وزير الخارجية الإيراني السابق جود ظريف في دائرة الاتهام

يُعرف وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف بهدوئه واعتداله في مواقفه السياسية خصوصا فيما يتعلق بالعلاقة مع الغرب.

وقد رفض عرضا من الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي للانضمام إلى الحكومة.

ويبدو أن ظريف يتجه نحو معسكر المعارضة وربما يضطر إذا ما زادت الضغوط عليه إلى مغادرة إيران.

ويعرف عنه أيضا انه لا يتمتع بعلاقة ودية مع المرشد وغير مرضي عنه من قبل المحافظين وقد وبخه المرشد في شهر مايو الماضي لتصريحات نسبت له في جلسات خاصة انتقد فيها قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.

الآن يتعرض ظريف إلى هجمة شرسة في البرلمان الإيراني بعد اعترافه في حديث ضمن تطبيق “كلوب هاوس” انه عندما شرح الاتفاق النووي مع الغرب أمام أعضاء البرلمان الإيراني قال لهم إن العقوبات الأمريكية سيتم “رفعها” بينما الكلمة الحقيقية التي استعملت في نص الاتفاق كانت أن العقوبات سيتم “تعليقها”.

وفي تبريره لاستخدام كلمة “تعليق” في الاتفاق بدلا من “رفع” ، قال إن الأوروبيين أصروا عليها لانهم أكدوا عدم قدرتهم على رفع العقوبات الأوروبية بالكامل قبل أن ترفع الأمم المتحدة عقوباتها. لذلك كان استخدام كلمة تعليق العقوبات وليس رفع العقوبات لكي يوافق الأوروبيون على الاتفاق.

وقد اعترف ظريف أن الوفد المفاوض كانت لديه تعليمات واضحة بتجنب استخدام كلمات معينة ومن ضمنها كلمة “تعليق” غير أن  الوفد الإيراني اضطر للقبول لاسترضاء الأوروبيين.

لكن الوزير الإيراني ظريف عندما تحدث للبرلمان لم يشرح لهم هذا الأمر وأبلغ المجلس أن العقوبات سيتم رفعها.

في الواقع قد لا تكون هناك فروق حقيقية بين كلمتي تعليق ورفع طالما أن العقوبات سيتم رفعها في وقت لاحق.

لكن في نصوص الاتفاقيات والمعاهدات فإن كل حرف وكل كلمة لها قيمة مختلفة. ولا بد أن الوزير الإيراني كان على بينة من الأمر لكنه تعمد عدم الكشف عن الحقيقة للبرلمان. ولذلك تعرض لموجة شديدة من الانتقاد واللوم بعد أن كشف حقيقة ما فعل واخذ خصومه في البرلمان يتهمونه الآن بأنه لم يقرأ نص الاتفاقية واتهموه بالجهل.

يعتقد كثيرون أن نتيجة ما فعله محمد جواد ظريف بهذا الشأن كانت مدمرة وهذه “الكذبة السياسية” التي كانت لإقناع البرلمان لتمرير الاتفاقية أصبحت الآن سببا لدعوة كثيرين من النواب لفتح تحقيق في الأمر ومحاكمة الوزير السابق وهي فرصة لآخرين من المتشددين والمحافظين للانتقام من وزير كان في طاقم الرئيس حسن روحاني.

أما الذين يدافعون عن الوزير السابق فيرون أن الاتفاق تم تمحيصه في البرلمان وقراءته وتدقيقه في المجلس الأعلى للأمن القومي ومجلس القيادة فلماذا لم يلاحظ أحد من أعضاء هذه المجالس وجود كلمة “تعليق” ويطالبون بتعديل النص أو رفضه في ذلك الوقت؟

وبينما ينشغل البرلمان الإيراني الآن بمناقشة غلطة وزير الخارجية السابق بدأ ينشأ في إيران تيار يدعو إلى دعم الاتفاق النووي مع الغرب.

فالأوضاع في إيران وصلت حدا لا يطاق سواء من النواحي المالية أو الاقتصادية أو الصحية بسبب جائحة كورونا التي مازالت تحصد الضحايا بأعداد كبيرة. وبعض السياسيين أخذوا يغيرون من مواقفهم بعد تردي الأوضاع الاقتصادية إلى درجة انهم يحذرون من انهيار الاقتصاد خلال بضعة شهور.

هذا الوضع الاقتصادي المتدهور ناتج بصورة مباشرة عن العقوبات الأمريكية والدولية ولذلك بدأت الآن تظهر هذه الأصوات السياسية والاقتصادية التي تنادي بالعودة إلى الاتفاق واعتباره أمرا ملحا لإنقاذ الاقتصاد.

يقول أستاذ جامعي هو البروفسور علي بيغدلي أن على إيران تفادي تقديم مطالب جديدة في المحادثات مع الغرب بشأن الاتفاق النووي. والمهم الآن في رأيه هو العودة إلى المفاوضات. وهذا الرأي يتماشى مع ما يدور في الغرب الآن بشأن مفاوضات الاتفاق بأن على إيران تعديل مطالبها لأن الولايات المتحدة لن تنتظر إلى أجل غير مسمى مثلما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية الذي قال أيضا أن حكومته لا تصرح علنا بخصوص بدائل الاتفاق النووي وستواصل العمل على إحيائه لكن هذا لن يكون النهج الدائم للولايات المتحدة. وفي هذا تهديد مبطن على ما يبدو لأن واشنطن ترى أن العودة السريعة للاتفاق أمر ضروري جدا وألمحت مرات عديدة بان صبرها يكاد ينفذ.

لم تحدد إيران بعد موعدا للعودة إلى التفاوض وفي كل مرة يطرح هذا السؤال على مسؤولين إيرانيين يكون الجواب بكلمة واحدة هي “قريبا”. فالهدف الإيراني من التباطؤ والتسويف هو محاولة يائسة للحصول على تنازلات أميركية إضافية لكن سبق للأميركيين أن قالوا أنهم لن يقدموا أي تنازلات. والتباطؤ الإيراني ليس في مصلحة نظام طهران الذي قد يضعف عبر المزيد من تدهور الاقتصاد بسبب تأخير الوصول إلى الاتفاق. وهناك تحذيرات بالفعل من تجدد الاضطرابات الشعبية الناجمة عن سوء الأحوال المعيشية وهذا قد يؤدي إلى مخاطر على النظام قد لا يستطيع تحملها.

عندما يصرح وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته إلى موسكو بأن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي براغماتية وتتطلع إلى النتائج وحكومته تنتظر رؤية النوايا الحسنة من الطرف الآخر فهذا يعني أن لدى الحكومة احتمال بالمرونة في المواقف. العقدة الإيرانية هي أن طهران تريد رفع العقوبات قبل العودة للاتفاق والولايات المتحدة تريد عودة إيران إلى الاتفاق والتزامها به قبل رفع العقوبات ولم تنجح أي محاولات سابقة بالوصول إلى حل وسط.

ربما حان الوقت لإيران كي تغير مواقفها بكل جدية ولا بد من بعض التنازلات بإرادتها حتى لا تضطر لتقديم تنازلات اكبر رغما عنها.