عبر قرض لتشييد طريق سريع هو قيد الإنشاء، أحكمت الصين قبضتها الإقتصادية على مونتنيغرو، تلك الدولةُ الصغيرة التي تقع جنوب أوروبا، وهي اليوم واحدة من الدول الصغيرة التي سقطت فعّلياً بين أنياب العملاق الصيني. ومن هنا، فهي تُعتبر مثالاً حيّاً لانقضاض بكين على الدول.

  • كلّ كيلومتر من الطريق السريع يكلّف نحو 27 مليون يورو، وهو واحد من أغلى الطرق السريعة في العالم
  • أبازوفيتس لـ”أخبار الآن”: كان يتوجب على حكومة مونتينيغرو السابقة عدم القبول بالعرض الصيني  
  • تبلغ ديون مونتينيغرو للصين بسبب القرض لتموييل الطريق السريع نحو 60 أو 67 مليون يورو في السنة
  • مجلس النواب أقرّ قانوناً يعفي الصينيين من الضرائب ومن الرسوم كذلك عند استخدام شركات مونتينيغرو
  • مشروع الطريق السريع درس مهم لمونتينيغرو خلال سعيها لإيجاد مستثمرين لميناء البلاد الوحيد

الحكاية بكلّ بساطة أنّ في العام 2014، أقرضت الصين مونتنيغرو أموالاً لبناء طريق سريع، لكن في المحصّلة أن الطريق لم يكتمل، ومونتنيغرو ليس بإمكانها سداد الديون للصين. لكن أيضاً المشكلة أكبر، وتكمن كذلك في عدم قدرة مونتنيغرو على الإستمرار في تطوير بنيتها التحتية. فما هي تفاصيل ذلك القرض الصيني الفخ؟ ما هو حجم الديون التي يجب على مونتنيغرو سدادٌها؟ وما الذي تطلبه من الاتحاد الاوروبي؟

على مونتينيغرو دفع 67 مليون يورو سنوياً للصين لمدة 14 عاماً

علم  دولة مونتنيغرو على احد الاعمدة الاستنادية التي يرتكز عليها مشرع الجسر الذي تموله الصين

أخبار الآن” أجرت لقاءً خاصّاً مع نائب رئيس ورزاء مونتنيغرو دريتان  أبازوفيتس، الذي قال إنّ لدى مونتينيغرو  مشكلة مالية مع الصين، لكنّه أرجعها إلى الحكومة والسلطات السابقة، موضحاً: “لقد حصلنا على القرض في العام  2014 من أجل بناء الطريق السريع، وكان المبلغ مليار يورو أو ما يساوي مليار دولار في ذلك الوقت، بالنسبة لمونتينغرو الصغيرة، فالمبلغ كبير جدّاً، والمشكلة أنّه فقط يغطي بناء 43 كيلومتراً من الطريق السريع، ما يعني أنّ كلّ كيلومتر من هذه الطريق سيكلّف نحو 27 مليون يورو، وذلك واحد من أغلى الطرق السريعة في العالم، أو ربّما ليس أغلاها لكنّه واحد من الطرق الغالية. واعتبر أنّ كل ما تمّ القيام به بشأن ذلك الطريق في تلك الفترة، كان ينقصه الشفافية، مشيراً إلى أنّ الحكومة الجديدة  تحاول أن تفتح تحقيقاً لتحدد ما إذا كان هناك فساد في مكان ما.

على مونتينيغرو دفع 67 مليون يورو سنوياً للصين لمدة 14 عاماً

صورة جوية لمشروع الجسر الصيني في مونتينيغرو

وأضاف أبازوفيتس: لسوء الحظ، حتى الآن لم ينتهِ هذا المشروع، وقد تأجّل افتتاحه مرتين، لكن أعتقد أنّه مع نهاية السنة سينتهي. وتابع: إذا كان أيّ أحد يتوقع من الحكومة أن تقول إنّه لدينا مشكلة مع الصين، فنحن لن نقول ذلك، لماذا، لأنّنا مثل أيّ بلد في العالم ومثل أيّ شركة في العالم تتلقى عرضاً، لكن من وجهة نظري ذلك كان غير مقبولاً، كان يجب أن يرفض من قبل سلطاتنا من حكومة مونتينغرو، لأنّ حكومة مونينغرو في تلك الفترة كان يجب أن تأخذ بعين الإعتبار المصلحة الوطنية العليا والإستقرار المالي للدولة. إذاً، كانت هناك فوضى عارمة حول هذا المشروع، لكن بالنهاية أعتقد أنّ علينا احترام الإتفاق، وخلال الـ 14 سنة القادمة، سنسدّد ديوننا، وهي نحو 60 أو 67 مليون يورو في السنة، وسنحاول أن نسددها، وبعد ذلك سينتهي المشروع.

وأشار نائب رئيس وزراء مونتينيغرو في حديثه لـ “أخبار الآن”، إلى أنّ الطريق السريع يؤدّي إلى لا مكان، قائلاً: “نحتاج إلى جزئين بعد لنكمل الطريق من الجنوب، من الساحل إلى الشمال، وإلى حدود صربيا، عندها سيكون اكتمل المشروع. لقد بقي جزء واحد، ومن المؤكد أنّه الجزء الأكثر تعقيداً. ويفترض أنّه مع انتهاء المشروع، أن يكون لدينا طريق سريع يمتد من بودغوريتسا إلى كولاشي… بودغوريتسا هي العاصمة ويسكنها نحو 150 ألف شخص،  وكولاشي مدينة صغيرة  في الشمال يسكنها 10 أو 15 نسمة ألف، وهي مركز سياحي لكن إذا لم نكمل بناء الجزئين، لا يمكننا التنقل من مكان إلى آخر.

على مونتينيغرو دفع 67 مليون يورو سنوياً للصين لمدة 14 عاماً

مراحل بناء الجسر الذي تموله الصين في مونتينيغرو

أبازوفيتس: الصين يمكن أن تستغل الأمر سياسياً وتطالب بسداد المبلغ بأكمله حالاً وتلك مشكلة كبيرة

وعن بنود العقد بين الصين ومونتينيغرو، وما الذي تريده الصين في المقبل، قال إنّ الصين تريد مالاً في المقابل كأيّ مشروع، ونحن علينا أن ندفع كلّ التكاليف، وهي كانت تبلغ في بكين 806 مليون دولار، وتلك تكلفة المشروع بأكمله. لكنْ ثمّة مشاكل أساسية برأيي هما: فقدان الشفافية لأنّنا عقدنا اتفاقات من دون أن نعاين ممتلكات الدولة، ولا أحد لديه فكرة عنها. الأمر الثاني هو أنّ المحكمة المكلّفة بالقضية، مركزها بكين، وذلك يعيق التحقق من حجم المشكلة، فيما الأمر الثالث يكمن في أنّ الصين يمكن أن تستغل الأمر سياسياً وتطالب بسداد المبلغ بأكمله حالاً وهذه مشكلة.

وقال إنّ مجلس نواب مونتينغرو أقرّ قانوناً في العام 2015 للطريق السريع ، وكان ذلك أمراً مهمّاً. في ذلك الوقت كنت في المعارضة وقد صوّت ضدّ هذا القانون ليس لأنّني ضدّ إنشاء الطرق السريعة، بل لأنّنا في العادة لا نقر قوانين لها علاقة بالإستثمارات الكبرى لمشاريع كبرى مهمة. إنّ دور البرلمان كان محصوراً فقط بإعطاء الإذن للحصول على بعض الإئتمان، وفي تلك الحالة وضعوا قانوناً يعفي الصينيين من الضرائب ويعفيهم من الضرائب عند استخدام شركاتنا، التي هي تحت الإنشاء، وهنا سؤال آخر حول هذا المشروع.

 

وفي سياق سؤاله عن تمدّد الصين في مختلف الدول، ومنها مونتينيغرو، ردّ بالقول: إذا طلبت منّي أن أتحدّث عن سياسة الصين، فأنا لن أفعل ذلك، أنا نائب رئيس مجلس وزراء مونتينغرو. توجد علاقة عادلة بيننا وبين الصين، أنا أتحدّث فقط عن مشروع واحد في بلدنا، وأنا أرى أنّ ذلك المشروع بعيد كلّ البعد عن أيّ منطق إقتصادي أو مالي، لكنْ ثمّة حكومة جديدة أتت منذ عام، وبدأنا العمل ونحن يجب أن نحترم العقود المبرمة.

مشروع الطريق السريع بتمويل من الصين كان المشروع البعيد كلّ البعد عن أيّ منطق إقتصادي أو مالي

وتابع: لدينا المزيد من العقود اللامنطقية، لكنّ ذلك العقد هو الأكبر من الناحية المادية، لذا نحن بدأنا بمحاربة الفساد في قضايا أخرى أيضاً، والجرائم المنظمة في قضايا أخرى… لسنا في موقع لا نستطيع فيه دفع ديوننا، وأظنّ أنّنا سنسدد الدين، مشيراً إلى أنّ بلاده تتفاوض مع الصين بسبب أنّ المشروع يجب أن ينتهي.

وعمّا إذا كان الإتحاد الأوروبي ارتكب خطأ كبيراً في رفضه مساعدة مونتينيغرو، قال: نعم أعتقد ذلك، لا أريد أن أقول إنّها غلطة كبيرة لكن عليهم أن يكونوا أكثر فعالية مع دول  وسط البلقان. الأمر بسيط للغاية، إذا كنت لا تريد أن تموّل بعض المشاريع، فهناك غيرك مستعد لذلك بكل بساطة. لذا أعتقد أنّ الإتحاد الأوروبي يجب أن يفهم أنّ عملية أخذ القرار يجب أن تكون أسرع، ونحن فعلاً نريد الشراكة معه، لذا عليهم دعوة الشركات ودعوة الجهات الإقتصادية لتكون أكثر فعالية في المنطقة، وذلك سيعود بالمنفعة على الجانبين. وفي هذا الوضع نحن ننتقد الصينيين، لكن في تلك الفترة لم تتفهم بعض الشركات الأوروبية لماذا عليها المشاركة في المشروع لأنّها لم ترَ البعد السياسي. ونحن نريد أن نرى المزيد من الإستثمارات من الشركات الغربية، والمزيد من المشاريع المستدامة إقتصادياً ومالياً وبيئياً. كما أنّنا نريد أن نرى المزيد من الأعمال العادلة، وأن نخلق بيئة من شأنها أن توفر المزيد من العدالة.

على مونتينيغرو دفع 67 مليون يورو سنوياً للصين لمدة 14 عاماً

لقطة جانبية تظهر اعمال البناء للجسر الذي تموله الصين في مونتينيغرو

وشدّد أبازوفيتس على أن لا أحد يطلب من الإتحاد الأوروبي أن يقدّم المال إلى مونتينغرو كهدية، ولا نطلب من أحد أن يسدد دين مونتينغرو، ما نطلبه هو إجراء ترتيبات للإعتمادات التي سنستخدمها لتمويل جزأين آخرين من الطريق السريع، وجزء واحد من إعادة تمويل الإئتمان الصيني، لتحقيق ذلك التنوع في الدين، وبالتالي سيكون جزء من الدين للصينيين والجزء الآخر للأوروبيين، فيما الآن كلّ الدين هو للصينيين، وذلك يمكن أن يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لنا.

الدين المترتّب على مونتينيغرو بسبب القرض الصيني أوقف مشاريع أخرى البلاد بحاجة إليها لتنمية قطاعات أخرى

وتابع: لذا نحن نريد أن نضع إجراءات جديدة  مثلما يتصرف أيّ شخص مع  المصارف، لديك ائتمان في أحد المصارف ثمّ تتلقى عرضاً أفضل من مصرف آخر، فتأخذ قرضاً لتغلق الحساب وتدفع الإئتمان الآخر بشروط أفضل… نحن جادون جدّاً في إنشاء الأعمال التجارية، ونعتقد أنّه بهذه الطريقة يمكننا أن نخفف من تأثير الصين في مونتينغرو.

وفي سياق حديثه عن ضخامة الدين، قال أبازوفيتس: في العام 2014 كان نحو الـ 30 % من دخلنا الوطني، وأخذنا ائتماناً بلغ  30 % من إجمالي الناتج المحلي في العام 2014. وتلك مشكلة كبيرة لأنّ مشروع الطريق السريع ليس المشروع الوحيد  في مونتينغرو، ونحن بحاجة لتمويل مشروع آخر في البلاد من أجل تطوير البلد في قطاعات أخرى، ليس كلّ شيء في البلد يدور حول الـ 34 كيلومتراً، لذا شكّل ذلك الطريق مشكلة بالنسبة لنا، ومن شأن ذلك الدين الكبير، وتلك الهوة في الميزانية  العامة، أن يوقف المشاريع الأخرى  التي كان من الممكن أن تنفذ لو لم يكن لدينا هذا الدين.

على مونتينيغرو دفع 67 مليون يورو سنوياً للصين لمدة 14 عاماً

جانب من اعمال بناء الجسر الذي مولته الصين في مونتينيغرو

وفي معرض ردّه على سؤال حول الرسالة التي يمكن أن يوجهها إلى الدول التي تعاني من الغزو الصيني لتجنّب المشكلة التي تقع فيها مونتينيغرو حالياً، أجاب أبازوفيتس: “رسالتي واضحة وبسيطة جدّاً، كل بلد يجب أن يوفر مؤسسة مهنية ومستقلة وقوية. فنحن مثلاً لو كان لدينا توزيع أفضل للعدالة، ونظام قوي يقدّم العدالة في البلد، لكنّا استطعنا أن نميّز بين من يريد أن يقدم عملاً عادلاً وعملاً غير عادل. الدول التي تشبه مونتينغرو يجب أن تكون حذرة جدّاً، ويجب أن تعمل أكثر على تعزيز الديمقراطية والشفافية، لكن يجب التنبه أيضاً لكلّ مَنْ يريد المشاركة في الفساد، ومَنْ يريد استغلال المصالح العامة لأهدافه الشخصية.

الطريق السريع درس لعدم التفريط بمرفأ مونتينيغرو الوحيد

وعمّا إذا كانت الصين تسعى للسيطرة على مقدّرات مونتينيغرو، لا سيّما من خلال السيطرة على مرفأ البلاد، قال: لدينا مرفأ واحد مهم جدّاً لنا في مونتينغرو هو بورت أوف بار، ونعتقد أنّه يمكن أن يشكّل نقطة إستراتيجية مهمّة ليس فقط لتطوير بلدنا، لكن أيضاً لمستقبل هذا الجزء من العالم، ونحن نريد أن نجد مستثمرين لبورت اوف بار، لكنّنا سنكون حذرين جدّاً في اختيار الشركات التي ستشارك في هذا المشروع.  حتى الآن لدينا عروض من عدّة شركات، وبعضها يتمتع بمصداقية في السوق العالمي، وهي معروفة جدّاً في السوق العالمي، لكنّنا لم نقرّر بعد. في البلدان الصغيرة كمونتينغرو، من المهم جدّاً أن لا نخطىء عندما نتحدث خصوصاً في ما يتعلق بالمرفأ، لأنّه المرفأ الوحيد في البلد. آمل أن نجد بعض المستثمرين الذين يريدون أن يقدّموا شيئاً جيّداً لبلدنا، وأن يهمهم القيام ببعض الأعمال في مونتيتغرو.

وعن محاولة الصين السعي للسيطرة على القرار السيادي للبلاد، قال أبازوفيتس لـ “أخبار الآن“، إنّ شعب بلاده يتمتع بالسيادة لاتخاذ القرار والحكومة أيضاً، ونحن بحاجة لحماية مصالحنا الوطنية. نحن نتمنى الأفضل للجميع، ونحن مسالمون وودودون جدّاً، لكن أيضاً حريصون على مصالحنا الوطنية وكرامتنا الوطنية ومصداقيتنا، ونريد حمايتها”.

شاهدوا أيضاً: هكذا أوقعت الصين نسيج تونس بورطة كبيرة.. تأثير فاق الـ 80 %