سنجار على مفترق طرق

مجدّداً، تبرز مدينة سنجار غرب محافظة نينوى العراقية، كواحدة من المدن الواقعة على مفترق طرق، فالإيزيدون الذين يشكلون غالبية سكانها تعرضوا عبر التاريخ إلى كثير من الأحداث التي لا يرغبون بها… على سبيل المثال، يطلقون على هجوم داعش على سنجار العام 2014، بـ”الفرمان 74 ” أو “الكارثة”، في إشارة إلى أنّ هذا الهجوم لم يكن الوحيد بالنسبة إليهم، فعلى مدار قرون مضت، تعرّض الإيزيديون إلى سلسلة من المجازر وأعمال القتل.

الكاتب الصحافي عبدالله الحويز، نشر مقالاً على مدونته “NOTES FROM KURDISTAN” أورد فيه بعضاً من الملامح عن طبيعة قضاء سنجار والنسيج الإجتماعي فيه، وتشعّب الولاءات التي يمكن أن تنذر بحرب قادمة في تلك المنطقة، وكتب في بداية المقال: “لفهم الطبيعة المتكررة للعنف ضدّ الإيزيديين، يجدر النظر في تاريخ قبيلة “مانديكان” في خمسينيات القرن التاسع عشر، حين هاجمت القوات التركية سنجار وأعطت “المانديكان” خيارين، إمّا تغيير ولاءاتهم العقائدية أو مواجهة الموت، ليتكرّر السيناريو ذاته العام 2014 في منطقة “كوجو”، لكن هذه المرّة رفض أبناء القبيلة تغيير ولائهم، ما أدّى إلى مقتل المئات من الرجال والنساء.

المنافسات الإيزيدية

ويرى الكاتب الصحافي أنّ “الوضع الحالي في سنجار لا يبشر بخير، نظراً إلى أنّ الإيزيديين منقسمون أكثر من أيّ وقت مضى. فهناك 4 فصائل رئيسية: تلك المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني، وتلك المتحالفة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، والقوميين اليزيديين وتلك المتحالفة مع قوات الحشد الشعبي والعراق الفيدرالي”. 

تلك الإنقسامات تعتبر عميقة لدرجة وجود منافسة شرسة بين أمراء الإيزيديين،  فمير تحسين، ومقرّه في شيخان يدعمه الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومير نايف، ومقره في سنجار يحظى بدعم الفصائل الثلاثة الأخرى المتحالفين بشكل وثيق في الوقت الحالي. 

ومنذ العام 2014 تمّ تدريب الجزء الأكبر من مقاتلي الحشد الشعبي الايزيدي من قبل حزب العمال الكردستاني، واستمروا في تشكيل مقاتلي وحدات المقاومة في سنجار.

ولا يمكن إغفال  التداخلات الإيديولوجية بين القوميين اليزيديين والمتحالفين مع قوات الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني. فالفصائل الثلاثة تعارض إدارة سنجار من قبل حكومة إقليم كردستان، ويحاولون تحقيق حلمهم بإقامة إدارة ذاتية للأيزيديين داخل العراق ويعتقدون أن هويتهم تتطلب إدارة محلية وعسكرية. 

ورغم ما سبق، فإنّ المعسكر المؤيد لحزب العمال الكردستاني لديه وجهة نظر أكثر غموضاً عن الأكراد الإيزيديين لأنّهم يرون أنفسهم جزءاً من “الأمة الكردية” في مع الإعتراف بهويتهم المميزة. 

ولأوّل مرّة، تأثرت توجهات الإيزيديين بالوجود الجغرافي، فالمقيمون حالياً في سنجار، والذين يقدّر عدّدهم بنحو 100 ألف، وكذلك الذين هاجروا إلى الخارج، ويقدر عددهم بما يتراوح بين 100 و 110 آلاف، هم في الغالب من أنصار المجموعات الثلاث الحليفة؛ في حين أن أولئك الذين لا يزالون يعيشون في مخيمات النازحين داخلياً في محافظة دهوك، والذين يقدر عددهم بأكثر من 200 ألف شخص، يدعمون في الغالب الحزب الديمقراطي الكردستاني – لكن من غير الواضح كم من النازحين سيستمرون في دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني بمجرد انتقالهم إلى سنجار أو إلى الخارج – كما أن هناك عدد أقل من الاتحاد الوطني الكردستاني يدعم الأيزيديين المقربين أيضًا من الفصائل المتحالفة الأخرى.

ماذا عن سنجار؟

تنقسم الجماعات المسلحة الإيزيدية بين الإنتماءات الإيديولوجية السابقة، فهناك أربعة أفواج من الحشد الشعبي، كلّ منها يتألف من 150 مقاتلاً (فوج لالش بقيادة خال علي – فوج شهداء كوجو بقيادة طالب جاسو نجل زعيم قبيلة ماديكان نايف جاسو- الفوج الرابع بقيادة ديجوار فقير – الفوج 79 بقيادة الشيخ مروان). 

واللافت أنّ معظم قوات الحشد الشعبي الإيزيدية البالغ عددها 600 كانت في الأساس تتبع إلى وحدات حماية الشعب في السابق. 

إضافةً إلى ما سبق، تضم قوات YBŞ حوالي 1600 مقاتل بما في ذلك القوات الخاصة وحوالي 400 مقاتلة تشكل فوج ما يعرف بـ” YJS” وهناك ما بين 700 و 1000 عضو من “أسايشا إيزيدكسان”، وظيفتهم الأساسية هي حراسة نقاط التفتيش بين المدن، بالإضافة إلى تحمل المسؤولية عن الاستجابة العامة للحوادث، بما في ذلك منع هجمات داعش والرد عليها. 

ويُعرف كلّ من YBŞ و YJS و Asayisha Ezidxan معًا باسم تجمع سنجار الديمقراطي المستقل (MXŞD)، وتتمركز وحدات YBS خارج سنجار بينما تتمركز أسايشا إيزيدكسان داخل سنجار وقد وعدت بالاندماج في قوات الحشد الشعبي القبلية.

ويتراوح عدد الإيزيديين المدعومين من الحزب الديمقراطي الكردستاني بين 2300 و 2500 مقاتل، 2000 منهم يعتبرون جزءً من قيادة سنجار بقيادة قاسم شيشو الذي ترتبط قواته مباشرة بمقر بارزاني، إضافة إلى 500 مقاتل يعرفون باسم قوة حماية أوزدكسان بقيادة حيدر شيشو، في حين لا يوجد سوى حوالي 200 من البيشمركة تحت قيادة قاسم شيشو تتمركز في قبر شرف الدين.

إضافة إلى الجماعات الإيزيدية، يتمركز نحو 2000 جندي عراقي في سنجار (اللواء 15 و 20 من الجيش الاتحادي)، و 400 من الشرطة الاتحادية، وأكثر من 10000 شيعي من قوات الحشد الشعبي من ميليشيا بدر والنجباء وعصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء وكتائب حزب الله.

ويرى الحويز أنّ الرؤية الإدارية لحزب العمال الكردستاني تمكّنت من جذب العديد من الإيزيديين، لأنها تشبه الإدارة الذاتية التي يتصورونها، وتنحصر بشكل من أشكال الحكم الذاتي أو “الكانتون”، تحميها مليشياتهم المسلحة مع سلطة إدارية كافية لإدارة شؤونهم الخاصة. 

ولا يختلف نظام الكوميونات التابع لحزب العمال الكردستاني كثيراً عن الهيكل الإجتماعي في سنجار. فإيديولوجية حزب العمال الكردستاني اليسارية والمؤيدة للأقليات تروق لكثير من الشباب الإيزيديين، على عكس الشخصية القومية الكردية المحافظة للحزب الديمقراطي الكردستاني. 

ويعود التحالف الفضفاض بين القوميين الإيزيديين وأنصار حزب العمال الكردستاني وقوات الحشد الشعبي جزئياً إلى العداء المشترك بينهم تجاه الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما أن فصائل الحشد الشعبي و YBS على وجه الخصوص ليست متقاربة فحسب، بل متشابكة في كثير من الحالات، ولا يزال مقاتلو YBŞ يتلقون راتباً يُدفع من خلال قوات الحشد الشعبي.

سنجار

دور القبائل في سنجار

سنجار مجتمع قبلي إلى حدّ كبير وقد لعبت القبائل دوراً رئيسياً في الشؤون الإيزيدية لعدّة قرون على الرغم من أنّ دورهم قد تضاءل جزئياً في القرنين الماضيين، تماماً كما هو الحال في المجتمع الإيزيدي الأوسع.

وتنقسم القبائل في ميولها السياسية نظراً لأنّ كلّ قبيلة لديها العديد من المشايخ، فأكبر قبيلة في سنجار هي قبيلة الهبابات التي تدعم في الغالب المجموعات الموالية لحزب العمال الكردستاني ويشكل أعضاؤها نسبة كبيرة من مقاتلي YBŞ و Asayisha Ezidxan. 

كما أنّ رئيس بلدية سنجار بالإنابة، فهيد حميد، يعتبر جزءاً من الإدارة الذاتية المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني والمتحالف بشكل وثيق مع الحشد الشعبي وينتمي إلى قبيلة الهبابات. وهذه القبيلة تقطن في الغالب داخل مدينة سنجار والمناطق المحيطة بها.

ومن القبائل الكبيرة الأخرى في سنجار، “قيران والفقرا وخالطة وسيموكيان”، وتدعم قبيلة قيران التي تقع في الغالب في مجمعات الجزيرة جنوب غرب سنجار بشكل كبير YBS، وكان شيخ القيراني البارز، خضر حاج ميرزا ​، ضمن وفد زار بغداد للوقوف ضد اتفاق بغداد وأربيل وحث المسؤولين العراقيين على إضفاء الطابع الرسمي على دمج YBS في قوات الأمن العراقية. كما أنّ قبيلة خالطة متحالفة بشكل أساسي مع YBS و PMF والقوميين اليزيديين، في حين أن قبيلة الفقرا التي لعبت دورًا رئيسيًا في الدفاع عن سنجار ضد التوغلات التركية في القرن التاسع عشر، منقسمة بشكل صارخ، فأحد أكثر الشيوخ نفوذاً، خالد دخيل سيدو، متحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن شيوخ الفقرا الآخرين مثل نايف شامو خديدة (حفيد الزعيم الإيزيدي الشهير حمو شارو في القرن التاسع عشر)، وشامو خديدة عبده الذي يقود فرعاً آخر، يدعمون YBS و PMF. 

آخر القبائل الخمس الرئيسية، سيموكيان المتحالفة بغالبيتها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني على الرغم من أن جزءاً صغيراً منهم يقف مع الاتحاد الوطني الكردستاني.

وتتعمق الإنقسامات أيضاً بين القبائل اليزيدية البارزة الأخرى، فعلى سبيل المثال تؤيد قبيلة رشكان، ومعظمهم من “تل بنات” جنوب شرق سنجار قوات YBS وزار رئيس بلدية رشكان عمر عجاج بركات بغداد للتعبير عن معارضته لاتفاق بغداد – أربيل، في حين أن قبيلة شيركان قريبة من الاتحاد الوطني الكردستاني وشيخهم عمر كابو عضو في الاتحاد الوطني الكردستاني، وتدعم قبيلتا مهيركان وحسكان الحزب الديمقراطي الكردستاني على نطاق واسع، أما قبيلة الزندان، التي يتولى شيخها خديدة حسين بشار منصب عمدة بلدة الوردية في جنوب غرب جبل سنجار، فتمتد بولائها لقوات YBS وقوات الحشد الشعبي.

سنجار

ما يجب القيام به؟

ويرى الكاتب الصحفي أن اتفاقية سنجار بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان – المعترف بها فقط من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني – في الغالب أنها لن تصمد لعدّة أسباب، أولاً مقاتلو الحشد الشعبي المتحالفون مع حزب العمال الكردستاني والايزيديون الذين تنص الاتفاقية على وجوب طردهم من سنجار، هم من السكان المحليين في المنطقة، وفي كثير من الحالات قاتلوا داعش عام 2014 عندما هرب البشمركة الكردستانية، إضافة إلى أن الغالبية العظمى من سكان سنجار الحاليين يعارضون الاتفاقية. 

ويعيش الأيزيديون الذين يدعمون الاتفاقية في الغالب في المخيمات في محافظة دهوك، وبالتالي فإنّ تأثيرهم أقل على الأرض، مع ملاحظة أنه تمّ تصميم الاتفاقية إلى حد كبير لإرضاء الجهات الفاعلة غير الإيزيدية بدلاً من اتفاقية شاملة لاحتضان كل شرائح المجتمع الايزيدي.

تجدر الإشارة إلى أن الداعم الوحيد للاتفاق يأتي من تحالف القبائل العربية السنية المتمركزة في الأراضي المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.

ومع ذلك، فإن إحدى النقاط الحاسمة التي غالباً ما يتم تجاهلها بين السطور هي أن الاتفاقية الشاملة هي انتصار لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي نظراً لأن حكومة إقليم كردستان قبلت فعليًا بسيادة السلطة الفيدرالية العراقية على سنجار. ويبدو أنه بعد الانسحاب الفوضوي من سنجار عام 2014، أدرك الحزب الديمقراطي الكردستاني أن فرص عودة الأمور إلى ما قبل 2014 ليست واردة، وهذا يمكن أن يفسر جزئيًا انسحابهم السهل مرة أخرى في أكتوبر 2017 دون إطلاق رصاصة واحدة. 

إضافة إلى ما سبق، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني يسعى إلى موطئ قدم له في سنجار، ويبدو أنّ الاتفاقية مع الحكومة الفيدرالية هي اتفاقية بين تركيا والولايات المتحدة أكثر من كونها بين بغداد وأربيل، حيث ذكرت صحيفة “التلغراف” أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان يعمل على اتفاق مع بغداد التي ضمنت طرد العناصر الموالية لحزب العمال الكردستاني والجزء الآخر المتعلق بطرد قوات الحشد الشعبي، ويبدو أنه من عمل الولايات المتحدة لأن وجود قوات الحشد الشعبي في سنجار له بعد إقليمي بالنسبة لها، خصوصاً أنّ إيران استخدمت سنجار عبر وكلائها من قوات الحشد الشعبي للوصول إلى سوريا.

ولكي تنجح أي صفقة بشأن سنجار، يجب أن نفهم الميول الإيدولوجية لكل من YBS وحزب العمال الكردستاني، فبينما تعتنق قوات YBŞ فكر الكونفدرالية الديمقراطية لحزب العمال الكردستاني وتمّ تدريبها من قبل مقاتلين مخضرمين من حزب العمال الكردستاني، فإن الغالبية العظمى من مقاتلي YBS لم يقاتلوا أبداً خارج سنجار وليس لديهم الرغبة في القتال ضد تركيا نيابة عن حزب العمال الكردستاني. 

كما أن الادعاء بأن حزب العمال الكردستاني يستخدم سنجار كحلقة وصل بين قنديل وروج آفا غير واقعي؛ في حين أن الوصول من روج آفا إلى سنجار ليس بالأمر العسير، فلا توجد طريقة سهلة للوصول إلى قنديل حيث يتم التحكم في كل طريق من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني. 

وربّما يكون أقرب جسر بري بين إقليم سنجار و الأراضي التي تسيطر عليها قوات حزب العمال الكردستاني تمر عبر زاخو، لكن مرّة أخرى يفصل بينهما أكثر من 100 كيلومتر  التضاريس مسطحة والمنطقة يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني. 

سنجار

بالنسبة لحزب العمال الكردستاني، فإنّ حقيقة أن حلفائهم الإيزيديين المحليين يطمحون إلى تنفيذ أيديولوجية الكونفدرالية الديمقراطية هي أكثر أهمية بكثير من الدعم العسكري.

وبالمثل، فإنّ قوات الحشد الشعبي اليزيدية هم من السكان المحليين ومعظمهم من الناجين من الإبادة الجماعية والعديد منهم تم تدريبهم من قبل حزب العمال الكردستاني وجزء سابق من وحدات حماية الشعب، والآن هم مندمجون في قوات الأمن العراقية، ولا يوجد الكثير مما يمكن القيام به لتفكيك الاتصال الراسخ بين قوات الحشد الشعبي و YBŞ – PKK؛ على العكس من ذلك، فإن اتفاق بغداد – أربيل قد رسخ العلاقات وزاد من ضبابية الخطوط بينهما. ومع ذلك، يجب أن يكون هناك اتفاق لدمج هذه الجماعات اليزيدية في حكم سنجار، ولا ينبغي السماح لهم باحتكار السلطة كما تشير التصريحات الحالية من الجماعات المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني. 

المجتمع الإيزيدي منقسم للغاية وتنتمي الجماعات المسلحة اليزيدية المختلفة إلى أجندات لا يمكن التوفيق بينها، لذلك يجب أن تكون هناك صياغة أكثر دقة من الحكومة العراقية إذا كانت تريد حقاً معالجة مسألة سنجار. 

والطريقة الوحيدة للخروج من المأزق تكمن في ترتيب شامل يتم فيه دمج الجماعات الإيزيدية المختلفة تدريجياً في القوات العراقية بطريقة تمنعها من العمل بمفردها، كما يجب على بغداد وأربيل ضمان عدم دخول سنجار في صراع بالوكالة بين إيران وحزب العمال الكردستاني وتركيا.

شاهد أيضاً: بعد حصار لسنوات.. رفات ضحايا الإبادة الجماعية لـ”داعش” تعود إلى سنجار