تركيا ترغب في إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا

  • معارضة غربية ترفض التلاعب بخرائط التوافقات الدولية على المناطق الجغرافية
  • التهديدات التركية تُفشل كل المحاولات الدولية لبناء الاستقرار في شمال سوريا

رغم التطمينات الأمريكية حيال التهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة ضد مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، إلا أن سيناريو عفرين، ورأس العين، وتل أبيض ترعب تكرارها خمسة ملايين من المدنيين القاطنين في الجغرافيا التي يلهث الرئيس التركي قضمها رغم تحذيرات الأمم المتحدة من العملية التي سترمي ملايين السوريين تحت عجلة القتل والمجاعة والنزوح تحت ذريعة تركية بإقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا خالية من وحدات حماية الشعب الكردية- العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية- التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المدرج لديها ضمن القوائم السوداء للإرهاب، لكنها ستكون على حساب السكان الأصليين للمنطقة.

أعلنت تصريحات صادرة من مسؤولين أتراك عن قرب العملية التركية المرتقبة، وسيتم تنفيذها خلال الأيام القليلة القادمة، وعن استعدادات عسكرية بالعدة والعتاد والجنود لتنفيذ ما سماه وزير الدفاع التركي “خلوصي آكار” في تصريحات صحفية بالهدف الوحيد وهو الأمن القومي التركي وأمن حدود بلاده من القوات الكردية في ظل معارضة غربية ترفض التلاعب بخرائط التوافقات الدولية على المناطق الجغرافية التي يلوح الرئيس التركي بالحصول على ضوء أخضر أمريكي وروسي لضمها للمناطق التي احتلها سابقًا والاستفادة من المتغيرات الدولية والتحولات الجديدة التي طغت على المشهد العام: كالحرب الروسية الأوكرانية، وطلب انضمام فنلندا والسويد لحلف الشمال الأطلسي الناتو الذي قوبل بالفيتو التركي، وهي فرصة لن تفوتها أنقرة لذا لجأت إلى فرض حزمة شروط على الدولتين الأوربيتين لكسب تأييد للعمل العسكري الذي تسعى لشنه ضد شمال شرق سوريا فيما يستبعد المراقبون للملف السوري أن تغامر أنقرة بخوض معارك جديدة ضد الوحدات الكردية لا سّيما وأنها لم تحصل حتى الآن على موافقة أمريكية وروسية لعملياتها التي يعتقد (آمد سيدو) المنسق العام للعلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أنها لن تكون على غرار سيناريو عفرين ورأس العين وتل أبيض في حال رتبت التوافقات الدولية الجديدة لصالح الهدف التركي.

وأضاف سيدو لأخبار الآن: “نحن نأخذ التهديدات التركية على محمل الجد. تركيا تريد احتلال مزيد من الأراضي السورية، مما سيؤدي إلى موجات هجرة جديدة، ويزعزع الاستقرار في المنطقة ويقوض جهود قسد والتحالف الدولي في مكافحة تنظيم داعش وينعش عملياته الإرهابية”.

سيدو نوه إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتحالف اليميني المتطرف الحاكم في تركيا يسعيان إلى ارتكاب المزيد من التطهير العرقي بحق مكونات المنطقة، كما حدث ولازال في منطقة عفرين ورأس العين وتل أبيض، واصفًا الحكومة التركية الحالية أنها تعتاش على الحروب.

 

الشمال السوري على صفيح ساخن.. عين تركيا على كنوز الجنوب السوري

 

وقال: “برأيي أن هنالك بُعدين لهذه التهديدات: بُعد داخلي، حيث يعيش أردوغان أزمة داخلية وهو يهدف إلى حشد القاعدة اليمينية القومية والإسلامية المتطرفة حوله، والحصول على أصواتهم، أو من الممكن أن يعلن حالة الطوارئ في داخل تركيا، وبُعد خارجي، فتركيا ضد أي مشروع يهدف إلى تحقيق حقوق الكرد”.

وحول موقف الجانب الروسي من العملية قال المنسق العام للعلاقات الخارجية: “أنه حتى الآن لا زالت موسكو رافضة للعمل العسكري التركي الجديد.

وأضاف: أن القوات الروسية متواجدة في مناطقنا بعد الغزو التركي وانسحاب القوات الأمريكية في 2019، والتنسيق الأمني والعسكري مستمر بشكل روتيني مع هذه القوات، ونتمنى أن لا تنضم روسيا لأي صفقة مع تركيا مستقبلًا من شأنها أن تفضي إلى تقسيم سوريا وارتكاب المزيد من المجازر بحق الشعب السوري”.

التهديدات التركية تُفشل كل المحاولات الدولية لبناء الاستقرار في شمال سوريا

آمد سيدو

وحول علاقة العملية بالموافقة الأمريكية على استثناء الشركات الراغبة في الاستثمار شرق الفرات من عقوبات القيصر قال المسؤول الكردي: “التهديدات التركية تفشل كل المحاولات الدولية لبناء الاستقرار في شمال سوريا، ومن الواضح جدًا بأن تركيا لديها أهداف بعيدة المدى أيضًا، والمسؤولون الأتراك تكلموا سابقًا عن العثمانية الجديدة، والميثاق الملي والجمهورية الثانية ذات الطابع الإسلامي، بالإضافة إلى أهداف مرحلية، فالدولة التركية تريد فرض واقع جديد في الشرق الأوسط بما يعيد أمجادها الغابرة التي بنيت على دم شعوب الشرق الأوسط وفي مقدمتهم الشعب الكردي”.
عين على كنوز الجنوب السوري:

تتجه أنظار تركيا إلى الجنوب السوري وتراقب الترتيبات الاقتصادية للأطراف الدولية والعربية

تتجه أنظار تركيا إلى الجنوب السوري وتراقب بحسب (عصام حافظ) -الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية- الترتيبات الاقتصادية للأطراف الدولية والعربية التي بدت تطفو على السطح مؤخرًا في الجنوب السوري بقلق وترقب.

ويعتقد حافظ في حديث خاص لأخبار الآن أن إبعاد تركيا وحرمانها من كنوز سوريا الدفينة كالمعادن النفيسة، وموارد الطاقة، ومادة السيليكون التي تثير لعاب اللاعبين الدوليين على الجغرافية السورية لا سّيما المنتشرة في البوادي السورية الأمر الذي يدفعها إلى إثارة المزيد من الفوضى والتهديد بمهاجمة الأكراد في الشمال السوري، مضيفًا: “الرئيس التركي يشعر بالخيبة منذ خسارة دونالد ترامب الجولة الثانية في انتخابات الرئاسة الأمريكية وتولي بايدن دفة الحكم الأمر الذي أفشل مخططات الدولة التركية في قضم المزيد من الأراضي السورية، فأنقرة كانت تجهد في الوصول بنفوذها العسكري إلى الرقة ودير الزور لتحصل على حصتها في المقايضات الاقتصادية التي رفعت الستار عنها في الجنوب السوري بين واشنطن، وموسكو، وطهران، ودمشق في حال لو نجح ترامب في الانتخابات الرئاسية، لكن خسارته أمام نظيره بايدن دفع تركيا إلى إعادة ترتيب حساباتها والبحث عن خطط جديدة قد توصلها لأهدافها المرسومة التي تطمح بها وهي الوصول إلى بوابة الجنوب السوري”.

مضيفًا: “دخل مشروع السيليكون طور التنفيذ في ريف حمص، وهو مادة أساسية تدخل في صناعة الأجهزة الذكية، والحواسيب التي تسهم في نهضة تكنولوجية رقمية، وأثبتت تقارير أن نسبة نقائها في سوريا تصل لأكثر من 70 بالمئة”.

وأشار حافظ إلى معلومات غير معلنة عن وجود شركات أمريكية وأخرى روسية تتقاسم استخراج السيليكون واليورانيوم من بوادي دير الزور، والبو كمال، وريف حمص، وحماة، والميادين مقابل السماح لإيران بنقل شحناتها من البترول إلى دمشق ولبنان رغم عقوبات القيصر إلى جانب تفاهمات أمريكية- إيرانية حول ملف إيران النووي.

خط الطاقة الرباعي

الجنوب السوري بات خط ترانزيت وتبادل تجاري بين الدول العربية بحسب الباحث الاقتصادي المصري عصام حافظ والذي بين خلال حديثه: “إن المشروع المصري الذي يربط أربعة دول عربية بالطاقة عبر الأردن إلى سوريا ومنها إلى لبنان والذي سيستثنى من عقوبات القيصر قد حرم تركيا من العائدات المادية التي كانت تحصل عليها بعد أن طردت لبنان البواخر التركية التي تزود لبنان بالكهرباء، واستعاضت عنها بالغاز المصري الذي ستستفيد من رسوم عبوره عبر أراضيها كل من الأردن وسوريا وسيتمكن لبنان بذلك من تشغيل قطاعاته الحيوية، ومؤسساتها الاقتصادية، وبنوكها وسوف تحل أزمة الطاقة التي يعاني منها بعد تخلصه من رحمة محطات الطاقة التركية العائمة، وهي البواخر الثلاث التي كانت ترسو على شواطئ العاصمة بيروت منذ 2012 و2013، وسد الطريق أمام التدخل التركي في شؤونه الداخلية عبر استغلال الأخير لأزمتها الكهربائية الخانقة”.

المشروع المصري يربط أربعة دول عربية بالطاقة عبر الأردن إلى سوريا ومنها إلى لبنان ويستثنى من عقوبات القيصر

وقد أشار حافظ في حديثه إلى مشروع تبادل تجاري بين العراق ولبنان عبر سوريا حيث ستمد بغداد بيروت بزيت الغاز مقابل سلع وخدمات طبية من الجانب اللبناني بتنسيق مع دمشق وطهران وستوزع عائداتها من رسوم العبور الحدودية بين الدول الثلاث.

وكان وزير الاتصالات العراقي(أركان الشيباني) قد أعلن سابقًا عن مصادقة حكومة بلاده على اتفاقية مع لبنان تنص على مد العراق بمليون طن من زيت الوقود الثقيل للبنان الذي يستخدم في تشغيل مولدات الديزل الاحتياطية مقابل تقديم الأخير خدمات طبية وسلع.

وأشار عصام حافظ إلى أن كل تلك الاستثمارات والصفقات الاقتصادية التي دخل بعضها طور التنفيذ تجري أمام أنظار الدولة التركية التي لم تحصل على حصة لها من تلك الصفقات، وهذا ما يدفعها إلى تهديد الشمال السوري بعمليات عسكرية جديدة ضد قوات قسد، لكن التوافقات الدولية حالت دون حصولها على الموافقة بشن معارك جديدة، وهو ما يجعلها تكثف قصفها على مدن وبلدات خاضعة لسيطرة قسد، لكنها لن تغامر بالتقدم شبرًا واحدًا باتجاه المناطق التي تهدد باحتلالها إلا لو حصلت تغيرات انصبت لصالح لصالحها.

عملية مؤجلة

في ظل غياب أفق الحل السياسي للأزمة السورية، والتزام القوى الدولية المعنية والمهيمنة على الملف السوري بخرائط توزيع نفوذها على الأراضي السورية، والتي باتت حدود فاصلة فيما بينها، يستبعد الخبير العسكري أحمد الدويلمي أي عملية تركية في الوقت الراهن.

وبين الدويلمي خلال حديثه لأخبار الآن أن عملية الإنزال النوعية التي نفذتها قوات التحالف الدولي قبل أيام في مدينة الحميرة الواقعة ضمن مناطق شمال غرب سوريا، التي تسيطر عليها أنقرة،

واعتقلت قياديًا بارزًا لتنظيم داعش، كانت رسالة واضحة من واشنطن لتركيا برفضها للعملية التركية، خاصة مع ورود معلومات عن عدم إبلاغ الجانب الأمريكي لتركيا تنفيذ عملية الإنزال الجوي، وقال: “لم تعلم القوات التركية بالعملية إلا في أثناء طلب التحالف منها فتح الأجواء أمام طائراتها، ولم تبلغها قوات التحالف أي تفاصيل خاصة بها على عكس العمليات السابقة وفي مقدمتها عمليتي قتل متزعمي داعش البغدادي وقراديش”.

وعن الموقف الروسي قال الدويلمي: “روسيا إلى الآن لم تمنح أنقرة موافقتها على المعركة الجديدة التي تسعى تركيا لشنها في مناطق سيطرة روسيا في تل رفعت، وهو ما خرجت به للعلن تصريحات المسؤولين الروس وتوصيفهم العملية العسكرية بغير العقلانية، ولا تساهم في تحقيق الاستقرار في سورية، وخاصة أن تركيا لم تلتزم إلى الآن باتفاقها مع الروس بتسليم مدينة إدلب وإخراج المتطرفين منها، كما أن العملية هدفها ربط مناطق درع الفرات بمناطق نبع السلام وتل رفعت هي صلة الوصل، وفي حال نفذت ستتجه نحو المزيد من الفوضى وفقدان بوصلة التوازنات الدولية التي تحرص موسكو على الحفاظ عليها في سوريا بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية مما قد يضعف نفوذها أمام تصاعد النفوذ التركي في سوريا”.

ونوه الخبير العسكري أن العملية في الحسابات التركية مؤجلة، لكنها تتأهب لأي فرصة تمنحها المزيد من مناطق النفوذ على حساب مناطق سيطرة قسد،

وأضاف: “حرب المسيرات واغتيال قادات قوات سوريا الديمقراطية وتنشيط خلايا تنظيم داعش ستكون أولوية تركية بعد خيبة الأمل في انتزاع موافقة القوتين العظميين المسيطرتين على الملف السوري”.

الجيش الانكشاري الجديد

حذر القادة الأكراد من حشد تنظيم داعش قواته من جديد واستعادة نشاطه في سوريا مع كل تهديد تركي جديد ضد شمال شرق سوريا، وأنه لن يكون بمقدورهم حماية السجون لانشغالهم بصد هجمات الجيش التركي والمجموعات السورية المؤتمرة بأمرهم، وفي هذا الصدد نبه الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية الدكتور (مصطفى أمين) لأخبار الآن إلى خطة تركية تتضمن إشغال قسد في صد الهجمات على مختلف الجبهات مع القوات التركية والفصائل السورية المعارضة الموالية لها، ودفع الخلايا النائمة لتنظيم داعش تكرار سيناريو سجن الصناعة كما حصل في مدينة الرقة وفق تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم السبت الذي تحدث عن فرار عدد من قادات داعش المحتجزين في أحد سجون الرقة.

فيما أكد مصدر من قوات سوريا الديمقراطية لأخبار الآن، أن القوات الكردية كانت تحتجز في سجون مدينة عفرين أكثر من 3 آلاف من مقاتلي داعش قبل احتلال المدينة في آذار /مارس 2018 من قبل الدولة التركية، وحررتهم القوات التركية ليكونوا جزءًا من الجيش الإنكشاري الذي ترغب أنقرة في تأسيسه من المتطرفين والمتشددين خدمة لمصالحها وأطماعها الاحتلالية في سوريا وليبيا وأفريقيا وغيرها

ومن جانبه بين الباحث في شؤون الإرهاب (مصطفى أمين) أن الرئيس التركي يعتبر معتقلي تنظيم داعش لدى قسد غنيمة كبيرة يسهل التحكم بها مع ولائهم شبه الكامل للدولة التركية المتحالفة معهم وأعدادهم الالاف، وسيعيد أردوغان في حال نجحت خطته في تحريرهم من سجون قوات سوريا الديمقراطية أمجاد السلطنة العثمانية، وإعادة البلاد العربية إلى الحضن العثماني من جديد.