تغييرات في الخارجية الإيرانية تعيد الاتفاق النووي إلى الواجهة
ربما كانت العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني كما كان قبل خروج الولايات المتحدة منه أمرا صعبا للغاية لكن التعديل على الاتفاق لا يزال ممكنا وهو ما سيعمل عليه الجانبان الأمريكي والإيراني للوصول إلى حل مرضي للطرفين.
ولكل من الجانبين أهداف واضحة ومحددة، إيران تسعى لرفع العقوبات عنها لتعود إلى الحياة الطبيعية والولايات المتحدة تريد إيران خالية من السلاح النوي.
بعد تولي الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي ما زالت الصورة غير واضحة بالنسبة للمفاوضات المتعلقة بالاتفاق والصحافة الإيرانية تبدو منقسمة بشأن التوقعات المتعلقة بذلك.
ثم جاءت التغييرات في وزارة الخارجية الإيرانية لتزيد من حجم التكهنات والتناقضات في التوقعات.
وباستقراء هذه الوقائع تبدو إيران غير متعجلة لاستئناف التفاوض؛ وفي الوقت الذي تبدي فيه الصحافة الإيرانية آراء متعددة تبدو الصحافة المرتبطة بالمرشد وخصوصا صحيفة كيهان ملتزمة بمواقف متشددة من الواضح أنها مواقف أيديولوجية أكثر منها مواقف سياسية تعتمد على معلومات موثقة.
في الأسبوع الماضي اتفقت إيران مع وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تمديد الاتفاق المؤقت الذي أبرم بين الجانبين في فبراير الماضي بخصوص كاميرات المراقبة في المنشآت النووية على الرغم من معلومات متسربة عن تعطيل تلك الكاميرات.
لكن زيارة رئيس الوكالة كانت وفق بيان لها ناجحة وبناءة؛ ومن هنا رأى البعض أن هذه الزيارة قد تكون مدخلا مناسبا لاستئناف التفاوض.
لكن إيران وبحسب تصريحات رسمية قالت إنها تحتاج إلى ما يقرب من ثلاثة شهور لكي تكون مستعدة لاستئناف المفاوضات وهذا دفع الولايات المتحدة للتصريح بان صبرها آخذ بالنفاذ من المواقف الإيرانية.
وتجد القوى الغربية أن المهلة التي وضعتها إيران طويلة جدا، وقد صرح الرئيس الأمريكي أن حكومته لديها خيارات أخرى وإجراءات غير محددة لكنها تضع الدبلوماسية أولا فإذا فشلت ستلجأ لتلك الخيارات.
وسبق ذلك تصريح لوزير الخارجية الأمريكي قال فيه إن واشنطن تقترب من لحظة قد لا يكون فيها التفاوض مفيدا ولا يوصل إلى النتائج التي كانت مقصودة في الاتفاق.
ماذا يعني التصريح الأمريكي سواء لوزير الخارجية أم الرئيس؟ فالولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن الاتفاق أو على الأقل عن التفاوض لئلا تترك إيران طليقة وإيران من جانبها مضطرة لاستئناف التفاوض لأنها ترغب بشدة رفع العقوبات لإنقاذ اقتصادها ومواطنيها، فالجانبان بحاجة إلى التفاوض والجانبان بحاجة إلى الاتفاق.
كيف ستفاوض إيران في المرحلة القادمة؟ من غير الممكن معرفة الكيفية التي ستسير عليها المفاوضات.
التوقعات العامة أن التفاوض سيكون صعبا وشاقا خصوصا بعد أن عين الرئيس مفاوضا جديدا خلفا للمفاوض السابق عباس عرقجي الذي كان محسوبا على معسكر المعتدلين.
في التعيينات الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني لملء شواغر الوظائف العليا في وزارة الخارجية الإيرانية تم تعيين علي باقري قاني وهو أحد أقرباء المرشد في منصب مساعد وزير الخارجية.
وقد يكون بحكم منصبه مسؤولا عن ملف المفاوضات النووية، وقد كان قاني أحد أعضاء فريق التفاوض في السابق أيام حكم الرئيس محمود احمدي نجاد. وأثار تعيينه تكهنات بمزيد من التشدد الإيراني في التفاوض فقد كان من اشد المعارضين للاتفاق النووي عام ألفين وخمسة عشر..
يعرف عن قاني أنه ما بين عامي 2010 و2011 وأثناء التفاوض الأمريكي الإيراني في سلطنة عمان لتبادل محتجزين نقل رسالة من السناتور الأمريكي جون كيري الذي صار وزير خارجية فيما بعد إلى المسؤولين الإيرانيين.
وكان عنوان الرسالة (بناء الثقة في حوار جديد) لكن هذه الرسالة لم تصل إلى المسؤولين لأن قاني امتنع عن تسليمها لوزير الخارجية وقام بتسليمها لمجلس الأمن القومي الإيراني.
وكان يمكن لو أن الرسالة وصلت إلى وزير الخارجية في حينها على أكبر صالحي أن تُحدث اختراقا في العلاقات الأمريكية الإيرانية وأن توفر على البلدين خسائر الصراع الذي اندلع بينهما بعد ذلك.
توحي هذه المعلومات التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الصحفي الإيراني رضا وثوقی أنها كانت أول عرض أمريكي جدي للتفاوض مع إيران لبناء علاقات مستقرة بين الجانبين ويرى هذا الصحفي أن كيري كان شخصية مؤثرة في السياسة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت.
يأخذ كثيرون على قاني أن تخصصه الأكاديمي وهو في الشأن الاقتصادي لن يكون عامل نجاح له في التفاوض وبالتالي فانه ليس الشخص المناسب لهذه المهمة.
كما أنه لا يتحدث الإنجليزية وهو أمر قد يعيق عمله ويعد نقطة ضعف فيه.
قد يكون المقصود من هذا التعيين إذا ما ثبت انه سيتولى رئاسة فريق التفاوض الإيحاء بالتشدد لكن قد تكون له أغراض دعائية داخلية لكسب الرأي العام الإيراني.
لكن وجود خلافات جوهرية بين قاني ووزير الخارجية عبداللهيان قد لا يجعل الملف النووي بيد قاني أو قد ينقل من وزارة الخارجية إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
مع استمرار الضغوط الأممية على إيران يتوقع البعض مرونة في المواقف الإيرانية خلال التفاوض المقبل ويرى هؤلاء أن سياسة الرئيس رئيسي ستكون شبيهة بسياسة روحاني فيما يخص الملف النووي.
فكل ما يهم إيران اليوم هو التخلص من العقوبات ولا بد أنها ستكون موافقة ولو مضطرة للقيام ببعض التنازلات والقبول بأي تعديلات على الاتفاق لأن هذا هو السبيل الوحيد لرفع العقوبات.
على إثر زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران في الأسبوع الماضي علقت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية بالقول “إن الزيارة فرصة جديدة للدبلوماسية ويمكنها تهيئة الطريق لاستئناف محادثات فينا لإحياء الاتفاق النووي”.
يحمل هذا التعليق من جهة رسمية إيرانية رسائل قد تعني أن إيران لم تعد تريد المناكفة مع الغرب وكل ما تسعى إليه الآن هو رفع العقوبات التي لن ترفع إلا بالالتزام بالاتفاق.
وإلى حين تشكيل وفد التفاوض الإيراني بصورة نهائية تحاول إيران المناورة لكسب الوقت والحصول على تنازلات أمريكية.
من هنا كان إعلان رئيس الوكالة الذرية الإيرانية بضرورة إعادة تشغيل منشأة أراك مثلما كانت قبل الاتفاق.
فإيران ترى أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق لم يعد يلزمها.
وقد سبق للولايات المتحدة أن تساهلت قليلا في التفاوض في آخر عهد روحاني لأجل الوصول إلى اتفاق قبل انتخاب الرئيس الجديد وربما أراد الرئيس الجديد الآن أن يناور للحصول على مزيد من التنازلات لكن لا يبدو أن الولايات المتحدة ستقدم أي تنازلات بعد الآن.
الظروف الحالية التي تعيشها إيران والمعاناة التي يعانيها الإيرانيون كلها تستدعي من الرئيس التحرك بسرعة وعدم ترك الأمور على ما هي عليه لئلا يأتي وقت لا ينفع فيه التفكير الحكيم بأثر رجعي.