نصرة الإسلام أم عدو المسلمين؟

أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصدرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، بيانًا شديد اللهجة هاجمت فيه مرتزقة شركة فاغنر الروسية المتواجدين في مالي، قائلةً إنهم قتلوا مدنيين أبرياء خلال إنزال بالطائرات على سوق محلي في قرية “غليجي” بمنطقة ماسينا، ورغم أن الجماعة حاولت التودد للشعب المالي عبر هذا البيان إلا أنها أدانت نفسها بطريقة غير مباشرة حينما أقرت بأن قتل المدنيين “جريمة حقيقية”، وهو الأمر الذي تفعله الجماعة في مناطق عديدة من البلاد.

فعلى مدار الأشهر الماضية، شن مقاتلو الجماعة هجمات ضد قرى وتجمعات السكان المحليين في مناطق باندياجارا وسط البلاد، و”أماكرا” و”أينيكر“، شمال شرقي مالي وغيرهما، وخلفت تلك الهجمات مئات القتلى والجرحى، إذ بلغت حصيلتها في يومين فقط (18، 19 يونيو/ حزيران 2022) أكثر من 132 قتيل، وهو ما دفع الحكومة المالية إلى إعلان حالة الحداد الوطني على أرواح الضحايا الذين سقطوا في الهجمات الدامية.

وبنفس الطريقة، تجددت الهجمات ضد المدنيين، في شمال شرقي مالي، في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وخلفت تلك الهجمات عشرات القتلى والجرحى، غير أن الجماعة حاولت تبرير تلك الهجمات عبر سلسلة من البيانات الإعلامية الصادرة عن ذراعها “مؤسسة الزلاقة” بأنها كانت ضد معاقل تنظيم داعش مستغلةً حالة الاقتتال الحاصلة بين الجماعة والتنظيم في سفك دماء المدنيين.

على طريقة مرتزقة "فاغنر".. قصة ابتزاز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لـ"فقراء مالي"

اتهامات داعش لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقتل المدنيين في ضواحي شمال شرق مالي – صحيفة النبأ الأسبوعية الداعشية (عدد 363)

وبحسب ما ذكرته صحيفة النبأ الأسبوعية الداعشية (عدد 363) فإن مقاتلي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هاجموا “عوام المسلمين” من الرعاة الرحل الذين ينتمون لإثنية الفولاني داخل بلدتي “إنيكارا”، و”تمالات” (شمال شرق مالي)، وقتلوا منهم 20 شخصًا، بدعوى أنهم محسوبون على داعش.

ومع أنها قتلت أشخاصًا مدنيين، سعت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لأن تُظهر نفسها وكأنها أقل دموية من تنظيم داعش، فادعت أن تلك العمليات كانت ضرورية من أجل التصدي لـ”خوارج داعش المتشددين” الذي يسفكون الدماء ويسرقون أموال الفقراء في مالي- وهو نفس ما تفعله الجماعة للمفارقة-.

تمويل الإرهاب بأموال الفقراء المنهوبة

ويزيح الصراع بين تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الستار عن الانتهاكات التي يمارسها كل منهما ضد المدنيين، إذ عمد التنظيم إلى فضح جرائم الجماعة ضد المدنيين، وكذلك قامت الجماعة بالكشف عن الهجمات الإرهابية التي يُمارسها التنظيم ضد السكان في مالي.

ويكشف التدقيق في الهجمات التي تشنها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ضد السكان المدنيين في وسط وشمال شرق مالي عن أن الجماعة، التي تتبع تصورًا متشددًا للدين، تعمل على استنزاف السكان المحليين (المدنيين) الفقراء، وتبتزهم من أجل تمويل الإرهاب، كما تؤكد أن “صراع الجهادية” في مالي بين الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، ليس إلا صراعًا على النفوذ والموارد وابتزاز الفقراء للحصول على الأموال تحت مسمى “الزكاة”.

على طريقة مرتزقة "فاغنر".. قصة ابتزاز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لـ"فقراء مالي"

وبدوره، قال الصحفي المالي عمر الأنصاري، المطلع على شؤون الجماعات الجهادية في تصريح لـ”أخبار الآن” إن الصراع الدائر بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم داعش في مالي والمعروف أيضًا بـ”ولاية الساحل”، في شمال مالي ليس إلا صراعًا لبسط السيطرة على المنطقة الغنية بالمعادن النفسية، وإخضاع أهلها الذين لهم توجهات شتى، باعتبارهم مصدر من مصادر التمويل لأن الجماعات تحصل من خلالهم على ما يُسمى بـ”أموال الزكاة”، والتي تستخدمها في تمويل نشاطها.

ومن جانبه، قال الدكتور بون ولد باهي، الأكاديمي الموريتاني والخبير في الشأن الجهادي، إن الاقتتال بين ولاية الساحل (داعش) وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي ليس أمرًا جديدًا على الصراع بين الطرفين في المنطقة، وهو يرجع في أصله إلى الصراع بين تنظيمي القاعدة وداعش والذي حدث خلال السنوات الماضية بسبب الخلافات بين التنظيمين.

على طريقة مرتزقة "فاغنر".. قصة ابتزاز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لـ"فقراء مالي"

وأشار “باهي” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” إلى أن كلا التنظيمين يتعاملان كمجموعات مرتزقة وهذه ألية من آليات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وولاية الساحل (تنظيم داعش) لترهيب السكان المحليين، لأن محاولات التودد للسكان المحليين أو إقناعهم بالجماعة أو التنظيم بالوسائل الناعمة وبدعاوى الخلافة أو الإمارة الإسلامية فشلت فلجأت “نصرة الإسلام والمسلمين” وتنظيم داعش  إلى الأسلوب الخشن المعتمد على وسائل الترهيب والتقتيل، من أجل حيازة النفوذ وجمع الأموال والتمدد والانتشار على الأرض.

ووفقًا لتقديرات الخبراء المعنيين بمتابعة الجماعات الجهادية في منطقة الساحل والصحراء، فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تجني ما بين 18: 35 مليون دولار سنويًا بطرق غير شرعية أهمها ابتزاز السكان المحليين والعاملين في التعدين الحرفي، وفرض ضرائب أو رسوم على المارين عبر الطرق التي تُسيطر عليها، وبدرجة أقل عمليات الخطف والفدية التي تقوم بها الجماعة.

على طريقة مرتزقة "فاغنر".. قصة ابتزاز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لـ"فقراء مالي"

وتعتمد الجماعة مفهومًا غير دقيق لـ”الزكاة”، حتى من منظور الفقه الحركي الذي تتبناه الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة، إذ تفرض على السكان المحليين، وغالبيتهم من المزارعين أو الرعاة الفقراء الذين يكافحون من أجل سد جوعهم وجوع أسرهم، أن يُقدموا لها أموالًا شهرية لتستخدمها في تمويل عملياتها الإرهابية، مع أن الأصل في الزكاة، وفق الفقه والنصوص الشرعية، أنها فريضة سنوية يؤديها القادرون فقط ولا تُفرض على الفقراء أو من لا يجدون أموالًا لدفع الزكاة، كما أن غير القادر على دفعها لا يُعاقب بالقتل أو بأي صورة أخرى.

ويُعاني المزارعين والرعاة الماليين من أجل توفير أبسط الاحتياجات الأساسية، ويضطرون للانتقال من مكان إلى آخر بحثًا عن المراعي أو سعيًا لكسب الرزق، وزادت معانتهم بسبب التغيرات المناخية التي أدت إلى شح المياه وبالتالي اضطر أهالي مناطق شمال ووسط البلاد (كمناطق موبتي وغيرها) إلى استخدام طرق بدائية لتوفير المياه كالعربات التي تجرها الخيول، كما اضطر أكثر من نصف سكان مدينة كيدال (شمال شرق، وهي واحدة من المناطق التي تنشط فيها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بكثافة) إلى مغادرتها بسبب حالة المعاناة والفقر التي يعيشونها، وعلى الرغم من كل هذا تفرض جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عليهم أن يدفعوا لها أموال ما تسميه “الزكاة”.

وفي حال عجز السكان المحليين عن دفع الأموال لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، يقوم مقاتلي الجماعة باقتحام القرى وقتل المدنيين وإحراق منازلهم، وهو الأمر الذي يتكرر بصورة شبه دائمة في شمال ووسط مالي، وفق تصريح سابق لمدير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في مالي، بل وصل الأمر إلى ذبح بعض المدنيين بالتزامن مع عيد الأضحى الماضي بدلًا من ذبح لحوم ماشية الأضاحي وتوزيعها على الفقراء.

على طريقة مرتزقة "فاغنر".. قصة ابتزاز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لـ"فقراء مالي"

ولا يقتصر الأمر على قتل السكان والمدنيين، بل يقوم مقاتلو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بسرقة الماشية والخيول التي تُستخدم في أعمال الزراعة والنقل وقتلها من أجل الضغط على السكان المحليين، وهو ما حصل سابقًا في بلدة دجيني بوسط البلاد، التي شهدت قتل 40 حصانًا على أيدي الجماعة، على خلفية اشتباكهم مع صيادين محليين من أهل البلدة.

وتلجأ الجماعة لهذه التكتيكات من أجل زيادة الضغط على السكان المحليين وإخضاعهم بالقوة ، وإجبارهم على دفع أموال الزكاة مهما كانت الظروف الصعبة التي يمرون بها.

وفي هذا الصدد، قال ممثل الحركة الوطنية لتحرير أزواد السيد بن بيلا إن الطريقة الوحشية التي تتعامل بها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مع السكان المحليين في مالي تفضح منهجهم الحقيقي في التعامل مع الشعب، وتبين أن الوصف الحقيقي الذي ينطبق على الجماعة هو “عدوة الإسلام والمسلمين”، مضيفًا أن هذا المنهج المتشدد يختلط فيه الفهم الأعوج للدين مع حماس المرتزقة الذين يعشقون الاستيلاء على الغنائم والسبايا واصفًا الجماعة بأنها كوكتيل يصعب أن يتمايز فيه المتشدد المتعصب لفهمه القاصر والمرتزق الباحث عن الغنائم فقط.

وأوضح ممثل الحركة الوطنية لتحرير أزواد في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تعتبر نفسها الوحيدة التي يحق لها أن تجمع “الزكاة” لأنها ترى أنها في حالة جهاد شرعي ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وضد الحكومة المالية، وضد داعش وجميع خصوم الجماعة الآخرين، مردفًا أنها قدمت مفهومًا منفرًا للزكاة التي تحولت إلى مجرد مصطلح لتبرير نهب أموال الفقراء من قبل الإرهابيين.

على طريقة مرتزقة "فاغنر".. قصة ابتزاز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لـ"فقراء مالي"

نصرة الإسلام ومرتزقة فاغنر.. اختلاف المسميات واتفاق الممارسات

وعلى ذات الصعيد، أكد الأكاديمي والباحث المالي في الشؤون الإفريقية بجامعة باماكو، محمد أغ إسماعيل في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن جمع الأموال بحجة “الزكاة” يعتبر واحدًا من أهم مصادر تمويل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي، مضيفًا أن الجماعة تحاول التذرع بأن جمع هذه الأموال هو مقابل توفير الأمن للسكان أو المواطنين المعنيين، وهو ما لا يتم بالفعل.

وتشير الوقائع والأحداث التي شهدتها مالي، مؤخرًا، أن الذرائع التي تتذرع بها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لجمع أموال الزكاة، هي مجرد حجج واهية، ففي الحقيقة تعجز الجماعة عن توفير الأمن للسكان التي تجمع منهم الأموال، بل تنسحب من مناطقهم تاركةً إياهم ليقتلوا على أيدي عناصر تنظيم داعش، أو مرتزقة شركة “فاغنر” الروسية التي ارتكبت مجازر بحق المدنيين الماليين، منذ وصولها للبلاد، بنفس طريقة “نصرة الإسلام والمسلمين”.

على طريقة مرتزقة "فاغنر".. قصة ابتزاز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لـ"فقراء مالي"

تصريح الأكاديمي والباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة باماكو، محمد أغ إسماعيل، حول التشابه بين فاغنر وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين

وبدأ توافد مرتزقة فاغنر إلى مالي، أواخر عام 2021، حينما عقد المجلس العسكري الحاكم في البلاد اتفاقًا سريًا مع شركة المرتزقة الروسية لتوريد بضعة مئات من المقاتلين إلى مالي للمشاركة في عمليات تدريب الجيش والتصدي للتنظيمات الجهادية الناشطة في البلاد، بينما طلبت فاغنر الحصول على 10 ملايين دولار شهريا وامتيازات لاستغلال مناجم في مالي مقابل إرسال نحو 1000 مرتزق، للمشاركة في قمع التمرد الجهادي في البلاد.

واتخذت “فاغنر الروسية” من القاعدة 101 للجيش المالي شمال مطار العاصمة باماكو، ومن ثم بدأت الانتشار في داخل البلاد، ووصل المرتزقة الروس إلى تمبكتو وموبتي (شمال مالي)، وغيرها، كما وصلت مجموعة إلى قاعدة عسكرية في ميناكا بشمال شرق مالي، عقب انسحاب قوات عملية برخان الفرنسية منها.

وقام مرتزقة شركة فاغنر الروسية بتنفيذ مجازر ضد السكان المحليين في موبتي وغيرها من مناطق مالي، وأيضًا قاموا بعمليات اغتصاب وتحرش جنسي، ونهبوا بعض القرى إذ أقدموا على سرقة مجوهرات وذهب وحُلي النساء، واستولوا على قطع الأثاث وسرقوا أيضًا الماشية، حسبما ذكرته مصادر محلية مالية في وقت سابق.

ويبدو مما سبق أن هناك تشابه بين التكتيكات الوحشية التي تستخدمها مرتزقة فاغنر، ونظيرتها التي تتبعها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، في ما يتعلق باستهداف المدنيين العزل، ونهب أموالهم وسرقة ماشيتهم.

على طريقة مرتزقة "فاغنر".. قصة ابتزاز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لـ"فقراء مالي"

وفي هذا السياق، ألمح الأكاديمي والباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة باماكو، محمد أغ إسماعيل إلى أن هناك أوجه شبه عديدة بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والمرتزقة خاصةً في الجانب العملياتي، موضحًا أن كلًا منهما يعتمد على النهب والسلب كمصدر من مصادر التمويل، كما أنهما يتشابهان أيضًا في طريقة التجنيد والتي يقومان من خلالها بضم أفراد جدد لهما مقابل منحهم رواتب أو أموال لانخراطهم في العمل لصالح المرتزقة أو الجهاديين، فضلًا عن أن قادة المرتزقة وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين يعتمدان إلى استغلال العوامل الأسرية والقبلية والمناطقية في الحشد والاستقطاب، كما يتبع الطرفان نفس أساليب العمل، تقريبا، في ما يتعلق بمهام الاستخبارات وجمع المعلومات.

ويتابع الباحث في الشؤون الإفريقية أن الاختلاف الظاهر بين المرتزقة وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين هو الجانب الأيديولوجي والأهداف أو على الأقل الأهداف الظاهرية المعلن منها، فالمرتزقة أيديولوجيتهم هي كسب الأموال والنفوذ بأي طريقة أما الجماعة فتقول إنها تتبنى أيديولوجيا جهادية، لكنها في الواقع تُحاكي أساليب المرتزقة وتعمل بنفس طريقتهم، بينما يدفع الشعب المالي فاتورة الإرهاب والارتزاق من دمائه وأمواله.