بعد تاريخ طويل من حيادها العسكري، شرعت فنلندا رسمياً في خطوة طلب الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في انعطافه تاريخية لهذا البلد الذي لم ينضم أبداً إلى الحلف حتى في ذروة الحرب الباردة، وكان ذلك التحول نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا.

  • فنلندا ومعها السويد تتقدمان بطلب رسمي للإنضمام إلى حلف الناتو رغم تحذيرات بوتين
  • تاريخ معقّد من العلاقات بين دولتي روسيا وفنلندا والأخيرة تسعى لتدعيم أمنها
  • أمين عام حلف شمال الأطلسي يعلن أنّ كل الحلفاء يوافقون على توسيع إطار الحلف
  • بوتين يحذّر فنلندا من أنّ انضمامها للناتو سيكون عبارة عن خطأ فادح وستكون له عواقب
  • النائبة الفنلندية إلينا فالتونين لأخبار الآن: مستعدون لأيّ هجوم محتمل ولدينا قوات دفاع قوية للغاية
  • فالتونين: حاولنا بناء علاقة جيّدة مع روسيا على مرّ السنين، لكن الآن لا يمكن التنبؤ بما تضمره روسيا

 

وتفيد استطلاعات الرأي الأخيرة بأنّ نسبة الفنلنديين الرّاغبين في الإنضمام إلى حلف الناتو تجاوزت الثلاثة أرباع، أي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب في أوكرانيا.

أخبار الآنأجرت لقاءً خاصاً مع النائبة في البرلمان الفنلندي، وهي ايضاً رئيسة الوفد الفنلندي في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو،  إلينا فالتونين (Elina Valtonen)، وقد شدّدت على ضرورة انضمام فنلندا للحلف، معتبرةً أنّ ذلك سيحافظ على سلامتهم في أوروبا، وقالت: “كنّا نتفاوض مع حلف الناتو عن كثب على مدار سنوات، وفي تصاريح عن سياساتنا الخارجية أعلنا رسمياً منذ عقدين من الزمن أنّ فنلندا لديها خيار التقدم بطلب لعضوية الناتو إذا ما تغيّرت البيئة الأمنية أو إذا تطلبت الظروف ذلك، والآن بعد غزو روسيا لأوكرانيا بات الناس يعتقدون أنّه حان الوقت لتتقدم فنلندا بطلب الإنضمام إلى الناتو”.

وقد حذرت روسيا كلّاً من فنلندا والسويد من أنّ قرارهما بالإنضمام إلى حلف الناتو العسكري، عبارة عن خطأ فادح وستكون له عواقب بعيدة المدى، وأنّه لا ينبغي لهما الإفتراض بأنّ موسكو لن ترد، وإنّ مثل تلك الخطوة ستلزمها “باستعادة التوازن العسكري” من خلال تعزيز دفاعاتها في منطقة بحر البلطيق، بما في ذلك عن طريق نشر أسلحة نووية، وإنّ تلك الخطوة لن تجلب الإستقرار إلى أوروبا.

نأمل أن تتفهم روسيا أنّ الإنضمام للناتو خطوة طبيعية لزيادة الأمان الفنلندي والأمان على الحدود

إلينا فالتونين

في ذلك الصدد، شدّدت النّائبة في البرلمان الفنلندي على أنّ إنضمام بلادها إلى الناتو خطوة طبيعية للحفاظ على أمن البلد وأوروبا، قائلةً: “لا نشعر أنّنا مهدّدون من قبل روسيا، ولا نشعر بأيّ تهديد حالي وحتى لو كان يوجد أمر مماثل فنحن مستعدون، لدينا قوات دفاعية قوية جدّاً، ونأمل أن تتفهم روسيا أنّ تلك خطوة طبيعية لفنلندا، وهو قرار غير موجه ضدّ أيّ كان، وليس تهديداً لأحد، بل هو فقط من أجلنا لزيادة الأمان الفنلندي والأمان على الحدود، ولتأمين المزيد من الأمن والإستقرار في كلّ أوروبا”.

 

فنلندا تتقدم بطلب رسمي للانضمام للناتو.. نائبة فنلندية تشرح لأخبار الآن أسباب تلك الخطوة

 على مرّ تاريخهما، مرّت علاقات موسكو وهيلسينكي بمنعطفات تاريخية ضمن “الإمبراطورية الرّوسية”، وكانت فنلندا إحدى دول الإتحاد السوفييتي قبل أن تحصل على استقلالها مطلع العام 1918، فيما شهدت العلاقات بينهما موجات من التوتر إثر الشكوك التي تسيطر على كل دولة إزاء الأخرى.

فالفنلنديون كانوا يتخوّفون دائماً من مساعي السوفييت لاحتلالهم مرّة أخرى، فيما كانت تتوجّس الحكومة الروسية من نوايا فنلندا فتح حدودها أمام “ألمانيا النّازية” آنذاك لاستهداف بلادها عسكرياً. وكان من أشهر الحروب بينهما هي “حرب الشتاء” أو “حرب السجق” خلال الحرب العالمية الثانية، حين اجتاح ما يزيد عن نصف مليون جندي سوفييتي الأراضي الفنلندية. 

فنلندا تتقدم بطلب رسمي للانضمام للناتو.. نائبة فنلندية تشرح لأخبار الآن أسباب تلك الخطوة

اندلعت حرب أهلية في فنلندا في عام 1918 عندما نجح الشيوعون في الاستيلاء على هلسينكي – Getty

هناك حدود مشتركة بين روسيا وفنلندا يبلغ طولها 1300 كيلومتر، وكانت فنلندا تتجنّب السّعي إلى الانضمام إلى الناتو كي لا تثير عداوة مع جارتها الشرقية، لكن منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ظهر دعم شعبي في فنلندا لفكرة الإنضمام.

في ذلك الصدد، تقول النائبة في البرلمان الفنلندي إلينا فالتونين لـ”أخبار الآن“: “نحن نتشارك حدوداً طويلة مع روسيا ولا يمكنني القول إنّه لدينا تاريخ معقّد مع روسيا، لكن لسوء الحظ نحن خضنا معارك عديدة ضدّ روسيا عندما حاولت روسيا أو الإتحاد السوفييتي غزو فنلندا، وبسبب ذلك اتخذنا إجراءات أمنية جدّية منذ عدّة سنوات، ولدينا جيش قوي نسبياً مقارنة مع عدد السكان والجيوش الأخرى المتواجدة في أوروبا، وقد حاولنا بناء علاقة جيّدة مع روسيا على مرّ السنين، لكن الآن لا يمكن التنبؤ بما تضمره روسيا، والمواطنون الفنلنديون يعتقدون أنّه حان الوقت لننضم إلى الناتو”.

وفي ما يخص الحرب على  أوكرانيا، عبّرت فالتونين عن تضامنها الكبير مع الشّعب الأوكراني قائلةً: “نحن نشعر بتضامن كبير مع الشّعب الأوكراني، وسنواصل مع عدّة دول في الإتحاد الأوروبي مساعدة أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا”. 

حاولنا بناء علاقة جيّدة مع روسيا على مرّ السنين، لكن الآن لا يمكن التنبؤ بما تضمره روسيا

إلينا فالتونين

ما هي الشروط للإنضمام إلى الناتو؟

يتعيّن على الأعضاء المحتملين إرسال خطاب نوايا إلى حلف الناتو، وبافتراض موافقته، يتمّ إجراء محادثات بشأن مجموعة من القضايا السياسية والدفاعية والقانونية والتقنية.

وبعد ذلك، يضع الناتو بروتوكولات الإنضمام التي يمكن أن يوقّعها الوزراء أو السفراء لدى الناتو. وحتى لو أمكن اتّخاذ تلك الخطوات الأولية بسرعة، في غضون أسابيع قليلة، تتطلب العضوية تصديق كلّ أعضاء الناتو الحاليين، الأمر الذي قد يستغرق شهوراً.

بعد التقدم الرسمي بالطلب، تكون هناك فترة انتقالية تستمر من تاريخ تسليم الطلب حتى تصديق كل برلمانات أعضاء الناتو الثلاثين عليه.

فنلندا تريد “الانضمام فوراً إلى حلف الناتو لتعزز أمن بلدها وحدودها ولكن ما مدى سرعة إستجابة الناتو لهذا الطلب؟ ردّاً على ذلك، تقول فالتونين لـ”أخبار الآن :”لقد أخبرنا الناتو أنّه بسبب شراكتنا الطويلة مع الناتو، ولأنّ قواتنا الدفاعية متوافقة بشدّة مع الناتو، فإنّ العملية بحدّ ذاتها داخل الناتو لن تستغرق وقتاً طويلاً نظراً لأنّ الناتو ملتزم بسياسة الباب المفتوح، فهم يريدون أيضاً التأكّد من أنّ عملية التصديق في كلّ من الدول الأعضاء تسير بسلاسة، وطبعاً نحن نحترم عملية صنع القرار الديمقراطي في كلّ دولة وفي كلّ الدول الأعضاء في الناتو، ما علينا سوى الإنتظار لنرى ما الذي سيحصل”.

فنلندا تتقدم بطلب رسمي للانضمام للناتو.. نائبة فنلندية تشرح لأخبار الآن أسباب تلك الخطوة

سفير فنلندا وسفير السويد لدى الناتو مع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ بمناسبة طلب السويد وفنلندا للعضوية في بروكسل.

في العام 1949، تأسّس حلف شمال الأطلسي “الناتو” خلال فترة الحرب الباردة، لمواجهة “حلف وارسو” والإتحاد السوفييتي سابقاً. وتوسّع لاحقاً بعد انهيار حلف وارسو، وانتهاء الحرب الباردة، وارتفع عدد الدول المنضوية فيه من 12 دولة عام 1949، إلى 30 دولة اليوم. وكانت مقدونيا الشمالية آخر المنضمين إلى الحلف عام 2020. ومن المرجّح أن يرتفع العدد إلى 32 دولة مع إعلان فنلندا والسويد أنهما ستقدمان طلباً للانضمام إلى الحلف، وسط تأييّد كبير للخطوة من دول الحلف الأخرى.

 

فنلندا تتقدم بطلب رسمي للانضمام للناتو.. نائبة فنلندية تشرح لأخبار الآن أسباب تلك الخطوة

خريطة دول حلف الناتو وفق الترتيب الزمني – NATO

وبانضمام السويد وفنلندا، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تغيير أدوات الصّراع، أي تغيير مفهوم الناتو الإستراتيجي الجديد الذي يضمّ بنوداً تخص روسيا واعتبارها تشكل خطراً حقيقياً على دول الحلف.

خلال حرب الشمال الكبرى، احتلّ الرّوس فنلندا لمدّة 8 سنوات وبمقتضى معاهدة بين الطرفين في العام 1721 كان على السويد أن تتنازل عن الجزء الجنوبي الشرقي من فنلندا بالإضافة إلى مقاطعات البلطيق. لقد ضعفت قدرة السويد في الدّفاع عن فنلندا، وأعطت سنوات الاحتلال الفنلنديين شعوراً دائماً بانعدام الأمن. ومنذ العام 1899 حاولت روسيا إضفاء الطابع الروسي على فنلندا بما في ذلك تجنيد الرجال الفنلنديين في الجيش الروسي، وفرض اللغة الروسية كلغة رسمية. وقد اتخذ المشرعون الروس الخط القائل بأنّه على الرّغم من أن الإسكندر الأول، بموجب سلطاته العليا، قد منح فنلندا الحكم الذاتي، فإن أي إمبراطور روسي يمارس نفس السلطات العليا يحق له استعادتها متى شاء. وبتطبيق ذلك المبدأ، أصدر القيصر نيكولاس الثاني مرسوماً العام 1899 ، والذي بموجبه يحق له دون موافقة البرلمان الفنلندي، سنّ قوانين واجبة التّطبيق في فنلندا إذا كان لتلك القوانين تأثير على المصالح الروسية.

 

فنلندا تتقدم بطلب رسمي للانضمام للناتو.. نائبة فنلندية تشرح لأخبار الآن أسباب تلك الخطوة

القوات الفنلندية المشاركة في حرب ألمانيا ضدّ الاتحاد السوفياتي

بعد الحرب استقرّت العلاقات بين فنلندا والإتحاد السوفيتي حيث أبرم البلدان معاهدة صداقة وتعاون مشترك في العام 1948، وهي المعاهدة التي تمّ تمديدها لعدّة أعوام. وطوال الحرب الباردة ظلّت فنلندا تنتهج سياسة الحياد الودّي تجاه موسكو.

بعد تفكّك الاتّحاد السوفيتي العام 1991، أعلنت فنلندا أنّ معاهدة الصّداقة والتعاون المشترك مع الإتحاد السوفيتي باطلة ولاغية بعد انهياره، وتمّ التّوصل إلى معاهدة جديدة مع روسيا في العام 1992 تعهّدت فيها الدولتان ببساطة بتسوية النّزاعات فيما بينهما بالطّرق السّلمية. وبعد تحرّر فنلندا من القيود الرّوسية، انضمت للاتحاد الأوروبي في العام 1995، والآن قد تنضم إلى حلف الناتو، وقد عبرت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين عن أملها في أن يوافق البرلمان على القرار في الأيّام القليلة القادمة، فيما في المقابل قال أمين عام حلف الناتو إنّ كلّ الحلفاء يوافقون على توسيع الحلف.

شاهدوا أيضاً: رغم العقوبات.. 35 مليار دولار من أوروبا لروسيا بشهر واحد!