إيران والقاعدة

في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كشف وزير خارجيته مايك بومبيو ما قال إنها أسرار جديدة عن علاقة مستمرة بين إيران وتنظيم القاعدة.

وقال بومبيو إن ما يعلنه هو معلومات استخبارية معروفة لدى واشنطن رفعت عنها السرية وإن هذه العلاقة تشكل تهديدا جديدا للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الجوار.

وكشف بومبيو أيضا أن إيران ومنذ أعوام سمحت لأعضاء في تنظيم القاعدة بالتواصل بحرية مع أعضاء آخرين في التنظيم وكذلك القيام بنشاطات مختلفة.

ولخص بومبيو أقواله بعبارة “إن إيران باتت مقرا جديدا لتنظيم القاعدة”.

هل كانت تصريحات الوزير الأمريكي لمجرد التصعيد مع إيران خاصة وأنها جاءت في الوقت الضائع لولاية دونالد ترامب أم كانت تمهيدا لعملية عسكرية ضد إيران تم إيقافها في الدقائق الأخيرة؟ أم هل كانت نوعا من الضغط على الإدارة الجديدة ووضع العراقيل أمامها قبيل المفاوضات المتوقعة بشأن الاتفاق النووي؟

لقد حمل وزير خارجية ترامب لواء التحريض مستندا إلى تلك العلاقة مع القاعدة، وربما كان سيربط بين البرنامج النووي الإيراني والعلاقة مع تنظيم إرهابي ليثير مخاوف الرأي العام الأمريكي ويشكل ذريعة لمهاجمة إيران مثلما فعلت إدارة الرئيس بوش قبيل مهاجمة العراق عندما ربطت بين أسلحة الدمار الشامل العراقية المفترضة وعلاقة من نوع ما مع القاعدة.

لكن إدارة ترامب رحلت عن البيت الأبيض والإدارة الجديدة برغم تشددها تجاه إيران لا تبدو معنية بشن حرب عليها بسبب القاعدة فهي تعلم أن القاعدة الآن في أضعف أطوارها وإيران مشغولة وغارقة بكارثة كورونا وكذلك الولايات المتحدة والجانبان غير مستعدين لأي مواجهة ساخنة في الوقت الراهن.

المعلومات التي نشرتها الولايات المتحدة أخيرا منقولة عن وثائق حصلت عليها الاستخبارات الأمريكية من مقر بن لادن بعد تصفيته في باكستان عام 2011 وتشير إلى علاقات بين إيران وتنظيم القاعدة وتثبت ذلك رسائل متبادلة بين قادة القاعدة تم العثور عليها وتشير إلى أن إيران وفرت ملاذات آمنة لبعض أولئك القادة الذين كانوا يعبرون الحدود ما بين إيران وكل من باكستان وأفغانستان.

ويستدل خبراء الوثائق على ذلك بالتحديد برسالة من أحد قادة داعش ينتقد فيها أيمن الظواهري لأنه طلب من عناصر التنظيم عدم مهاجمة المصالح الإيرانية.

تؤكد تلك الوثائق وجود بعض قادة التنظيم في إيران من عام ألفين وواحد على الرغم من أن إيران تقول إنها أجبرتهم على مغادرة أراضيها.

وبحسب الوثائق أيضا اعتبر مقتل الرجل الثاني في القاعدة أبو محمد المصري في طهران دليلا قويا على وجود تلك العلاقة.

وبعيدا عن الرد الإيراني الرسمي على التصريحات الأمريكية بشأن التعاون بين إيران والقاعدة فقد سبق ونشرت معلومات عن هذا التعاون تتعلق بالعملية التي استهدفت المدمرة الأمريكية كول قبالة سواحل اليمن وذكر في حينه أن إيران قدمت مساعدة مهمة للقاعدة لتنفيذ العملية.

ومعروف أن إيران تدعم وأحيانا تمول تنظيمات تتفق معها سياسيا وأيديولوجيا وتعادي الولايات المتحدة وتستخدمها كأدوات لتحقيق مصالح معينة.

لكن التحالف مع القاعدة أو التعاون معها كان من باب الاضطرار وتبادل المصالح، وقد سألت لواء المخابرات المتقاعد مروان العمد عن تلك المصالح فقال “إن إيران سعت لجمع شيعة العراق حولها لاستخدامهم أداة لتسهيل سيطرتها وخدمة أهدافها هناك.

ولذلك عملت على تسهيل دخول عناصر القاعدة الموجودين على أراضيها إلى العراق بحجة مقاومة القوات الأمريكية لكن هدفها الحقيقي والخفي كان خلق ظروف مناسبة تؤدي إلى صدام مسلح بين السنة والشيعة لكي يضطر الشيعة إلى طلب الحماية الإيرانية”.

لم تكن إيران يوما على وفاق مع تنظيم القاعدة، والجانبان من الناحية المذهبية والأيدلوجية في حالة صدام وكان هناك بعض من قادة التنظيم معتقلين في سجون إيران وربما استخدمتهم طهران كرهائن لفرض بعض المطالب على القاعدة.

كما فرضت إيران على الذين لجأوا إليها من القاعدة شروط إقامة قاسية جدا وكأنهم في حال إقامة جبرية.

كانت خسارة القاعدة للملاذ الآمن في أفغانستان والمخاوف من توجهات الحكومة الباكستانية عاملا مهما في توجه القاعدة لقبول التعاون مع إيران لأسباب تكتيكية فالعلاقة بين الجانبين لا يمكن أن تصل إلى مرحلة التعاون الاستراتيجي بعيد المدى.

وعندما غادرت القاعدة أفغانستان بعد التواجد الأمريكي غادر قسم من عناصر القاعدة إلى إيران بينهم قياديون ومنهم أبو مصعب الزرقاوي.

بدأت العلاقة بإرسال عائلات بعض القادة أثناء الحرب في أفغانستان وتلا ذلك هروب بعض القادة الذين نجوا من القصف الأمريكي إلى إيران والاحتماء هناك ريثما يتم نقلهم إلى مناطق أخرى.

وهذا ما دفع القاعدة لمهادنة إيران والتفاهم معها لتحقيق مصالح متبادلة؛ فقد كانت مصلحة القاعدة حماية قادتها وضمان ممرات آمنة لهم بينما كانت مصلحة إيران تفادي خطر القاعدة وإبعاده عن مصالحها في العراق وسوريا، فتنظيم القاعدة لا يزيد عن كونه مجرد ورقة تلعبها إيران.

فما الذي يجمع إيران والقاعدة؟ ليس بينهما أي شيء مشترك غير العداء للولايات المتحدة والديمقراطية الغربية والاتفاق إن كان موجودا فهو مؤقت واتفاق مصالح وليس اتفاق استراتيجيات. فالأصل في العلاقات بين إيران والتنظيمات الإرهابية التي لا تلتزم مذهبها وسياستها عداء استراتيجي لكن الدول في العادة تتجاوز ذلك باتجاه المصالح.

كانت لإيران مصلحة باستخدام القاعدة في العراق فقد زاد معدل الأعمال الإرهابية؛ وبحسب اللواء مروان العمد “انتشرت المخاوف في أوساط شيعة العراق فدعموا النفوذ الإيراني توخيا للحماية وتم في الوقت نفسه تشويه صورة سنة العراق ووصمهم بالإرهاب”.

كما كان من مصلحة إيران تنفيذ عمليات ضد الولايات المتحدة تستفيد من نتائجها وتظل بعيدة عن الاتهام.

فقد استخدمت إيران القاعدة في سوريا لإطالة أمد الحرب الأهلية وهذا أعطى إيران المبرر والمسوغ لتعزيز نفوذها هناك.

يرى البعض أن إيران قد تستخدم نفوذها على القاعدة لتحسين شروط تفاوضها مع الولايات المتحدة بخصوص الملف النووي وتبيع القاعدة للولايات المتحدة.

لكن اللواء العمد يعتقد أن هذا غير ممكن في الوقت الحاضر لسببين “الأول هو أن إيران استنفذت أغراضها من تنظيم القاعدة والثاني هو أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى ذلك”.

في الظاهر مثل هذه العلاقات لا تبدو منطقية ولكن مثلما هو الحال في كل دول العالم فالأجهزة الأمنية تقيم نوعا من العلاقات مع تنظيمات وجماعات أجنبية لأجل مصالح أمنية تعرفها تلك الأجهزة من دون أن تكون السلطات المدنية مطلعة على التفاصيل وخصوصا في الدول التي تحكمها أنظمة أمنية.

لهذا فالعلاقة الإيرانية مع القاعدة لا بد أنها نتاج وصياغة الأجهزة الأمنية وليس وزارة الخارجية ولذلك فقد يكون وزير الخارجية الإيراني صادقا في نفيه تلك العلاقات لكن السبب في صدقه أنه لا يدري التفاصيل.

في العلاقات الدولية تتحكم المصالح وليس التوافقات الأيديولوجية فالخلافات والتناقضات بين نظام طهران وتنظيم القاعدة معروفة ومكشوفة وواضحة ولكن عندما يتعلق الأمر بالمصالح توضع الخلافات جانبا وتتشابك الأيدي إلى حين.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن