أخبار الآن | عمان – الأردن (مقال رأي)

بقلق شديد يترقب العرب والفلسطينيون سيناريوهات مختلفة تتعلق بمستقبل الأراضي الفلسطينية ليس أسوأها انهيار عملية السلام بل قد تجد المنطقة نفسها في خضم فوضى لا يمكن السيطرة عليها بينما العالم منشغل بتداعيات جائحة كورونا.

موعد القرار الإسرائيلي بضم الضفة الغربية هو الأول من شهر يوليو حسب اتفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو وشريكه في الائتلاف بيني غانتز. في ذلك الموعد سيضع نتانياهو أمام مجلس الوزراء قرار الضم فإن لم يتم التوافق عليه سيذهب به إلى الكنيست حيث هناك أغلبية ستوافق عليه.

يبدو نتانياهو راغبا ومستعجلا للاستفادة من الانشغال العالمي والعربي بجائحة كورونا ولكن هل سيفعل ذلك أم ينصت لنصائح أصدقاء إسرائيل وهو المعروف عنه الحذر؟

قد يتريث نتانياهو في إعلان الضم الذي يشكل مسألة سياسية ورمزية فالأراضي كلها في قبضة إسرائيل ولا أحد يمنعها من القيام باي شيء في أي مكان في جميع أنحاء الضفة الغربية والأغوار والقدس. ولهذا كانت فكرة الضم التي هي في صلب التفكير الصهيوني مادة انتخابية لجذب الناخبين وإغوائهم لأن فوز نتانياهو سيعفيه من المحاكمة بتهم الفساد التي تغمره.

هناك أيضا الخشية من تدهور علاقات إسرائيل إلى درجات دنيا جديدة مع كل من الأردن ومصر اللتين ترتبطان مع إسرائيل بمعاهدتي سلام ولن يكون في صالح نتانياهو أو حكومته أن تتدهور العلاقات مع هاتين الدولتين أكثر مما هي عليه الآن.

قد يؤدي الضم إلى انفجار الفلسطينيين تحت الاحتلال في انتفاضة ثالثة وهذه المرة لا يملك الفلسطينيون ما يخسرونه فتكون الانتفاضة مختلفة تماما وذات تأثيرات غير متوقعة وقد تصل الأمور إلى مستويات تخرج عن السيطرة.

في العادة لا تحسب إسرائيل حسابا لاحد عند اتخاذ قراراتها ولكن هذه المرة قد ترغب في تجنب وقوع أزمة كبيرة. ولكن من أجل أن يظهر نتانياهو بمظهر الوفي لوعوده الانتخابية فقد يتخذ إجراءات رمزية مثل فرض السيادة الإسرائيلية على بعض المستوطنات ويرجىء الضم الكامل إلى مرحلة تالية عند استقرار الرئاسة الأمريكية بعد الانتخابات. وهذه الانتخابات هي عامل إضافي مهم قد يؤجل القرار الذي سيحرج الإدارة الأمريكية مع حلفائها العرب وسيربك علاقته بهم في وقت حرج جدا.

بطبيعة الحال لا يمكن لإسرائيل القيام بخطوة كبيرة مثل هذه بدون مباركة الولايات المتحدة التي تبدو موافقة بحسب خطة ترامب للسلام التي عرفت باسم صفقة القرن ولكن هناك معطيات جديدة تفرض على واشنطن التريث وعدم الاندفاع خصوصا أن خطة ترامب تتطلب أيضا موافقة عربية وفلسطينية حسبما يرى ترامب نفسه.

ولأجل أن تخرج الولايات المتحدة من الأزمة المحتملة أرسلت وزير خارجيتها إلى إسرائيل في الأسبوع الماضي ليعلن أن مسألة الضم أو عدم الضم تعود لإسرائيل. وقد يكون هذا التصريح هو كلمة السر لإرجاء القرار لكن واشنطن تريد للإرجاء أن يكون إسرائيليا حتى لا تحرج حليفها بالضغط عليه لتظهره بمظهر من يريد إنقاذ السلام والمنطقة.

وقد سربت الصحافة الإسرائيلية والأمريكية معلومات عن اتفاق نتانياهو وشريكه غانتز مع واشنطن على عدم اتخاذ قرار الضم حتى لا يتسبب ذلك في إحراج الإدارة الأمريكية فالتوقيت الحالي لا يبدو مناسبا لها وهي الغارقة في أزمة الكورونا والتوتر الداخلي الشديد بشأنها خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. لذلك لا يبدو ترامب قادرا على التعامل مع تداعيات قرار الضم إن حدث قبل إعادة انتخابه. المعضلة هي أن إسرائيل تريد استغلال وجود ترامب وترامب لا يريد أن ينشغل الآن بما هو اهم من إعادة انتخابه خصوصا وأن أسهم منافسه الديمقراطي جون بايدن بدأت تصعد.

فإذا فاز ترامب سيكون ذلك قوة لتحالفه مع نتانياهو فيسمح باتخاذ قرار الضم ومواجهة تداعياته ونتائجه. فإسرائيل على الدوام تعتمد على التأييد الأمريكي وهي في هذا القرار في أمس الحاجة لهذا الاعتماد ولذلك لن يستطيع الطرفان التضحية بهذه العلاقة المتبادلة لأجل قرار يمكن تأجيله.

هناك من أنصار إسرائيل ومؤيديها من ينصحونها بعد اتخاذ قرار الضم أو على الأقل بتأجيله ويرون أن الوقت غير مناسب لإغضاب ترامب وإثارة حنق الديمقراطيين وخلق مشكلات مع الأردن ومصر وتفجير انتفاضة فلسطينية هي آخر ما تريده إسرائيل الآن. الأمر الأهم الذي يشير إليه أنصار إسرائيل لإقناعها بعدم الضم هو لفت انتباهها إلى أنها ليست بحاجة لكي تضم إلى مواطنيها مئات الألوف من الفلسطينيين الذين سيصبحون مواطنين إسرائيليين في حال ضم الضفة الغربية.

أما موقف المرشح الديمقراطي جو بايدن فهو واضح تماما. قال في خطاب أمام منظمة أيباك وهي أهم منظمة صهيونية في الولايات المتحدة أن على إسرائيل أن توقف التهديد بالضم والاستيطان. وهذا تفسيره أن بايدن يعارض خطة ترامب وإذا ما فاز سيكون هناك حديث آخر.

اخذ نتانياهو كل ما يريد وأكثر من ترامب: من اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها بالإضافة إلى دعم لا محدود في الميدان السياسي. وفي حال تعنت نتانياهو واتخذ قرار الضم فإن الإدارة الديمقراطية القادمة في حال فوز بايدن قد لا تستطيع إجبار إسرائيل على إلغاء القرار ولذلك فالمراهنة هي على فوز بايدن الذي يبدو محتملا في ظل ما تعانيه إدارة ترامب من تخبط وإخفاقات في ضبط إدارة أزمة الكورونا.

ربما أخطر ما سيؤدي إليه الضم في حال حدوثه هو اضطراب علاقات إسرائيل مع الأردن. تحدث الملك عبد الله الثاني عن الأمر في مجلة دير شبيغل الألمانية لكنه لم يفصح عن الخطوات الأردنية المحتملة لكن الواضح من حديثه أن النتائج ستكون قاسية على علاقات الأردن مع إسرائيل.

الجانب العربي مصر على عملية السلام وعلى أن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على كامل حدود عام 1967 هو الحل المنطقي الوحيد والمقبول عربيا وفلسطينيا. ولكن إذا ما تم ضم الضفة والأغوار بعد ضم القدس وبناء مئات المستوطنات وإحكام السيطرة على غور الأردن هل يبقي مكان لإقامة الدولة الفلسطينية؟

إذا تم الضم فسيكون المسمار الأخير في نعش العملية السلمية وستغرق المنطقة في ظلام الفوضى والاضطراب وتتبخر إمكانات الحل السياسي وستضطرب علاقات إسرائيل بالدول العربية خصوصا التي تقيم معها سلام.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

المزيد:

مع جائحة كورونا داعش يحاول لفت الأنظار واسترداد نفوذه