الحرب السيبرانية بين إسرائيل وإيران

لم يكد يمضي أسبوع على تعرض سفينة إيرانية في البحر الأحمر لهجوم مجهول المصدر قالت إيران انه إسرائيلي حتى تم الإعلان عن تعرض منشاة نطنز النووية الإيرانية لحادث وصف بأنه عمل إرهابي متعمد.

وكالعادة لم تقدم الجهات الرسمية أي تفسير لكن الناطق الرسمي باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية قال إن الأسباب باتت معروفة دون الكشف عن تفاصيل إضافية محتجا بأن الأمر لا يزال قيد التحقيق.

وتتمثل خطورة الحادث في أنه يقع بينما لا تزال المحادثات الأمريكية الإيرانية الحارية في فيينا مستمرة بشأن العودة إلى الاتفاق النووي.

كذلك تأتي هذه العملية بعد أربع وعشرين ساعة من قيام الرئيس الإيراني حسن روحاني بتدشين وتشغيل أجهزة الطرد المركزي الجديدة التي تفوق قدرتها قدرة الأجهزة القديمة بخمسين مرة حسب ما نشرت وسائل الإعلام الإيرانية.

الحادث الذي لم تعلن إيران عن تفاصيله كان مصدره إلكتروني أدى إلى تخريب شبكة الكهرباء في المنشأة ومن ثم أدى إلى توقف عمليات التخصيب التي لم تكد إيران تبدأ بها مجددا في المنشأة.

لكن بعد ساعات قليلة من الإعلان عن وقوع الحادث بدأت وسائل إعلام إسرائيلية تنشر تسريبات من جهات أمنية إسرائيلية وأجنبية معلومات تشير بوجود أصابع إسرائيلية خفية وراء هذا الحادث وغيره من الحوادث المشابهة بل إن بعض تلك الوسائل قال مباشرة إن العملية قام بها جهاز الموساد الإسرائيلي.

وترى أوساط إيرانية أن عملية التخريب التي تعرضت لها منشاة نطنز تهدف إلى الإضرار بالمفاوضات المتعلقة بالعودة إلى الاتفاق النووي.

وهذه الإشارة ترتبط بصورة ما بتصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي أثناء زيارة وزير الدفاع الأميركي لإسرائيل الذي قال إن حكومته ستتعاون مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي.

وبحسب الصحافة الإسرائيلية التي كشفت عن كثير من التفاصيل المتعلقة بالحادث فقد نشرت تلميحات غير مباشرة صدرت عن رئيس الأركان الإسرائيلي أشار فيها إلى أن إسرائيل تقف وراء هذه الهجمات عندما قال إن عمليات الجيش الإسرائيلي باتت معروفة للجميع في المنطقة لكنها بعيدة عن أعينهم.

الخبراء الغربيون تحدثوا عن دور الموساد الإسرائيلي في العملية وكذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية التي وصفت الحادث بانه صفعة للبرنامج النووي الإيراني.

ويعتقد الخبراء أن حجم الدمار الذي نتج عن الهجوم السيبراني أكبر بكثير مما أعلنت عنه إيران والذي يأتي ضمن الحرب السيبرانية.

فالدمار الذي وقع أصاب برنامج التخصيب الجديد إصابة بالغة بالإضافة إلى انه عطل شبكة الكهرباء التي تزود المنشاة.

وبحسب بعض ما تسرب من معلومات فإن الهجوم الإلكتروني قضى على نظام الطاقة الداخلي الذي يعمل على تشغيل أجهزة الطرد المركزي الموجودة تحت الأرض.

وبحسب الخبراء سيؤدي الحادث إلى تراجع الإنتاج لمدة تسعة شهور على الأقل قبل أن تعود المنشأة للعمل مثلما كانت قبل الحادث.

يخشى المراقبون أن يعزز حادث نطنز من موقف التيار المحافظ في إيران للإضرار بالرئيس حسن روحاني ومن ثم تعقيد العودة إلى الاتفاق النووي وهذا سيضعف فرص التيار الإصلاحي في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة.

لم تكن إسرائيل راضية عن الاتفاق النووي منذ البداية لاعتقادها أنه يتيح لإيران إنتاج السلاح النووي عاجلا أو آجلا وتؤكد أنها لا تستطيع التعايش مع إيران نووية وترى فيها تهديدا مباشرا.

قبل شهرين تسربت أنباء إسرائيلية عن قيام الجيش الإسرائيلي بتدريبات خاصة بشأن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ويبدو أن التدريبات المقصودة في التصريح كانت تدريبات سيبرانية.

وقد سبق أن تعرضت بعض المنشآت الإيرانية الحساسة لانفجارات مجهولة وحرائق لم تعرف أسبابها وتحدثت مصادر عن أصابع إسرائيلية تحكمت بذلك عن بعد عبر الفضاء السيبراني.

ويبدو أن إسرائيل قررت الاستعانة بالعمليات السيبرانية الانتقائية ضد المنشآت الإيرانية النووية.

وتتميز الضربات السيبرانية إذا كانت محكمة بفاعلية عالية وتتفادى مخاطر القيام بعملية عسكرية تقليدية قد تجلب أخطارا حقيقية لا يمكن تفاديها.

وبينما تتجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل يتساءل البعض هل القدرات الإسرائيلية كافية وحدها لتسهيل الأمر عليها؟

تملك إسرائيل إمكانية استخدام قدراتها السيبرانية بكفاءة عالية ضد إيران ويرى الخبير الأردني في الأمن السيبراني رائد سمور أن إسرائيل هي الدولة الأولى في العالم في مجال التفوق السيبراني إلى جانب الصين وأمريكا وروسيا ولذلك فإن قدراتها بحسب الخبير سمور تمكنها أن تصل إلى المنشآت النووية الإيرانية وتخريبها.

والأمر وفقا لهذا الخبير لا يتطلب أكثر من وجود نافذة للوصول إلى تلك المنشآت عن طريق عملاء وجواسيس.

ومن استطاع أن يصل إلى علماء الذرة الإيرانيين لاغتيالهم يمكنه أن يصل إلى تلك المنشآت ليفتح فيها ثغرة تتيح لإسرائيل الوصول إليها عبر أجهزة تجسسها الإلكترونية لتنفيذ الهجوم الذي تريده.

ويشير خبير الأمن السيبراني رائد سمور في الحديث معه إلى احتمال وجود خلايا الكترونية نائمة في الأجهزة الإيرانية نفسها تتيح الاتصال الإلكتروني بها لكي تقوم بالتخريب المطلوب.

لم يكن من عادة إسرائيل أن تكشف بسرعة عن عملياتها ضد المصالح الإيرانية سواء في إيران أو خارجها.

لكن هذا الهجوم على ما يبدو كان كبيرا ومؤثرا إلى درجة دفع إسرائيل للإعلان عنه ولو بصورة غير رسمية عبر وسائل إعلام محلية وأجنبية.

فلماذا تعلن إسرائيل عن دورها في الهجوم الذي تزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي فاستغلت المناسبة ليدرك الوزير الأمريكي الموقف الإسرائيلي بوضوح بانها لن تقبل بوجود إيران نووية، وقد سبق لإسرائيل أن أبلغت الولايات المتحدة أنها ستتصرف وحدها إن لزم الأمر.

وبطبيعة الحال لا يمكن معرفة ما إذا كانت إسرائيل حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة للقيام بهذه العملية أم لا لكن يمكن التقدير بأنه ما دام العمل قد تم ضمن نظام الجهد الاستخباراتي وبواسطة الفضاء السيبراني من دون أي تدخل لوجستي للطائرات والقاذفات فإن الولايات المتحدة قد تغض الطرف عن التصرفات الإسرائيلية وتستخدمها للضغط على طهران للقبول بالشروط الأمريكية للعودة إلى الاتفاق النووي.

لقد تغيرت أشكال الصراع وأدواته واستخدام المجال السيبراني في الحرب قد يأتي بنتائج مؤثرة قد لا تكون حاسمة أو جذرية لكنها قد تفتح الباب لمزيد من الصراعات بكافة أشكالها.