كيف تستعد فنلندا لمواجهة احتمالات نشوب حرب مع روسيا

أكد الرئيس الفنلندى ساولي نينيستو، أن بلاده مستعدة لمناقشة إمكانية الانضمام إلى حلف الناتو، لأن الوضع تغير بشكل كبير.

وكان انضمام فنلندا والسويد وغيرهما محور خلاف خلال الفترة الماضية، حيث سبق للأمين العام لحلف شمال الأطلسى (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، التصريح بأن السويد وفنلندا، تمتثلان إلى حد كبير للمعايير الدفاعية لحلف الناتو، ويمكنهما الانضمام إليه حال وجود قرار سياسي يتزامن ذلك أيضا مع الغزو الروسي لأوكرانيا.

حول هذا الموضوع تحدثنا مع تشارلي سالونيوس باسترناك الباحث الأول في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية وسألناه حول المؤشرات المتزايدة من قبل حكومة فنلندا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي  (الناتو). هل سيتم ذلك حقاً ومتى؟ 

قال باسترناك: إن الأمر يسير في ذاك الاتجاه فعلا، مشيرا إلى عدم صدور أمر رسمي في هذا الصدد.

وأضاف: “من المؤكد أنه لم يصدر بعد أي موقف رسمي لا من جانب الرئيس أو رئيس الوزراء ولكن كل المؤشرات النابعة عن مواقفهم ورمزيتها وعن الاستعدادات الجارية وكل ما نسمعه في أروقة السياسة كله يشير إلى أنه ربما ليس في الأسابيع المقبلة برأيي”.

وتوقع باسترناك أن حدوث تغير في الموقف الرسمي في فنلندا خلال شهر أو اثنين، مضيفا أنه ستكون هناك مساعٍ للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي؛ فكل الاستعدادات اللازمة تجري على قدم وساق” على حد تعبيره.

هل تنضم هلسنكي لحلف الناتو رغم التهديدات الروسية؟.. خبير فنلندي يجيب

رغبة متزايدة في فنلندا للانضمام إلى الناتو

كانت رئيسة وزراء فنلندا سانا مارين، قد قالت في وقت سابق، إن على بلادها اتخاذ قرار بشأن عضوية “الناتو” خلال هذا الربيع بعد أن أجرت الحكومة والبرلمان تقييما دقيقا لإيجابيات وسلبيات الانضمام إلى الحلف.

وأضافت مارين أن “الانضمام وعدم الانضمام هما خياران لهما عواقب”، ولفتت إلى أن بلادها بحاجة إلى تقييم الآثار قصيرة المدى وطويلة الأجل.

وأوضحت: “يجب أن نضع في اعتبارنا هدفنا، وهو ضمان أمن فنلندا والفنلنديين في جميع المواقف”.

ويلفت الباحث الفنلندي إلى ارتفاع نسبة الراغبين في الانضمام إلى الناتو في فنلدا، مشيرا إلى أن تلك النسبة بلغت ما يصل إلى 65 % وفقا لاستطلاعات الرأي.

وبالتالي أعتقد أن هذا التغيير حقيقي وقد تفاجأ السياسيون الفنلنديون والسويديون بأن الشعب الفنلندي هو الذي يجبر السياسيين الفنلنديين على تغيير موقفهم”.

تشارلي سالونيوس باسترناك

ويتابع باسترناك: “هذا تغيير جذري في غضون شهر ويمكن رؤيته بطرق مختلفة مثلاً في النقاشات الشعبية والصحف ومنصات التواصل الإجتماعي”

 فعلى نحو مفاجىء بات الكثيرون ممن كانوا يشكلون أقليّة الـ 20 % يتحدثون بحرية أكبر ويضمّون مواطنين وسياسيين.

كما يمكن سماع هذه النقاشات في وسائل النقل العام مثل الترامواي والحافلات على نحو مختلف تماماً عما كان عليه منذ شهرين أو ثلاثة. إذن بالتأكيد هذه النسبة حقيقية برأيي. كما كان هناك عدد من الشركات المختلفة ووسائل الإعلام التي أجرت استطلاعات رأي وجاءت كل النتائج مشابهة إذ تراوحت بين 61 و65 %.

الغضب الروسي

يقول باسترناك إنه تاريخياً كان الخوف من غضب روسيا أحد الأسباب في عدم الانضمام إلى الناتو في الاستطلاعات الشعبية”.

ويضيف أن بلاده عملت على مدار عقود بغية بناء علاقات جيدة أو إيجابية ولكن ليس بغية التوافق على كل المسائل ولكن فقط بشكل يسمح لحرّاس الحدود التواصل والعمل معاً ولكن هذه المساعي تعثّرت وفشلت.

فنلندا على أهبة الإستعداد وتزيد من مستوى استعداداتها على نحو يومي

وتابع باسترناك “ستشعر روسيا بالغضب وستتذرع بأي سبب كان للردّ بطريقة ما مهما كان الثمن”.

وأكمل: “وبالتالي من الصواب أن نسعى للانضمام إلى حلف الناتو ونحظى بالحماية من وجهة نظر ردعية ولا نقلق كثيراًً من أي رد روسي.

من الصواب أن نسعى للانضمام إلى حلف الناتو ونحظى بالحماية من وجهة نظر ردعية ولا نقلق كثيراً خوفاً من أي رد روسي

سيكون هناك ردّ بالتأكيد ولكننا نجهل ما سيكون عليه ولكنني أؤكد بشكل عام أن فنلندا على أهبة الاستعداد وتزيد من مستوى استعداداتها على نحو يومي” .

هل يتحول الأمر إلى نزاع عسكري؟

يتوقع باسترناك حدوث نزاع عسكري مع روسيا لكنه يقول: “حتما لن يشبه حرب شتاء 1939-1940 أو الغزو الروسي الحالي لأوكرانيا ببساطة لأن روسيا لا تمتلك القدرات العسكرية ولكن بوسعها طبعاً أن تطلق شرارة نزاع بارد إن نشرت بضع مئات من الجنود عبر الحدود”.

ويواصل الباحث الفنلندي: “على المستوى العسكري لن يصعب على الجيش الفنلندي معالجة هذا الوضع ولكنني سأكون متفاجئاً بعض الشيء إن لم تستعمل روسيا بعض الأدوات العسكرية ليس بالضرورة لحمل الفنلنديين على تبديل رأيهم ولكن لمحاولة التأثير على بعض الدول الأعضاء في حلف الناتو من المتخوفين وهذا سبب إضافي لترد فنلندا عسكرياً”.

 ويضيف: “قد نشهد عمليات سيبرانية واستعمال اللاجئين كسلاح للضغط وبالتالي هناك عدد من الأدوات التي نتوقع أن تستعملها روسيا ولكنني أعرف من جهة أخرى أن الاستعدادات جارية للردّ عليها”.

هل تنضم هلسنكي لحلف الناتو رغم التهديدات الروسية؟.. خبير فنلندي يجيب

كيف تستعد فنلندا؟

يوضح لنا باسترناك ويقول إنه بشكل عام تعتمد السلطات الفنلندية مقاربة معينة للتواصل وهي مقاربة “الفعل وليس القول فحسب”.

ويتابع: يعود السبب إلى الرغبة في ممارسة السلطة على نحو أكبر. فجنود الاحتياط سيقومون بتدريبات عسكرية أوسع بكثير خلال أشهر الصيف المقبلة بالمقارنة مع التدريبات المعهودة. كما ستحصل مناورات عسكرية دولية مشتركة بين دول غربية والجيش الفنلندي.

ويضيف باسترناك” بعيداً عن المستوى العسكري، سيتم أيضاً تفعيل الدفاع المدني والقانوني مثلاً لمعالجة تدفق محتمل لعدد ضخم من اللاجئين، وبالتالي ثمة أساليب مختلفة كثيرة. ولكن الملفت هو أن معظم الفنلنديين حتى لا يرون ولا يدركون حدوث ذلك ويُعزى السبب في ذلك إلى منع روسيا من الإستعداد لردعها”.

وبقيت فنلندا محايدة خلال الحرب الباردة، في مقابل تأكيدات من موسكو بأن القوات السوفياتية لن تغزو أراضيها.

لكنها لا تزال واحدة من دول الاتحاد الأوروبي القلائل التي لم تُنه التجنيد الإجباري، أو تخفض الإنفاق العسكري بدرجة كبيرة، رغم انتهاء الحرب الباردة.

هل تنضم هلسنكي لحلف الناتو رغم التهديدات الروسية؟.. خبير فنلندي يجيب

هل فنلندا في موقف ضعف؟

يشدد باسترناك على أهمية الثقة، التي تضمن الإرادة القوية للدفاع عن البلاد، ويضرب المثال بما دار في أوكرانيا.

ويقول الباحث الفنلندي: “هذا يشكل فرقاً لأن معظم الفنلنديين يشعرون بأهمية صمود فنلندا”.

يختم باسترناك بالقول إن الوضع في فنلندا يختلف لأنه بلد مستقل ولكن طبعاً روسيا بلد شاسع وهي قوة نووية عظمى مما يجعل علاقة فنلندا بروسيا غير متكافئة.

ويستدرك باسترناك: “لكنّ فنلندا لم تسعَ يوماً لتربح أي حرب أو نزاع ضد روسيا بل تريد بكل بساطة أن تمنع روسيا من تحقيق أي أهداف تدفعها للهجوم على فنلندا.

وانضمت فنلندا التي يبلغ عدد سكانها 5.5 ملايين نسمة إلى الاتحاد الأوروبي، وهي تقيم شراكة وثيقة مع “الناتو” لا سيما في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والموارد.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد حذر في وقت سابق من أن انضمام فنلندا أو السويد إلى حلف شمال الأطلسي ستكون “له تداعيات عسكرية وسياسية خطيرة”.