إيران تدخل عهد رئيسي

بتنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي وأدائه القسم أمام البرلمان بدأت إيران عهدا جديدا من الحكم الذي سيطر عليه المحافظون المتشددون الذين باتوا موجودين في كل مفاصل الدولة فأصبحت الكرة في ملعبهم وعليهم الآن أن يمارسوا الصلاحيات المخولة لهم وتصحيح مسار الدولة وخصوصا في المجالات التي كانوا ينتقدون نظام الرئيس حسن روحاني عليها.

حفل التنصيب الذي نقلته وسائل الإعلام لم يكن الحفل المثالي فقد علقت به بعض الشوائب التي عكرت صفوه.

فالمرشد خامنئي في خطابه وبعد أن وعد بأن المرحلة الجديدة في إيران تحمل الأمل والإلهام أبدى قلقه من عدم اكتمال التشكيلة الحكومية للرئيس الجديد مع أنه فاز بالمنصب منذ سبعة أسابيع.

أما الذي كان ملفتا فهو انتقاد الرئيس الجديد في خطابه لسلفه الرئيس حسن روحاني وإن كان لم يسمه بالاسم.

فانتقد النهج الاقتصادي الذي سارت عليه حكومة روحاني وعدم قدرتها على معالجة التضخم الذي وصلت نسبته إلى أربعة وأربعين في المئة وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ إيران.

ونقلت الكاميرات ملامح الغضب على وجه الرئيس السابق الذي استمع لخلفه على مضض وظل على عبوسه وهو يصطحب الرئيس الجديد إلى القصر الرئاسي ليتسلم مهامه.

أما في خطابه في حفل التنصيب فقد تعهد الرئيس الجديد بانه سيغير الوضع الراهن ويعمل على رفع العقوبات الأمريكية عن بلاده.

كما قال أمرا لافتا وهو إنه سيقبل بالاتفاق النووي مع الغرب إذا كان ذلك في مصلحة الشعب الإيراني.

ومن الطبيعي عندما يحين الوقت ويقبل بالاتفاق سيقول للإيرانيين أن الاتفاق في مصلحتهم بسبب النتائج الإيجابية التي ستترتب على القبول به.

فهل يستطيع الرئيس إبراهيم رئيسي أن يفك عزلة إيران مع العالم ومع الجوار العربي؟ هل يستطيع رئيسي أن يتخذ القرارات وحده من دون الحصول على مباركة الخامنئي؟ قد يسمح الخامنئي للرئيس الجديد في بعض الأحيان وبعض القضايا أن يعتمد على نفسه وعلى حكمته لكن قضايا أخرى كثيرة لن يستطيع أن يفرض فيها قراره الخاص إلا إذا استطاع إقناع المرشد به.

بطبيعة الحال توجهات الرئيس الجديد منسجمة مع توجهات المرشد وهو من معسكره ويحظى بكل دعم ممكن من الحرس الثوري.

كذلك فإن الدعم الذي يحظى به في البرلمان سيجعل من السهل عليه تمرير ما يريد من قوانين ليحدث التغييرات التي وعد بها.

لذلك يتوقع كثيرون أن تكون فترة حكم الرئيس رئيسي مختلفة كثيرا عن فترة سلفه حسن روحاني التي وصفت بانها كانت ضعيفة وان أداء إدارته لم يكن بالمستوى المطلوب.

في هذه الحالة هل سيسود الانسجام بين الرئاسة ومكتب المرشد بما يمكن إيران من حل مشكلاتها سواء الداخلية أو الخارجية وتنتقل بالفعل إلى مرحلة جديدة؟

هل سيظل الرئيس رئيسي متشددا؟ أم سيدرك أن المواقف في المنصب تحكمها اعتبارات عديدة مختلفة عن الاعتبارات آلتي تحكم المواقف خارج المنصب؟

تتوقع الصحافة الغربية أن الرئيس رئيسي سيظل متشددا وقد يتصادم مع الغرب لكن عادة ما يكون الواقع أغرب من كل التوقعات.

من المعروف أن المواقف تتغير بتغير المواقع وهذا أمر شائع عند أغلبية السياسيين والرئيس الإيراني قد يكون من هؤلاء.

فقد يجد الرئيس نفسه منحازا لمصالح شعبه فيقدم بعض التنازلات لأجل تحقيق أهداف أكثر أهمية من مجرد الشعبية والتأييد الجماهيري.

وعندما يكون الرئيس قويا ويحظى بدعم كامل من جميع أجهزة الدولة ومتحررا من وجود معارضة تنغص عليه يستطيع أن يحسم القرارات التي يريد.

من المتوقع أن المراقبين والصحافة ستقوم بالمقارنة بين أداء الرئيسين روحاني ورئيسي عند إعلان أي قرار مهم.

لكن هذه المقارنة لن تكون عادلة، فالرئيس روحاني كان مترددا بعض الشيء وضعيفا في كثير من الأحيان وكل ذلك لأنه كان محاصرا بمعارضة متشددة وقوية في البرلمان وفي الحرس الثوري وفي مكتب المرشد وفي بقية الأجهزة المؤثرة.

ولم يتردد الرئيس روحاني في آخر أيامه في الرئاسة أن يتهم البرلمان علانية بأنه عمل ضده وتسبب في إفشال كثير من إجراءاته وأن المجلس تسبب في بقاء العقوبات الأمريكية على الشعب الإيراني.

يواجه الرئيس إبراهيم رئيسي منذ اليوم الأول مجموعة مشكلات تكاد تكون مزمنة تعاني منها إيران.

بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية والتضخم الكبير في الاقتصاد هناك تذمر عام من نقص الخدمات ونقص المياه والبطالة إلى جانب تفشي وباء كورونا إذ وصل العدد التراكمي للإصابات إلى ما يزيد عن أربعة ملايين إصابة ووصلت أعداد الوفيات إلى ما يقرب من خمسة وتسعين ألف وفاة.

أما المشكلات الاقتصادية فيكاد الخبراء يجمعون أنها يمكن أن تجد حلا بمجرد أن تحل إيران مشكلاتها السياسية مع العالم الخارجي.

وقد حاولت إيران أن تصل إلى الاكتفاء الذاتي وتستغني عن العالم الخارجي لكنها لم تستطيع فعل ذلك.

وتعاني إيران مثل كل دول العالم الثالث من استشراء الفساد وسوء الإدارة والمحسوبيات والترهل الإداري في الأجهزة الحكومية، وهناك إخفاق واضح في إدارة أزمة وباء كورونا.

فيما يخص الاتفاق النووي مع الغرب قد يجد الرئيس نفسه مضطرا لقبول الاتفاق كما هو أو مع بعض التعديلات الطفيفة كما تريد الولايات المتحدة.

قبول الاتفاق سيكون السبيل الوحيد لإزالة العقوبات واستعادة الأرصدة المجمدة في الخارج وبالتالي تفعيل الاقتصاد الإيراني وتصدير النفط ودوران عجلة التنمية.

وسيكون على إيران أن تواصل محاولات التفاهم مع جيرانها عبر القنوات الخلفية في البداية إلى حين الوصول إلى اتفاق يعيد العلاقات مع الجيران إلى الوضع الطبيعي.

فاستمرار التوتر مع الجيران لن يكون في مصلحة إيران، والرئيس رئيسي يمكنه القيام بمثل تلك الخطوات لأنه لا يواجه أي معارضة قوية يمكن أن تقف في وجهه.

لقد ظل التيار المحافظ الذي ينتمي إليه الرئيس رئيسي ينتقد طريقة الإصلاحيين في الحكم وينتقد إجراءاتهم في إدارة الأزمات من دون تقديم الحل البديل.

الآن الكرة في ملعب المحافظين وفي حال وجود أي تقصير لن يجدوا من يلومونه غير أنفسهم.