يحمل الغزو الروسي لأوكرانيا تداعيات بعيدة عن الحدود الأوكرانية. فبعد 3 أشهر على انطلاق تلك  الحرب، يحذّر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من أزمة الجوع العالمية والتهديد الوشيك بالمجاعة. ولطالما كانت أوكرانيا، المعروفة باسم سلة الخبز في أوروبا، واحدة من أكبر المنتجين والمصدرين الزراعيين في العالم.  وفي محاولة منها لإخضاع أوكرانيا، استهدفت روسيا مخازن الأغذية، وسرقة معدات الحصاد والمزارع، ودمّرت قدرات معالجة الأغذية ونقلها في أوكرانيا، والأهم من ذلك، إغلاق الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود لمنع تصدير الحبوب الأوكرانية.

  • قلق بالغ بشأن الأمن الغذائي العالمي ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مهدَّدة
  • تستورد دول الشرق الأوسط أكثر من 45 % من احتياجاته للقمح من أوكرانيا 
  • ما لم ترفع روسيا حصارها عن الموانىء الأوكرانية فالأزمة متجهة لمستوى خطير للغاية 
  • مخزون دول الشرق الأوسط من السلع الإستراتيجية يكفي فقط لأشهر قليلة
  • أكثر الدول العربية تضرراً هي اليمن، السودان، ليبيا، مصر، لبنان، تونس، وتركيا 

حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا تضع الأمن الغذائي العالمي في خطر كبير ودول الشرق الأوسط الأكثر تضرراً

تلك التصرفات الروسية تؤدّي إلى زعزعة استقرار أسواق الغذاء العالمية بشكل مباشر، بينما تسهى موسكو لإبعاد اللوم عن نفسها وتقويض الدعم العالمي لأوكرانيا، من خلال نشر معلومات مضللة بغية إقناع الجماهير العالمية بأنّ العقوبات الدولية المفروضة على روسيا هي المسؤولة عن ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.

من جهته، قال مدير منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) دايفيد بايسلي، ضمن الفعاليات الأخيرة لمؤتمر دافوس، إنّ “المجاعة تدق ناقوس 49 مليون إنسان حول العالم”، وذلك بمعرض حديثه عن تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي تشهد تطورات دراماتكية، كانت أقسى فصولها الحصار الروسي المفروض على موانئ أوكرانيا الذي ضيَّق الخناق أكثر على قدرة كييف على تصدير موادها الغذائية التي المركزية للعديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وعلى الرغم من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 30 مايو الماضي استعداد بلاده تسهيل شحن السلع الأوكرانية، إلّا أنَّه حتى تلك الساعة يرفض فك الحصار المفروض على الموانئ الأوكرانية، ويشترط رفع العقوبات المفروضة على موسكو لحل تلك الأزمة.

ماذا عن الشرق الأوسط؟

عالى صعيد المنطقة الشرق الأوسط، وبحسب معهد الشرق الأوسط للدراسات، فإنّ “روسيا وأوكرانيا هما من أكبر مورّدي القمح لعدد من الدول العربية. وقد توقعت منظمة الأغذية العالمية أن تواجه تلك البلدان صعوبة في تأمين الخبز بسبب توقف الإمدادات.

الحرب الروسية على أوكرانيا تهدد بأسوأ أزمة غذاء عالمية.. فماذا عن الشرق الأوسط؟

فهل ثمة بديل عن الواردات الروسية والأوكرانية؟ ما دور برنامج الأغذية العالمي في مكافحة سوء التغذية والمجاعة التي تطرق أبواب عدد من الدول العربية، لاسيما أنّ العديد من الدول العربية شهدت ارتفاعات غير مسبوقة بأسعار المواد الغذائية، وذلك ما تؤكّده تقارير الأمم المتحدة المرتبطة بالغذاء، إذ أوضح برنامج الأغذية العالمي في تقرير سابق له أنّ أسعار المواد الغذائية كانت قد وصلت إلى معدلات غير مسبوقة في فبراير الماضي قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية لتناهز في حينها الأسعار التي كانت خلال أزمتي الغذاء عام 2008 و2011.

في ذلك السياق، أجرت “أخبار الآن” مقابلة خاصة مع المتحدثة الرسمية باسم برنامج الأغذية العالمي د. عبير عطيفة التي قالت إنّ “الزيادة في الأسعار العالمية على وقع الأزمة الروسية الاوكرانية وصلت إلى ما نسبته 12%، لتتخطى بذلك أعلى معدل للتضخم في الأسعار منذ الحرب العالمية الثانية”. وأضافت: “المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط بصورة أشمل من أكثر المناطق تأثرا بالأزمة الاوكرانية الروسية، لذلك إن تحمل هذه الهزات أمر صعب لأن الشرق الاوسط يستورد من روسيا وأوكرانيا أكثر من 45 % من احتياجاته للقمح  وحوالى 23% من إحتياجاتها للزيوت من أوكرانيا حصراً”.

تستورد منطقة الشرق الأوسط 45 % من احتياجاتها للقمح من أوكرانيا

عبير عطيفة

ما يزيد الطينة بلَّة، أن لا بدائل أمام دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن السلع الإستراتيجية الغذائية الأوكرانية والروسية، إذ تقول عطيفة لـ أخبار الآن “: “حتى لو توفرت البدائل من القمح أو الحبوب أو السلع الإستراتيجية بصورة عامة من دول ومناطق أخرى مثل أستراليا، أو كندا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، تبقى الصعوبة نفسها لأنّ تكلفة وصول هذه المواد الى المستهلك أعلى بكثير مما هي عليه من روسيا وأوكرانيا”.

وتقول أرقام برنامج الأغذية العالمي في السياق أن كل من مصر، ليبيا، لبنان، اليمن، تركيا، تونس مهدّدة في غذائها مع إستمرار الأزمة، لأنها تعتمد على استيراد ما يزيد عن نصف القمح من روسيا اوكرانيا.

وفي ذلك الإطار، تقول عطيفة لـ “أخبار الآن“: “شهدنا في الشهر الذي عقب اندلاع الصراع في أوكرانيا ارتفاعاً في أسعار دقيق القمح بنسبة تزيد عن 47 % في لبنان، 11 % في اليمن، 15 % في ليبيا، و14 % في فلسطين، بالإضافة إلى ما يزيد عن 10 % في سوريا، وبالتالي تظهر تلك الأرقام أنّنا على أعتاب أزمة حقيقية في المنطقة التي تعاني تعقيدات جمّة ليس فقط في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بل صراعات مسلّحة”.

الحرب الروسية على أوكرانيا تهدد بأسوأ أزمة غذاء عالمية.. فماذا عن الشرق الأوسط؟

وعن حول واقع الأمن الغذائي في اليمين، قالت الباحثة اليمنية مروة عبدالله لـ”أخبار الان“، إنّ “اليمن تأثّر بالأزمة الأوكرانية الروسية إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية لاسيّما الأساسية منها بشكل كبير، وقد شهدنا على ارتفاع غير منطقي بالأسعار قبل حلول شهر رمضان الماضي بأسبوعين تقريباً”. وأضافت: “تخزين المواطنين لكميّات هائلة من المواد الغذائية بسبب خوفهم من انقطاعها التام جرّاء استفحال النقص في الإمدادات الغذائية والمخاوف من استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، فاقم ارتفاع الاسعار”.

وردّاً على سؤال حول المواد التي ارتفع سعرها على ضوء الأزمة قالت: “الطحين، والحبوب، والمشتقات النفطية من أبرز المواد التي لاتزال ترتفع أسعارها كتأثير مباشر للأزمة العالمية، إنّما الإرتفاع يطال كل شيء بشكل لا منطقي”.

وعن الدور الذي يقوم فيه برنامج الأغذية العالمي لانقاذ اليمن، قالت عطيفة إنّ “برنامج الأغذية العالمي يعمل على تقديم المساعدات الغذائية في اليمن لنحو 13 مليون شخص بصورة شخصية، لكن طبعاً المشكلة الكبرى التي تواجه البرنامج هي ضعف التمويل”. وأوضحت: “نحن نتكلّف شهرياً 71 مليون دولار أمريكي أكثر ممّا كنّا ننفق في العام الماضي على السلة الغذائية نفسها، واليمن وحدها بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الوقود، تُكلّفنا 10 مليون دولار شهرياً”.

في الواقع تستهدف العقوبات على روسيا قدرة الكرملين على تمويل عدوانه العسكري ولها استثناءات في ما يتعلق بالتصدير والمعاملات المتعلقة بالمنتجات الغذائية والزراعية.

السودان يأتي ايضاً في قائمة الدول المتضررة، وتقول النقابية السودانية سلمى نور، في حديث لـ”أخبار الآن“: “ليس ثمّة مخزوناً للقمح في السودان اليوم، وبعد إنقلاب 25 اكتوبر ساءت الأوضاع أكثر وبتنا من دون مخزون، وقد زاد الأمر تعقيداً فشل الموسم الزراعي العام 2021 أولا، وفشل موسم شتاء 2022 ثانياً، حيث تمّ استثمار نصف الأراضي المخصصة لزراعة القمح فقط لا غير”.

وتضيف نور “بدأنا عاماً شتوياً فاشلاً وبصرف النظر عن الأزمة العالمية التي أنتجتها حرب روسيا وأوكرانيا، ثمّة أزمة غذائية داخلية، وهي أزمة غذاء طاحنة ستجعل السودان أكبر المتضررين إذ ليس هناك من مخزون ولا قدرة على زراعة القمح التي انخفضت 50 % عمّا كانت عليه قبل انقلاب 25 أكتوبر”.

الحرب الروسية على أوكرانيا تهدد بأسوأ أزمة غذاء عالمية.. فماذا عن الشرق الأوسط؟

ووفق عطيفة، فالسودان هو من الأماكن الرئيسية التي يعمل فيها برنامج الأغذية العالمي نظراً لكون البلد يعاني أزمات شتى رفعت أسعار المواد الغذائية المحلية بشكل خطير”. ووصلت نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى نحو 124 %  في ديسمبر مقارنة بالعام الذي سبقه.

مخزون القمح الموجود في دول منطقة الشرق الأوسط يكفي لمدّة شهور قليلة

عطيفة

وعلى خط أخر، تحدّثنا مع الباحث في العلاقات الدولية والسياسات العامة سُفيان تمطاوسين عن تأثير الأزمة الأوكرانية الروسية بتبعاتها الغذائية على الجزائر، فقال لـ”أخبار الآن“، إنّ “الجزائر تشهد ارتفاعاً بأسعار المواد الغذائية من دون أن نعرف ما اذا كان سبب ذلك مرتبطاً بشكل مباشر بالأزمة الأوكرانية الروسية”.

وأضاف :يضيف “تستورد الجزائر الكثير من المواد الأولية من الخارج، ومع ارتفاع أسعار العديد من المواد الأساسية عالمياً جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا، ارتفعت أسعار السلع في البلاد  أكثر”.

وتابع: “تدعم الحكومة الجزائرية حالياً أسعار الخبز، وقد لا تكون هنالك ندرة فيه حتى آخر العام الجاري بما أنّ الدولة أعطت ضمانات بتواجد مخزون قمح مستورد ومنتج محلياً يكفي لنهاية السنة، ولكن ذلك قد يتغيّر إذا أتمّت المنظومة تعديلاتها في نظام الدعم الإجتماعي وفرض ضرائب على المواد المدعومة “.

وعن مخزون القمح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخطر الذي يحدق في ذلك المخزون، قالت عطيفة إنّ “مخزون القمح الموجود في المنطقة يكفي لمدّة شهور قليلة، ليس لدي معلومات عن ذلك المخزون لكلّ دولة ولكن بصورة عامة هناك السياسات الحمائية التي بدأت تنتشر في العالم ومنع تصدير الحبوب والقمح إلى الكثير من الدول لأنّ كل دولة تسعى لتوفير احتياجاتها المحلية وعدم تأثر مواطنيها بعملية قلّة المنتج”.

في الوقت الصعب دعوة لعدم هدر الطعام

وأضافت: “إذا نظرت إلى أوكرانيا ستجد أنّ الصواعم والمخازن مليئة بالقمح الذي سيتلف ما لم يكن هناك فتح سريع لكل الموانئ لتدفق تلك المنتجات إلى دول العالم، وبالتالي ربّما يكون هناك انفراج في الأزمة إنْ تمّ فتح تلك الموانئ، لكن الإقتصاد العالمي لاسيّما اقتصاد السلع الغذائية سيأخذ فترة طويلة إلى أن يتعافى وتستقر الأسعار الى المعدلات التي كانت موجودة قبل الحرب”.

في الختام، وجهت عطيفة رسالة إلى المواطنين والحكومات والجهات المانحة لإنقاذ الشعوب من شبح المجاعة ودعم برنامج الأغذية العالمي في رسالتها، فقالت: “يجب ان يكون هناك وقفة أمام هدر الطعام لأنّما نمر بوقت صعب جدّاً، وفي المقابل هناك عملية هدر واسعة لكثير من الغذاء في عدة دول، فيما يتوجب عدم شراء وتخزين المواد الغذائية لأنّ السلع متاحة إنّما الأسعار مرتفعة”.

شاهدوا أيضاً:  ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة