اختراق الجهاديين السنة في تنظيم القاعدة؟ الإجابة التي ستصدم أتباعه أنه، بعد أن كتب عن كل خدع وألاعيب الحرب تلك، يجد سيف العدل نفسه اليوم أسيرًا في أيدي أجهزة الأمن الإيرانية، ويقوم بإعداد الجهاديين السنة من تنظيم القاعدة لاستخدامهم كحصان طروادة في خدمة إيران.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

ويبدو أن الاستراتيجية التي ابتدعها -ولما يعلن عنها- هي استراتيجية “جهاد طروادة” أي اختراق النظام الإيراني لتنظيم القاعدة عن طريق سيف العدل شخصيًا، ليصل التنظيم إلى مرحلته التالية والأخيرة أي التبعية الكاملة لنظام الملالي، وهذا هو التطور الطبيعي لمتلازمة طهران.

وقد استخدم سيف العدل بالفعل استراتيجية جهاد طروادة بشكل مصغر في اختراق صفوف القبائل السنية في جنوب اليمن عن طريق عناصر القاعدة الذين فتحوا الطريق أمام ميليشيات الحوثي التابعة لطهران.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

استراتيجية سيف رقم 5 (استراتيجية القيادة والسيطرة): القاعدة في اليمن يشن حربا لا يفهم أهدافها حتى مؤيدي التنظيم! لماذا كثف باطرفي هجماته على الجنوب في نفس الوقت الذي يتفاوض فيه الحوثيين على السلام؟ مهما كانت خطة باطرفي فهي ليست يمنية أو عربية، لأنه رئيسه سلم قيادة القاعدة لأسياده الإيرانيين

وقد تم رصد حالات غريبة لاستخدام الجهاديين السّنّة من الأفغان والباكستانيين في هجمات لا معنى لها بالنسبة لتنظيم القاعدة بينما تخدم المصالح الإيرانية بشكل واضح.

وتجدر الإشارة إلى أن التغطية المركزة لـ”أخبار الآن” على دور مصطفى حامد وتبنيه أجندة مؤيدة لإيران وكتابات سيف العدل المنشورة في موقعه تحت أسماء مستعارة، كان لها دور كبير في كشف عملية التحول الأيديولوجي لتنظيم القاعدة، ولا تزال أصداء هذه التغطية تتردد داخل المنظمة وتثير الجدل والنقاشات بين أعضاء التنظيم غير المصدقين لما يدور حولهم.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

لكن يبدو أن الثنائي مصطفى حامد وصهره يتخذان على نحو متزايد خطوات أكثر فجاجة بشكل يفوق ما ذهبنا إليه من قبل في متلازمة طهران، التي اتضح أنها ليست فقط حقيقة مؤكدة، بل يبدو أن الزمن يوشك أن يتجاوزها لنصل إلى المرحلة الأعلى، وهناك عدد من القرائن توضح ملامح المرحلة المقبلة.

أولا: تركيز التنظيم على منطقة شرق أفريقيا وهي منطقة اهتمام إيراني متزايد وقد أجرى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، زيارة لها في يوليو الماضي؛ ولاحظنا في التحقيقات التي أجراها الزميل وسيم عرابي عن المصالح الإيرانية في تنزانيا وعمليات التجسس التي تم الكشف عنها هناك أن طهران عازمة على الاستيلاء على الإرث الدموي لتنظيم القاعدة في المنطقة، وهو إرث شاركت طهران في صناعته بقوة، بدءًا من تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، وهي العملية التي أشرف عليها سيف العدل بعد تدريبه في معسكر لحزب الله في لبنان، وظهرت آثار التدريب في واقعة تفجير السفارتين، حيث لوحظ تشابه طريقة التفجير بشكل صارخ مع أسلوب عمليات حزب الله.

وفي كينيا شهدت السنوات الماضية العديد من وقائع الكشف عن عمليات تجسس واختراق اشترك فيها الحرس الثوري مع الدبلوماسيين الإيرانيين، وفي الصومال المجاور، تتمركز جماعة الشباب التابعة للقاعدة، والتي تدعمها طهران اقتصاديًا وتسليحيًا، وتحصل منها على اليورانيوم وتتعاون مع ميليشيات الحوثي الشيعية في اليمن.

وبصفة عامة تنتشر الخلايا الإرهابية التابعة لطهران في دول الشرق الأفريقي تحت لافتات مختلفة ما بين هيئات خيرية وإغاثية وبعثات دبلوماسية وعملاء سريين بالإضافة إلى الروابط العميقة مع حركات الإرهاب الجهادي المتطرفة، من أجل تعزيز مصالح طهران، والتي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط بل الأهم المصالح الاستراتيجية.

ومن ضمن هذه المصالح الحصول على موطئ قدم في تلك المناطق تستطيع تهديد خصومها من خلاله؛ كتهديد الملاحة في باب المندب وشن هجمات عسكرية انطلاقًا من شرق أفريقيا؛ كما وقع في يناير 2020 حين نفذت حركة الشباب الصومالية هجومًا على القوات الأمريكية في قاعدة سيمبا العسكرية في كينيا عقب اغتيال واشنطن لقاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني آنذاك.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

ولا يدع مصطفى حامد هذا الموضوع مجالا للتخرصات والشكوك بل يجاهر بهذا المخطط على موقعه بكل وضوح؛ ويُنَظِّر لفكرة الجهاد العالمي الموالي لإيران بهدف خنق شبه الجزيرة العربية من جانبي باب المندب، فالحوثيون في اليمن على الساحل الشرقي للبحر الأحمر وحركة الشباب على الضفة الغربية، وبجوارهم يرابض العسكريون الإيرانيون على الجانب الإريتري، ويسيطرون على قواعد عسكرية تُستخدم لتدريب وتسليح الحوثيين.

وهو ما يعبر عنه مصطفى حامد في مقاله “جهاد البحار .. وتطوير الحرب الجهادية” بقوله “وجود مقاومة بحرية إسلامية جهادية مشتركة من اليمنيين والصوماليين، تعتبر مسألة هامة جدًا لفك جزء من الحصار البحرى الصليبي اليهودي المضروب حول جزيرة العرب، إضافة إلى حماية البحر الأحمر من السيطرة الإسرائيلية”

وتجدر الإشارة هنا إلى أن التحقيقات التي كشفت عن تورط وزارة الاستخبارات الإيرانية، وليس فقط قوات الحرس الثوري، تظهر أن الحكومة الرسمية أيضًا غارقة حتى أذنيها في نشر الإرهاب الدولي وملف توظيف تنظيم القاعدة بالذات واعتبار التنظيم أحد أدوات السياسة الخارجية الإيرانية، تمامًا مثل الوكلاء الشيعة كحوثيي اليمن وحزب الله اللبناني.

فوزارة الاستخبارات متورطة كالحرس الثوري في ملف القاعدة، رغم ما بين الطرفين من شحناء وتنافس على تحقيق ذات الأهداف.

ويعد اليمن نقطة الارتكاز الرئيسية لتنفيذ تلك الاستراتيجية، حيث يلعب تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية دوراً أكبر بكثير من ذي قبل في أعقاب التقارب الإيراني السعودي، فبينما تجري ميليشيات الحوثي مفاوضاتها الدبلوماسية في الرياض، يتولى فرع القاعدة في اليمن أعمال الإرهاب والعنف دون أن تتحمل طهران أي مسؤولية.

وبحسب الباحث فرهاد رضائي فإن النظام الإيراني يسعى إلى زيادة نفوذه بين الوحدات المنتشرة على نطاق واسع في الجماعة الإرهابية، والتي لا تزال تؤيد رؤية أسامة بن لادن لشن حرب على الغرب.

ويُتهم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بالتورط في دعم هجوم القاعدة على المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في اليمن عام 2000، ووجدت محكمة في الولايات المتحدة أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ساعد تنظيم القاعدة من خلال إنشاء شبكة إرهابية في اليمن.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

استراتيجية حصان طروادة المتسلسلة

في الواقع، فإن خلاصة مشروع الثنائي سيف وحامد هو اختراق القاعدة وتوجيه قبلتها لطهران، ثم تحويل التنظيم نفسه إلى حصان طروادة ثاني لاختراق التيار الجهادي برمته وتوجيهه لخدمة طهران، وثالثًا اختراق المجتمعات والدول العربية والإسلامية عن طريق هذا الجهاد الطروادي المزعوم الذي يقوم بوظيفتين متناقضتين؛ سفك دماء العرب السنة، والهتاف ضد إسرائيل.

ولدينا مثال حي وهم الحوثيون الذين لا يقاتلون إلا العرب السنة فقط رغم أن شعارهم المسمى “الصرخة” يقول “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”، لكنهم لا يطلقون رصاصة واحدة على أمريكا ولا إسرائيل ولا اليهود، بل أشعلوا حربًا قُتل فيها مئات الآلاف من العرب وحدهم.

ومثال آخر وهو الصومال حيث تدعم طهران جماعة الشباب التابعة للقاعدة وهي جماعة يُنسب إليها قتل آلاف المواطنين، وكان عام 2022 الأكثر دموية في البلاد منذ خمس سنوات بحسب إعلان الأمم المتحدة، وتمثل الصومال قاعدة دعم رئيسية في القرن الأفريقي للحرس الثوري الإيراني وميليشياته، ويتحدث صاحب موقع مافا عن دور مرتقب للشباب في السيطرة على الملاحة في البحر الأحمر ومنع مرور السفن المعادية لطهران فيه.

ومن وجهة نظر جيواستراتيجية وعسكرية، فإن تبني القاعدة لما نُطلق عليه “جهاد طروادة” أمر منطقي للغاية بالنسبة لإيران التي تحتجز كبار قادة التنظيم كرهائن منذ سنوات، لكن بدون آلية مناسبة يمكنها ببساطة التحكم في ما يقولونه ويفعلونه، ويبدو أن هذا لم يعد كافيًا في ظل الاحتياج الإيراني الكبير إلى أي دعم ميداني في العديد من الساحات، فتطورت الفكرة من مجرد “اختطاف القرار القيادي” للقاعدة من خلال سيف العدل ورفاقه إلى محاولة “اختراق التنظيم بأكمله” وتحويله إلى وكيل إيراني مثل حزب الله.

وتسابق طهران الزمن لتنفيذ خطتها في الظروف الحالية المواتية حيث يقيم لديها زعيم التنظيم، قبل أن تتغير الظروف أو يستيقظ عناصر التنظيم وقادته ويتصدوا لعملية التسلل تلك.

فنحن هنا لا نتحدث عن أقل من احتلال إيراني كامل لمعاقل المتطرفين السنة والسيطرة على الإرث الدموي لبن لادن، وبهذا تصبح الأمة العربية في مواجهة اتحاد إرهابي ضخم متعدد المذاهب بما يضاعف المخاطر التي تتهدد الأمن القومي العربي بسبب توحيد جهود كل تلك الميليشيات والأفرع الإرهابية.

وهذه هي بالضبط مهمة سيف العدل (حصان طروادة الإيراني) وهذا هو نوع الجهاد الذي يتبناه؛ جهاد طروادة نيابة عن آسريه -أو بالأحرى حُراسه- الإيرانيين.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

سيف العدل يخدع من؟!

لم يتمكن سيف العدل من تولي القيادة الرسمية حتى الآن، فرغم كونه فعليًا يدير التنظيم بلا منازع بعد مقتل الظواهري ويمتلك الكلمة النافذة به، لكنه لم يُنصب نفسه رسميًا حتى اليوم ولم يأخذ بيعة الولاء خشية اعتراض أعضاء فروع التنظيم حول العالم على مبايعة شخص يرونه في حكم الأسير لدى دولة شيعية عدوة، وهذا يوضح التأثيرات طويلة الأمد لمتلازمة طهران، ويزيد من احتمالية سيناريو الأمير الاستبن الذي طرحناه من قبل؛ أي أن سيف العدل سيحاول إيجاد تابع مخلص له يقيم خارج إيران، لينصبه أميرًا شرفيًا، ويحكم التنظيم من خلاله، ويسعى لتأكيد سلطته كقائد فعلي للتنظيم في ظل إمرة هذا القائد الصوري.

يقول سيف العدل في مقالة “الاستراتيجية الشاملة” “يظل الاختيار غير المباشر محمود الأثر فالحرب خدعة وتعتمد تحركاتها الحاسمة على السرية .. أن تحرم العدو من معرفة نواياك وأهدافك وقمت بخداعه فلا يعرف أين تذهب ولا أين الهدف الرئيسي وجردته من الرؤية فقد ملكت زمام المبادرة”.

إذًا يركز سيف العدل على تلقين أتباعه أساليب الخداع كما في حلقات سلسلة ” 33 استراتيجية للحرب”، ولديه إشارات مثيرة للاهتمام حول أهمية الخداع، وبالطبع يسيء استخدام الحديث الشريف (الحرب خدعة)، ولكن النقطة المهمة هنا هي من الذي يخدعه زعيمُ القاعدة؟ وخاصة حين يختبئ في إيران ويستخدم أسماء مستعارة، بالإضافة إلى مسألة الأمير الاستبن، يصل المرء إلى نتيجة مفادها أن خداع سيف العدل قبل كل شيء يستهدف القاعدة نفسها، لماذا؟ لأن مهمته الآن هي احتلال قلعة القاعدة من الداخل وتسليمها للإيرانيين على طبق من ذهب.

بينما لا يستطيع خداع مشغليه الإيرانيين، ولا يستطيع أيضًا خداع الجهاديين ممن أدركوا حقيقة تبعيته لطهران، أي أنه لا يستطيع سوى خداع أتباعه “الغفلاء” الذين يثقون به ويبدو أن هذا هو بالضبط ما يسعى إليه الآن.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

هاجم الموالون لتنظيم القاعدة أبو ماريا القحطاني عندما صرح بما هو واضح بشأن وضع سيف العدل أسيراً في أيدي الأجهزة الأمنية الإيرانية. لكن من يستطيع إيقاظ الغفلاء إذا رفضوا فتح أعينهم؟

السيناريو الإيراني للخداع الاستراتيجي

من طهران يقود نظام الملالي مخطط الخداع الاستراتيجي، حيث يتآمر زعيم القاعدة ومعلمه، كلٌ بطريقته، لضم التنظيم إلى قطار الوحدة الجهادية السنية الشيعية تحت راية الأيديولوجية الخمينية.

ولا يبدو أن سيف العدل أمامه أي خيار آخر، فبالإضافة إلى إصابته بمتلازمة طهران، ففي عنقه دين للإيرانيين مقابل حمايته وعائلته في كنفهم بينما تساقط قادة القاعدة الآخرون صرعى تحت ضربات المُسيرات ونيران الاغتيالات حتى خلا له مقعد القيادة الذي أكد بن لادن قبل ذلك عدم أهليته له.

وبعد اغتيال رفيقه أبي محمد المصري في 7 أغسطس 2020 في طهران على أيدي عملاء إسرائيليين، لا بد أن سيف العدل ورفاقه يعيشون في حالة مستمرة من الخوف والترقب عله أن يكون هدف عملية الاغتيال القادمة، الأمر الذي من شأنه أن يدفعهم إلى التقرب من حماتهم الإيرانيين، وعدم التهرب من سداد المستحقات الباهظة لحمايتهم وإيوائهم، ولا ثمن يفضله رجال المرشد الأعلى أكثر من تقديم دماء المتطرفين السذج كقرابين لخدمة مشروعه وجعلهم وقودًا لنيران معارك القاتل والمقتول فيها من العرب السُّنَّة.

وطالما أصبح سيف العدل بمثابة حصان طروادة الإيراني، فإن تحركاته تستحق تسمية “جهاد طروادة” عن جدارة، فقد فتح أعمق دهاليز القاعدة لطهران، وأصبح دمية في أيديهم ورهنًا لقراراتهم، هو وأتباعه من متطرفي القاعدة ممن ساهموا في تضخم رصيد “البنك المركزي للإرهاب” وهو المصطلح الذي أطلقه الأمريكيون على إيران.

ويجدر الإشارة هنا إلى أن التنبيه على خطورة اختطاف إيران للتنظيم وتوجيهه لخدمة أهدافها القومية لا يعني براءة التنظيم الإرهابي قبل هذا الاختطاف الإيراني، لكن ما حدث باختصار هو تغيير أجندته ليخدم مصالح إيران بدلا من ممارسة “المراهقة الإرهابية” إن صح التعبير، أو بعبارة أخرى التحول من نمط التخريب والتدمير العشوائي لاستفزاز الغرب والثأر منه إلى نمط الإرهاب المنظم وفق أجندة السياسة الخارجية الإيرانية، وهنا تأخذ الظاهرة الإرهابية أبعادًا أكبر وأكثر خطورة حين تحظى بدعم دولة بحجم إيران وتخدم مصالحها.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

ماذا تستفيد طهران من جهاد طروادة؟

يمكن اختصار أبرز أوجه الاستفادة الإيرانية من جهاد طروادة في عدة نقاط رئيسية: أولا: استخدام القاعدة كجيش مرتزقة لإلحاق الأذى بخصوم إيران واستهدافهم عسكريًا بشكل مباشر مثل هجمات التنظيم على الحكومة الشرعية التي تقاتل الحوثي في اليمن.

ثانياً: التنصل من مسؤولية تلك الهجمات؛ فتستطيع طهران نفي أي تورط لها في جميع الجرائم التي ارتكبتها القاعدة بتوجيه منها وبالتالي عدم تلقي ردود عسكرية أو عقوبات انتقامية على تلك الهجمات، وكذلك عدم تحمل أعباء التحضير والإعداد لتلك العمليات.

ثالثًا: عدم المبالاة بمصير القاعدة، مما يمنح إيران فرصة لاستخدام التنظيم في عمليات انتحارية تنظيميًا؛ أي إمكانية دفعه لارتكاب هجمات تكون عاقبتها استئصاله واجتثاث وجوده قد تكون بحجم هجمات 11 سبتمبر مثلا، فطهران تدرك أنها لا تستطيع الاستمرار في خداع العالم إلى الأبد، لكن رهانها على تنظيم القاعدة ينبع من محاولتها انتهاز أي فرصة ولو مؤقتة لاستغلال هذا التنظيم، أي أن حجم المخاطرة أقل ما يمكن وبالتالي فإن أي نتيجة ستكون مربحة في معظم السيناريوهات، وطالما أنها هي الطرف المستفيد ستعمل على استمرارها لأطول فترة ممكنة حتى يتم اعتصار كل الفوائد الممكنة من التنظيم.

فهي ليست علاقة تبادلية متوازنة بين التنظيم ودولة ولاية الفقيه، بل علاقة بين تابع ومتبوع، وهذا هو مآل “استراتيجية جهاد طروادة”، والحقيقة التي تحاول بلاغة عبارات مصطفى حامد ومناورات سيف العدل أن تحجبها.

وعاجلا أو آجلا سيدرك قادة وأعضاء التنظيم أن الأوامر القادمة من قيادتهم العليا مصدرها في الواقع طهران، وستجد فروع القاعدة نفسها تنفذ مؤامرات وتستهدف أعداء فرضهم الإيرانيون على سيف العدل وتشارك أعداء الأمس في معارك لا يدرون علاقتهم بها.

وهكذا تمضي القاعدة في طريق الانفجار الداخلي بسبب الانقسام والخلاف على تحالف سيف العدل مع إيران، بينما تتجه قافلة القاعدة إلى وجهتها النهائية، وتموت في حضن إيران، بعد تنفيذ العملية الانتحارية المطلوبة.

سيف العدل ومصطفى حامد.. عملاء جهاد طروادة لخدمة إيران

الخلاصة

يبدو أن سيف العدل ضغط على زر التفجير لتنفيذ هذه العملية الانتحارية، لكن هل تفهم فروع القاعدة أين يذهب بهم قائدهم؟ هل يستطيع أحد أن يوقفه داخل القاعدة؟ أم أن الوقت قد فات بالنسبة للموالين للتنظيم لإنقاذ أنفسهم من براثن الأجندة الإيرانية؟

حقًا “الحرب خدعة”، لكن من الذي يحاول سيف العدل أن يخدعه؟ ولصالح مَن يمارس هذا الخداع؟ تكشف الإجابات على هذين السؤالين الموقع الحقيقي للرجل ودوره الخفي، في الوقت الذي تتجه فيه مسيرة القاعدة إلى وجهتها النهائية لتلقى مصيرها الذي رسمه لها النظام الإيراني.


خلفية تاريخية عن حصان طروادة “ويكيبيديا”

حصان طروادة (بالإنجليزية: Trojan Horse)‏ جزء من أساطير حرب طروادة، إلا أنها لا تظهر في الجزء الذي يرويه هوميروس في الإلياذة عن الحرب، حصان طروادة أكبر الأحصنة الخشبية في التاريخ ويبلغ من الطول 108 متر ومن الوزن 3 أطنان، ليكون أمتن حصان خشبي في العالم، بعد حصان طروادة هناك حصان زقاونة لدى شعب الرومان والجرمان.

أسطورة حصان طروادة

تروي الأسطورة أن حصار الاغريق لطروادة دام عشر سنوات، فابتدع الاغريق حيلة جديدة، حصاناً خشبياً ضخماً أجوفا تم بناؤه تحت إشراف إبيوس في ثلاثة أيام. ومُلئ بالمحاربين الاغريق بقيادة أوديسيوس، أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل بينما في الواقع كان يختبئ وراء تيندوس، وقبل الطرواديون الحصان على أنه عرض سلام.

وقام جاسوس إغريقي، اسمه سينون، بإقناع الطرواديين بأن الحصان هدية، بالرغم من تحذيرات لاكون وكاساندرا، حتى أن هيلين وديفوبوس فحصا الحصان فأمر الملك بإدخاله إلى المدينة في احتفال كبير.

احتفل الطرواديون برفع الحصار وابتهجوا، وعندما خرج الاغريق من الحصان داخل المدينة في الليل، كان السكان في حالة سكر، ففتح المحاربون الاغريق بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش بدخولها، فنهبت المدينة بلا رحمة، وقتل كل الرجال، وأخذ كل النساء والأطفال كعبيد.

كانت مدينة طروادة تحت إمرة الأمير هيكتور والأمير بارس والذي كان سببا رئيسيا في الحرب بخطفه هيلين ملكة اسبرطة، وزوجة مينلاوس شقيق أجاممنون بن أتريوس.

كانت الأميرة كاساندرا تتنبأ بالمستقبل، وقبل ولادة الأمير بارس تنبأت بأن المولود الجديد سيكون سببا في دمار طروادة فأمر الملك بقتل المولود بعد ولادته، لكن الحاجب الذي أمر بقتل الأمير الصغير تركه في العراء وذهب.