أبو يونس الموريتاني ليس اسماً يتم تداوله كثيراً عندما يُذكر تنظيم القاعدة بالرغم من أنه شخصية تحتل مرتبة متقدمة في التنظيم بدءاً بدوره المحوري في تشكيل فرع القاعدة في المغرب العربي وانتهاءاً بتوليه العمليات الخارجية في التنظيم المركزي وتبنيه خطة “تدمير اقتصاد أوروبا” بتنفيذ هجمات مثل تلك التي شهدتها مومباي، ومدريد، ولندن.
أبو يونس كان عضواً في مجلس شورى القاعدة المصغر، الأقرب إلى القيادة العليا، حتى اعتقاله في 2011 في كويتا بباكستان. تم ترحيله لاحقاً إلى موريتانيا في 2013.
الأسبوع الماضي، نشر موقع الأخبار الموريتاني تفاصيل أدلى بها الرجل عن الهيكلية الإدارية لتنظيم القاعدة بعد أسامة بن لادن، بما في ذلك تحديد مهام الأجهزة المختلفة وأسماء القيادات المشرفة عليها. أن تأتي هذه التفاصيل على هذا النحو من رجل كان يحتل موقعاً متقدماً في التنظيم أمر بالغ الأهمية. من ناحية، تكتسب هذه التفاصيل مصداقية تساعد في تعقب تحركات قيادات القاعدة واقتناصهم وتعطيل مخططاتهم. ومن ناحية أخرى، تدل هذه التفاصيل على مدى تعاون الرجل مع السلطات الموريتانية خاصة وأنه يقيم في “بيت للضيافة” وليس سجن أو معتقل. فما الذي يدفعه للتعاون على هذا النحو؟ هل أجرى تراجعات فكرية على غرار ما قام به أبو حفص الموريتاني وغيره من قياديي القاعدة الذي وصلوا إلى قناعة في نهاية الأمر بأن “القاعدة” التي انضموا إليها ليست هي ذاتها التي يرونها اليوم. هل كان لظهور داعش والخطط الخفية بين داعش والقاعدة وحتى تناحرهما أثر في تحول الرجل؟ ربما.
يلفت فيما قال الموريتاني أمران. الأول أن القيادات التي عدّها لم يكن بينها باكستانيون. بالعكس، في إحدى فقرات المادة المكتوبة جاء أن بعض المهام لا يطلع عليها إلا قادة الجناح الباكستاني “لحساسيته.” أن يسقط ذكرهم سهواً و قصداً مؤشر على الشرخ الذي بدأنا نلحظه في باكستان بين المقاتلين المحليين ومقاتلي القاعدة الوافدين أو العرب. قبل أشهر، قال لي صحفي تحدث إلى عناصر من القاعدة في بيشاور إن الباكستانيين لم يعودوا يرحبون بالعرب. وربما لضيق العيش هذا أراد الظواهري الانسحاب من باكستان/أفغانستان وإيجاد قاعدة له في الهند.
الأمر الثاني اللافت هو فقرة تتحدث عن “لجنة العمليات” وهي لجنة متخصصة في الهجمات الانتحارية وارتباطها بلجنة شرعية تحظر استهداف “المساجد والكنائس ودور العبادة والتجمعات العامة والأسواق وإشارات المرور ومواقف السيارات.” بالنظر إلى هجمات القاعدة في باكستان وخارجها، لا تبدو هذه العبارة صحيحة. فالمدنيون مستهدفون دائماً في أسواقهم ودور عبادتهم. وهذا معناه عدم انصياع الأفراد للقيادات على نحو باتت الأصول تفقد سيطرتها على الفروع. يعني ذلك أيضاً أن مثل هذه اللجان وجدت لتضليل “المجندين” الجدد أو المحتملين بأن القاعدة تهدف إلى صلاح وإصلاح. أبو حفص الموريتاني، مفتي القاعدة سابقاً، انسحب من التنظيم إدراكاً منه أن التنظيم لم يراعِ الشرع خاصة بتنفيذ هجمات نيويورك. ما يقوله أبو يونس اليوم يعزز ذات المسألة.