المفاوضات مع إيران وصلت إلى طريق مسدود

  • كانت القمة العربية الأمريكية في جدة الأهم والأخطر

قد لا يحقق الرئيس الأمريكي الكثير لحزبه الديمقراطي من وراء زيارته التاريخية إلى الشرق الأوسط، لكنه قد يحقق شيئا لأجل أمن حلفائه وأصدقائه في المنطقة إذ عقد قمة تاريخية مع قادة تسع دول عربية كان العنوان الرئيسي فيها التعاون والتنسيق لحماية امن ومستقبل المنطقة وكذلك الملف النووي الإيراني وإن لم يكن هذا الأمر كثير الوضوح في بيان القمة الختامي.

فالمفاوضات مع إيران وصلت إلى طريق مسدود منذ زمن وهي متوقفة رغم كل محاولات الإنعاش إذ يبدو الاتفاق الآن ميتا لكنه لم يدفن بعد وتأمل الولايات المتحدة إحياءه ليتم ضبط تصرفات إيران ومنعها من صنع السلاح النووي.

زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة لم يرافقها أي إشارة إلى وجود إمكانية نجاح لمفاوضات الاتفاق النووي لأن التصريحات الأمريكية التي سبقت الزيارة ثم رافقتها وخصوصا تصريحات الرئيس بايدن نفسه تشير إلى ظهور استعداد أميركي لاستخدام القوة ضد إيران. صحيح أن اللجوء إلى القوة سيكون الملاذ الأخير بحسب ما قاله بايدن لكن الإشارة في إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة إلى أن الولايات المتحدة ستستخدم كل عناصر قوتها التي تملك لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي تؤكد الاستعداد الأمريكي لاستخدام القوة. وقد تعهد الرئيس الأمريكي بمواجهة تحركات إيران المسببة لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط سواء كانت صادرة عنها بصورة مباشرة أم من خلال وكلائها واتباعها في المنطقة.

الموقف الأمريكي النهائي من الملف النووي الإيراني كان واضحا بين سطور البيان الختامي للقمة. ولا شك أن بايدن بعد أن أكد لأصدقاء الولايات المتحدة في القمة أن أي تجديد للاتفاق النووي مع إيران سيأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الدول في نفس الوقت الذي سيُبقي فيه كل الاختيارات مفتوحة في التعامل مع إيران شدد بيان القمة على دعوة إيران إلى ضرورة الالتزام بالتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإبقاء منطقة الخليج خالية من السلاح النووي واحترام حسن الجوار ووقف التدخلات في دول المنطقة.

الموقف الأمريكي النهائي من الملف النووي الإيراني كان واضحا

كانت القمة العربية الأمريكية في جدة الأهم والأخطر في تاريخ الشرق الأوسط سواء في جدول أعمالها أو في انعقادها وسط ظروف دولية بالغة التعقيد لأنه بناء على مقرراتها سيتم رسم أحداث مستقبل الشرق الأوسط وستكون ذات تأثير واضح وحاسم في الأحداث التي تليها. لكن النقطة الأهم في انعقاد هذه القمة أنها تشكل عودة أميركية إلى المنطقة وفق تصريحات الرئيس بايدن ووفق ما جاء في البيان الختامي أيضا.

وبعد أن أرادت الولايات المتحدة أن تترك المنطقة وتغيير استراتيجيتها وأولوياتها ادركت أن مغادرتها المنطقة ستفتحها للصين وروسيا مجانا ومن هنا جاء تأكيد الرئيس بايدن على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لشراكاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط والتزامها الدائم بأمن شركائها والدفاع عن أراضيهم.
ربما لم يطلب بايدن من الدول العربية في هذه القمة الانفتاح الكامل على إسرائيل والتعاون المباشر معها لكنه بالتأكيد المح إلى ما تريده إسرائيل بشأن تنسيق أنظمة الدفاع في المنطقة لمواجهة إيران. وما تريده واشنطن هو التكامل والتواصل بين دول المنطقة لكن الأمر فيه الكثير من الصعوبة للدول العربية. وحتى إن لم تكن هناك موافقة عربية صريحة على هذا الطلب فإن البيان الصادر عن القمة أشار بوضوح إلى اتفاق القادة على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحفظ امن المنطقة واستقرارها وتطوير سبل التعاون والتكامل بين دولها والتصدي المشترك للتحديات التي تواجهها.

القمة بحد ذاتها كانت رسالة شديدة الوضوح إلى إيران بوجود تضامن غير مسبوق في مواجهة تصرفاتها المرفوضة سواء فيما يخص السلاح النووي أو في تدخلاها غير المشروعة عبر وسطائها واتباعها. وما تريده واشنطن من دول المنطقة هو توحيد مواقفها بمواجهة إيران.

بعد زيارة بايدن إلى المنطقة فإن استمرار التعنت الإيراني قد يقود واشنطن إلى استخدام القوة ضدها سواء منفردة أو بالاشتراك مع إسرائيل أو ربما تترك إسرائيل تقوم بالعملية وحدها. وقد عبرت إسرائيل على الدوام أن توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية هو الحل الأمثل لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.

استمرار التعنت الإيراني قد يقود واشنطن إلى استخدام القوة

لكن هناك أحداثا واستحقاقات مرتقبة في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تجعل قرار الحرب في حال اتخاذه متأخرا ربما إلى ما بعد نهاية هذا العام. فهناك انتخابات الكنيست الإسرائيلي في منتصف شهر أكتوبر القادم ولا بد من وجود حكومة إسرائيلية تتمتع بأغلبية في الكنيست لتستطيع اتخاذ قرار استراتيجي بحجم قرار ضرب منشآت إيران النووية. أما الاستحقاق الآخر في الولايات المتحدة فهو انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر القادم والرئيس بايدن يحتاج إلى كونغرس متوافق معه ليتخذ قرارات خطيرة مثل قرار توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.

لكن التساؤل يتجدد هنا هل عند التعامل عسكريا مع إيران ستلجأ الولايات المتحدة إلى إسقاط النظام كما فعلت في العراق عام ألفين وثلاثة؟ وفي أفغانستان عام الفين وواحد؟ لكن هدفا مثل هذا يحتاج إلى تفويض من الأمم المتحدة يكون مستندا إلى الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية. وهذا قد يكون صعبا بوجود دولتين في مجلس الأمن يمكنهما قول لا وإسقاط أي قرار بهذا الشأن.

من المعروف أن إيران عملت طوال السنوات الماضية على تدعيم علاقاتها مع روسيا والصين وغيرهما إلى حد التحالف تقريبا.

ومن المفهوم أن كلا من روسيا والصين لن تحاربا نيابة عن إيران لكن يمكن لهما تقديم مساعدات كبيرة لها وتعطيل أي مشروع حرب ضدها. وهذه الفكرة تستدعي التساؤل عما إذا كانت روسيا والصين تقبلان بوجود إيران نووية. فالدولتان موقعتان على الاتفاق النووي الإيراني ومعنى هذا انهما لا تريدان رؤية سلاح نووي عند إيران. غير أن الظروف الآن تغيرت وقد تناور الصين وروسيا ولو لمجرد مناكفة الولايات المتحدة والغرب.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن