مطلع ديسمبر العام 2020، انتقل النائب السابق في هونغ كونغ تيد هوي إلى المنفى الاختياري، بحجةٍ كاذبة لحضور مؤتمر في الدنمارك. لم تكن الرحلة مريحة إطلاقاً، بل كانت محفوفة بالمخاطر والخوف، ليس فقط على نفسه، إنّما على عائلته أيضاً.

  • النائب السابق في هونغ كونغ تيد هوي يوجّه عبر “أخبار الآن” رسائل تحذيرية للعالم وينبّه إلى تايوان
  • هوي: لا نريد أن نرى الصين تدمّر كلّ الديمقراطيات والحريات وهنا تكمن أهمية ما يحدث في هونغ كونغ
  • الترشح للإنتخابات بحاجة إلى موافقة بكين وتشكيك في إمكانية عرض النتائج الحقيقة أمام العالم 
  • هوي: نحن وأولئك الذين قمعتهم الصين وجميع الإيغوريين نتطلع لموقف واضح من الإتحاد الأوروبي

غادر هوي هونغ كونغ إلى المنفى منذ عام، لكنّ قلبه مازال يخفق لها كما يجب أن يراها، هونغ كونغ حرّة. فهو لو لم المنفى اليوم، لكان حتماً في المعتقل حيث كان ليبقى لفترة طويلة أو ربّما مدى الحياة… ففي هونغ كونغ تضيق مساحة الحرية، وتقبض الصين على أنفاس المعارضين، لجعلِ المعارَضة صامتة.

يواجه هوي أكثر من 12 تهمة في هونغ كونغ، بشأن احتجاجات العام 2019 وانتهاك شروط الكفالة. ومؤخراً، أصدرت محكمة في هونغ كونغ مذكّرات توقيف بحق إثنين من الديمقراطيين الموجودين في المنفى، أحدهما تيد هوي، بدعوى دعوتهما إلى مقاطعة الإنتخابات التشريعية الأخيرة.

في حال جلس العالم مكتوف الأيدي، وقَبِل بالقبضة الصينية الخانقة على هونغ كونغ، فإنّ نفوذها يمكن أن يستمر أكثر، وبالتالي يلهم الدول الأخرى الصديقة الاستبدادية. لذلك يطلب الدعم من منفاه في أستراليا، لأنّه هو نفسه لا يستطيع العودة إلى الوطن.

إنّه يحدّق في هاتفه، يستعد لإرسال تلك الرسالة التي يحاول كتابتها منذ فترة. بمجرّد الضغط على “إرسال”، لا توجد طريقة للعودة… سيكون قد دمّر الجسر الأخير الذي كان من الممكن أن يعيده إلى المنزل حيث بنى حياته وعائلته ومسيرته المهنية، وإلى حيث خطط لمستقبله. قال تيد هوي لـ”أخبار الآن“: “حاولت أن أُمسك دموعي”.

ذلك المجلس هو أقرب ما يكون إلى البرلمان الديمقراطي في تلك المنطقة.. لكنّه سيضغط على الزر في كلّ الأحوال، وكل ما هو عليه الآن سيصبح من الماضي.

“الآن أضغط على الزر، أقوم بقطع كلّ العلاقات مع المكان الذي نشأت فيه، مع جميع أقاربي، أصدقائي، وكلّ الأشياء التي أعرفها في هونغ كونغ. سوف تختفي. سيتمّ محو كلّ شيء من حياتي”. ذلك ما قاله بعد مرور عام من تاريخ أخذه القرار المصيري.

راقبوا هونغ كونغ.. فقد تكون بداية النهاية

النائب السابق في هونغ كونغ تيد هوي

توضح الرسالة أنّه غادر هونغ كونغ رسمياً، وسيبقى في المنفى طالما استمرت بكين في ممارسة سيطرتها على المستعمرة البريطانية السابقة. لقد أحسّ أنّ أمراً ما حدث في العاصمة الصينية عندما نفّذت هونغ كونغ قانون الأمن القومي، الذي لم يغيّر المشهد السياسي لهونغ كونغ فحسب، بل المشهد المدني والقانوني والإعلامي أيضاً.

أصبحت أمور مثل الإنفصال والتخريب والإرهاب و”التواطؤ” مع القوات الأجنبية، تهماً قد تؤدّي بك إلى السجن مدى الحياة. وتوضح أحكام القانون أنّ أموراً مثل إتلاف وسائل النقل العام ستُعتبر إرهاباً. علاوةً على ذلك، بكين لديها السلطة لتفسّر  القانون كما يحلو لها.

“رأيت أنّ نوع النظام قد تغيّر تجاه كلّ المنشقين والمعارضين، بدأ النظام يسجن هؤلاء الناس”، قال تيد هوي لـ”أخبار الآن” وأضاف: “تشعر أنّ أيّ لحظة يمكن أن تكون تلك لحظة حريتك الأخيرة في هونغ كونغ”. وتابع: “إذا سمحنا للصين بأن تنتزع كلّ الوعود التي قطعتها لهونغ كونغ والمجتمع الدولي، فإنّنا نرى أنّها ستبدأ في تهديد الديمقراطيات الأخرى بالطريقة نفسها، التي تهدّد بها هونغ كونغ وتايوان”.

استولت الإمبراطورية البريطانية على هونغ كونغ وسيطرت عليها كمستعمرة حتى العام 1997، حيث تمّ تسليمها إلى الصين، ولكن كجزء من الصفقة، تمّ الإتفاق على أنّه يمكن أن تحتفظ هونغ كونغ بهياكلها الحكومية الحالية، ويمكن لشعب هونغ كونغ أيضاً الإحتفاظ ببعض الحريّات مثل حرية الصحافة.

وعدت الصين بالإلتزام بذلك حتى العام 2047، لكن بحسب تيد هوي لم تلتزم الصين بذلك الوعد. وإذا تمكّنت الصين من كسر الوعود التي أعطتها للمجتمع الدولي، فما الذي سيمنعها من تحقيق أهداف أكبر؟

لذلك، فإنّ حال هونغ كونغ اليوم سيكون حال تايوان غداً، وحال تايوان غداً ستصبح حال دول أخرى أصغر وأكثر هشاشة في العالم. لا نريد أن نرى الصين تسير في ذلك الإتجاه الذي سيؤدّي إلى تدمير الديمقراطية والحرية والحضارة. وهنا تكمن  أهمية ما كان يحدث في هونغ كونغ.

هوي: تايوان بحاجة إلى دعم البلاد الحرة وكلّ الديمقراطيات كما دعم المجتمع الدولي هونغ كونغ

هنا اعتبر هوي أنّ “تايوان مختلفة من حيث أنّها حقاً دولة مستقلة ذات سيادة، ولها ثقافتها ونظامها السياسي وجيشها الخاص، لذلك من الصعب أن يتمكّن النظام الصيني من التغلّب أو الهجوم أو احتلال تايوان كما سيطر على هونغ كونغ. لذا فالأمر مختلف تماماً، لكن إذا لم يتكاتف العالم والبلدان الحرة معاً ويدعموا تايوان، فستواجه تايوان خطراً حقيقياً لأنّه من حيث القوّة العسكرية والإقتصاد لا يمكن مقارنة تايوان بالصين على الإطلاق”.

وتابع: “تايوان بحاجة إلى دعم البلاد الحرة وكلّ الديمقراطيات كما دعم المجتمع الدولي هونغ كونغ، أعتقد أنّ المنطق هو ذاته، إذا غضضنا النظر عن غزو الصين لتايوان فالهدف المقبل سيكون ديمقراطيات أخرى وبلدان صغيرة أخرى، ومن ثمّ العالم بأسره، إذاً تايوان وهونغ كونغ يتشاركان المصير نفسه، وعلى متن قارب مشابه، على الرغم من أنّنا في موقف مختلف تماماً، ما يجمعنا هو أنّه كان لدينا حرية في هونغ كونغ، و تايوان ما زالت تتمتع بالحرية. والمهم أنّه لا يمكننا مشاهدة تلك الحرية تتلاشى في ظلّ الإضطهاد الصيني، وتلك مهمة العديد من الدول الديمقراطية والحرة في العالم”.

هوي: لا نريد ذلك، لا نريد أن نرى الصين تدمّر كلّ الديمقراطيات والحريات والحضارات، وهنا تكمن أهمية ما يحدث في هونغ كونغ.

وأردف: “بينما كنت أحاول حشد التأييد لقضيتنا وحركة هونغ كونغ للحرية والديمقراطية، سألت نفسي كيف يجب أن أقنع العالم والمجتمع الدولي بأنّ هونغ كونغ مهمّة للغاية… حاولت أن أفكر وأعيد التفكير، كيف يجب أن أواصل إخبار المجتمع الدولي بأهمية ما كان يحدث في هونغ كونغ، لكن جوابي هو أن هونغ كونغ هي جبهة القتال لدى الصين”.

وشدد بالقول: “إذا فقدنا هونغ كونغ وسمحنا بتوسّع نفوذ الصين عليها، وسمحنا لها بانتزاع كلّ الوعود التي قطعتها لهونغ كونغ وللمجتمع الدولي، يمكن اعتبار أنّ الديمقراطيات الأخرى مهددة بالطريقة نفسها التي تهدّد فيها الصين هونغ كونغ وتايوان. أعتقد أنّ العالم يفهم أنّ ما ستكون عليه هونغ كونغ اليوم، على سبيل المثال، سيكون هو حال تايوان غداً، وحال تايوان غداً سيكون حال دول أخرى أصغر وأضعف في العالم”.

قال تيد هوي: “إذا لم تتحدث بصوتٍ عالٍ، إذا ما قررت تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان، إذا ما قررت غضّ الطرف، فإنّ ذلك سيؤدّي، كما أقول، إلى حرية أقل، وأقل في بلدان كثيرة”.

لطالما كانت هونغ كونغ المركز المالي ونقطة الوصول إلى أسواق شرق آسيا، خصوصاً الصين. ربّما يكون من المفارقات بعض الشيء، لكنّ مزيج الإرث الإستعماري البريطاني وسيطرة بكين، هو الذي جعلها مكاناً جاذباً للبنوك والشركات والمقار الإقليمية. حتّى أنّه كان الأمر يسير على ذلك النحو، فإذا أرادت الشركات الدولية عقد صفقات مع الصين، سيتعين عليها المرور عبر هونغ كونغ حيث أشرفت الصين على تبادل العملات هناك.

لطالما حرصت الصين على تقليص الإعتماد المالي على هونغ كونغ، وكانت إحدى الطرق هي الاستثمار بكثافة في مواقع أخرى يمكنها أن تصبح مركزاً جديداً، مثل شينزن خارج هونغ كونغ.

إنّها منطقة اقتصادية يتواجد فيها عمالقة التكنولوجيا مثل Huawei Technology و Tencent Holdings، وهي تتفوق على هونغ كونغ من حيث بورصتها، إذ يتمّ تداول أكثر من 100 مليار دولار من الأسهم يومياً، وذلك ما يجعلها من المراكز الأكثر ازدحاماً في آسيا. ثمّ هناك أماكن مثل شنغهاي، المدينة الأكثر إكتظاظاً بالسكان والأكثر ثراءً في الصين، والتي تعتبر أيضاً من أكبر المتنافسين على لقب المركز المالي في آسيا. إلى جانب أهميتها في المعاملات المالية المحلية، فإنّ نموها الإقتصادي يترك الكثير مما هو مرغوب فيه في هونغ كونغ.

على سبيل المثال، مثلت هونغ كونغ ما يقرب من ربع إجمالي الناتج المحلي للصين، لكنّ في أحدث الأرقام الصادرة عن البنك الدولي، كانت أقرب إلى 2.3 %، وهي أقل من حصة شنغهاي البالغة 2.6 %.

تيد هوي: أنت تحتاج في الأساس إلى موافقة بكين من أجل خوض الإنتخابات كمرشح في هونغ كونغ

لكن لا يمكن إنكار أنّ هونغ كونغ لا تزال مدينة مهمّة جدّاً بالنسبة للصين لناحية تأمين رأس المال الأجنبي. وهكذا، من المرجح أن تبقي الصين المنطقة الإدارية الخاصة تحت سيطرتها. وهناك طرق عديدة لذلك، منها من خلال قانون الأمن القومي، ومن خلال الإنتخابات التي لا يمكن اعتبارها في الواقع انتخابات، إنّها غير شرعية، إنّ البرلمان الذي تمّ انتخابه هو بمثابة ختم مطاطي كامل لبكين”، قال هوي.

وقال لـ”أخبار الآن” إنّ هدف تغيير النظام الإنتخابي هو القضاء على جميع المعارضين وجميع الديمقراطيين، وكذلك جميع المعارضين في البرلمان، من خلال مطالبة أيّ مرشح مهتم بالترشح في الإنتخابات بالخضوع للتدقيق السياسي والحصول على ترشيحات من قبل بكين… فأنت تحتاج في الأساس إلى موافقة بكين من أجل خوض الانتخابات كمرشح، لذلك تم القضاء علينا جميعاً الآن. إذا تمّ توضيح ذلك، يمكنك أن ترى أنّ ما يُسمى بالإنتخابات لن يكون لها تفويضات من الشعب.

راقبوا هونغ كونغ.. فقد تكون بداية النهاية

مسؤولون حكوميون يفرزون الأصوات في انتخابات 19 سبتمبر 2021 في هونغ كونغ – Getty

وعمّا إذا كان على ثقة بأنّ حكومة هونغ كونغ ستعلن الأرقام الحقيقية للناخبين وعدد الأصوات، ردّ هوي بالقول: “في الماضي بالطبع حتّى عندما كان المجتمع غير ديمقراطي، فقط نصف الإنتخابات كانت ديمقراطية، قبل تغيير الأنظمة الإنتخابية، كانت الأرقام حقيقية في ذلك الوقت، على الأقل كنّا مقتنعين بذلك، لكن تلك المرّة خصوصاً بعد ظهور حركة الحرية في العام 2019، تطوّر النظام وتغيّر بشكل كامل”.

وأضاف: “يمكننا أن نرى أنّ هناك الكثير من الأكاذيب الواضحة جدّاً التي ارتكبها النظام في مجالات مختلفة من السياسات العامة. لذلك أنا لست متأكّداً ما إذا كان سيقومون بإعلان نتائج الإنتخابات، وإذا أعلنوها لا أعلم إلى أيّ مدى ستكون الأرقام صحيحة، خصوصاً في ما يتعلق بعدد الناخبين الذين يمكنّهم المساهمة في معدلات التصويت، وكذلك عدد الأصوات الفارغة، وأصوات الإحتجاج والأصوات غير الرسمية. إذا لم يتم الإفصاح عنها أو تمّ الكشف عنها بطريقة خاطئة أو تمّ اختلاق الأرقام كلها، عندها لن يكون لدينا أيّ وسيلة لمعرفة الحقيقة”.

إنّ الحزب الشيوعي الصيني يسيطر على هونغ كونغ تماماً وفق ما يقول هوي. وتحذيره للدول الأخرى التي تسمح بحدوث ذلك ببساطة، هو أنّ ذلك قد يحدث لأمتك أيضاً: إذا لم تعجبك مثل تلك التطورات، حارب الآن من أجل هونغ كونغ، لئلا ينتهي بك الأمر أيضاً في المنفى في بلد آخر، منتظراً زوال القوّة العظمى.

وعمّا إذا كان بإمكانه العودة إلى هونغ كونغ، قال هوي لـ”أخبار الآن“: “لا يمكنني العودة إلى هونغ كونغ إلّا عندما يتنحى نظام الحزب الشيوعي الصيني. بخلاف ذلك، لا أعتقد أنّه يمكنني العودة إلى هونغ كونغ على الإطلاق من دون أن أسجن لفترة طويلة جدّاً”. وتابع: “كما أعتقد أنّ عائلتي مستهدفة أيضاً من قبل النظام، وقد تمّ تجميد حساباتهم المصرفية، حتى أفراد عائلتي تعرّضوا للكثير من الملاحقات القضائية والقمع. لا أعتقد أنّهم يستطيعون العودة بأمان”.

هوي: نحن في هونغ كونغ، وجميع أولئك الذين قمعتهم الصين، وجميع الإيغوريين، يتطلعون للإتحاد الأوروبي، ونحب أن نرى إجراءات ملموسة اتخذها الإتحاد

وعمّا إذا كان ينبغي على الإتحاد الأوروبي ممارسة المزيد من الضغط على الصين، قال هوي: “نحن في هونغ كونغ، وجميع أولئك الذين قمعتهم الصين، وجميع الإيغوريين يتطلعون إلى الإتحاد الأوروبي، فنحن نحب أن نرى إجراءات ملموسة اتخذها الإتحاد الأوروبي، وقرارات موحّدة تتماشى مع مواقف لجنة الألعاب الأولمبية، والولايات المتحدة والدول الحرّة الأخرى في الغرب”.

وتابع: “من المهم جدّاً أن يتخذ الإتحاد الأوروبي موقفاً موحّداً ويقاطع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. أعتقد عندها أنّ أغلبية الدول الحرة ستحذو حذوه، حالياً نصف تلك الدول تقريباً حدّدت موقفها، نتساءل أين هو الجزء الأكبر في الإتحاد الأوروبي، لماذا لا يزال يتأخر ويتردّد. قد يكون الأمر محيّراً عندما يكون لدى الإتحاد الأوروبي في بعض الأوقات عقوبات قوية وبيانات قوية في ما خص هونغ كونغ والإيغور، لكن لماذا الآن في ما خص الألعاب الأولمبية الشتوية هو عاجز عن التوافق، إنّها رسالة مربكة”.

وعمّا إذا كان موقف بلجيكا مؤثراً كون مركز الإتحاد الأوروبي في بروكسل، أشار إلى أنّ قرار بلجيكا سيكون له تأثير كبير، خصوصاً بين أعضاء الإتحاد الأوروبي، حتى ولو كان قرار عضو واحد من الأعضاء الكثيرين قد لا يكون لديها الإقتصاد الأقوى والأكثر نفوذاً، لكنّني أؤمن بتأثير أيّ دولة في الإتحاد الأوروبي، حتى الدول الصغيرة. أتذكر عندما قمت بزيارة الدنمارك وكان توماس وأندس (الدنماركيان اللذين ساعداه على الهروب من هونغ كونغ قبل عام) يقولان دائماً إنّه حتى وإنْ كنّا دولاً صغيرة في الإتحاد الأوروبي، لكن لدينا مسؤولية كبيرة في التحدّث بالأمر علانية.

راقبوا هونغ كونغ.. فقد تكون بداية النهاية

النائب السابق في هونغ كونغ تيد هوي الذي يعيش في المنفى

الرحلة إلى المنفى

مازال تيد هوي يذكر ذلك النهار جيّداً، وقال لـ”أخبار الآن“: كنت على متن الطائرة أكتب الرسائل النصية والتعليقات، وكنت أنا وأندرس (أحد الشخصين اللذين ساعداه بالهروب من هونغ كونغ)، نرتب كلّ الإجتماعات التي سأحضرها في الدنمارك. عندما وصلت إلى المطار، شعرت بارتياح شديد. في ذلك الوقت كان المطار فارغاً جدّاً بسبب وباء كوفيد، لذلك شعرت أنّني محظوظ جدّاً لأنني تمكنت من دخول البلاد، ثم عانقنا بعضنا البعض مع توماس وأندرس، وقلت لهما: أخيراً نفحة من الحرية، وهما كانا قلقين للغاية خوفاً من أن يتم اعتقالي في طريقي إلى المطار، أو أن لا أتمكن من الخروج من هونغ كونغ.

وتابع: كانت عائلتي ستغادر هونغ كونغ في اليوم التالي من وصولي إلى الدنمارك، وبالتالي استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن أحصل على أخبار من عائلتي بأنّهم خرجوا من هونغ كونغ بأمان. أتذكّر أنّني كنت مشغولاً للغاية بإجراء مقابلات مع وسائل إعلام مختلفة ومع الصحافيين أثناء انتظار تلك الأخبار، وكنت أنظر إلى هاتفي كلّ 5 دقائق لأرى ما إذا كان لديهم أيّ شيء ليقولوه، ربّما كانت الشرطة تراقبهم، لأنّنا في هونغ كونغ أصبحت لدينا خبرة في معرفة متى نكون مراقبين من قبل الشرطة السرية. كنت أقول للناس إنّني عندما كنت أقود سيارتي في هونغ كونغ كنت أنظر في المرآة الخلفية أكثر ممّا أنظر أمامي، هم دائماً وراءنا، ولكن أخيراً وصلتني معلومات تفيد بأنّ عائلتي بخير.

وأضاف: “أذكر اليوم الذي زرت فيه البرلمان الدنماركي حيث التقيت بعض قادة الأحزاب والسياسيين في البرلمان، حصل ذلك عندما كانت عائلتي في طريقها إلى المطار وبانتظار الطائرة. وبينما كنت أتحدّث أرسلوا لي رسالة نصية تقول إنّه يوجد أكثر من عشرة من رجال الشرطة السريين حولهم مباشرة، وهم موجودون في منطقة الهجرة وصولاً إلى الطريق المؤدّي إلى بوابة الصعود للطائرة. كانوا خائفين لأنّهم لا يعرفون ما الذي سيفعله ضباط الشرطة الذين كانوا معروفين رغم تخفّيهم.

حتى تلك اللحظة كنت قلقاً جدّاً وتوقعت أن يقبضوا على عائلتي، وذلك يعني أنّ النظام سيحتجزهم كرهائن ويجبرني على العودة إلى هونغ كونغ، لكنّهم تمكّنوا من الخروج والصعود إلى الطائرة من دون أن يتمّ اعتقالهم، وفي اعتقادي، تحليلي كان أنّ النظام لم يتخذ التدابير المناسبة ربّما في الوقت المناسب. لذلك في ذلك الوقت، لم يكن لديهم أيّ أعذار أو ورقة، أو أيّ أسباب لاحتجاز عائلتي، ولذلك غادرت عائلتي بأمان”.

وأوضح قائلاً: “لقد أمضيت بضعة أيّام فقط في الدنمارك، وخلال تلك الفترة قرّرت أنّني سأعيش في المنفى، وربّما سأغادر هونغ كونغ إلى الأبد، لذا فقد كتبت بياناً عاطفياً، وكانت خطتي أن أعلنه في لحظة معينة قبل أن أغادر الدنمارك إلى المملكة المتحدة. كان يجب أن يحصل ذلك بالتزامن مع اللحظة التي أبلغ فيها وسائل الإعلام الدنماركية المحليّة والأجنبية بالأمر. أذكر أنّ اندس كان يطبع النسخة الانكليزية للبيان، وكنّا ننسّق الأوقات وكأنّنا سنضغط زر الإنطلاق معاً. كنت هادئاً تماماً في ذلك الوقت قبل الضغط على الزر.

لكن بعدما ضغطنا على الزر معاً وأعلن الخبر، أعتقد أنّ كلّ المشاعر تحركت في ذلك الوقت، وأدركت أنّ ذلك ليس جزءاً من عملي الآن، إنّه أكثر من عملي السياسي، إنّه أكثر من مجرد عرض للناس، إنّه حقيقي الآن، لا يمكنني العودة إلى وطني وذلك حقيقي الآن. حينها أخبرت توماس وأندس أنّ تلك اللحظة كانت أثقل ممّا توقعت، ولم أكن أتوقّع أن أبكي على الإطلاق. كان ذلك آخر يوم في الدنمارك وكلّ الأعمال والمقابلات الإعلامية قد انتهت، حينها كان لديّ الوقت لأشعر بالعواطف كما هي، عميقة ومظلمة وثقيلة، لذلك السبب انفجرت في البكاء”.

هوي: لا أعتقد أنّ أيّ حكومة سلطوية ستدوم إلى الأبد، لكن توق هونغ كونغ للحرية، وتوق تايوان للحرية سيستمر إلى الأبد

لماذا اختار استراليا كمنفى؟ في ذلك السياق، أوضح هوي لـ”أخبار الآن” أنّ “ذلك القرار يعود لأسباب شخصية وأسباب استراتيجية. الأسباب الشخصية هي أنّه لديّ أقارب هنا، فشقيقتي تعيش في استراليا، وهكذا سيكون من الأسهل لها أن تساند والداي، ما يسهل علي متابعة قضيتي وحشد التأييد لها هنا في أستراليا والسفر حول العالم، ذلك في ما يتعلق بالجزء الشخصي، أمّا السبب الآخر فهو لأنّ المملكة المتحدة قدّمت مخطط التأشيرات الأكثر سخاءً لإقامة مواطني هونغ كونغ، فلماذا يكون العديد من سكان هونغ كونغ والبرلمانيين السابقين متواجدين في المملكة المتحدة وفي أجزاء أخرى من أوروبا. لا أريد أن أتداخل مع العمل الذي نقوم به معاً. لذلك السبب قسمنا الأعمال، ولذا سأركز أكثر على أستراليا والمحيط الهادئ الهندي، بينما البعض الآخر في أمريكا الشمالية والبعض الآخر في أوروبا، نريد أن نكون في كلّ مكان في العالم، وأن نتحدث إلى أكبر عدد ممكن من الحكومات والأشخاص، وتطوير ما نسميه الإشراف على المجتمع المدني في كلّ مكان، ذلك ما نطمح إليه وبتلك الطريقة نصبح أقوى في أجزاء مختلفة من العالم، بالإضافة إلى حشد التأييد وممارسة الضغط السياسي”.

وعمّا إذا كان من الممكن أن تعود الديمقراطية في هونغ كونغ في المستقبل، ردّ هوي بالقول: “لست متشائماً جدّاً لكن لكي أكون واقعياً، أعتقد أنّه في المستقبل القريب لن يحدث ذلك، لن تعود الحرية إلى هونغ كونغ، وربّما ليس في غضون 3 أو 5 سنوات أو في ذلك العقد على الأقل. لكن لا نعرف أبداً، يوماً ما ربّما ستتغير الأحداث السياسية والأجواء السياسية في العالم، ولن يسلك اقتصاد الصين مساراً تصاعدياً إلى الأبد. في ذلك الوقت، ربّما ستتنحى الصين أم لا، على الأقل ستكون على استعداد للتنازل عن بعض قوتها وإعادة بعض القوة إلى هونغ كونغ، أو ربّما ستصبح أقل عداءً مع تايوان، عندما تكون أضعف. لذلك لا نعرف متى سيحدث ذلك لكنّه سيحدث، لا أعتقد أنّ أيّ حكومة سلطوية ستدوم إلى الأبد. لكن توق هونغ كونغ للحرية، وتوق تايوان للحرية سيستمر إلى الأبد”.

شاهدوا أيضاً: دنماركيان مطلوبان من هونغ كونغ بسبب “خطة تهريب” تيد هوي من المدينة.. ما تفاصيلها؟