ترفض باكستان إعطاء فرصة للولايات المتحدة الأمريكية بإقامة قواعد لها على أراضيها.. فهل قرارها نهائي في هذا الإطار؟ ما هي المخاوف لدى باكستان من ذلك، وهل تخشى من الصين على مصالحها؟

  • باكستان ترفض التعاون في مكافحة الإرهاب مع الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان
  • إسلام آباد تقفل الباب في وجه أيّ خطوة أمريكية لبناء قواعد عسكرية
  • الصين تحاول عرقلة أي اتفاق باكستاني أمريكي بشأن أفغانستان

يجري وفد باكستاني مؤلّف من كبار المسؤولين الأمنيين والإستخباراتيين زيارة إلى واشنطن في الوقت الحالي، لمناقشة آليات عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية في أفغانستان، ومن أجل صياغة “ردّ إقليمي” على المكاسب العسكرية التي تحققها حركة طالبان في ذلك البلد المثقل بالنزاعات.

ويعتبر محققون مستقلّون أنّ تقديم قواعد عسكرية للقوات الأمريكية وقوات منظمة حلف شمال الأطلسي قيد المناقشة خلال زيارة كبار القادة الأمنيين التي تستمر يومين إلى الولايات المتحدة.

وكان مستشار الأمن القومي معيد يوسف والمدير العام لجهاز الإستخبارات الداخلية الفريق فايز حميد، اللذان وصلا إلى واشنطن يوم الثلاثاء الفائت قد عقدا اجتماعاً مع نظيريهما الأمريكيين، تناول الوضع في أفغانستان وبعض الشؤون الأخرى المتعلقة بالمصالح الثنائية.

وهذه أوّل زيارة رفيعة المستوى لمسؤولين أمنيين باكستانيين منذ استلام الرئيس جو بايدن مقاليد السلطة في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري. ولم يتحدث بايدن إلى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان منذ شهر يناير/كانون الثاني، كما أنّه لم يدعُ خان إلى حضور قمّة القادة حول المناخ التي عقدت في 22 و23 أبريل/ نيسان بالرغم من توجيه الدعوة إلى 40 زعيم من كافة أنحاء العالم.

وكان مستشارون أمنيون باكستانيون وأمريكيون التقوا في وقت سابق في جنيف، أواخر شهر مايو/ أيار، من أجل مناقشة البنية التحتية لمكافحة الإرهاب في المنطقة على خلفية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.

باكستان

تحميل مروحية بلاك هوك على متن طائرة نقل أمريكية أثناء الانسحاب من أفغانستان – رويترز

وأكّد مسؤولون من الجانبين، بينهم مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان ونظيره الباكستاني معيد يوسف، أنّ كلاً من  البلدين عقدا محادثات حول عملية مكافحة الإرهاب. وفيما شدّد سوليفان على أنّ المناقشات كانت بنّاءة، رفض محاوروه الباكستانيون أن يستقبلوا قواعد للطائرات المسيّرة من دون طيّار والتابعة لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية.

وقبيل مغادرته واشنطن، أكّد مستشار الأمن القومي الباكستاني معيد يوسف لـ”أخبار الآن“، أنّ إسلام أباد رفضت إعطاء فرصة للولايات المتحدة الأمريكية بالمطالبة بتأمين قواعد لها. كما أوضح أنّ قرار باكستان نهائي في هذا الخصوص، فإسلام أباد لن تؤمن قواعد جوية لواشنطن”.

باكستان تغلق الباب في وجه واشنطن وترفض التعاون بمكافحة الإرهاب

مستشار الأمن القومي الباكستاني معيد يوسف لـ”أخبار الآن”

وأضاف: “من المنطقي أن تبحث الولايات المتحدة عن قواعد جوية لها بعد انسحاب قواتها من أفغانستان، لكن موقف باكستان ثابتٌ بأنّها لن تمنح الولايات المتحدة قواعد عسكرية من أجل أن تشنّ منها عملياتها في أفغانستان.”

واعتبر يوسف أنّه بعد أن توضح باكستان موقفها الصريح، لن يأتي أيّ مسؤول أمريكي ليسأل إسلام أباد عن تأمين قاعدة لهم، معتبراً أنّ العالم لا يجب أن يعتبر باكستان “ممرّاً خالياً له”.

وردّاً على سيطرة حركة طالبان على مواقع أساسية في أفغانستان كانت تحت سيطرة القوات الحكومية، قال إنّ باكستان تواصلت مع العالم بأسره بشأن السيناريو المتغيّر بسرعة كبيرة في أفغانستان التي دمّرتها الحرب. وقال: “إنْ كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريدنا أن نسهم في إيجاد حلّ للمستنقع الأفغاني، ستكون إسلام اباد أكثر من مستعدّة لتقديم المساعدة، وإنْ كانت تريد أن تتحدث إلينا فحسب عن تأمين قواعد عسكرية، فإنّ الإجابة قد وصلتها مسبقاً”.

كما أشار إلى تصاريح رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بأنّ باكستان لن “تعطي قطعاً” قواعد عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية كي تستعملها لشنّ عمليات لمكافحة الإرهاب في أفغانستان في المرحلة التي تلي انسحاب القوات الأمريكية.

وكانت باكستان نفت نفياً قاطعاً أنّها ستؤمّن قواعد عسكرية للقوات الأمريكية وسط تكنهات متزايدة بأنّها وافقت على اتفاق لما بعد انسحاب القوات الأمريكية، وهو اتفاق من شأنه أن يسهّل عمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها واشنطن في المنطقة.

وفيما أحجمت باكستان عن منح الولايات المتحدة الأمريكية قواعد عسكرية، فقد سمحت لها باستعمال مجالها الجوي لتقوم بعمليات بحث وإنقاذ في إطار اتفاقي “خطوط التواصل الأرضية” و”خطوط التواصل الجوية” اللذين توصلت إليهما مع الولايات المتحدة عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.

وكانت قد تعززت الشائعات بشأن إذعان باكستان أمام الضغط الأمريكي عندما أدلى الجنرال كينيث ف. ماكينزي جونيور، قائد القيادة المركزية الوسطى بتصريح في مجلس الشيوخ الأمريكي الشهر الماضي، مشيراً فيه إلى أنّ قسماً من القوات الأمريكية سيبقى متمركزاً بالقرب من أفغانستان حتى بعد انتهاء انسحاب القوات الأمريكية.

وأخبر ماكينزي المشرّعين الأمريكيين أن ّإدارة بايدن كانت منهمكة باستشارة بلدان مجاورة عديدة لأفغانستان، البلد غير الساحلي، من أجل إبقاء مقاتلي داعش والقاعدة تحت السيطرة من خلال عملية لمكافحة الإرهاب من خارج أفغانستان. وفي شهادته، حذّر ماكينزي أيضاً باكستان من أن “تجمّع مقاتلي داعش والقاعدة” إثر انسحاب القوات الأمريكية، سيشكل أكبر مصدر قلق لباكستان ولدول أخرى مجاورة لأفغانستان التي تعصف بها النزاعات.

وقال: “سيتمكن مقاتلو القاعدة وداعش من أن يبرزوا مجدّداً إنْ لم يبقوا تحت المراقبة، ما قد يثير قلق الدول المجاورة لا سيّما باكستان”. وفي السياق نفسه، ألمح ماكينزي أيضاً إلى “ضرورة العمل مع الدول المحيطة بأفغانستان من أجل تمركز القوات والطائرات الأمريكية فيها، من أجل ردع الإرهابيين، وذلك إثر الإنسحاب العسكري الأمريكي”.

إلّا أنّ ما يحيّر الجميع أيضاً، الإتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الدفاع الأمريكي لويد ج. أوستن الشهر الماضي مع رئيس الأركان في الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاود باجوا، والذي ناقشا فيه “الوضع الناشىء بسبب الإنسحاب التدريجي من أفغانستان”. كما ناقشا “الإستقرار في المنطقة والعلاقات الثنائية الأمريكية -الباكستانية”. وعبّر أوستن عن رغبته في مواصلة “العمل معاً لتحقيق أهداف مشتركة في المنطقة”.

بالإضافة إلى ذلك، ما زالت الأخبار المتداولة عن بناء قاعدة جوية جديدة في منطقة ناصر أباد في بلوشستان تغذّي الشائعات. فبناء قاعدة جوية جديدة في الولاية الباكستانية المضطربة قد عزّز التكهنات بأنّ إسلام آباد قد منحت ضمناً الجيش الأمريكي حقّ التمركز على أراضيها بغاية شنّ عمليات لمكافحة الإرهاب في افغانستان.

ويزعم محللون عسكريون أنّ قاعدة يعقوب أباد في السند التي كانت تقدّم الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان منذ العام 2001، صُمّمت لنشر طائرات من طراز ف-16، ومن المعروف أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح لطائرات ف-16 بالتمركز إلى جانب طائرات أخرى.

ويُقال إنّ القاعدة الجوية الجديدة في بلوشستان ستكون على الأرجح بمثابة منشأة إضافية لنشر طائرات من طراز “ف-17 بلوك 3” ومركبات جوية بدون طيّار وللنظام اللوجستي.

الجدير بالذكر أنّ طائرة “ف-17 بلوك 3″ تتسع لطيّارين إثنين وهي متعددة الأدوار، وقد بُنيت بالتعاون مع الصينيين وتُعتبر أكثر طائرة مستقبلية مصنّعة بفضل تكنولوجيا أحدث بكثير من طائرات رافاييل التابعة لسلاح الجو الهندي.

وفي تصريح لـ”أخبار الآن“، قال شاهد رضا وهو محلل في الشؤون الإستراتيجية يقيم في إسلام أباد، وهو أيضاً محرر بوّابة “غلوبال فيلادج سبايس” الإخبارية الإلكترونية، إنّه من غير المرجّح بأن تذعن باكستان للمطالب الأمريكية. وأضاف أنّ السلطات الأمريكية قد طلبت قواعد عسكرية من باكستان خلال مفاوضات السلام التي عُقدت في الدوحة، إلّا أنّ إسلام أباد أبقت الطلب الأمريكي مبهماً.

وقال: “يعرف الخبراء الإستراتيجيون العسكريون جيداً أنّ ذلك لن يكون مفيداً لباكستان على المدى البعيد بغض النظر عن بعض المكاسب القصيرة الأمد المتعلقة باستئناف دفع المساعدات من قبل دول التحالف، وبتأمين سفن بحرية وتسليم طائرات هيليكوبتر حربية وطائرات من طراز ف-16”.

باكستان تغلق الباب في وجه واشنطن وترفض التعاون بمكافحة الإرهاب

شاهد رضا، محلل في الشؤون الإستراتيجية في إسلام أباد

وألمح رضا إلى أنّ باكستان لا يمكنها أن تخاطر بإزعاج الصين التي أصبحت أبرز مموّل ومزوّد للأسلحة لباكستان منذ العام 2016 لدى انتهاء التعاون العسكري الأمريكي الباكستاني. وشدّد على أنّ “الصين لن تصدّق بأنّ دافع بناء القواعد هو لمحاصرة أفغانستان لأنّ وجود القوات الأجنبية في المنطقة لن يثير قلق بكين فحسب؛ بل طهران وموسكو أيضاً”.

وأردف: “ما إنْ تسمح باكستان بإقامة قواعد عسكرية أميركية على أراضيها، ستفسّر الصين ذلك على أنه تمدّد للإستراتيجية الأمريكية في منطقة المحيط الهادىء الهندية، التي تعتبر “استراتيجية للصين” وبإمكانها أن تعرقل التعاون الإقتصادي الباكستاني الصيني، كما بإمكانها أن تؤدّي إلى سحب تسهيلات أخرى، بما فيها القروض الميسّرة والتعاون العسكري والدعم الديبلوماسي الصيني لباكستان”.

وأكمل شاهد معلّقاً بأنّ خسارة أخرى قد تتمثل في كشف المنشآت الباكستانية الحسّاسة أمام أجهزة الإستخبارات الأمريكية. وقال إنّه بدءاً من العام 2016 لم يكن هناك من تعاون عسكري بين الولايات المتحدة وباكستان. كما أنّ إسلام أباد لم تشتر أو تطلب تسليمها أي أجهزة عسكرية أخرى خلال هذه الفترة”. وأضاف: “تحتاج باكستان إلى تعزيز قوتها البحرية من خلال توسيع حجمها الحالي وقوتها وأصولها بمعدّل خمسة أضعاف، وذلك من أجل تحسن تواؤمها مع البلدان الأخرى”.