مشهد سياسي معقد في إيران قبل انتخابات الرئاسة

بانتهاء المدة القانونية لتسجيل المرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية تبدأ المرحلة الأهم وهي موافقة مجلس صيانة الدستور على ترشحهم وهي عملية تدخل فيها عوامل كثيرة تتعلق بمدى ولاء المرشحين للمرشد ومدى التزامهم بالخط السياسي للجمهورية الإسلامية وتوافقهم مع معايير المجلس لقبول ترشحهم.

وبين موافقة المجلس في السابع والعشرين من الشهر وموعد الانتخابات في الثامن عشر من الشهر المقبل ليس للمرشحين سوى ثلاثة أسابيع للقيام بالحملة الانتخابية وهذه فترة غير كافية لتحقيق زخم انتخابي مع أن بعض المرشحين بدأوا بالفعل حملتهم منذ بعض الوقت.

رسمت استطلاعات الرأي صورة بائسة وكئيبة وأحيانا متشائمة للانتخابات القادمة. وبحسب هذه الاستطلاعات لا يتوقع الإيرانيون تغييرات جذرية وجدية من الإدارة القادمة، فتجارب العهود السابقة كشفت كم هو صعب على الرئيس أن يمارس دوره بنجاح طالما أنه مقيد بأكثر من جهة وخصوصا مكتب المرشد ولا يستطيع أن يكون حرا في اتخاذ قراراته.

ومثل كل الانتخابات الإيرانية، هناك بعض المفاجآت التي تكشف تحديا من قبل بعض المرشحين غير التقليديين. فقد أظهرت بعض وسائل الإعلام الإلكترونية أحد المرشحين في مكتب تسجيل يرتدي ربطة عنق وهو أمر غير مألوف في إيران وكأنه يريد إظهار التحدي بقوة وقد حمل لافتة تعبر عن موقف سياسي لا بد أنه يمثل شريحة عريضة من السياسيين الإيرانيين وقد جاء فيها: السياسة ليست مكان المهندسين العسكريين ولا الفقهاء، السياسة ساحة علماء العلوم الإنسانية.

تحديات وأزمات تنتظر انتخابات الرئاسة الإيرانية

مرشح رئاسي في إيران يحمل لافتة كتب عليها السياسة ليست مكان المهندسين العسكريين ولا الفقهاء- مصدر الصورة: تويتر

وفي هذا الشعار رد بليغ على المرشحين من القطاع العسكري أو قطاع الملالي.

وفي تحدٍ آخر جاءت إحدى المرشحات إلى مركز التسجيل على دراجة مع أن النظام يمنع النساء من استخدام الدراجات لكن التحدي بهذا الشكل يعني أنه رسالة قوية إلى النظام.

أما أبرز المفاجآت فكانت ترشح الرئيس الأسبق محمود احمدي نجاد الذي ذهب إلى وزارة الداخلية لتسجيل ترشحه بمرافقة العشرات من أنصاره ومؤيديه الذين كانوا يهتفون له وأظهروه في حالة تحدي للنظام. وبعد التسجيل نشر بيانا قال فيه إنه إذا تم استبعاده من قبل مجلس صيانة الدستور فإنه لن يقبل بالانتخابات ولن يشارك في التصويت ولن يؤيد أحدا من المرشحين.

وهتف أنصار احمدي نجاد بهتافات كان قد رددها المحتجون في العام ألفين وتسعة عشر أبرزها شعار “انتهت اللعبة: هذه نهاية المتطرفين ونهاية الإصلاحيين”.

يعتقد أحمدي نجاد أنه قادر على الفوز لكن من غير المتوقع أن يوافق مجلس صيانة الدستور على ترشحه فقد سبق أن تم رفضه في انتخابات ألفين وسبعة عشر.

السؤال المهم الآن لا يتعلق بأسباب غضب أحمدي نجاد وتحوله إلى ناقد للنظام وللمرشد وللرئيس بل السؤال الأهم هو لماذا يمكن لمجلس صيانة الدستور رفض ترشيحه للمرة الثانية وهو المنتمي للتيار المحافظ وكان رئيسا لولايتين وكان يبدو منسجما كل الانسجام مع توجهات النظام؟

يمكن الاستدلال على موقف المجلس من خلال الرد غير المباشر على بيان أحمدي نجاد الذي جاء على لسان أحمد خاتمي خطيب الجمعة في طهران بقوله: “ليعلم هؤلاء أنهم يجلسون على طاولة النظام ويأتون إلى السلطة وفق الدستور ويتم انتخابهم بهذه الطريقة وإذا رفضهم القانون لعدم تأكيد أهليتهم يقولون سنقاطع الانتخابات وذلك يعني أنهم لا يقبلون النظام ولا الدستور”.

يمكن الاستدلال من هذا القول إن توجه النظام سيكون رفض ترشح أحمدي نجاد أما إذ تمت الموافقة على ترشحه فهنا يمكن للنتائج أن تكون مختلفة.

من المتوقع أن يرفض مجلس صيانة الدستور الكثير من المرشحين، فقد وضع المجلس مجموعة معايير للمرشح الذي سيحظى بالموافقة لكن المجلس قد يرفض قبول أي مرشح بدون إبداء الأسباب الحقيقية.

المفاجأة الأخرى في الانتخابات الإيرانية كانت إعلان وزير الخارجية محمد جواد ظريف رسميا أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية.

يخشى ظريف أن يرفضه مجلس صيانة الدستور لأنه متهم بحمل جنسية أجنبية وهذا مخالف لمعايير المجلس مع أنه ينفي التهمة.

كذلك اتهم ظريف بأنه تحدث عن قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني بما لا يعجب النظام وهذا ليس في صالحه.

ورغم نداءات من كثير من الإصلاحيين الذين يرون فيه أفضل من يمكن أن يقود البلاد إلا أنه أصر على رفض الترشح وأكد أن ترشحه لن يكون في مصلحة الوطن أو الشعب الإيراني.

ربما كان إعلان ظريف عدم ترشحه مفاجئا للإصلاحيين الذين خسروا مرشحا صاحب خبرة سياسية ودبلوماسية كان يمكن لهم أن يلتفوا حوله ويدعموه حتى الفوز بالرئاسة.

لكن ظريف بالتأكيد يدرك أنه لو فاز فلن يتمكن من العمل بحرية في ظل نظام ولاية الفقيه الذي يحاصر مؤسسة الرئاسة من كل الجهات.

عند استقراء تصريحات المرشد وتعليقات الصحف يمكن توقع شخصية المرشح صاحب الحظ الأوفر.

يريد خامنئي من الرئيس الجديد أن يكون ثوريا وجهاديا وان يكافح ضد الفساد وأن تكون لديه مواهب إدارية.

وعندما يقول رئيس تحرير صحيفة كيهان المرتبطة بالمرشد والحرس حسين شريعتمداري أن جميع المرشحين من الإصلاحيين أو المحافظين غير مؤهلين لحمل مسؤولية الرئاسة باستثناء إبراهيم رئيسي ففي هذا مؤشر واضح لتوجه ما.

انتقد شريعتمداري الجميع لكنه يقول عن رئيسي إنه يمكن أن يوحد الناخبين وراءه؛ ففي انتخابات ألفين وسبعة عشر استطاع إبراهيم رئيسي أن يحصد سبعة عشر مليون صوت انتخابي وقد يحصد أكثر هذه المرة.

كان شريعتمداري يتحدث عن بعد مع صحفيين ورؤساء تحرير في محاولة فسرت على أنها تهدف إلى إظهار وجهة نظر المرشد في المرشحين.

وعندما يخص ثلاثة مرشحين محتملين ببعض التفاصيل وهم إبراهيم رئيسي وسعيد محمد وحسن خميني ففي هذا بعض المعاني المهمة.

أما حسن الخميني فقد تحدث معه المرشد ونصحه بعدم الترشح وقد يفعل؛ ولذلك قد تنحصر المنافسة الأخيرة بين رئيس الجهاز القضائي إبراهيم رئيسي الذي سجل ترشيحه رسميا يوم السبت الماضي وبين سعيد محمد من الحرس الثوري الذي كان يرأس شركة خاتم الأنبياء للمقاولات التابعة للحرس.

في ظل الظروف الحالية البائسة التي تعيشها إيران فقد كثيرون الأمل بان أصواتهم في الانتخابات ستحدث فرقا ويرون أن مشاركتهم أو عدمها ستكون بنفس النتيجة وباتوا يعتقدون أن الحاكم الأوحد هو المرشد وان الرئيس مجرد صورة.

الأداء الضعيف للرئيس روحاني وعدم قدرته على الوفاء بكل التزاماته وتزايد الضغط الاقتصادي على الناس سيؤدي إلى أن تكون نسبة المشاركة في التصويت ضعيفة توقع لها البعض أن تكون بين 24-28 في المئة وبناء عليه فإن الرئيس الفائز قد لا يحصد ما يكفي من الأصوات التي تصنع له شرعية تدعم مركزه وسيظل يعاني من قلة التأييد الشعبي وفي هذا فوز لمصلحة للنظام ولكن ليس لمؤسسة الرئاسة.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن