أحداث متسارعة في الصومال ومخاوف من كارثة 

  • البلاد شهدت تفجيرين انتحاريين الأسبوع الماضي
  • تصاعد الخلاف السياسي سبب ارتفاعا في وتيرة عمليات جماعة الشباب
  • مخاوف من سيطرة الشباب على مساحة أوسع داخل الصومال

مصرع عشرة من الضحايا وأصيب ثلاثة عشر جريحاً معظمهم من المدنيين، خلال الأسبوع الحالي، لم يكن سوى حلقة مؤسفة في مسلسل العمليات الإرهابية الدامي، الذي يشهده الصومال منذ أكثر من عقد، فقد أعلن الناطق الرسمي باسم قوة الشرطة الوطنية الصومالية خلالي يومي 24 و25 سبتمبر (أيلول) الجاري، عن حدوث عمليتي تفجير، أدت أولاهما إلى سقوط قتيلين وستة جرحى جميعهم من المدنيين، نتيجة للغم أرضي في طريق “أفجويي-مريري” بمحافظة شبيلي السفلى إلى الشمال الغربي من العاصمة الصومالية “مقديشو”، في حين سقط ثمانية قتلى في اليوم التالي، هم سبعة مدنيين وعنصر من شرطة المرور، وجرح تسعة آخرون كلهم من المدنيين، على إثر تفجير انتحاري وقع في نقطة أمنية على مقربة القصر من الرئاسي “فيلا صوماليا”.

ازدياد وتيرة الأحداث الإرهابية مؤخراً، مؤشر خطير على مدى الإخفاق الذي تعيشه الأجهزة الأمنية في الصومال

وعلى الرغم من وعود الرؤساء المتلاحقين، بضبط الوضع الأمني في البلاد، والحد من أسباب الأحداث الدامية المتكررة، وانهاء تهديد جماعة الشباب المتطرفة، فإنّ ازدياد وتيرة الأحداث الإرهابية مؤخراً، مؤشر خطير على مدى الإخفاق الذي تعيشه الأجهزة الأمنية في الصومال، نظراً لانشغال الحكومة الفيدرالية في المواجهات السياسية المفتوحة مع الأطراف السياسية الفاعلة خارج الحكومة كالولايات الفيدرالية، والكتل السياسية المعارضة ابتداء، والتصدّع الذي شهدته الحكومة الفيدرالية داخلياً نتيجة لأزمة الصراع على الصلاحيات التي حدثت مؤخراً بين رئيس البلاد “محمد عبدالله فرماجو” و رئيس وزرائه “محمد حسين روبله”، لتضاف المزيد من التعقيدات على الأزمات التي يعيشها الصومال، دونما حلّ على المدى القريب.

جماعة الشباب تستغل الأزمة السياسية في الصومال ومخاوف من كارثة

الصور من أثار انفجار شهدته مقديشو قبل أيام

“الشباب” تستغل ضعف الساسة

مع تصاعد الخلاف بين رئيسي الجمهورية والوزراء، حيال تجميد مهام مدير وكالة الاستخبارات والأمن الوطنيين الصومالية، وتعيين “”اللواء/ بشير محمد جامع”  بديلا له من قبل رئيس الوزراء، وإقالة الأخير لوزير الأمن الوطني، و ما قام به رئيس الدولة، من تعيين “العقيد/ياسين عبدالله محمود” مديراً مؤقتا هو الآخر لوكالة الاستخبارات والأمن الوطنيين الصومالية، وما شهده المشهد السياسي من حرب بيانات إعلامية وبيانات مضادة بين الرئيس ورئيس وزرائه، كل ذلك قد منح جماعة الشباب المتطرّفة ضوءاً أخضر للبدء بعدد من العمليات الإرهابية، بغرض المساهمة في زيادة الأوضاع المعقّدة تعقيداً، علماً بأن الحركة المتطرفة اعتبرت أنه تمّ جرها جراً في الخلاف الحاصل بين أقطاب الحكومة.

وليس مستبعداً بأي حال من الأحوال، ازدياد العمليات الإرهابية التي تنفذها الجماعة خلال الفترة القادمة، بهدف عرقلة العملية الانتخابية من جهة، وتعميق الأزمة السياسية في البلاد، بغرض زعزعة الاستقرار الهش الذي تعيشه الدولة، بما قد يؤدي إلى خروج الخلافات السياسية القائمة، من حيزها الحالي إلى مجال المواجهات المسلحة القبلية، فيتحقق للحركة هدفها الأساسي بإسقاط الدولة الفيدرالية الصومالية، والتمهيد لتفكيك الولايات الفيدرالية الحالية، وإقناع المجتمع الدولي بعدم وجود أمل بإعادة بناء الدولة الصومالية، بحيث تنسحب قوات حفظ السلام الأفريقية “أميسوم”، ويسهل على الحركة المتطرفة بسط سيطرتها على أكبر مساحة ممكنة من البلاد، وتثبيت وجود دائم وواضح لها داخل العاصمة، خلافاً لوضعها الحالي المتمثل بالقيام بعمليات إرهابية الهدف منها تذكير المجتمع الدولي بمجرّد استمرار وجودها، وكذلك الحفاظ على استمرار تدفق الأموال التي تبتزها من فئات بعينها من المجتمع الصومالي.

ليس مستبعداً بأي حال من الأحوال، ازدياد العمليات الإرهابية التي تنفذها الجماعة خلال الفترة القادمة، بهدف عرقلة العملية الانتخابية من جهة، وتعميق الأزمة للسياسية في البلاد

الفساد السياسي سبب لاستمرار الحركة الإرهابية

رغم كل الجهود الحكومية المعلنة والدعم الدولي المتسمر لمكافحة جماعة الشباب، وتجاوز أعداد ضحايا العمليات الإرهابية إلى أكثر من أربعة آلاف مواطن، فإن استمرار الحركة المتطرفة في الوجود يطرح تساؤلات كبيرة حول أسبابه، والعوامل التي تتيح للحركة البقاء نشطة في مناطق واسعة في البلاد، وقد يكون تركزها في نطاق على هيئة قوس، يضم البوادي والمناطق الريفية في محيط العاصمة الصومالية، مفتاحاً للإجابة على ذلك السؤال القائم منذ انضمام الجماعات الإسلامية الصومالية المنضوية تحت مظلّة المحاكم الإسلامية إلى العملية السياسية، وتولي رئيس حركة المحاكم الإسلامية “الشيخ شريف شيخ أحمد” لرئاسة البلاد، ضمن عملية سياسية اتسمت بالسلمية في تداول السلطة.

إذ إن معظم المناطق الخاضعة لنفوذ الحركة المتطرفة، مناطق ريفية تعيش حالة من التنوع القبلي، وتتسم معظم مكوناتها بالسلمية، إلّا أن هذا التعايش التي تشتهر به هذه المناطق لم يشفع لها، أمام رغبات بعض المتنفذين المنتمين لقبائل أشدّ تسليحاً، في الاستيلاء على الأراضي الزراعية والمراعي جيّدة، والمواقع الاستراتيجية المميزة، في ظل غياب سلطة يمكن أن تحمي الفئات الأقل تسليحاَ، ضد تلك الاعتداءات المستمرة منذ أكثر من عقدين، وزاد من صعوبة الأوضاع على سكّان تلك المناطق، تعرّض أبنائها للابتزاز، أو إدخالهم عنوة في مساومات سياسية واقتصادية، تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة الأطراف المسلحة والمعتدية، نظراً لقدرتها على تقديم خدمات مالية وسياسية للساسة الفاسدين في العاصمة “مقديشو” ليغضّوا الطرف عمّا يجري من مآسي في تلك المناطق.

وفي ظل هيمنة القوة المسلّحة في تسوية النزاعات في تلك المناطق، استفادت الحركة المتطرفة، من تحوّل مناطق التنوّع والتعايش، إلى مناطق تناقضات قبلية، لا سلطة فيها إلّا للأقوى، وهو ما أدّى إلى لجوء الأطراف الأضعف إلى احتضان الحركة في مناطقها، باعتبارها تطبّق ما تدّعي ايمانها به في تلك المناطق، وتقعد محاكم لردّ الحقوق، وتنفذ ما تخرج به محاكمها دون تردد، على عكس القيادات السياسية التي تلعب دور الوسيط بين السكّان والحكومة الفيدرالية فيها، وهو ما يجعل إحداث مصالحات حقيقية، وردّ الحقوق وتقديم التعويضات للمتضرريين من حالة انعدام القانون، الوسيلة الأولى لانتفاء حاجة المحتاجين لوجود الحركة، والالتزامات التي يقدمونها للحركة من إمدادها بالمقاتلين ودفع الأموال لها تحت بنود “الزكاة” و”الخراج: وغيرها.

الأزمة الانتخابية هدر للوقت والفرص

عاشت البلاد على مدى عام كامل حالة من الجمود والترقب، نظراً لفشل رئاسة البلاد في تحقيق وعودها، بإحداث تغييرات حقيقية، تحدّ من الوضع الصعب الذي يعيشه الشعب الصومالي، على المستويين الأمني أو السياسي، ليصبح ممكناً تحقيق تقدّم اقتصادي تخلّفت عنه البلاد على مدى عقود صراعاتها الداخلية الثلاث، فبدلاً من التعامل الإيجابي مع الاستحقاقات التي وضعتها الحكومة الحالية على عاتقها، انخرطت في اختلاق صراعات سياسية مغرقة في التفاصيل، نتيجة لعجزها عن تحقيق الحد الأدنى من المرونة التي من خلالها، يمكن الإعداد لعملية انتخابية يمكن من خلالها اختيار أعضاء جدد للبرلمان الصومالي بغرفتيه، ومن ثمّ إنجاز عملية اختيار رئيس للبلاد، بحيث يتم ضمان انتقال سلس للسلطة، أو إعادة اختيار الرئيس الحالي ليمارس مهامه بغطاء شرعي، غير قابل للجدل.

جماعة الشباب تستغل الأزمة السياسية في الصومال ومخاوف من كارثة

الرئيس الصومالي – محمد فرماجو

وقد أدّى انتهاء الولاية الرئاسية الشرعية لـ”فرماجو” في فبراير “شباط” الماضي، إلى قيام الكتل السياسية التي استعدت لتقديم مرشحيها الرئاسيين، بتصعيد سياسي لم يخل من نفس قبلي شديد التطرّف، بلغ ذروته بتهديد قيادات “تحالف مرشحي الرئاسة الصومالية” بشكل واضح وصريح، بإعادة البلاد إلى أوضاع سنة 1991م، والتي تم خلالها طرد الرئيس الأسبق “محمد سياد بري” من العاصمة الصومالية، علماً بأن كلى الرئيسين الأسبق والحالي ينتميان إلى ذات العشيرة، ومع ازدياد الاحتقان شهدت العاصمة الصومالية أعمال مخلّة بالأمن، بدأت باكراً بمقتل مرافقي الوزير السابق “عبدالرحمن عبدالشكور” أحد المرشحين الرئاسيين الأعلى صوتاً بين منتقدي الرئيس، أثناء محاولة لاعتقاله، وانتهت بانشقاقات عسكرية حدثت مؤدية إلى موجة من النزوح الداخلي في العاصمة، أعادت إلى الأذهان فترة الصراعات بين أمراء الحرب في التسعينيات، إلى حين احتوائها بتدخل قيادات سياسية ولائية وزعماء قبليين معتبرين.

شرخ داخل الحكومة وشلل أمني

تصاعد الخلاف داخل الحكومة الصومالية، نظراً لإبطال رئيس الجمهورية محمد عبدالله محمد “فرماجو” لقرار رئيس وزرائه محمد حسين روبله، المعني بإيقاف فهد ياسين حاج طاهر رئيس وكالة الاستخبارات والأمن الصومالي “NISA”عن أداء مهامه مؤقتاً، في قرار اعتبر رد فعل على  فشل الأخير في وضع الحكومة التي يترأسها “روبله” في صورة حيثيات اغتيال “إكرام تهليل فارح” إحدى موظفات الوكالة، وازدياد الضغوط على الحكومة، نتيجة لتواني قيادتها طوال الشهرين الماضيين، عن إصدار ما يوضح موقف الوكالة من حادثتي الاختطاف والاغتيال، وما تلى ذلك من إصدارها بيانًا مؤداه اتهام الوكالة لجماعة الشباب المجاهدين المتطرفة، بتنفيذ جريمتي الاختطاف والقتل، ما حدى بالحركة لإصدار بيانٍ مقابله، تتبرأ فيه من دم الموظفة الشابة، وبروز رأي عام مصدّق لبيان الحركة، ما نتج عنه تراجع كبير في مصداقية الوكالة والحكومة بالمجمل.

انتقل الجدل من مسؤولية وكالة الاستخبارات عن اختطاف ومقتل أحدى موظفيها، إلى قانونية قرار رئيس الوزراء بالإيقاف المؤقت لـ”فهد” عن العمل، وتعيين ضابط ذي رتبة عسكرية عالية مكانه، و إصدار الرئيس عبر مكتبه بيانًا يطلب فيه من “فهد” الاستمرار بالقيام بمهامه، واعتبار قرار رئيس الوزراء بإيقافه مخالفًا لدستور البلاد.

لم يشهد الرأي العام الشعبي الصومالي، حالة من الانقسام والجدل سابقاً، بقدر ما شهده في الوقت الحالي، وحالة الانقسام تلك تنبئ بمخاطر حقيقية على سير عملية إعادة بناء الدولة الصومالية

ويعود الجدل الحاصل حيال قراري رئيس الدولة ورئيس وزرائه، إلى نقاط على رأسها انتهاء الولاية الدستورية للرئيس “فرماجو” منذ فبراير (شباط) من العام الجاري، وقيامه بتسليم صلاحياته الأمنية والإدارية المعنية بالشأن الانتخابي لرئيس وزرائه “روبله”، وهو ما أدى إلى انقسام حول مدى تلك الصلاحيات، ما بين معتبر أنّ اغتيال الموظفة، حدثٌ أمنيٌ خطيرٌ يؤثر على إمكانية حدوث الانتخابات المتعثرة أصلًا، وبين من اعتبر أن صلاحيات رئيس الوزراء وشرعيته مستمدة، من صلاحيات الرئيس الذي يقرر الدستور مسؤوليته عن الشأن الأمني، وخصوصًا تعيين وعزل القادة الأمنيين ومن ضمنهم “فهد” رئيس وكالة الاستخبارات والأمن الوطنيين.

ثمار الأزمات المتراكمة

لم يشهد الرأي العام الشعبي الصومالي، حالة من الانقسام والجدل سابقاً، بقدر ما شهده في الوقت الحالي، وحالة الانقسام تلك تنبئ بمخاطر حقيقية على سير عملية إعادة بناء الدولة الصومالية، فالتناقضات التي ظهرت على الساحة السياسية، كالمواجهات السياسية التي كادت أن تتحول إلى أخرى عسكرية داخل العاصمة، لم تكن سوى نتيجة للوعود غير المنطقية التي قطعها “فرماجو” على نفسه في حملاته الترويجية قبيل انتخابه، وما رددّه كثيراً في خطاباته الحماسية التي ألهب بها مشاعر مواطنيه في بداية فترة حكمه، وفي نهاية المطاف لم يتحقق كثير مما تم الوعد به، رغم وقوف المجتمع الدولي مع الدولة الفيدرالية، ودخول آلاف من الجنود الصوماليين المدربين داخلياً إلى الخدمة، مع المئات من الذين عادوا من دورات تدريبية في الخارج، فإن الأوضاع الأمنية لم تزدد إلّا سوءاً، بل انضافت إلى عوامل عدم الاستقرار، عوامل جديدة أدّت إلى حالة من عدم اليقين بالمستقبل، وهو ما كانت له آثار واضحة على الحالة الاقتصادية في العاصمة الصومالية، والمناطق المرتبطة بها.

وقد أدّى ما قامت به الغرفة الدنيا – مجلس الشعب – في 12 إبريل (نيسان) الجاري، من التصويت على التمديد لأعمالها لمدّة ستة أشهر إضافية، إلى زعزعة الثقة في مؤسسة سياسية مهمة، كانت منذ فترة طويلة هي الأساس لضمان تداول سلمي للسلطة في “مقديشو، حيث تحولت العاصمة من جديد إلى ساحة لتحركات عسكرية، أعادتها سنين طويلة إلى الوراء، وهو ما عكس التوجه العام لأهالي العاصمة، ونقل الأسر إلى خارج العاصمة، إثر نزوح الآلاف إلى أحياء إلى داخل العاصمة، وكذلك دفع بكثير من المغتربين العائدين، إلى تغيير الكثيرين خططهم  بالعودة إلى البلاد والاستقرار فيها مع أسرهم.