مرّة أخرى كشف تقديم دعوى قضائية بحق العملاق التكنولوجي الصيني “هواوي تكنولوجيز كومباني” في محكمة في كاليفورنيا، الثغرات الأمنية في منتجات شركة هواوي التي تخضع لطلب أكثر تزايداً في البلدان الأفريقية والآسيوية الفقيرة والنامية.

  • التجسس هواوي الصينية سمح لها بجمع بيانات حسّاسة ومهمة متعلقة بالأمن القومي الباكستاني
  • تقول الشكوى إنّ شركة هواوي استخدمت البرمجيات كـ”باب خلفي” للتجسس على الباكستانيين
  • شكوى  BES: “الباب الخلفي” كان موضوعاً في نظام تبادل البيانات الذي يتضمن معلومات حسّاسة
  • مدير العمليات الباكستاني لـ”أخبار الآن”: ننظر في ادعاءات BES وطلبنا إيضاحات من هواوي
  • إسلام أباد تجاهلت الإدعاءات الأمريكية على هواوي في وواشنطن تصعّد حملتها

إنّ شركة هواوي التي تتخذ من الصين مركزاً لها، هي إحدى أكبر الشركات العالمية التي تقدّم معدّات الإتصال اللاسلكي وتجهيزات الترابط الشبكي والهواتف الذكية، والكابلات البحرية المصنوعة من الألياف الضوئية. وتتعمد الشركة خلق “أبواب خلفية” (backdoors) في منتجاتها، أي ثغرات أمنية تستخدمها حكومة الصين كما يزعم البعض، للتجسّس على الموظفين الحكوميين والبيانات الأمنية الحسّاسة في البلدان المضيفة.

هواوي

تيانجين – الصين – جناح Huawei خلال المؤتمر العالمي الخامس للذكاء (WIC) Getty- Images

في العام 2019، اكتشفت شركة الإتصالات الإيطالية فودافون “أبواباً خلفية مخفيّة” في تجهيزات لشركة هواوي، ربّما تكون قد سمحت للشركة الصينية المذكورة الدخول إلى شبكات المستخدمين المنزلية، بالإضافة إلى شبكة فودافون للخطوط الأرضية الثابتة.

وقد اكتُشفت الثغرات في أجهزة الراوتر المنزلية المصنّعة من قبل شركة هواوي، بالإضافة إلى المعدات المستخدمة في بعض البنى التحتية لشبكات فودافون. وأشارت تقارير إعلامية إلى أنّ الثغرات في أجهزة الراوتر والشبكات بقيت موجودة حتى ما بعد العام 2019. حتى أنّ المشاكل نفسها طُرحت أيضاً في شبكات الشركة في المملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا والبرتغال. واستمرت فودافون باستعمال المعدات لأنّها كانت أقل ثمناً من الشركات المنافسة، وكانت كلفة إزالة المعدّات تعجيزية.

ثغرات في أجهزة الراوتر المنزلية المصنّعة من قبل هواوي إضافة إلى المعدات المستخدمة في بعض البنى التحتية لشبكات فودافون

لطالما كانت هواوي تنفي باستمرار أنّها سمحت لبكين أن تتجسس على البنى التحتية للإتصالات اللاسلكية، التي تبنيها في الخارج، وهذا ما تزعمه الولايات المتحدة الأمريكية لتمنع حلفاءها من السماح لهواوي بالمشاركة في طرح الـ 5G أي الجيل الخامس من الإتصالات اللاسلكية.

إنّ الدعوى القضائية التي قدّمتها شركة البرمجيات الباكستانية “بيزنس إيفيشنسي سوليوشنز أل أل سي” (Business Efficiency Solutions (BES) LLC)، التي تتخذ من كاليفورنيا مركزاً لها، مختلفة عن المزاعم التي تمّ الإرتكاز عليها لوضع هواوي على اللائحة السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية وعدة بلدان أوروبية أخرى.

BES هي شركة برمجيات مرخّصة ترتكز في كاليفورنيا، وكانت تعمل عن كثب مع هواوي بغية تطوير مشروع “مدينة آمنة” في لاهور، ثاني أكبر مدن باكستان. إنّ المدينة الآمنة هي مدينة تُركّب فيها الكاميرات في مواقع استراتيجية مهمة وعلى الطرقات السريعة بغية مراقبة حركة دخول وخروج سائقي الدراجات النارية والمشاة.

هواوي

 

كما أنّها تصدر E-Challans بشأن المخالفات المرورية مثل انتهاك الإشارات المرورية وتخطّي السرعة القصوى. ويمكن استعمال بيانات حركة المرور من قبل وكالات تنفيذ القانون لتقصّي حركة المركبات لخدمة التحقيقات متى دعت الحاجة.

كانت الشركة تعتمد بقوّة على العقد المبرم مع هواوي، لكن منذ البداية لم تفِ هواوي بالتزاماتها. فشركة BES لم تقبض أيّ فلسٍ من المناقصة التي حصلت عليها هواوي من الحكومة الباكستانية بقيمة 150 مليون دولار. وفي شكواها للمحكمة في كاليفورنيا، اتهمت BES أيضاً شركة الإتصالات اللاسلكية الصينية باستخدام التكنولوجيا الخاصة بها من أجل خلق “باب خلفي”، سمح لها بجمع بيانات حسّاسة و”مهمة متعلقة بالأمن القومي الباكستاني”.

يتعلق الجزء الأهم في شكوى BES بطلب هواوي تركيب نظام تبادل بيانات DES، الذي تستخدمه الوكالات الأمنية الباكستانية لجمع وتحليل “بيانات حساسة من مصادر ووكالات حكومية مختلفة”. ومن المثير للإهتمام أنّ عملاق الإتصالات اللاسلكية الصيني لم يكن يطالب بهذا البرنامج لإجراء تحقيقات، لكن هذه المرّة طالبت بالولوج الكامل للبيانات في مشروع “لاهور، مدينة آمنة”.

لقد اتهم المُدّعي هواوي باستخدام البرنامج “كباب خلفي” من الصين إلى لاهور بغية التمكّن من الحصول على بيانات حسّاسة مهمّة للأمن القومي الباكستاني ومن استخدامها واستخراجها.

تدّعي BES في الدعوى التي تقدّمت بها أنّ الباب الخلفي المزعوم الذي ابتكرته هواوي، كان موضوعاً في نظام تبادل البيانات الذي يتضمن معلومات حسّاسة تشمل سجلات بطاقات الهوية الخاصة بالمواطنين المحليين وسجلات المواطنين الأجانب والسجلات الضريبية والسجلات الجنائية من أجل إنفاذ القانون.

وتقول BES إنّ هواوي طلبت في العام 2017 بعد أن قامت بتركيب نظام تبادل البيانات في لاهور، أن تقوم بتركيب نظام تبادل بيانات مزدوج في مدينة سوزو الصينية الواقعة شرق البلاد، ما قد يمنح هواوي فرصة الدخول المباشر إلى البيانات التي يتمّ جمعها في باكستان.

إلّا أنّ “سلطة بنجاب، مدينة آمنة” التي تشرف على مشروع لاهور، لم ترَ أيَّ تقويض لأيّ بيانات من قبل الشركة الصينية، مضيفةً أنّ المشكلة هي مشكلة داخلية بين الفريقين وأنّه لا يوجد ما يثير القلق.

هواوي متهمة بسرقة أسرار باكستان وبياناتها.. ما سر الباب الخلفي بأجهزتها؟

مدير العمليات في “سلطة بنجاب، مدينة آمنة” محمد عمران خان لـ”أخبار الآن”: ننظر بادعاءات BES وطلبنا إيضاحات من هواوي

وقال مدير العمليات في “سلطة بنجاب، مدينة آمنة” محمد عمران خان، في مقابلة مع “أخبار الآن“، إنّ الأطراف المعنية طوّرت حتى الآن 3 برامج، وهذه البرامج غير متصلة بشبكة الإنترنت، وبالتالي لا يمكن استئصال أيّ بيانات منها. وقال خان: “نحن ننظر في ادعاءات BES وطلبنا إيضاحات من هواوي”، مضيفاً أنّ “سلطة بنجاب، مدينة آمنة قد أجرت تفتيشاً أمنياً لبيانات هواوي بعد هذه الحادثة، وأن لا أدلّة حتى الآن على قيام هواوي بسرقة أيّ بيانات”.

وأضاف خان “أخبار الآن” أنّهم كانوا يملكون فحسب بيانات لفيديوهات مسجلة على كاميرات، وهذه البيانات لا يمكن توصيفها كبيانات أمنية قومية، وقال: “أكثر ما يمكنهم استخراجه من نظام البيانات هو تسجيلات الفيديو الخاصة بحركة المرور، والتي التقطتها الكاميرات القريبة المركّبة على الطرقات السريعة ومواقع المراقبة”.

في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال أنّ هواوي أكّدت على نسخة منفصلة من نظام لاهور في الصين، لكنّها قالت إنّها كانت نسخة اختبارية “معزولة فعلياً عن الشبكة الحيّة المخصصة للمستخدمين”. فبات مستحيلاً على هواوي أن تستخرج بيانات من الشبكة الحيّة المخصصة للمستخدمين”.

هواوي

اتهامات لشركة Huawei بمساعدة بكين لتتجسس على الحكومات الغربية – Getty Images

يبدو أنّ إسلام أباد قد تجاهلت الإدعاءات الأمريكية على هواوي في وقت تصعّد فيه واشنطن حملتها العالية النبرة لاستبعاد شركات التكنولوجيا الصينية من شبكات الإتصال من الجيل القادم.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد اتهمت هواوي بالتجسّس وبتسريب البيانات بصرف النظر عن تطوير الشركة الصينية القوي لشبكة الكابلات البحرية، والتي تنقل غالبية البيانات والإنترنت إلى كافة أرجاء المعمورة. فهواوي تعمل حالياً على زهاء 90 مشروعاً بغية بناء أو تحديث كابلات بحرية من حول العالم.

لقد تجاهلت باكستان المخاطر المتعلّقة بتعاملها مع هواوي، وكلّفت الشركة الصينية تركيب كابل عابر للحدود ومصنوع من الألياف الضوئية في باكستان، وهذا مشروع آخر من مشاريع “مبادرة الحزام والطريق” الذي صُمّم جزئياً لوقف اعتماد باكستان الحالي على الهند المنافسة لها في موضوع الإتصال بالانترنت.

إنّ هذا المشروع الذي يقوده عملاق الإتصالات اللاسلكية الصيني كجزء من “طريق الحرير الرقمية”، التي تطورها بكين، سيكمل كابل PEACE البحري الذي يؤمن الإتصال بين باكستان وشرق أفريقيا وأوروبا، والذي يمرّ في بحر العرب وهو كناية عن خطٍ سيؤمّن خدمات الإنترنت لدول “مبادرة الحزام والطريق” ولأوروبا.

هواوي تملك حصة تزيد على 45 % من سوق تجهيزات الإتصالات في باكستان

وقد ادّعت تقارير إعلامية في باكستان بأنّ الكابل الذي تطوّره شركة هواوي بالإضافة إلى تقديم خدمات إنترنت أكثر سرعةً وثقةً، قد يسمح لبكين أن تراقب الإتصالات المحليّة، ويمكنه في نهاية المطاف أن يؤدّي إلى “رقابة ذات دوافع سياسية”. فهواوي مكلّفة بهندسة كابل الألياف الضوئية وتأمينه وبنائه، وهو كناية عن أوائل ثمار “الرواق الإقتصادي الصيني الباكستاني”.

تملك الصين موطىء قدم قوي في باكستان.. فهواوي تملك حصة تزيد على 45 % من سوق تجهيزات الإتصالات في باكستان. وتتعاون مع 5 مشغّلين محليين كبار، وتدير 3 مراكز تدريب في البلاد.

كما أنّ عملاق الإتصالات الصيني “تشاينا موبايل” China Mobile يعمل تحت إسم “زونغ” التجاري، وهو ثالث مشغّل اتصالات في باكستان، ويقدّم كذلك خدمات بيانات من فئة 3G/4G  لما يناهز 22 مليون مشترك.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ شركة ZTE corporation وهي شركة صينية أخرى مسجّلة في بورصتي هونغ كونغ وشينزان تملك 9 فروع في باكستان، وتشغّل أكثر من 220 موظف صيني وما يزيد على 620 موظف محلي. ولديها علاقات تجارية مع 85 متعاقداً محلّي من الباطن.

ونفت هواوي يوم الثلاثاء في بيان صادر عنها الإدعاءات التي تتهمها بالتجسس على باكستان وبسرقة أسرار تجارية، قائلةً إنّه لا أدلّة قطعاً على أنّها زرعت أيّ “باب خلفي” في منتجاتها.