قتال عنيف في جنوب غزة و مخاوف مستمرة على مصير المدنيين
تدور معارك عنيفة بين الجيش الإسرائيلي و حماس السبت في جنوب قطاع غزة حيث يحتشد آلاف المدنيين في ظروف إنسانية كارثية وسط المطر والبرد.
في قطاع غزة المدمر والمحاصر، أصبحت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مرمى السلطات الإسرائيلية التي تقول إنها تشتبه في ضلوع بعض موظفيها في الهجوم غير المسبوق الذي نفذته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر على الأراضي الإسرائيلية.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس السبت إن بلاده ستسعى لمنع الوكالة من العمل في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب في حين نددت حماس بـ”التهديدات” الإسرائيلية ضد الأونروا ومنظمات أممية أخرى.
وعلّقت أستراليا وكندا وإيطاليا مساعداتها للأونروا السبت، بعد خطوة مماثلة اتخذتها الولايات المتحدة في اليوم السابق.
وأعلنت السلطة الفلسطينية السبت أن الأونروا بحاجة إلى “الدعم”، وكتب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ عبر منصة إكس “نطالب الدول التي أعلنت عن وقف دعمها للاونروا بالعودة فوراً عن قرارها الذي ينطوي على مخاطر كبيرة سياسية وإغاثية”.
مخيمات مغمورة
وأصبحت الآن خان يونس، كبرى مدن جنوب قطاع غزة والتي تعدها إسرائيل معقلا لحماس، في قلب المعركة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي قصف “أهداف إرهابية بما فيها مستودع أسلحة عثر فيه على كميات كبيرة من الذخيرة والأسلحة ومعدات تكنولوجية مختلفة”.
وأضاف “وجّه الجيش الإسرائيلي طائرة قتلت ثلاثة إرهابيين كانوا يعملون على زرع عبوات ناسفة قرب الجنود. وتوازيا، قتل الجيش الإسرائيلي العديد من الإرهابيين المسلحين من مسافة قريبة”.
وأفاد شهود عيان وكالة فرانس برس بوقوع اشتباكات عنيفة بين حماس والجيش الإسرائيلي في محاور عدة من مدينة خان يونس. وأفادت وزارة الصحة التابعة لحماس بسقوط 135 قتيلا في القصف الليلي والمتواصل حتى صباح السبت في خان يونس ومناطق متفرقة في قطاع غزة.
ويحتدم القتال خصوصا في محيط مستشفيَي ناصر والأمل اللذين يعملان بالحد الأدنى ويؤويان مرضى وآلاف النازحين.
من جهتها، قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في بيان إنها “تستهجن حصار الاحتلال واستهدافه لمستشفى الأمل التابع لها ومقر فرعها في خان يونس لليوم السادس على التوالي”.
وأضافت “يواصل الاحتلال قصفه لمحيط المستشفى وإطلاق النار مما يهدد سلامة الطواقم الطبية والجرحى والمرضى ونحو 7000 نازح لجأوا إليه طلبا للأمان وهربا من القصف الاسرائيلي”.
وعلى مسافة كيلومترات قليلة إلى الجنوب، يتكدّس عشرات آلاف المدنيين في رفح في مساحة صغيرة جدا مقابل الحدود المغلقة مع مصر. وفي المجموع، نزح حوالى 1,7 مليون مدني منذ بداية الحرب بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
ومن بين هؤلاء كريم المصري (40 عاما) الذي نزح من بلدة بيت حانون شمال القطاع مع زوجته وأطفاله الاربعة إلى مدينة رفح بعد اسبوع من بدء الحرب.
وقال المصري “تمر المساعدات التي تأتي للقطاع من هنا، اجلس وانتظر اذا توقفت شاحنة بسبب سوء الطريق يتهافت الجميع على المساعدات نعيش في غرفة فصل في مدرسة قريبة من هنا، نتشارك الغرفة مع نحو خمسين شخص”.
وأضاف “الوضع في المدرسة كارثي، نأتي هنا كل يوم للهروب من الازدحام والتلوث وانتظار المساعدات”.
وخلال الليل، غمرت أمطار غزيرة مخيمات مليئة بالخيام، ما يزيد من معاناة النازحين الذين كانوا يتعثرون في المياه الموحلة أثناء محاولتهم إنقاذ بعض متعلّقاتهم، بحسب صور لوكالة فرانس برس.
وأفاد شهود عيان من النازحين بأنه تم إجلاء عشرات الآلاف من النازحين من مبان وخيام في منطقة المواصي غرب خان يونس، وساروا مشيا على الاقدام بينهم أطفال ونساء لمسافة تزيد عن أربعة كيلومترات.
وروى جميل عوض (31 عاما) “غادرت فجر اليوم انا وامي وهي عجوز وعمرها 74 عاما ومريضة وزوجتي واولادي الثلاثة من الخيمة قرب مقر جامعة الاقصى (جراء) قصف مدفعي واطلاق نار كثيف، في منتصف الطريق وضعت قوات الاحتلال حاجزا مجهزا بكاميرات وآلات تفتيش إلكتروني تتعرف على الوجوه، مثل الحاجز قرب نتساريم”.
وأفاد الناطق باسم الدفاع المدني محمود بصل وكالة فرانس برس أن “الأمطار الغزيرة تغرق آلاف الخيام للنازحين في رفح وخان يونس ومخيم النصيرات ودير البلح ومدينة غزة وشمال القطاع، وتزيد معاناة النازحين”.
المستشفيات مهددة
أدّى هجوم حماس في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر إلى مقتل أكثر من 1140 شخصًا في إسرائيل، معظمهم مدنيّون، حسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام إسرائيليّة رسميّة.
وردًّا على الهجوم، تعهّدت إسرائيل “القضاء” على حماس وباشرت عمليّة عسكريّة واسعة خلّفت 26257 قتيلا، غالبيّتهم العظمى من النساء والأطفال والفتية، حسب وزارة الصحّة التابعة لحماس.
وأفاد مكتب الاعلام الحكومي التابع لحماس السبت عن “قصف مدفعي مكثف” صباح السبت على مخيم خان يونس ومحيط مجمع ناصر الطبي ما أدى “إلى انقطاع الكهرباء في هذا المستشفى وتوقف العديد من الخدمات وغرف العمليات”.
وعبّرت منظّمة أطباء بلا حدود في بيان عن أسفها لأنّ “القدرة الجراحيّة لمستشفى ناصر” أصبحت “شبه معدومة”، مشيرة إلى أنّه “يتعيّن على أفراد الطاقم الطبّي القلائل الذين بقوا في المستشفى التعامل مع مخزونات منخفضة جدا من المعدّات الطبّية”.
بدوره، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس عبر منصة إكس “مع اشتداد القتال حول مستشفى ناصر فر مئات المرضى وأفراد الطاقم الطبي. ما زال هناك 350 مريضا وخمسة آلاف نازح (جراء القتال) في المستشفى”.
وأضاف “الوقود والغذاء والإمدادات في المستشفى تنفد”، داعيا إلى “وقف فوري لإطلاق النار”.
لا إعلان “وشيكا”
وكانت محكمة العدل الدوليّة دعت الجمعة إسرائيل إلى منع ارتكاب أيّ عمل يُحتمل أن يرقى إلى “إبادة جماعيّة” في غزّة.
كما دعت الهيئة القضائيّة التي لا تملك أيّ وسيلة لتنفيذ قراراتها، إسرائيل إلى اتخاذ “إجراءات فورية” للسماح بدخول مساعدات إنسانية إلى غزة.
وفي حين تتواصل الحرب بلا هوادة، تحاول قطر ومصر والولايات المتحدة التوسط من أجل التوصل إلى هدنة جديدة تشمل عملية إطلاق سراح رهائن وسجناء فلسطينيين.
وخُطف نحو 250 شخصا خلال هجوم حماس، أطلِق سراح مئة منهم في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر خلال هدنة، في مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيّين.
وبحسب السلطات الإسرائيلية، ما زال هناك 132 رهينة محتجزين في قطاع غزة من بينهم 28 يعتقد أنهم قتلوا.
وأفاد مصدر أمني وكالة فرانس برس بأنّ اجتماعا سيُعقد في باريس في الأيّام المقبلة، يشارك فيه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة (سي آي إيه) ومسؤولون من مصر وإسرائيل وقطر.
من جهته، أعلن البيت الأبيض الجمعة أنّ الرئيس جو بايدن ناقش مع أمير قطر “الأحداث الأخيرة في إسرائيل وغزة، بما في ذلك الجهود لإطلاق الرهائن الذين خطفتهم حماس”، مضيفا أنّه لن يكون هناك إعلان “وشيك” بشأن الرهائن.