أخبار الآن | واشنطن – الولايات المتحدة الامريكية (مقال رأي)
إن وباء فيروس كورونا الذي بدأ في الصين و قام بقتل أكثر من 330,000 شخص في العالم حتى الآن وتسبب في أكبر أزمة اقتصادية منذ عام 1929، سيكون نقطة تحول في تاريخ مجتمعاتنا البشرية. لن يبقى شيء على حاله أبداً بعد الآن، وأكثر من أي وقت مضى، لقد تغيرت علاقة المجتمع الدولي مع الصين إلى الأبد. هذا لا ينطبق فقط على الولايات المتحدة التي أخذت زمام المبادرة في مواجهة النظام المارق في بكين، بل ينطبق أيضًا على الدول الأخرى في أوروبا وآسيا والأمريكيتين وأفريقيا و أوقيانوسيا.
في حين أن جميع الدول قد لا تتفق على مصدر منشأ الفيروس، سواء كانت المختبرات في ووهان أو الأسواق الرطبة، فإن إتفاق الجميع حول دور الصين الشنيع في خطورة الوباء يكاد يكون بالإجماع. ومن المثير للاهتمام أن صحيفة واشنطن بوست المناهضة لترامب وذات الميول اليسارية هي التي قادت التغطية الصحفية على أكاذيب الصين وتسترها على هذه الأزمة منذ بداية جائحة كوفيد-19. وكما كتب أبرز كاتبي الصحيفة ديفيد إغناتيوس ببراعة: “ليس لدى الحكومة الصينية أحد لكي تلقي باللوم عليه سوى نفسها. حيث أنها قامت بحجب الحقيقة وإخفاءها”. بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم وكالات الاستخبارات الغربية تردد التقييم ذاته. فعلى سبيل المثال، تعتقد وكالات الإستخبرات الألمانية أن الزعيم الصيني شي جين بينغ طلب بشكل شخصي من رئيس منظمة الصحة العالمية الشيوعي الإثيوبي الودود الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن يقوم بحجب المعلومات التي توضح إنتقال الفيروس بين البشر وأن يقوم بتأخير الاستجابة العالمية لمدة 4-6 أسابيع في بداية تفشي المرض. كما أبلغت وكالات الاستخبارات البريطانية مرارًا وتكرارًا الحكومة البريطانية عن تستر الصين على الحجم الحقيقي للوباء. و أعرب الرئيس الفرنسي ماكرون عن شكوكه حول دقة الإدعاءات الصينية عن تفشي وباء كوفيد-19: “من الواضح أن هناك أشياء قد حدثت و لا زلنا لا نعرف عنها شيئاً”. وفي اليوم التالي لهذا التصريح، صدر خبر يحمل أفضل عنوان لهذا العام: “الصين تنفي تسترها عن وباء كوفيد-19، في حين أنها تصحح عدد الوفيات في ووهان بزيادة تبلغ 50%”.
و في ضوء ذلك، قامت أستراليا بزيادة الضغط المتزايد على الصين بسبب تعاملها مع فيروس كورونا المستجد، حيث أنها طالبت بإجراء تحقيق دولي حول مصدر ومنشأ الفيروس وكيفية انتشاره. وانضمت نيوزيلندا أيضًا إلى هذا النزاع من خلال مطالبتها للشفافية من قِبل الصين. كما طالب وزير الصحة السويدي بإجراء تحقيق شامل من الاتحاد الأوروبي للتحقق من “مصدر و كيفية انتشار فيروس كورونا”.
من الواضح تمامًا أنه الاتحاد الأوروبي قد انحنى في البداية إلى بكين ووافق على الرقابة الصينية لمصدر كوفيد-19. ولكن في سياق فيروس كوفيد-19، قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي بوريل أن “الصين تحاول زرع الإنقسامات والتحكم في أوروبا”. ومن المنعش تمامًا أن نرى أن أحد الانتقادات الأكثر تفاؤلاً ضد نظام الحزب الشيوعي الصيني جاء من المتحدث باسم السياسة الخارجية لحزب العمال البريطاني، ستيفين كينوك، الذي قال إن المملكة المتحدة بحاجة إلى التصدي للترهيب الاقتصادي الصيني. وأضاف أن الصين تقدم نفسها كمنافس للديمقراطية وأنها تقوم بالتلاعب بالمملكة المتحدة، وأنجز بقوله أن التحكم في نهوض الصين هو التحدي الجيوسياسي الأهم الذي يواجهه العالم الآن.
ومن المثير للدهشة أن الغضب من سلوك الصين قد امتد ليشمل عالم الأعمال. حيث دعى الرئيس التنفيذي الألماني لشركة النشر “أكسل سبرينغر” إلى مقاطعة حاسمة، “ليست هناك حاجة للخطابات المحبوكة بدقة، نحن بحاجة إلى سن قرار سياسي رئيسي، و الإختيار ما بين الصين أو الولايات المتحدة. لم يعد من الممكن أن نتعامل مع كليهما. هل يجب أن نسمح لرأسمالية قوة عالمية استبدادية بالاستمرار في التسلل أو حتى السيطرة على الصناعات الرئيسية؟ ”
ونتيجة لهذا الانتقاد الواسع للغاية، فقد خسر نفوذ الصين الكثير، حيث أن عدداً من شركائها التجاريين بدؤوا بالتراجع. وفي محاولة واضحة لكي تقوم الصين بتشكيل القصة عالمياً، قامت الصين بشراء إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك فيسبوك و تويتر. وعلى الرغم من ذلك و على الرغم من حملة العلاقات العامة الضخمة، حذر تقرير صيني داخلي بكين من مواجهة رد فعل عالمي مشابهة لمظاهرات ساحة تيانانمن وعواقب جيوسياسية سلبية كبيرة للصين. فبعد استخدام القوة الناعمة من غير نجاح، عادت الصين إلى سياستها المعتادة في البلطجة. و منها على سبيل المثال إيقاف جزء كبير من واردات لحوم البقر من أستراليا والتلميح إلى تعريفات جمركية زراعية حادة جديدة.
ردود الفعل العكسية لسياسة الصين قد وصلت بالفعل إلي عالم الأعمال، وما زالت هناك عواقب سلبية قادمة. وقالت مفوضة الشؤون التنافسية في الاتحاد الأوروبي، مارغريت فيستاغر، “أوروبا يجب أن تكون “متيقظة” بشأن استحواذ الشركات الصينية على القارة”. وأضافت أن المستثمرين الصينيين ربما يدعمون الشركات فقط من أجل “إخراج التكنولوجيا”. مرددًا الرأي ذاته، قال الرئيس السابق لوكالة الإستخبارات السرية البريطانية، جون ساورز، أن الغرب بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لإيقاف شراء الصين للتكنولوجيا الاستراتيجية والشركات الخاصة بها، بما في ذلك شركة تصميم الرقاقات البريطانية “Imagination Technologies”، وهي شركة تصنع إجمالي ثلث شرائح معالجة الرسومات المستخدمة في الهواتف المحمولة والبرمجيات، من أجل رصد ما يسمى “الأبواب الخلفية” أو نقاط الضعف في الشبكات. والأهم من ذلك أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد تراجع عن قراره بتسليم عقد البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس 5G إلى شركة هواوي الصينية. والآن في أعقاب فيروس كوفيد-19، قرر بوريس جونسون تقليص دور شركة هواوي تماماً إلى الصفر بحلول عام 2023.
وفي مقالة افتتاحية بارزة للغاية في صحيفة واشنطن بوست، قام اثنان من الاقتصاديين البارزين، روبرت أتكينسون وكلايد بريستويتز، بتوضيح سبب إحتياج الولايات المتحدة وحلفائها إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو” للتجارة لمحاربة العدوان الاقتصادي الصيني، و أنهم يقترحون بتسميته منظمة التجارة المتحالفة ديمقراطيا أو “داتو”.
لذلك فمن المنطقي أن تعيد البلدان التفكير في علاقاتها مع الصين. على سبيل المثال، يعمل رئيس الوزراء الهندي مودي على صنع خطة لتقليل اعتماد الهند على الصين، من خلال حملة جديدة تنص على “الإعتماد الذاتي”. وقالت الولايات المتحدة أيضًا إنها تجري محادثات مع دول صديقة مثل الهند لإعادة هيكلة خطوط التوريد العالمية، من أجل أن تحول دون الاعتماد على الصين، كما كان الحال خلال أزمة كوفيد-19. كما أن فرنسا تتطلع إلى إعادة قطاعات الإنتاج الرئيسية لكي تعمل في فرنسا -بدءاً من الأدوية إلى المكونات الإلكترونية – من اجل عدم ترك الصين في مقعد القيادة بعد الآن. وأخيرًا، ما يكفي من الأهمية هو أن 16% من الشركات الأمريكية قالت بالفعل إنها تنوي نقل جزء أو إنتاجها بالكامل خارج الصين بعد هذا الوباء.
ربما تكون الصين قد بالغت في لعب دورها على المسرح العالمي في هذه الأزمة الأخيرة غير المسبوقة. فبعد جائحة فيروس كورونا ودور الصين الشيوعية، نأمل أن يدرك المجتمع الدولي الآن الطبيعة الشريرة لهذا النظام الشيوعي. وحتى الآن، ظهرت بعض بوادر الأمل فيما يتعلق بتغير الأوضاع في مواجهة الصين.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن.
اقرأ أيضا:
بسبب فيروس كورونا.. دول ومنظمات وأفراد قد يجرون الصين إلى أروقة المحاكم
ممارسات الصين في العالم تكشف عن تخبّط كبير: معركتها خاسرة