منذ استلام الكولونيل أسيمي غويتا مقاليد الحكم كرئيس انتقالي في مالي إثر انقلاب أغسطس من العام 2020، استقدم الجيش المالي قوّة أجنبية تساعدها في الإنقضاض على أعدائه، وذلك الحليف ليس إلّا مجموعة فاغنر العسكرية الروسية سيّئة السمعة أينما ذهبوا من وسط أفريقيا إلى سوريا، ومن ليبيا إلى أوكرانيا… وهي المجموعة المتهمة بتنفيذ الفظائع من عمليات اغتصاب ونهب في جمهورية أفريقيا الوسطى وسوريا ومالي على وجه الخصوص.

فمؤخراً وجه سكان بلدة كيبان في مالي أصابع الإتهام إلى مجموعة فاغنر بقتل بعض من سكان البلدة. وتأتي تلك المجزرة إثر مجزرة بلدة مورا، وهي بلدة تسكنها قبائل الفولاني في مقاطعة دجيني وسط مالي، حيث تعرّض المدنيون للقتل، وكذلك تعرضت ممتلكاتهم للنهب. فما الذي يحصل حقاً في مالي مع مجموعة فاغنر؟

"لم نترك أحداً حيّاً في البلدة".. شاهدٌ اشترك مع فاغنر في مجزرة مالي

مجموعة فاغنر تواصل ارتكاب المجازر وحكومة مالي تختبىء وراء إصبعها

يُعرف عن عناصر فاغنر بأنّهم يقومون بنهب سكان المناطق التي يزورونها. فعلى سبيل المثال، في أبريل العام 2023، طاردت وحدات من المجموعة المذكورة إرهابياً مشتبهاً به كان قد لجأ إلى بلدة دياكولو الواقعة على بعد 20 كيلومتراً تقريباً عن محافظة تينينكو وسط منطقة موبتي. وبعدما تمكنت عناصر فاغنر من سحب الارهابي المشتبه به وحرقه حياً، قاموا بجمع السكان في مسجد البلدة وراحوا يفتشون كلّ منزل تفتيشاً دقيقاً جدّاً ويسرقون المجواهرت والمال الذي يقدّر أنّ قيمته وصلت إلى 3 ملايين فرنك أفريقي أو فرنك سي أف إي.

ذلك ما قاله لـ”أخبار الآن” أحد الشبّان الذين يعيشون في البلدة، وهو كان قد أراد من خلال تلك الشهادة أن يندد بالأعمال التي ترتكبها عناصر فاغنر، في وقت تواصل فيه السلطات المالية إنكار وجود تلك المجموعة الروسية في البلاد.

وحتى مؤخراً، تمّ ذكر فاغنر في مجزرة أخرى حصلت في بلدة كيباني في منطقة نارا الواقعة شمال غرب مالي. تلك الحادثة حصلت يوم الاثنين 12 يونيو العام 2023 على الطريق التي تربط كيباني بمنطقة نارا، وتقدّر الحصيلة الأولية بنحو 20 ضحية بمن فيهم 4 قتلى و5 مخطوفين و10 مفقودين وعدد من الجثث التي وجدت في البرية.

"لم نترك أحداً حيّاً في البلدة".. شاهدٌ اشترك مع فاغنر في مجزرة مالي

قوات فاغنر تقتحم القرى وتقتل المزارعين وتستولى على ممتلكاتهم

دعوة لرحيل الروس عن مالي

وفي بيان صحافي صدر في 13 يونيو، ندّدت “جمعية تنمية كيباني بـ”الأعمال غير الإنسانية والهمجية التي يرتكبها الشركاء أو المدربون الروس – كما هو متعارف على تسميتهم- في منطقة نارا الريفية، وعلى وجه التحديد على محور نارا – كيباني”.

وجاء في البيان الصحافي: “يتعرض مواطنون مسالمون بمن فيهم كبير أعيان البلدة المدعو إبراهيم تراووري للاستجواب ونهب مقتنياتهم وللقتل طيلة النهار”. وندد رؤساء الجمعية بالفظائع التي تشهدها منطقتهم مطالبين بالرحيل الفوري للمدربين الروس الذين يبثون الرعب، كما يطالبون بترك مهمة إحلال الأمن للقوات المسلحة المالية. لذلك تدعو  الجمعية كافة سكان البلدة والمنطقة المجاورة إلى مقاطعة كلّ الانتخابات المقبلة بما فيها الإستفتاء المقرر في 18 يونيو العام 2023 طالما أنّ المدربين الروس موجودون في البلاد.

وقد أوردت تلك الجمعية المحلية أسماء كلّ الضحايا، استطاعت أخبار الآن الحصول على صور بعضهم

"لم نترك أحداً حيّاً في البلدة".. شاهدٌ اشترك مع فاغنر في مجزرة مالي

عدد من ضحايا هجوم فاغنر الأخير على بلدة نارا الذين تمكنت “أخبار الآن” من الحصول على صورهم

لائحة بعدد من ضحايا قوات فاغنر

-إبراهيم تراووري – كبير أعيان البلدة
-الشيخ أمادو ديباسي)-
-بريهيما تراووري)- المعروف باسم ماما – با
-ممارابي-

وبحسب الجمعية، فقد تمّ اختطاف 5 أشخاص هم:

-حمادي درامي
-كاوورو درامي
-ماكان دياريسو
-حاتوماتا – حابا
-إبن رومادان

كذلك طالبت الجمعية بإطلاق سراح الإمام حمادي درامي وابنه المصاب بإعاقة عقلية والمدعو ككاوورو على الفور، وبشكل غير مشروط، إلى جانب كلّ الأبرياء المعتقلين على يد عناصر الفاغنر داخل معسكرهم. كما أسفت أن يكون كل الضحايا قد تعرضوا لنهب مقتنياتهم وأموالهم.

 

"لم نترك أحداً حيّاً في البلدة".. شاهدٌ اشترك مع فاغنر في مجزرة مالي

“لم نترك أحداً على قيد الحياة”

مضت شهور عديدة على المذبحة وشدّ الحبال بين السلطات الإنتقالية المالية ومنظمات حقوقية غير حكومية. ومنذ بداية تلك القصة، أبدينا فيأخبار الآن اهتماماً بتلك القضية وعملنا على التحقيق في تفاصيلها.

أحد المجنّدين الجدد في القوّات المسلّحة الخاصة المالية، والذي كان قيد التدريب، أفصح لـأخبار الآن ما مفاده أنّ كل ما يقال عن مورا مغلوط. قائلاً: “سأخبركم بالحقيقة… كانت فرقتي موجودة في مورا منذ بضعة أسابيع، وقد علمنا أنّ سكان البلدة لم يحبذوا وجودنا لأنّهم يزرعون ألغاماً على الطرقات التي نسلكها… فاتصلنا بكبير أعيان البلدة وحذرناه ممّا يقوم به السكان لكنّ ذلك لم يكن كافياً. تابعوا حيلتهم الوسخة وهكذا أمسكنا بسكان البلدة بالجرم المشهود إذ كانوا يزرعون ألغاماً على طريق كنا نهمّ بسلوكه وقد ندموا كثيراً على تصرفهم هذا لأنّه بعد ذلك دخلنا البلدة من دون سابق إنذار وبدأنا بإطلاق النار على كلّ ما يتحرك. فقتلنا الجميع ولم نترك أحداً على قيد الحياة. وإنْ كانت مورا لا تزال مأهولة، فيعود الفضل في ذلك إلى السكان الذين فرّوا قبل ذلك اليوم وعادوا إليها في وقت لاحق للاستقرار فيها”.

 

"لم نترك أحداً حيّاً في البلدة".. شاهدٌ اشترك مع فاغنر في مجزرة مالي

عناصر من فاغنر داخل أحد دكاكين البلدة

كيف ينظر الخبراء الأمنيون إلى نشاطات فاغنر في مالي؟

كانت تلك الشهادة للجندي المالي صاعقة للغاية، وقد حملناها إلى أحد الخبراء الأمنيين للحديث عن محتواها. ووفق سومايلا لاه، وهو أستاذ باحث والأمين العام الدائم لـ”مركز التفكير والدراسات في مالي”، فإنّ مجموعة فاغنر لم تعطِ أي نتائج إيجابية في مالي، مضيفاً أنّ “انعدام الأمن قد ازداد عما كان عليه قبل وصول المجموعة إلى البلاد”.

وتابع: “اليوم تملك مجموعة فاغنر رسمياً أقل من 1000 عنصر في مالي في وقت تصل فيه مساحة البلاد إلى 1،241،238 كلم مربع. فكيف لأقل من 1000 عنصر أن يكون لديهم تأثير على مساحة شاسعة كتلك عندما نعرف أن 60 % من البلاد تتخبط في أزمة، وأكثر من 60 % من البلاد خارجة عن سيطرة الدولة، وما بين 60 و 70 % من تلك المساحة ليست فقط خارجة عن سيطرة الدولة بل تُركت وحدها لتتدبر أمورها بنفسها بواسطة أعمال همجية وتخريبية وإرهابية من كل نوع”.

وأضاف: “لذلك يمكننا أن نوعز سبب انتشار فاغنر اليوم فقط في وسط مالي إلى مساحة البلاد الشاسعة، فغالبية عناصر فاغنر تنتشر في وسط البلاد، وهناك حفنة منهم في منطقة ميناكا بينما تنشط تلك المجموعة الروسية في وسط البلاد بشكل لافت. ونتيجة لذلك، في تلك المنطقة دون سواها نرى الفظائع ونسمع روايات عن احتكاك مع السكان وعمليات ابتزاز وتصفيات مختلفة… لقد سُجلت عدة حالات، كان بعضها محجوباً نوعاً ما، وتم فيها التنديد بتصرفات عناصر فاغنر لا سيما في مناطق دجيني وسوفارا وديابالي ومناطق أخرى أيضاً، حيث أسلوب العمل يتعارض بعض الشيء مع الاتفاقيات التي وقعت عليها مالي. بعيداً من ذلك المنحى، وإنّ أردنا الحديث عن تأثير قوات فاغنر بشأن إعادة إحلال السلام في مالي وفق ما يدعون، فلم يحصل عملياً أيّ تغيير. كما أنه على حدّ علمي، لم يتم تحرير أيّ منطقة محتلة بتاتاً. فكل المناطق التي كانت محتلة قبل قدوم فاغنر ما زالت تحت نير الإحتلال، وكل المناطق التي لم تكن الدولة موجودة فيها ما زالت خارجة عن سيطرة الدولة أو كل المناطق التي عجزت الدولة عن الانتشار فيها ما زالت عصيةً على الدولة”.

"لم نترك أحداً حيّاً في البلدة".. شاهدٌ اشترك مع فاغنر في مجزرة مالي

هكذا يساهم وجود فاغنر في تغذية التطرف

وتابع سومايلا لاه: “وبالتالي هكذا أصنّف تأثير فاغنر إذ لم يحصل أيّ تطوّر أو تقدم إنْ أخذنا بعين الاعتبار تلك المعايير. ولكن ماذا عن مطاردة المجموعات المسلّحة وتجّار المخدرات إلى ما هنالك… فهل حصل أيّ تقدّم؟ لست أكيداً من تلك النقطة لأنّ طبيعة الأزمة في مالي جعلتنا لا نعرف أعداءنا وجعلت عناصر فاغنر يجدون صعوبة في تمييز المدنيين عن الإرهابيين، لذلك أجد أنّ المعايير التي يعتمدونها لتوقيف الرجال في البلدات وتصفيتهم مجحفة لأنّه إنْ اعتمدنا على روايات السكان، فيكفي أن ينتمي المرء إلى مجموعة إثنية معينة أو أن يتحدث لغة ما أو ألا يتحدثها، أو أن يعتمر عمامةً كي يتعرض للتوقيف. أو أن يتردد المرء باستمرار إلى بعض المناطق كي يُصنف من الإرهابيين ويتمّ اعتقاله واستجوابه وضربه وسوء معاملته وتصفيته في بعض الحالات. لا أعتقد أنّ تلك الأعمال تعطي مصداقية لتدخل فاغنر في مالي. كما أنّ تلك الأعمال من غير الممكن أن تمنح تقديراً لعمل الدولة على صعيد إحلال السلام في البلاد لأن السكان في بعض المناطق مستاؤون للغاية من الروس العاملين مع فاغنر ومع الجيش المالي ومع العاصمة باماكو. وذلك الاستياء يخلق أعداءً ينضمون بقوة إلى صفوف الجماعات الإرهابية المسلحة ليقاتلوا معها”.

شاهدوا أيضاً: بين مهاد كاراتي وأحمد ديري.. هل يقود الصراع الداخلي جماعة الشباب الصومالية إلى الأفول؟